عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 2011-01-12, 03:54 PM
مجاهد مجاهد غير متواجد حالياً
عضو فعال
 
تاريخ التسجيل: 2007-07-23
المشاركات: 141
افتراضي

شبهات المنكرين للنسخ ودفعها
نستطيع أن ننوع المنكرين للنسخ أنواعا فنوع ينكر جوازه عقلا ووقوعه سمعا وهم نصارى هذا العصر وفرقة الشمعونية من اليهود ونوع ينكره سمعا ويجوزه عقلا وهم العنانية من اليهود أيضا ونوع يجوزه ع قلا ويقول بوقوعه سمعا بيد أنه ينكر أن الشريعة الإسلامية ناسخة لليهودية وهم العيسوية تمام فرق اليهود الثلاث ونوع يجوزه عقلا وينكره سمعا ولكن إنكاره صوري يتأول فيه بما يجعل خلافه لجمهرة المسلمين خلافا لفظيا أو شبيها باللفظي وهو أبو مسلم الاصفهاني ومن تبعه
فبين أيدينا إذن من انفردوا بإنكار النسخ عقلا وهم نصارى هذا العصر وشمعونية اليهود ومن توفقوا على إنكاره سمعا وإن اختلفوا في مدى هذا الإنكار وفي كيفيته وهم نصارى هذا العصر وعنانية اليهود والعيسويون منهم وأبو مسلم الأصفهاني وأتباعه من المسلمين
ولكل من هؤلاء جميعا شبهات حسبوها أدلة وليست أدلة كما يتبين لك ذلك في هذا الاستعراض الجامع
شبهات المنكرين لجوازه عقلا
لا ريب أن مذهب المنكرين لجواز النسخ عقلا هو أخطر المذاهب وأشنعها وأبعدها عن الحق وأوغلها في ا لباطل ومجرد إنكاره الجواز العقلي يستلزم إنكار الوقوع الشرعي وهل يقع في الوجود ما أحاله العقل لهذا نبدأ بتفنيد هذا المذهب ودفع شبهاته
الشبهة الأولى ودفعها
يقولون لو جاز على الله تعالى أن ينسخ حكما من أحكامه لكان ذلك إما لحكمة ظهرت له كانت خافية عليه وإما لغير حكمة وكل هذين باطل أما الأول فلأنه يستلزم تجويز البداء والجهل بالعواقب على علام الغيوب وأما الثاني فلأنه يستلزم تجويز العبث على الحكيم العليم اللطيف الخبير والبداء والعبث مستحيلان عليه سبحانه بالأدلة العقلية والنقلية فما أدى إليهما وهو جواز النسخ محال

وندفع هذه الشبهة بأن نسخ الله تعالى ما شاء من أحكامه مبني على حكمة كانت معلومة له أولا ظاهرة لم تخف عليه ولن تخفى عليه أبدا غاية الأمر أن مصالح العباد تتجدد بتجدد الأزمان وتختلف باختلاف الأشخاص والأحوال وأسراره وحكمه سبحانه لا تتناهى ولا يحيط بها سواه فإذا نسخ حكما بحكم لم يخل هذا الحكم الثاني من حكمة جديدة غير حكمة الحكم الأول هي مصلحة جديدة للعباد في الحكم الجديد أو هي غير تلك وسبحان من أحاط بكل شي علما وإذن فلا يستلزم نسخ الله لأحكامه بداء ولا عبثا
ولكن هؤلاء الجاحدين غفلوا أوتغالفوا عن هذا حتى جاء الترديد في شبهتهم ناقصا لم يستوف وجوه الاحتمالات كما ترى ولو استوفوه لقالوا النسخ إما أن يكون لحكمة ظهرت لله كانت خافية عليه أو لحكمة كانت معلومة له لم تكن خافية عليه أو لغير حكمة وأكبر الظن أنهم لم يفطنوا إلى هذا ولو فطنوا له ما اشتبهوا ولو اشتبهوا بعد فطنتهم له لاخترنا الشق الثاني من هذا الترديد ثم أيدناه بتوافر أدلة العقل والنقل عليه كما قررنا
الشبهة الثانية ودفعها
يقولون لو جاز على الله تعالى أن ينسخ حكما بحكم للزم على ذلك أحد باطلين جهله جل وعلا وتحصيل الحاصل وبيان ذلك أن الله تعالى إما أن يكون قد علم الحكم الأول المنسوخ على أنه مؤبد وإما أن يكون قد علمه على أنه مؤقت فإن كان قد علمه على أنه مستمر إلى الأبد ثم نسخه وصيره غير مستمر انقلب علمه جهلا والجهل عليه تعالى محال وإن كان قد علمه على أنه مؤقت بوقت معين ثم نسخه عند ذلك الوقت ورد عليه أن المؤقت ينتهي بمجرد انتهاء وقته فإنهاؤه بالنسخ تحصيل للحاصل وهو باطل
وندفع هذه الشبهة بأن الله تعالى قد سبق في علمه أن الحكم المنسوخ مؤقت لا مؤبد ولكنه علم بجانب ذلك أن تأقيته إنما هو بورود الناسخ لا بشيء آخر كالتقييد بغاية في دليل الحكم الأول وإذن فعلمه بانتهائه بالناسخ لا يمنع النسخ بل يوجبه وورود الناسخ محقق لما في علمه لا مخالف له شأنه تعالى في الأسباب ومسبباتها وقد تعلق علمه بها كلها ولا تنس ما قررناه ثمة من أن النسخ بيان بالنسبة إلى الله رفع بالنسبة إلينا
الشبهة الثالثة ودفعها
يقولون لو جاز النسخ للزم أحد باطلين تحصيل الحاصل وما هو في معناه وبيان ذلك أن الحكم المنسوخ إما أن يكون دليله قد غياه بغاية ينتهي عندها أو يكون قد
أبده نصا فإن كان قد غياه بغاية فإنه ينتهي بمجرد وجود هذه الغاية وإذن لا سبيل إلى إنهائه بالنسخ وإلا لزم تحصيل الحاصل وإن كان دليل الحكم الأول قد نص على تأبيده ثم جاء الناسخ على رغم هذا التأبيد لزم المحال من وجوه ثلاثة
أولها التناقض لأن التأبيد يقتضي بقاء الحكم ولا ريب أن النسخ ينافيه
ثانيها تعذر إفادة التأبيد من الله للناس لأن كل نص يمكن أن يفيد تبطل إفادته باحتمال نسخه وذلك يفضي إلىالقول بعجز الله وعيه عن بيان التأبيد لعباده فيما أبده لهم تعالى الله عن ذلك
ثالثها استلزام ذلك لجواز نسخ الشريعة الإسلامية مع أنها باقية إلى يوم القيامة عند القائلين بالنسخ
وندفع هذه الشبهة أولا بأن حصر الحكم المنسوخ في هذين الوجهين اللذين ذكرهما المانع غير صحيح لأن الحكم المنسوخ يجوز ألا يكون مؤقتا ولا مؤبدا بل يجيء مطلقا عن التأقيت وعن التأبيد كليهما وعليه فلا يستلزم طرو النسخ عليه شيئا من المحالات التي ذكروها وإطلاق هذا الحكم كاف في صحة نسخه لأنه يدل على الاستمرار بحسب الظاهر وإن لم يعرض له النص
ثانيا أن ما ذكروه من امتناع نسخ الحكم المؤبد غير صحيح أيضا وما استندوا إليه منقوض بوجوه ثلاثة
أولها أن استدلالهم بأنه يؤدي إلىالتناقض مدفوع بأن الخطابات الشرعية مقيدة من أول الأمر بألا يرد ناسخ كما أنها مقيدة بأهلية المكلف لتكليف وألا يطرأ عليه جنون أو غفلة أو موت وإذن فمجيء الناسخ لا يفضي إلى تناقض بينه وبين المنسوخ بحال
ثانيها أن استدلالهم بأنه يؤدي إلى أن يتعذر على الله بيان التأبيد لعباده مدفوع بأن التأبيد يفهمه الناس بسهولة من مجرد خطابات الله الشرعية المشتملة على التأبيد وهو ما يشعر به كل واحد منا وذلك لأن الأصل بقاء الحكم الأول وما اتصل به من تأقيت أو تأبيد وطرو الناسخ احتمال مرجوح واستصحاب الأصل أمر يميل إليه الطبع كما يؤيده العقل والشرع
ثالثها أن جواز نسخ الشريعة الإسلامية إن لزمنا معاشر القائلين بالنسخ فإنه يلزمنا على اعتبار أنه احتمال عقلي لا شرعي بدليل أننا نتكلم في الجواز العقلي لا الشرعي أما نسخ الشريعة الإسلامية بغيرها من الناحية الشرعية فهو من المحالات الظاهرة لتظافر الأدلة على أن الإسلام دين عام خالد ولا يضير المحال في حكم الشرع أن يكون من قبيل الجائز في حكم العقل

الشبهة الرابعة ودفعها
يقولون إن النسخ يستلزم اجتماع الضدين واجتماعهما محال وبيان ذلك أن الأمر بالشيء يقتضي أنه حسن وطاعة ومحبوب لله والنهي عنه يقتضي أنه قبيح ومعصية ومكروه له تعالى فلو أمر الله بالشيء ثم نهى عنه او نهى عن الشيء ثم أمر به لاجتمعت هذه الصفات المتضادة في الفعل الواحد الذي تعلق به الأمر والنهي
وندفع هذه الشبهة بأن الحسن والقبح وما اتصل بهما ليست من صفات الفعل الذاتية حتى تكون ثابتة فيها لا تتغير بل هي تابعة لتعلق أمر الله ونهيه بالفعل وعلى هذا يكون الفعل حسنا وطاعة ومحبوبا لله ما دام مأمورا به من الله ثم يكون هذا الفعل نفسه قبيحا ومعصية ومكروها له تعالى ما دام منهيا عنه منه تعالى والقائلون بالحسن والقبح العقليين من المعتزلة يقرون بأنهما يختلفان باختلاف الأشخاص والأوقات والأحوال وبهذا التوجيه ينتفي اجتماع الضدين لأن الوقت الذي يكون فيه الفعل حسنا غير الوقت الذي يكون فيه ذلك الفعل قبيحا فلم يجتمع الحسن والقبح في وقت واحد على فعل واحد ب
رد مع اقتباس