عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 2010-10-12, 07:50 PM
طالب عفو ربي طالب عفو ربي غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-02-28
المشاركات: 716
افتراضي المقدمة

المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فلقد كان بحمد الله لمقالي الذي نشرته منذ أربعة أعوام حول تصحيح مفهوم تاريخي أثر طيب، عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأنه لا علاقة للوهابية الرستمية بالدعوة السلفية التي جددها الشيخ محمد رحمه الله.
وقد كانت مبادرة من أستاذ كريم بإحدى جامعات المغرب الشقيق طالباً المزيد من التفصيل لذلك الموضوع.
وهذه الرسالة الموجزة ما هي إلا استجابة لمطلبه، وتوضيحاً لمكانة قادة وعلماء المغرب من الرغبة الأكيدة بالدفاع عن هذا الدين، وتحرى الأصوب فيما يتجهون إليه.
وقد حاولت أن تكون وجهة النظر التي أطرح في هذا البحث مستندة على مصدر معتمد في نقل الأحداث. وقد حققت الطبعة الأولى من هذا الكتاب تجاوباً حسناً، ورغبة في استجلاء الحقيقة التي حرصت على تجليتها خدمة للعلم، وأداء للأمانة، وتأليفاً للقلوب في مسيرة الإسلام الخيرة التي رسم معالمها سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً وتوفي بعد أن ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. كما قال صلى الله عليه وسلم وهأنذا أقدم للقارئ الكريم الطبعة الثانية مزادة ومنقحة جعل الله الحق رائدنا، والحقيقة منطلقنا، والألفة تجمعنا، والجنة مستقرنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

محمد الشويعر
الرياض في 15/5/1409هـ

تمهيد
إذ كان المثل يقول الناس أعداء ما جهلوا ... فإن بعض الناس أيضاً أعداء ما خالف شهواتهم و تعارض مع مصالحهم الشخصية .

و الحكم الفصل فيما يجب أن ينطلق منه الفرد في رأيه و حكمه هو عرض الأمور على مصدر التشريع السماوي الذي لا يأتيه الباطل و لا يتطرق إليه الشك .

و المسلمون في كل مكان مأمورون قبل انطلاقهم نحو وجهة نظر معينة في أمور العقيدة و كل ما له صلة بالدين و قبل القدح أو المدح أن يرجعوا لمصدري التشريع في دينهم و هما :
كتاب الله و سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
فمن أتى بشيء يخالفهما نبذ و من سار وفقهما قولاً و عملاً أيد و نصر .

هذا حكم فيما يجب أن يكون عليه الفرد المسلم و هو الوعي و الإدراك و التحليل و التأكيد بحيث لا يكون إمعة ينقل صدى الآخرين و يستغله أعداء دين الإسلام و هو لا يدري .
و قصة بني المصطلق التي نزل بشأنها قرآن يتلى حيث يقول جل و علا { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعتم نادمين } (1) فيها درس عملي للفئة المؤمنة التي تحرص على دينها و علاقاتها بإخوانها المؤمنين بأن تتوثق من كل إشاعة ترمي إلى خلخلة الصف و بذر الشحناء و إتاحة الفرصة للفرقة .

فما اكثر الأعداء الذين يحاولون الغرر بالمسلمين و إيجاد مبررات التخاذل لمباعدتهم عن حقيقة الإسلام و صفاءه و إدخال أشياء على المسلمين في دينهم هي من جذور طقوس الديانة اليهودية و النصرانية التي أفسدت حقيقة تلك الديانات السماوية من قبل بما دخلها من تبديل في محاولة دؤوبة لبثها في صفوف المسلمين عن طريق بعض عبادهم و علمائهم .
و هدفهم من هذا أن يتساووا معهم في المعصية و المخالفة ليسهل بذلك النفاذ إلى المجتمع ثم عن هذا الطريق إدخال أشياء تباعد المسلمين عن الإسلام و مع الزمن و التساهل تتسع الشقة و يكثر البعد فيصبح الإسلام غريباً على أبنائه .

يروى عن سفيان الثوري ( 97 – 161 هـ ) رحمه الله أنه قال: "من فسد من علماء المسلمين ففيه شبه باليهود الذين معهم علم و لم يعملوا به و من فسد من عباد المسلمين ففيه شبه بالنصارى الذين يعبدون الله على جهل و ضلال" نسأل الله السلامة و العافية (2) .

و من هنا جاءت نقاوة الإسلام في التشريع و صفاؤه في العقيدة وسطاً في العمل ووسطاً في القول ووسطاً في الاعتقاد و قمة في العلاقة مع الله و قد جعل الله أمة الإسلام وسطاً بين الأمم في كل شئ قال تعالى { و كذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيداً } (3)

فأمة الإسلام وسط بين رهبانية النصارى و غلوهم في عيسى عليه السلام اعتقادا و في عبادتهم بالضلال و الجهل و اتباعهم لرجال الكنيسة بدون فهم أو مناقشة .
و بين تحايل اليهود و كذبهم و ادعائهم على الله جل و علا و أنبيائه عليهم السلام بما تصف ألسنتهم و تعمدهم الضلال و الإضلال و إخفائه للحقائق العلمية و العقيدة في الديانة التي جاءتهم من عند الله على ألسنة الأنبياء و الرسل من باب الإفساد و المخالفة .

و التاريخ الإسلامي يشير إلى أن الجهل فشي في المجتمعات الإسلامية في نهاية الخلافة العباسية بعد ما كثرت العجمة و قل العلم و تأثر الناس بفلسفة الرومان و علوم فارس و الهند .

و قبل ذلك و في أثناءه كان التأثر في أطراف الدولة أكثر حيث نشأت فرق كثيرة لها معتقدات متباينة و نماذج شتى في الاتجاه و الهدف وضع بذورها اليهودي عبد الله بن سبأ الذي أسلم مخادعة حتى وجد فرصة ملائمة لبث روح الفرقة بين المسلمين في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه .
و نشأت أول فرقة باسم الفرقة السبأية و هو الذي أسسها.

و قد تحدثت بعض الكتب كالملل و النحل للشهرستاني و الفصل في الملل و الأهواء و النحل لابن حزم و شيخ الإسلام ابن تيميه في فتاواه و كتبه عن تلك الفرق و معتقداتها و كيفية نشأتها و ما تخالف فيه أهل السنة و الجماعة .
و يمتاز ابن تيميه رحمه الله بالرد على بعض تلك الفرق و التنويه عن معتقدات أصحابها و أعمال البعض الآخر .

و من يتبع الحركات الفكرية و العقيدة الإسلامية في العالم الإسلامي منذ ذلك التاريخ يلمس هذا جيداً حيث برز الصراع الفكري في المجتمع على أعقاب تعلق بعض المسلمين بفلسفة اليونان و علوم فارس و الهند .
و المجتمع الإسلامي لا يعدم وجود أناس يدركون ما تنطوي عليه تلك الأفكار و ما يندس في ثناياها من معتقدات وافدة على عقيدة الإسلام الصحيحة النقية فيصححون لمن حولهم ما أدخل في بيئتهم و ما يراد لعقيدتهم لأن جميع الملل و النحل في الأرض تريد أن تضل المسلمين عن دينهم الحق إن استطاعوا. قال تعالى { و لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا } (4) .

و هذه حكمة أرادها الله في صراع الحق بالباطل لتسترشد العقول و تتفهم الأفئدة فيرجع للصواب من الله به خيراً لأن الحق واضح بالدليل النقلي و العقلي .
و هذا جزء من مهمات الدعوة و التوضيح التي حمل بها بنوا إسرائيل و تخلوا عنها عناداً و مكابرة فكان لزاماً على علماء المسلمين العارفين الخائفين من عقاب الله و نقمته الأنبراء لدعوة الناس إلى المنهج المحمدي في العقيدة و العبادة و تصحيح المفاهيم العقدية حسبما أمر الله في كتابه و دعا إليه نبيه الكريم ثم ما سار عليه أصحابه و من تبعهم بإحسان امتثالاً و تطبيقاً .
و لا تعدم كل دعوة سليمة و صحيحة في كل زمان و مكان و جود أعداء و خصوم إما عن جهل أو لتعصب شخصي أو لمآرب خاصة و مصالح ذاتية " فالهوى يعمي و يصم " فيحرك تلك النوازع أمثال هؤلاء ليشهروا السلاح في وجه الإسلام علانية أو بالاستتار فيلصقوا التهم ضد الدعاة المخلصين و يستعينوا بالكذب و الافتراء لبلبلة الأفكار ثم بوضع الألقاب المنفرة لنزع الثقة من هؤلاء الدعاة حتى يعمي الأمر على الغالبية العظمى من الناس و هم العامة الذين لا يقرؤون و لا يبحثون .

و دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية التصحيحية التي نبعت من وسط الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر في وقت كان المسلمون - لا في الجزيرة العربية وحدها بل في كل مكان أحوج ما يكونون إليها لإنقاذهم من الجهل الذي ران عليهم و تصحيح مفاهيمهم في أمور العقيدة و العبادات التي أشدها الجهل بأمور الدين و الإقتداء بعلماء يجهلون أمور دينهم كما أخبر بذلك الصادق المصدوق فيما يخشاه على أمته من العلماء المضلين الذين يفتون بغير ما أنزل الله فيضلون و يضلون في قوله الكريم " إن الله لا ينزع العلم بعد ما أعطاكموه انتزاعاً و لكن ينتزعه مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال فيستفتون فيفتون برأيهم فيضلون و يضلون " (5) .

فقد جاءت دعوة الشيخ محمد لإزالة ما علق بتعاليم الإسلام من شوائب و تصحيح ما أدخل على التوحيد و خاصة توحيد الألوهية و توحيد الأسماء و الصفات من مشاركة للمخلوق مع الخالق في صرف ما هو لله جل و علا مقروناً بالمخلوق في العمل و الاعتقاد و تعطيل أسماء الله و صفاته جل و علا أو نفيها و السير خلف تأويلات ما أنزل الله بها من سلطان .

فصار التوحيد بأقسامه الثلاثة : الربوبية و الألوهية و الأسماء و الصفات مشوباً بما يكدره حيث دخل عليها في المعتقد ما يصرفها عن حقيقتها نظراً للتأثر بالمعتقدات البعيدة عن المنهج الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم الإقتداء بأصحابها بعد أن بهرهم القول و أعجبهم المظاهر و الدعوات لأمثال من قال الله فيهم { و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و يشهد الله على ما في قلبه و هو ألد الخصام و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد } (6) .
وما ذلك إلا لأن النفوس خليت من القاعدة المكينة و هو العلم و الإدراك بما شرع الله لخلقه و معرفة الحكمة من إيجادهم للحياة .
لقد نشأ عن ذلك الضعف العلمي و نقص في الإدراك و تقليد للأمم الغلبة و المؤثرة فكثرت الطرق الصوفية التي بدأت برغبة دينية و حرص على التبتل و المحافظة على الإسلام فكانت بدايتها طيبة و هدفها نبيل .

إلا أن الجهل و رغبة التوارث لهذه المكانة الاجتماعية التي جاءت باسم المنصب الديني قد جاء برجال لا علم عندهم و لا قدرة لديهم في فهم رأي الشريعة الإسلامية في كثير من الأمور و هذا ما كان يخشاه صلى الله عليه وسلم على أمته .

ومن ينظر في إزالة الحجب و رفع التكاليف و أعمال المريدين و الأقطاب عند الطرق الصوفية و يربط هذا بالغفران لدى النصارى و مكانة أصحاب الألقاب في الكنيسة و طقوس الميلاد و صكوك الغفران يرى أن أحدهما استمد من الآخر في هذه الجوانب و في جوانب أخرى .

و لكي يعود للإسلام نقاوته و صفاؤه من كل شوائب دخيلة عن جهل أو تقليد سواء من الديانة اليهودية أو النصرانية أو من جذور الجاهلية فإنه لابد من الامتثال لأمر الله جل و علا في مثل قوله سبحانه { و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى و لئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي و لا نصير } (7) .
و إن علماء المسلمين العارفين بأمور دينهم فهماً حقيقياً لهم الذين عليهم دور التوضيح و الإرشاد و التوجيه و التبيين حسبما يأمرهم بهذا مصدر التشريع في الإسلام كتاب الله و سنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم الصحيحة الثابتة التي خدمنا فيها علماء الحديث المعروفون .
و هذا ما يجب أن يعيه كل داعيه و يهتم به كل عالم من علماء المسلمين .

و في تاريخ الدعاة و المصلحين صفحات مشرقة نتيجة اهتمامهم و انطلاقهم في دعوة الناس من ذلك النبع الصافي الفياض و المعين الزاخر الذي لا ينضب .

و الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله واحد من ذلك الجيش الذي انتهج طريقاً يتفق مع رسالة الصفوة الأولى من التابعين و اتباعهم بإحسان للإصلاح و العم فقد أدرك ما يعيش فيه مجتمعه من صوفية متطرفة رغم وفرة العلماء و ما سار عليه أبناء جلدته من تعلق بالقبور التي لا تنفع و لا تضر و تبرك بالأحجار الجامدة ووضع الكلام في غير محله .

فكان الناس يتعقلون بتلك الجمادات طلباً للنفع أو دفعاً للضر و نسوا أن الله هو النافع الضار القادر على كل شئ و إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم .

لقد شق هذا الأمر عليه لما فيه من جرأة على الخالق بصرف القلب و العمل إلى غيره مع أنه هو المنعم و المتفضل سبحانه بكل شئ .

و يمكن وصف حالة المجتمع الإسلامي في كل مكان ذلك الوقت و ليس في نجد وحدها بما قاله المؤرخ الأمريكي لوثروب ستودارد بمثل هذه الكلمات " أما الذين غشيته غاشية سوداء فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة سجفاً من الخرافات و قشور الصوفية و خلت المساجد من أرباب الصلوات و كثر عدد الأدعياء الجهلاء و طوائف الفقراء و المساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التعاويذ و يوهمون الناس بالأباطيل و الشبهات و يرغبون في الحج إلى قبور الأولياء و زينوا للناس الشفاعة من فناء القبور و غابت عن الناس فضائل القرآن فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر و رأى من كان يدعي الإسلام لغضب " .

هذه – كما قال الشيخ عبد الله خياط إمام و خطيب الحرم المكي الشريف – شهادة حق من عدو منصف لم يعرف عنه الدخول في الإسلام يصف واقع الإسلام و المجتمع الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري و ما وصل إليه من الانحطاط و التدني (8)

و يقول الأمير شكيب أرسلان عن هذا المؤرخ : لو أن فيلسوفاً من فلاسفة الإسلام أراد تشخيص حالة الإسلام في هذه القرون الأخيرة ما أمكنه يصيب المحز و يطبق المفصل , تطبيق هذا الكاتب الأمريكي استودارد .

و نجد و الجزيرة العربية لم تكن تختلف عن ديار الإسلام في ذلك الوقت فقد تغلب الباطل على الحق في أكثر ديار الإسلام و كثرت البدع و الخرافات فالعلماء موجودون و لكنهم لا يرشدون الناس للطريق الأقوم بل أضلوهم و أفسدوا عقائدهم.

و قد ذكر المؤرخان النجديان : حسين بن غنام الإحسائي ثم النجدي المتوفى عام 1225 هـ , و عثمان بن بشر المتوفى عام 1290 هـ , نماذج مما آلت إليه حالة الناس في العقيدة و العبادة في البلاد الإسلامية و العربية و في نجد بصفة خاصة باعتبارهما يعرفان عن كثب و عرفا واقع الناس و ما هم فيه .

فابن غنام عاصر الدعوة من بدايتها و أدرك دور الشيخ محمد و مكانته في نقل الناس من حال إلى حال و تفانيه في سبيل الدعوة . قد أحب هذه الدعوة و أرخ لها و انتقل من أجلها من بلدة الأحساء و سكن الدرعية , حيث توفي بها , نراه في كتابه التاريخي يصف البلاد العربية عامة و نجد بصفة خاصة و يضرب الأمثال بانحراف الناس إلى الوثنية بقبر زيد بن الخطاب الذي كان عليه قبة وله مزار في بلدة الجبيلة قرب الرياض إلى جانب قبور و قباب أخرى لبعض الصحابة الذين قتلوا في حروب الردة ثم ذكر ما كان يعتنق الناس عندها من الشرك بالله من دعاء و نذور و تبرك و توسل من دون الله و لم يقتصر الأمر على القبور بل تعداها إلى الشجر و الحجر و الشياطين (9).

و نأخذ من تاريخ ابن غنام الذي عاصر الأحداث و سجلها فكرة و من تاريخ خلفه ابن بشر الذي أدرك كثيراً من مجريات الأحداث بأن نجداً قد نالها ما نالها من بلاد الإسلام من الانحراف و التدهور العقدي (10) , الذي يحركه أصحاب المصالح و مشايخ الطرق .

و من هنا بدأت غيرة الشيخ محمد و تحركت همته للدعوة أداء لرسالة المعرفة و تنفيذاً لما يأمره به العلم حيث رأى أن العلم لا بد أن يقترن بالعمل و أن الأمانة توضيح ما خفي على الناس و ما يجب عليهم عمله و يتحتم عليه تركه من أمور هي من الإسلام تركت و أشياء أدخلت عليه و سارت في حياة الناس على أنها من مستلزمات العقيدة أو جزء من أوامر الدين و هم لا يدركون الحقيقة .

ذلك أن العلماء المنتفعون أو الجهلة المتعالون و رجال الطرق الصوفية قد لبسوا الأمر و أفسدوا المعتقدات و صرفوا الناس عن الفهم الحقيقي لشرائع الإسلام و وجهوهم إلى ما يحلوا لهم في المكتسب الدنيوي و الاستعلاء في السيادة .

فكان يقيناً أن تلقى هذه الدعوة التصحيحية السلفية جحوداً و نكراناً من المقربين العارفين و توجساً و خيفة من الآخرين المتطلعين و عداء من الخصوم و أرباب المصالح .

و من هنا بدأت الاتهامات تتوافد و السهام تشرع و الأفكار تعمل لحبك الأكاذيب و اختراع الألقاب المنفرة .

و هذا شئ ينتظر في كل أمر جديد و فكر مناهض لما ألفه الناس و ساروا عليه قولاً، و عملاً فقديماً قال عرب الجاهلية للنبي صلى الله عليه وسلم " إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون " (11) .

لكنه غير مقبول بعد انتهاء فترة الاختبار و ظهور الحجة الساطعة بعد البلوى و الامتحان و بعد النقاش و الحوار و المداولة و المجادلة .

فقد أثبتت المراسلات الهادئة و الكتابات الهادفة و آراء العلماء المتزنين الذين حاوروا في مكة مجموعة من علماء الدعوة بأن الإمام سعود بن عبد العزيز الذي سار على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم ينتهج أمراً بدعاً و لم يخالف في دعوته ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و أن الشيخ محمداً لم يستدل في كتبه بغير الآيات القرآنية الكريمات و الأحاديث النبوية الصحيحة حسبما دار من حوله بين علماء مكة و علماء نجد ذلك الوقت و بين ابن سعود و علماء نجد من جانب و علماء المغرب من جانب آخر عام 1226 هـ كما رصد ذلك في تاريخ المغرب (12) .

و سوف أستعرض في هذا البحث أسماء بعض العلماء من نجد الذين ناوؤوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و خرجوا من نجد يحملون العداء للدعوة و الكذب عليها و تشويهها أمام المسلمين فاقتنع بكلامهم و دعواهم البعيدون و تأثروا بمقالاتهم بينما لم يعرفوا عن الدعوة شيئاً من غير هذا الجانب و لم يدركوا سبب الافتراء عليها و مبررات الكذب و البهتان ضد الشيخ محمد و دعوته.

و قد نلتمس لبعض العلماء في ديار الإسلام عذراً إذ جاءهم أناس من أبناء المنطقة يجأرون إليهم و يصفون الدعوة بنعوت قد توافق أهواء في النفوس أثار بعضها أصحاب المصالح من الدول الاستعمارية و يحرك ذلك ما عرف لدى العلماء من حسد و تناحر و تعصب واختلاف .

كما دفعني للحديث في هذا الموضوع : كتاب فقهي قديم على مذهب الإمام مالك له رغبة كبيرة في نفوس إخواننا المغاربة و قد طبع حديثاً في بيروت عن طريق دار الغرب الإسلامي اسم الكتاب " المعيار المعرب و الجامع المغرب عن فتاوى علماء أفريقيا و الأندلس و المغرب ". و المؤلف هو : احمد بن يحيى الونشريسي. وقد نشرته دار الغرب الإسلامي في بيروت عام 1401 هـ , 1981 هـ .

لقد لفت نظري ما رأيت في الجزء 11 ص 168 تحت عنوان سؤال جاء العبارة : كيف يعامل معتنقوا المذهب الوهابي ؟؟!!

و هو سؤال ملفت للنظر و مثير للانتباه خاصة و أن دعوة السيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الإصلاحية التجديدية المصححة لأمور العقيدة الإسلامية مما داخلها قد كادت لا تعرف إلا بهذا الاسم الذي أطلقه أعداؤها على هذه الدعوة و من يتعاطف معها أو يسير على منوالها حتى و لو كان لا يعرف من هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب و لا أين قامت دعوته ؟؟!!

هذا الاصطلاح جاء من باب التنفير حيث حركت ذلك اللقب و دعت إليه بعض الطرق الصوفية و مصالحها أو الرغبة في تفكيك المسلمين و مباعدتهم عن دينهم الحقيقي حسب منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم و خلفائه الراشدين .

فوافق ذلك هوى في نفوس أعداء الدين الإسلامي الحريصين على تفكيك وحدة المسلمين و تفتيت ما بين أبناء الإسلام من أواصر و محبة يدعو إليها دينهم و تهتم بها تعاليمه :
{ إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم و اتقوا الله لعلكم ترحمون . يآيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم } (13) .
" مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى و السهر " (14) .
و ما ذلك إلا لإذكاء روح التناحر و البغضاء في صفوف المسلمين لأنهم أدركوا تأثير الكلمة فيما يتعلق بأمور الدين من جهة و من أخرى فلأن نسبة الأمية آنذاك في العالم الإسلامي عالية جداً فالناس لا يقرؤون ليعرفوا و لا يفهمون إلا ما يقال لهم عن طريق أناس نصبوا من أنفسهم علماء و هم أدعياء للعلم حيث توجههم السلطات و يرون أن ما خرج عن هؤلاء يجب أن يعتقده الناس رغم و جود أصوات تنادي بالحق و تدعوا إليه بسطاً و توجيهاً ولكن عينهم بصيرة و يدهم قصيرة كما يقال .

و قد ذكر الشيخ عبد الله عبد الغني خياط إمام و خطيب الحرم المكي الشريف في لمحاته التي تصدر كل ثلاثاء في جريدة عكاظ بأن الأستاذ احمد علي الكاظمي قد أورد في كتاب ألفه كلمة قصيرة عن ضابط بريطاني اسمه " هارفورد برايجس " كان يقيم في العراق كوكيل سياسي من سنة 1199 هـ إلى سنة 1209 هـ و كان يعاصر الإمام محمد و كانت له صلات مع الأمير سعود بن عبد العزيز – الذي أصبح فيما بعد الحاكم الثالث للدولة السعودية الأولى بعد أن تولى الأمر بعد مقتل والده عام 1218 هـ - و لهذا الضابط تاريخ موجز عن الوهابية – و نص الكلمة كالآتي : " لقد أشاع الباب العالي أن ابن سعود كان يمنع الناس من زيارة المدينة المنورة و لكن الصحيح أنه كان يمنع الناس من ارتكاب أعمال الشرك أمام الروضة كما منع الناس من عبادة الأولياء " .

و قد ظن البسطاء اعتماداً على قول أصحاب النفوذ من ولاة و غيرهم أن الوهابية أو دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية – كفر و أن من يسير عليها إنما هو كافر .

و لكن الصحيح الذي عرفه كل من اهتم بدراسة ذلك المعتقد أن الشيخ محمد وأتباعه يسيرون على نهج الكتاب و السنة في الأصول .

أما في الفقه – و هو الاتجاه المذهبي – فوفق الفقه الحنبلي و ليسوا مذهباً خامساً كما أطلقوا عليهم من باب التنفير لدى العامة و الفقه الحنبلي قد انتقل إلى نجد قبل ولادة الشيخ محمد بأكثر من قرن أتى به الدارسون في مدرسة الصالحية بدمشق و الدراسون في مصر و قبله كان السائد المالكي و الحنفي .

و قد صدق برخاردت في قوله : إن كل ما أشيع عن الوهابية سببه سوء فهم حقيقة الوهابية التي لم تكن إلا تطهيراً داخلياً للإسلام .

فهذه شهادة قررها من لا يتعرف بالإسلام كدين غير أنه منصف حكى الواقع الذي لا مرية فيه و قد قال بمثل هذا الرأي كل من : الأستاذ منح هارون في الرد على الكاتب الإنجليزي كونت ويلز و الباحث الأمريكي لوثروب ستودارد في كتاب " حاضر العالم الإسلامي " .

و المستشرق الألماني كارل بروكلمان في كتابه " تاريخ الشعوب الإسلامية " الذي تناول هذه الحركة بالدرس و التحليل في الجزء الرابع .
و المؤرخ الألماني داكوبورت فون ميكوس في كتابه " عبد العزيز " و صدر بألمانيا عام 1953 م .
و الأستاذ ديلفرد كانتول في كتابه "الإسلام في نظر الغرب" و قد ألفه جماعة من المستشرقين .
و العالم الفرنسي برنارد لويس في كتابه " العرب في التاريخ ".
و المستشرق النمساوي جولد زيهر في كتابه " العقيدة و الشريعة " .
و المستشرق الإنجليزي جب في كتابه " المحمدية " .
و المستشرق الفرنسي سيديو في كتابه " تاريخ العرب العام " .

و دائرة المعارف البريطانية التي جاء فيها " الوهابية اسم لحركة التطهير في الإسلام و الوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده و يهملون ما سواها و أعداء الوهابية هم أعداء للإسلام الصحيح " (15) .

أما في بعض ديار الإسلام فهناك أصوات منصفة مسلمة قالت الحق لأنه الحق الذي يجب إبلاغه للناس عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مثل :
- الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه " صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان".
- الشيخ محمود شكري الألوسي العراقي في كتاب ألفه عن تاريخ نجد .
- الشيخ أحمد بن سعيد البغدادي – العراقي في كتابه " نديم الأديب " .
الشيخ جمال الدين القاسمي , و الشيخ عبد الرازق البيطار , و الشيخ طاهر الجزائري , و الشيخ محمد كامل القصاب في أرض الشام حيث درسها هؤلاء فأعجبوا بها و رأوا أنها على حق و صواب فنشروها في المجتمع الشامي مما دفع السلطات العثمانية إلى إحالة عميد الحركة الشيخ جمال الدين القاسمي إلى القضاء في عام 1908 م و قد برأه القضاء.
هذا إلى جانب آراء كثير من العلماء مثل :
السيد محمد رشيد رضا في كتابه " محاورة المصلح و المقلد , و كتابه الآخر " الوهابيون و الحجاز " , و ما ينشره في مجلة المنار . و محمد كرد علي , و شكيب أرسلان , و فيليب حتى , و أمين سعيد , وعلي الطنطاوي , و الزركلي , و محمد جميل بيهم , و عمر أبو النصر , و عبد المتعال الصعيدي في " المجددون " , و حامد الفقي في " أثر الدعوة الوهابية " , و عبد العزيز بكر في " الأدب العربي و تاريخه " , و مصطفى الحفناوي , و الدكتور أحمد أمين في " زعماء الإصلاح , و محمد قاسم في " تاريخ أوروبا و مناع القطان في دعوة الإسلام " , و عبد الكريم الخطيب في " محمد بن عبد الوهاب " , و محمد ضياء الدين في مجلة الإرشاد الكويتية رجب عام 1373 هـ . و الدكتور محمد بن عبد الله ماضي " حاضر العالم الإسلامي " . و أحمد حسين في " مشاهداتي في جزيرة العرب " بعد أدى فريضة الحج عام 1948 م ( 1367 هـ ) . و العقاد في " الإسلام في القرن العشرين " , و طه حسين في بحث نشره عام 1354 هـ عن الحياة الأدبية في جزيرة العرب (16). و الشيخ أحمد بن حجر القاضي بقطر في كتابه " الشيخ محمد بن عبد الوهاب " , و مسعود الندوي في كتابه " مصطلح مظلوم و مفترى عليه " , و الدكتور محمد جميل غازي في كتابه " مجدد القرن الثاني عشر , و أمين سعيد في كتابه " سيرة الإمام محمد بن عبد الوهاب " , و مسلم الجهني في كتابه " أثر حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي " و غيرهم كثير جداً .

و إن ما يرى و يلمس عن تسمية الدعوة السلفية بالوهابية فهو مما أطلقه خصوم هذه الدعوة السلفية التصحيحية , التي نبعت من الجزيرة العربية غيرة على دين الله و لإزالة ما علق بتعاليم الإسلام من شوائب و ما أدخل على التوحيد من مشاركة للمخلوق مع الخالق في صرف ما هو له جل و علا مقروناً بالمخلوق و في هذا منافاة لمضمون الحديث القدسي الذي جاء فيه قول الله جل و علا " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته و شركه " (17).

و من باب ربط السبب بالمسبب و محاولة التصحيح لما علق بأذهان الناس عبر مدة زمنية طويلة نقول : إن أولئك الخصوم أعطوا هذه الدعوة اصطلاحاً في اللقب هو " الوهابية " من باب التنفير و التشويه و تلقفها من جاء بعدهم حيث إن أول من حرك ذلك الاصطلاح و دعي إليه أصحاب بعض الطرق الصوفية و الدراويش التي أخطأت هي في فهم الدين الإسلامي على نقاوته و كما يجب أن يفهم ليتعبد الناس به خالقهم كما أمروا بذلك لأن الإسلام لا رهبانية فيه .

و ما ذلك إلا أن بعض القائمين على تلك الطرق يحكمون الجانب الذاتي فلا يهتمون إلا بما يتوفر لهم من مصالح و مكاسب دنيوية يخشون ضياعها و نسوا أن تعاليم الإسلام و شرائعه أسمى من ذلك و أن إخلاص العمل يجب أن يراد به الله جل وعلا وحده .

و سلاحهم في الوصول لما يريدون : التضليل على العوام و التلبيس أمام السلطة و تخويفها من هذا الصوت الجديد على مصالحها من باب استعدائها عليه .

فتلقف ذلك أعداء الإسلام حيث لقي هوى في نفوسهم لحرصهم على تفكيك وحدة المسلمين و غرس بذور الشر بينهم لأنهم أدركوا ووعوا خطر ما ترمي إليه الدعوة الصحيحة لدين الإسلام و إذكاء الحماسة الدينية لدى المسلمين على مصالحهم و سيطرتهم على ديار الإسلام .

و هذا الموضوع و إن كان قد كتب الناس فيه كثيراً نسأل الله أن ينفع المسلمين بما كتب لهم و أن يعيد ضالهم إلى الطريق الأقوم فهو سبحانه القادر على ذلك .

إلا أن الذي لفت نظري و دفعني للحديث في هذا الجانب هو ما وجدته في ذلك الكتاب الفقهي القديم على مذهب الإمام مالك رحمه الله حيث أثار انتباهي كما قلت من قبل عنوان هذا السؤال : كيف يعامل معتنقوا المذهب الوهابي ؟؟!! (18)

و في قراءتي لنص السؤال و جدته كما يلي :

سئل اللخمي عن قوم من الوهبية سكنوا بين أظهر المسلمين زماناً و أظهروا الآن مذهبهم و بنوا مسجداً .. إلى آخر ما جاء في السؤال ... الذي ختمه بقوله : فهل لمن بسط الله يده في الأرض الإنكار عليهم و ضربهم و سجنهم حتى يتوبوا من ذلك ؟؟

و لما كان الجواب فيه قساوة وحدة و لم يفصل عن هذه الفرقة و ما إذا كانت نسبة إلى عبد الله بن وهب الراسبي الخارجي المتوفي عام 38 هـ في وقعة النهروان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه قد خرج عليه بعد التحكيم (19) أو نسبة إلى شئ آخر أياً كان زمانه و مكانه .

و أنه لم يشر فيه إلى شئ غير هذا بل إن أحد الاخوة من المغرب العربي قد فهم كما يتبادر للذهن لدى آخرين بأن المقصود من ذلك دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأن المعهود الذكرى يتغلب على ما يراد بحثه و استقصاؤه و مع هذا فإن صاحب هذا الفهم من ذوي العلم و المكانة حيث جرى معه حوار تراجع – بحمد الله – عن فهمه السابق بموجبه و هذه الرسالة استجابة لمطلبه .

و قد يعذر هو غيره لأن الهجوم منصب على هذه الدعوة من كل جانب و الدفاع عنها قليل و لأن هذه التسمية قد طغت و عمت و فتاوى علماء المغرب القديمة على الوهابية الرستمية الخارجية الأباضية تنفر الناس منها و تكفر أتباعها لما عرفوه عنها من مخالفة لأهل السنة و الجماعة إذ قد أفتى غير اللخمي علماء آخرون كالشيخ السيوري.

ومن هنا فقد أحببت التثبت أولاً عمن يعني السائل و المجيب ثم إزالة ما في الأمر من لبس و جلاء ذلك الاشتباه الذي قد أدركه كثير من الناس من باب أمانة العالم و توثيق المعلومات و لأن هذا اللبس قد امتدت بعض المفاهيم حوله و ألبست ثوباُ جاهزاً على دعوة سلفية تباين ذلك الاتجاه و تخالفه .
رد مع اقتباس