2012-06-25, 09:53 AM
|
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
|
|
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 3,072
|
|
سلسلة تأملات في آيات من القرآن الكريم/أ.د أحمد محمد عبد الدائم/13
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
سلسلة تأملات في آيات من القرآن الكريم
الأستاذ الدكتور أحمد محمد عبد الدايم عبدالله
13 ـ قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2﴾}(الحج).
تبدأ الآية الكريمة بخطاب الناس جميعًا - مسلمهم وكافرهم، المُطيع والعاصي - ليَلتفتوا إلى ما يأتي بعد النداء؛ ليَتنبَّهوا، ولتتيقَّظ مشاعرهم، وتتفتَّح عقولهم، وتَصحو ضمائرهم وقلوبهم لهذا الأمر عظيمِ الشأن، بالغِ الخطر؛ ليَتَّقوه، ويَحترسوا منه.
{ اتَّقُوا رَبَّكُمْ } ؛ أي: احترسِوا بطاعته من عقوبته، واحْذَروه من أن تتركوا أوامره، وتَفعلوا ما نهاكم عنه؛ حتى تكونوا أهلاً لرحمته، ومُستحقِّين لمغفرته في يوم يَشيب فيه الولدان، وتُبَدَّل الأرض غير الأرض والسماء، وما يحدث في الدنيا من خرابٍ وتدمير يملأ القلوب رُعبًا وفزعًا، فإن ما سيحدث في أوَّل الساعة أمرٌ رهيب، مثَّله الله لنا بما تَفهمه عقولنا، وتتصوَّره مداركنا، وتَستوعبه أحاسيسُنا، وقد مرَّ على الإنسان بعض نُذُره في حياته الدنيا وهو على بيِّنة منه؛ لئلا يكون للناس على الله حُجَّة يومها؛ إذ { إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }: هولٌ كبير، وخَطْب جليل، وطارق مُخيف، وحدَثٌ هائل، والزلزال هنا لعلَّه ما يحدث للنفوس من فزعٍ ورُعب، ولقد صوَّرت الآيات ذلك أصدقَ تصويرٍ وأحسَنه وأرْوَعه؛ لأن الناس يوم يَرونها { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } ، فكلُّ امرئ بأمر نفسه مشغول مذهول، فتَذهل كلُّ امرأة عن أحبِّ الناس إليها، وتَغفل كلُّ مرضعة عن رَضيعها مَن هَولِ ما ترى، بل تُسقط الحامل جنينها قبل موعده من شدَّة الهول والخوف والاضطراب.
ثم رَسَمت الآية صورة الناس في شدَّة اضطرابهم، وذهولهم وزَيَغان عيونهم، وغياب أذهانهم؛ حيث { تَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } ، وهذا تصوير لتقريب المعنى وتشبيه الصورة القائمة بالصورة المعهودة؛ إذ إن المسألة ليست خمرًا، ولكنَّهم كأنهم سُكارى، وهي مسألة نفسية حادثة من شِدَّة الهول والفَزَع، والزَّيغ ووَقْع الصدمة، والخوف من العذاب الشديد، وكلها ظواهر علميَّة تدلُّ على صِدق نبوَّة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم الذي عاش في بيئة لا تعرف مثل هذا؛ فسبحانك ربَّنا، عَلَّمتنا ما لَم نكن نعلم، وأرْسَلت فينا أُمِّيًّا يُعلِّمنا الكتاب والحِكمة؛ إنَّك أنت العليم الحكيم.
يتبع
عن موقع شبكة الألوكة الشرعية
|