عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 2012-02-28, 12:44 AM
أبو جهاد الأنصاري أبو جهاد الأنصاري غير متواجد حالياً
أنصارى مختص بعلوم السنة النبوية
 
تاريخ التسجيل: 2007-07-22
المكان: الإسلام وطنى والسنة سبيلى
المشاركات: 8,418
افتراضي

أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا
أخرج البخاري –رحمه الله– في صحيحه من طريق أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: نام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحكك؟ قال: «أناس من أمتي عرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة». قالت: فادع الله أن يجعلني منهم. فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها، فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: «أنت من الأولين». فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين، فنزلوا الشام، فَقُرِّبت إليها دابة لتركبها، فصرعتها فماتت. البخاري مع الفتح (6|22).
قال ابن حجر معلقاً على رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قوله: " ناس من أمتي عرضوا علي غزاة.." يشعر بأن ضحكه كان إعجاباً بهم، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة».
وأخرج البخاري أيضاً من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنه قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا». قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: «أنت فيهم». ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر (أي القسطنطينية) مغفور لهم». فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: «لا». البخاري مع الفتح (6|22). ومسلم (13|57).
ومعنى أوجبوا: أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة. قاله ابن حجر في الفتح (6|121). قال المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي (ت 435هـ) معلقاً على هذا الحديث: «في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر». انظر الفتح (6|120). قلت ومن المتفق عليه بين المؤرخين أن غزو البحر وفتح جزيرة قبرص كان في سنة (27هـ) في إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام، أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر تاريخ الطبري (4|258) و تاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء الراشدين (ص317). وكذلك غزو القسطنطنية كان في منتصف عهده.
قال إبن كثير: «و قد كان يزيد أول من غزى مدينة قسطنطينية في سنة تسعٍ و أربعين في قول يعقوب بن سفيان، و قال خليفة بن خياط سنة خمسين. ثمّ حجّ بالناس في تلك السنة بعد مرجعه من هذه الغزوة من أرض الروم. و قد ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أول جيش يغزو مدينة قيصر مغفور لهم". و هو الجيش الثاني الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه عند أمِّ حِرَام فقالت: "ادع الله أن يجعلني منهم". فقال: "أنت من الأوّلين"، يعنى جيش معاوية حين غزا قبرص ففتحها في سنة سبع و عشرين أيام عثمان بن عفان. و كانت معهم أم حرام فماتت هنالك بقبرص. ثم كان أمير الجيش الثاني ابنه يزيد بن معاوية، و لم تُدرِك أمَّ حَرَامٍ جيش يزيد هذا، و هذا من أعظم دلائل النبوة».
إن وليت أمراً فاتق الله واعدل
أخرج أبو يعلى في مسنده (13|370): حدثنا سويد بن سعيد حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد عن جده سعيد بن عمرو بن العاص عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «توضؤوا». قال فلما توضأ نظر إلي فقال: «يا معاوية، إن وليت أمرا فاتق الله واعدل». قال فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ولِّيت».
قال الحافظ إبن حجر في الإصابة: «سويد بن سعيد فيه مقال، و قد أخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر». قلت سويد بن سعيد ثقة شيخ مسلم، لكنه عمي فقبل التلقين فحدث بالمناكير. لكنه قد توبع من عدة وجوه، مما يثبت أنه حدث قبل أن يعمى أو أنه ثبت في هذا الحديث.
أخرج أحمد بن حنبل في مسنده (4|101): حدثنا روح قال ثنا أبو أمية عمرو بن يحيى بن سعيد قال سمعت جدي يحدث أن معاوية أخذ الإداوة بعد أبي هريرة يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، واشتكى أبو هريرة. فبينا هو يوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رفع رأسه إليه مرة أو مرتين فقال: «يا معاوية، إن وليت أمراً فاتق الله عز وجل واعدل». قال: «فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى ابتليت».
هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي: وثقه الدارقطني وغيره، وروى عنه البخاري، ولم يجرحه أحد. تهذيب التهذيب (8|104). وجدّه وثقه أبو حاتم وأبو زرعة والنسائي. تهذيب التهذيب (4|60). روح بن عبادة: ثقة كثير الحديث. التهذيب (3|253).
شبهة أن المحدثين الأوئل ضعفوا هذه الأحاديث
من الأخطاء التي وقع بها عدد من العلماء، توهمهم أن المتقدمين لم يصححوا شيئاً من هذه الأحاديث. و هذا خطأ بين واضح. وقد سبق وذكرنا عدد من المتقدمين ممن صححوا عددا كبيرا من الأحاديث في فضائل معاوية. ولعل سبب خطأهم هذا توهمهم أن جمعاً من أئمة السلف –رحمهم الله– لم يصححوا تلك الأحاديث. وسنرد على هذه الشبهات بالتفصيل فيما يأتي بعون الله:
1– وأما ما يتشدق به البعض من نقلهم عن إسحاق بن راهويه أنه قال: «لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل معاوية شيء». فهذا القول عن ابن راهويه باطل ولم يثبت عنه. فقد أخرج الحاكم كما في السير للذهبي (3|132) والفوائد المجموعة للشوكاني (ص 407) عن الأصم –أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم– حدثنا أبي، سمعت ابن راهويه فذكره. و في الفوائد: سقطت «حدثنا أبي»، و الأصم (ولد عام 247هـ) لم يسمع من ابن راهويه (توفي عام 238هـ). فيكون الأثر منقطعاً إن لم تكن ثابتة.
ويعقوب بن يوسف بن معقل أبو الفضل النيسابوري –والد الأصم– لم يوثقه أحد! فقد ترجمة الخطيب في تاريخه (14|286) فما زاد على قوله: «7582 يعقوب بن يوسف بن معقل أبو الفضل النيسابوري قدم بغداد وحدث بها عن إسحاق بن راهويه روى عنه محمد بن مخلد». ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وله ذكر في ترجمة ابنه من السير (15|453) ولم يذكر فيه الذهبي أيضاً جرحاً ولا تعديلاً، وذكر في الرواة عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم، ولم أجده في الجرح والتعديل، ولا في الثقات لابن حبان. و بهذا فإن هذا القول ضعيف لم يثبت عن إسحاق بن راهويه رحمه الله. وحاشى الإمام إسحاق من ذلك القول.
ولنفرض جدلاً أن والد الأصم كان ثقة (مع أنه ليس فيه توثيق)، فما قوة هذا القول؟ وما المقصود منه؟ فعندما نقل الإمام الترمذي عن شيخه الإمام البخاري إنكاره على من يرفض الاستشهاد بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فإن الحافظ الذهبي نسب الإمام الترمذي للوهم ورفض تلك المقولة. علماً أن الترمذي ينقل عن شيخه الذي لازمه مدة طويلة، والترمذي هو ما عليه من الحفظ والفهم والنباهة. فما قيمة عبارة باطلة ينقلها رجل مجهول الحال كوالد الأصم؟
2– وأما الشبهة الثانية وهي ما يشاع أن الإمام البخاري لم يجد في فضائل معاوية شيء، فقد أجاب عنها ابن حجر بقوله: «إن كان المراد أنه لم يصح منها شيء وفق شرطه –أي شرط البخاري– فأكثر الصحابة كذلك». انظر: تطهير الجنان عن التفوه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان (ص 11). ولكنه أخرج في صحيحه وتاريخه أحاديث صحيحة في فضائل معاوية رضي الله عنه.
وأما أن الإمام البخاري عبّرفي ترجمة معاوية رضي الله عنه بقوله: «باب ذكر معاوية رضي الله عنه»، ولم يقل فضيلة ولا منقبة. فإن الإمام البخاري كذلك عبّر في ترجمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه بقوله: «باب ذكر ابن عباس رضي الله عنهما»، ولم يقل فضيلة ولا منقبة. علماً أنه أخرج فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم علمه الحكمة». وهذا لا يختلف عاقل أنه فضيلة عظيمة لإبن عباس رضي الله عنه. فهل يفهم أحد من ذلك أن عبد الله بن عباس ومعاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنهم جميعاً– ليس لهم فضائل؟! هذا والله عين التهور.
3– والشبهة الثالثة زعمهم أن النسائي –رحمه الله– ضعَّفَ كل الأحاديث التي في فضل معاوية. ونقول لهم هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. وقد بينا في كلامنا عن تشيع النسائي أن هذا خطأ.
4– وشبهتهم الرابعة هي أن الحاكم لم يخرج في مستدركه شيئاً في فضائل معاوية مع ما عرف عنه تساهله في التصحيح. ونقول هاتوا برهانكم أن الحاكم يضعّف الأحاديث الصحيحة التي وردت في فضائل معاوية رضي الله عنه. فهل ترك الحاكم لحديث يعني ضعف ذلك الحديث؟ وقد بينا في كلامنا عن تشيع الحاكم أن هذا خطأ. فهو لم يضعّف الحديث، لكن قلبه لم يطاوعه بسبب تشيعه، فآثر السكوت عن معاوية رضي الله عنه. لكنه روى الحديث عنه وصححه على شرط الشيخان وترضى عنه.
5– ولعل أطرف شبهاتهم هي المقولة المنسوبة للإمام أحمد بن حنبل. فقد أخرج ابن الجوزي من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية؟ فاطرق ثم قال: «اعلم أن علياً كان كثير الأعداء. ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا. فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كياداً منهم لعلي». قلت هذه قصة عجيبة لم أقع على إسنادها. وابن الجوزي صاحب أوهام كثيرة. فهو يحتج بروايات موضوعة، وربما ينسب إلى الوضع أحاديث صحيحة ربما أخرجها البخاري ومسلم. وقد ذكرنا في ترجمته أقوال العلماء فيه وأنه لا يعتد كثيراً بنقله.
والقصة على أية حال ليس لها علاقة بموضوعنا، بل إن حشرها هنا من الطرف فعلاً. فإن الإمام أحمد –على فرض صحة القصة– قد أشار إلى أن أعداء علي رضي الله عنه قد وضعوا أحاديث في فضائل معاوية رضي الله عنه. وهذا شيء معروفٌ مسلّمٌ به، بل والعكس صحيح كذلك. فقد وضع شيعة علي الكثير من الأحاديث في ذم معاوية، وكلها موضوعة. ووضعوا الكثير الكثير في فضائل علي أكثر بأضعاف مما وضع النواصب في فضائل معاوية. قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتاب "الإرشاد" (1|420): «قال بعض الحفاظ: تأمّلتُ ما وضعه أهل الكوفة في فضائل علي وأهل بيته، فزاد على ثلاثمئة ألف». وعلق على هذا الإمامُ ابن القيم في المنار المنيف (ص161): «ولا تستبعد هذا. فإنك لو تتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال». قلت ولعل العدد أكبر من هذا، لو راجعنا كتبهم. فكان ماذا؟ هل نقول أنه لم يصح في فضائل علي رضي الله عنه شيء لأن أكثر ما يروى في ذلك موضوع؟ سبحانك ربي، هذا بهتان عظيم. ولو كان أحمد يعتقد أن تلك الأحاديث موضوعة لما أخرجها في مسنده.
أما عقيدة إمام أهل السنة والجماعة في عصره أحمد بن حنبل فقد كانت واضحة جداً في الترضي عن معاوية رضي الله عنه والإنكار على من يذمه. قال الخلال في كتابه السنة (2|460): أخبرنا أبو بكر المروذي قال: قيل لأبي عبد الله ونحن بالعسكر وقد جاء بعض رسل الخليفة وهو يعقوب، فقال يا أبا عبد الله، ما تقول فيما كان من علي ومعاوية رحمهما الله؟ فقال أبو عبد الله: «ما أقول فيها إلا الحسنى رحمهم الله أجمعين». إسناده صحيح. و قال الخلال في "السنة" (#654): أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني (ثقة فقيه) قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي؟». قال: بلى! قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: «نعم، له صهر ونسب»، قال: وسمعت ابن حنبل يقول: «ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية!».
و قد ذكر إبن عساكر لطيفةً أحب أن أذكرها هنا، و هو أن العبد الصالح عمر بن عبد العزيز قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم –أي في الرّؤيا–، و أبو بكر وعمر جالسان عنده، فسلـَّمت و جلست. فقال لي: «إذا وُلـِّيـْتَ من أمور الناس، فاعمل بعمل هذين: أبي بكر و عمر». فبينا أنا جالس إذ أتي بعلي و معاوية، فأدخلا بيتاً و أجيف عليهم الباب، و أنا أنظر. فما كان بأسرع أن خرج علي و هو يقول: «قُضِيَ لي و ربُّ الكعبة يا رسول الله». ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية و هو يقول: «غُُـفِـرَ لي و ربُّ الكعبة يا رسول الله!». القصة أخرجها ابن عساكر في تاريخه (59|140) بسندين إلى ابن أبي عروبة، و هو ثقة حافظ. و قد جمعت الروايتين في قصة واحدة. كما و أن ابن أبي الدنيا أورد الرواية الثانية في المنامات (رقم 124).
و بسبب ثبوت هذه الفضائل و غيرها عن السلف، فقد نهو نهياً شديداً عن التكلم في معاوية رضي الله عنه وبقية الصحابة، وعدوا ذلك من الكبائر. قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: «معاوية عندنا مِحْنة، فمن رأيناه ينظر إليه شزَراً اتهمناه على القوم»، يعني الصحابة. انظر البداية و النهاية لابن كثير (8|139). وقال الربيع بن نافع الحلبي (241هـ) رحمه الله: «معاوية سترٌ لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه». البداية و النهاية (8|139).
وقد صدقوا في ذلك، فإنه ما من رجل يتجرأ ويطعن في معاوية رضي الله عنه إلا تجرأ على غيره من الصحابة رضوان الله عليهم. وانظر هذا في أحوال الزيدية: فإنهم طعنوا في معاوية رضي الله عنه ثم تجرءوا على عثمان رضي الله عنه، ثم تكلموا في أبي بكر وعمر رضي الله عنهحتى صرح بكفرهما بعض الزيدية. والسبب في ذلك أنه إذا تجرأ على معاوية رضي الله عنه فإنه يكون قد أزال هيبة الصحابة من قلبه فيقع فيهم، لأنه لا يعلل كلامه في معاوية بشيء إلا ويلزمه مثل هذا في غيره. فإن كان الذي يتكلم في الصحابة يشتم معاوية رضي الله عنه ويتنقصه، فيقال له: ما حملك على ذلك؟ فإن قال: قتاله لعلي رضي الله عنه. فيقال له: فيلزمك أن تشتم الزبير وطلحة وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنه وغيرهم من الصحابة لأنهم قاتلوا علياً. فإن قال: ولكن أولئك اجتهدوا في الأخذ بثأر عثمان. فيقال له: ومعاوية ومن معه كذلك. فإن قال: ولكن الزبير وطلحة وعائشة ونحوهم لهم سوابق تدل على فضلهم. فيقال له: ولمعاوية سوابق تدل على فضله: فقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم وشهد له بالصحبة والفقه ابن عباس –كما في صحيح البخاري– الذي قاتل مع علي ضده. وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنيناً والطائف وتبوك. وكتب الوحي. ودعا له الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيحي إبن خزيمة و إبن حبان وتاريخ البخاري. وصح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا» وكان هذا الغزو بقيادة معاوية رضي الله عنه. وقد ولاه عمر وعثمان رضي الله عنه الشام. وقد رضي الحسن بن علي رضي الله عنه أن يتنازل له عن الخلافة، وأثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على فعله ذلك بقوله «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين»، كما في صحيح البخاري. وإذا كان معاوية رضي الله عنه ليس عدلاً، فهذا قدح في الحسن رضي الله عنه الذي رضي أن يتولى الأمة غير عدل!! وفتحت كثير من الأمصار في وقته. وتولى الخلافة عشرين سنة كان فيها ملكه ملك رحمة و عدل. و قد أطلنا في الكتاب الذهبي في بيان اتفاق الأئمة الأعلام والمؤرخين من السنة على ذلك.
فإن قال: ولكن معاوية ثبت عن بعض الصحابة أنهم كانوا يتكلمون فيه. فيقال له: فيلزمك على هذا أن تتكلم في كثير من الصحابة: فقد تكلم عمار في عثمان رضي الله عنهما، وتكلم العباس في علي رضي الله عنهما، وتكلم سعد بن عبادة في عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وتكلم عمر في حاطب رضي الله عنهما، وتكلم أسيد بن حضير في سعد بن عبادة رضي الله عنهما، وكل هؤلاء من السابقين الأولين رضي الله عنهم، فإن كان كلام أحدهم في الآخر يبيح أن يتكلم فيه الآخرون جاز الوقوع فيهم كلهم كما هو دين الروافض قبحهم الله. فإن قال: ولكن معاوية ثبت عنه بعض الأخطاء. فيقال له: وثبت عن غيره من الصحابة أيضاً بعض الأخطاء، فإن كان الوقوع في الخطأ مبيحاً للشتم فاشتم من وقع منهم في الخطأ. فإن قال: ولكن أخطاء أولئك مغفورة بجانب سبقهم وفضلهم وجهادهم. فيقال له: وأخطاء معاوية مغفورة بجانب سبقه وفضله وجهاده. وهكذا، فإذا تجرأ أحد على معاوية رضي الله عنه هان عليه غيره من الصحابة، وبدأ يتكلم في الواحد منهم تلو الآخر لطرد مذهبه الباطل.
و من هنا نقول كما قال السلف –رحمهم الله– أنه لا يجوز في معاوية إلا ذكر محاسنه وفضائله والكف عن مساويه. ويؤيد ذلك الحديث الذي رواه الترمذي وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم».
وقد اقتصرنا في هذه الرسالة على المرفوع. ولو كتبنا الحديث الموقوف في فضائل معاوية من أقوال الصحابة و التابعين و أئمة الإسلام لاضطررنا إلى تأليف كتاب كامل عنه. ففي الباب لعن الحسن لمن يلعن معاوية. وثناء علي على معاوية وإمارته. ووصف إبن عباس وأبي الدرداء له بالفقه. وقول إبن عمر أن معاوية أسود من عمر بن الخطاب نفسه. و جلد عمر بن عبد العزيز لمن تكلم على معاوية. وتفضيل الأعمش له على عمر بن عبد العزيز في عدله، وكذلك قريباً منه إبن المبارك. وتفضيل إبن العباس له على إبن الزبير في أخلاقه. وقول قتادة عنه أنه المهدي. وقول الزهري أن معاوية قد عمل سنين بسيرة عمر بن الخطاب. بل وثناء عمر بن الخطاب عنه في عدة مواضع. وأمر أحمد بن حنبل للرجُل بقطع رحمه وهجر خاله لمجرد أنه انتقص معاوية. ومن لم يكفه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن يكفيه شيء بعده. هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أصحابه أجمعين.


__________________
قـلــت :
[LIST][*]
من كفر بالسـّنـّة فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله تعالى يقول : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )).
[*]
ومن كذّب رسولَ الله ، فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ،لأن القرآن يقول : (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )).
[*]
ومن كذّب أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله سبحانه يقول فيهم : (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )).
[*]
ومن كذّب المسلمين فهو على شفا هلكة ، لأن القرآن يقول : (( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) والنبي - صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ).
[/LIST]
رد مع اقتباس