[ideal]

سيدي الفاضل، الا تلاحظ انك تكيل بمكيالين؟ فمن ناحية، تدعي ان السعودية هي افضل مكان و ان ما يقال عنها هو مجرد اشاعات من اللبراليين!

و من ناحية اخرى، انت تصدق كل ما تسمعه من اشاعات عن الغرب، فتتخيل ان الغرب يعاني من ازمة جنسية، و ان الغرب اصبح يصرخ من ويلات الاختلاط! و انهم يتمنون العودة الى العصور الوسطى حين كانوا يفصلون بين الجنسين كما هو الحال في السعودية.

اعتقد انك لو اخذت عينة عشوائية من المجتمع السعودي و سألتهم عن رأيهم في مجتمعهم، فستحصل على اجابات مختلفة: هناك شريحة سلفية ترى ان المجتمع السعودي بما فيه من كبت و فصل بين الجنسين هو افضل مجتمع في العالم لانه يتبع الشرع، و ستجد عينة اخرى تكره هذا الوضع و تتمنى الخلاص منه. و من المشهور ان الكثير من الفتيات السعوديات ينزعن النقاب حالما يخرجن من حدود السعودية.

بينما لو اخذت عينة عشوائية من الشباب في المجتمعات الغربية، فلا اظن انك ستجد احد "ناقم" على "الاختلاط" و "شروره" المزعومة.

الناس اللذين ينادون بالفصل بين الجنسين في الغرب هم من المسيحيين المتدينيين، و هم اقلية و اصواتهم نشاز.

اما في السعودية، فإن اللذين ينادون بالانفتاح هم من المثقفين، و هم ليسو نشاز: بل السعودية هي النشاز. الدولة الوحيدة في العالم اللتي لا تسمح للمرأة حتى بقيادة السيارة!!

تشبيهك الانفتاح بالقفز من الجبل يفترض مسبقا ان الانفتاح شر محض، و كذلك تشبيهك اياه بالسرقة، يفترض مسبقا ان الامر فيه شر، مع انه ليس فيه شر، بل على العكس، الشر كل الشر في الكبت و الحرمان.

ليس هناك اي مصلحة جماعية في مواصلة نظام الكبت اللذي تمارسة مجتمعاتنا (بدرجات مختلفة: اسوأها في السعودية). اكاد اجزم ان المصلحة الوحيدة هي لرجال الدين و دعاة المحافظة من الجيل السابق، لانهم افنو عمرهم يدعون الى هذه الاشياء، فلا يستطيعون تخيل ان ما يدعون اليه سوف ينهدم. و لو كانو حقا يهتمون بمشاكل الشباب، لسعو فعلا الى ايجاد الحلول، بدل الاكتفاء بالوعظ و الدعوة الى الصيام.

ان ما نمارسه دائما، هو ان نغرس رأسنا في التراب، و بدل ان نسعى الى حل مشاكلنا، نبدأ بتعديد "محاسن ديننا" و تعديد "مساوئ الكفار"، ثم نتفاخر بتاريخ امتنا المجيدة، ثم نهلل و نكبر قليلا، ثم يعود كل شيء الى ما هو عليه من دون ان يتغير: فنحن لا زلنا متخلفين.

و كأن المثل القائل "بدل ان تلعن الظلام، اشعل شمعة" قيل من اجلنا.

حصل منذ فترة نقاش على الفيسبوك مع بعض اقاربي حول التقدم العلمي، فهاج بعض المتدينين يتباكون كيف ان شباب الامة منبهر بالغرب مع ان الاسلام هو دين العلم و الحضارة و التقدم!!

بدل ان يناقشوا المشكلة و يحللونها، تحول فكرهم الى موضوع اخر تماما، و هو التباكي على ضياع الدين، و الدعوة الى التمسك بالدين و الادعاء ان كل شيء سينصلح بمجرد ان يصبح الجميع متدينا.

و هؤلاء اللذين كانوا يتباكون، هم ابعد الناس عن العلم و الحضارة، ليس لهم في العلم او التكنلوجيا باع ولا ذراع، و لا يجيدون سوى سرد الخطب المنمقة. كما ان كلامهم كان مليئا بالاخطاء (مثلا يعتقدون ان الرازي و ابن سينا كانوا من كبار الفقهاء!)، و جل معلوماتهم يستقونها من الايميلات اللتي يتناقلها الناس فيما بينهم، و اللتي لا يعرف غثها من سمينها.

- معلومات خاطئة او غير دقيقة مستوحاة من مصادر غير موثوقة
- عدم القدرة على النظر الى المشكلة و محاولة تحليلها او النظر في اساليب علاجها
- كلام منمق عن محاسن الاسلام و مساوئ الغرب الكافر

يتحول الموضوع من الحديث عن مشكلة حقيقية بحاجة الى حل، يتحول الى وعظ ديني و دفاع عن الاسلام و انه ليس سبب المشكلة.

يا سيدي، ليس لي علاقة هل الاسلام سبب المشكلة ام لا، المهم ان نعترف بالمشكلة اولا!! و ان نعترف اننا فشلنا حتى الان في ايجاد سبل لحلها.