عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 2012-10-08, 02:04 AM
محمود5 محمود5 غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-10-17
المكان: مصر
المشاركات: 1,238
افتراضي

نواصل :
يا أمير المؤمنين، قد سمعت كلام بشر وتسويته فيما بيني وبينه، (ولقد فرق الله فيما بيني وبينه) وأخبر أنا على غير السواء، قال: وأين ذلك لك من كتاب الله عز وجل؟ قلت: قال الله عز وجل: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} فأنا والله يا أمير المؤمنين أعلم أن الذي أنزل عليهr هو الحق، وأومن به، وبشر يشهد على نفسه إنه لا يعلم ذلك ولا يعقله ولا يقبله ولا هو مما يقوم لي به عليه حجة، فلم يقل كما قال الله عز وجل، ولا كما علم نبيه r أن يقوله، ولا كما قال موسى عليه السلام، ولا كما قالت الملائكة، ولا كما قال المؤمنين، ولا كما قال أهل الكتاب، ولقد أخبر الله عز وجل عن جهله، وأزال عنه التذكرة، وأخرجه عن جملة أولى الألباب، لكن أمير المؤمنين أطال الله بقاه لما خصه الله به من الفضل والسؤدد، ورزقه من دقة الفهم وكثرة العلم والمعرفة باللغة عقل عن الله عز وجل قوله، وعرف ما أراد به وما عنى به فقبله واستحسنه ممن انتزعه بين يديه وأظهر قبوله والرضاء بقوله.

فقال بشر: يا أمير المؤمنين قد اقر بين يديك أن القرآن شيء، فليكن عنده كيف (شاء) فقد اتفقنا على أنه شيء، وقال الله عز وجل بنص التنزيل: إنه {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وهذه لفظة لم تدع شيئا إلا أدخلته في الخلق ولا يخرج عنها شيء ينسب إلى الشيء لأنها لفظة استقصت الأشياء وأنت عليها مما ذكر الله تعالى ومما لم يذكرها فصار القرآن مخلوقا بنص التنزيل بلا تأويل ولا تفسير.

قال عبد العزيز: فقلت: يا أمير المؤمنين علي أن أكسر قوله وأكذبه فيما قال بنص التنزيل حتى يرجع أو يقف أمير المؤمنين على كسر قوله وكذبه وبطلان ما أدعاه. فقال: هات ما عندك يا عبد العزيز، فقلت: يا أمير المؤمنين، قال الله عز وجل: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} يعني الريح التي أرسلت على عاد، فهل أبقت الريح يا بشر شيئا لم تدمره، قال: لا لم يبق شيء إلا دمرته، وقد دمرت كل شيء كما أخبر الله تعالى لأنه لم يبق شيء إلا وقد دخل في هذه اللفظة. قلت: قد أكذب الله من قال هذا بقوله: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} فأخب عنهم أن مساكنهم كانت باقية بعد تدميرهم، ومساكنهم أشياء كثيرة. وقال عز وجل: {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} وقد أتت الريح على الأرض والجبال والمساكن والشجر وغير ذلك فلم يصر شيئا منها كالرميم وقال عز وجل: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} يعني بلقيس، فكأن بقولك يا بشر يجب أن لا يبقى شيء يقع عليه اسم الشيء إلا دخل في هذه اللفظة وأوتيته بلقيس، وقد بقي ملك سليمان وهو مائة ألف ضعف مما أوتيته لم يدخل في هذه اللفظة. فهذا كله مما يكسر قولك ويدحض حجتك، ومثل هذا في القرآن كثير مما يبطل قولك، ولكني أبدأ بما هو أشنع وأظهر فضيحة لمذهبك وأدفع لبدعتك، قال الله عز وجل: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} وقال: {لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً} وقال عز وجل: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ} وقال عز وجل: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} فأخبر الله عز وجل بأخبار كثيرة في كتابه، أن له علماً أفتقر يا بشر أن الله علما كما أخبرنا أو تخالف التنزيل؟.

قال عبد العزيز: فحاد بشر عن جوابي وأبا أن يصرح بالكفر فيقول: ليس لله علم، فيكون قد رد نص التنزيل فتتبين ضلالته وكفره، وأبى أن يقول: إن الله علماً، فأسأله عن علم الله هل هو داخل في الأشياء المخلوقة أم لا؟ وعلم ما أريد، وما يلزمه في ذلك من كسر قوله وإبطال حجته، فاجتلب كلاماً لم أسأله عنه، فقال: معنى علمه إن لا يجهل. فأقبلت على المأمون فقلت: يا أمير المؤمنين لا يكون الخبر عن المعنى قبل الإقرار بالشيء، وإنما يكون الإقرار بالشيء ثم الخبر عن معناه، فليقر بشر أن لله علماً كما أخبرنا في كتابه، فإن سألته عن معنى العلم وهذا مما لا أسأله عنه فليجبن أن الله لا يجهل، وقد حاد بشر يا أمير المؤمنين عن جوابي.

فقال بشر: وهل تعرف الحيدة؟ قلت: نعم إني أعرف الحيدة في كتاب الله عز وجل وهي سبيل الكفار التي اتبعتها.

فقال لي المأمون: يا عبد العزيز هل تعرف الحيدة في كتاب الله عز وجل؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين وفي سنة المسلمين، وفي لغة العرب. فقال: وأين هي من كتاب الله عز وجل. فقلت: قال الله عز وجل في قصة إبراهيم عليه السلام حين قال لقومه: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} وإنما قال لهم إبراهيم هذا ليكذبهم فيعيب آلهتهم ويسفه أحلامهم فعرفوا ما أراد بهم، وإنهم بين أمرين:

إما أن يقولوا نعم يسمعوننا حين ندعو وينفعوننا ويضروننا، فيشهد عليهم بلغة قومهم إنهم قد كذبوا. أو يقولوا لا يسمعوننا حين ندعو ولا ينفعوننا ولا يضروننا فينفوا عن آلهتهم القدرة. وعلموا أن الحجة لإبراهيم عليه السلام في أي القولين أجابوه عليهم قائمة. فحادوا عن كلامه واجتلبوه كلاما من غير ما سألهم عنه فقالوا: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} ولم يكن هذا جوابا لمسألة إبراهيم عليه السلام، وأما الحيدة في سنة المسلمين فيروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وقد قدم عليه فنظر إليه يكاد يتفقأ شحما، فقال: يا معاوية ما هذه الشحمة لعلها من نومة الضحى ورد الخصوم، قال له معاوية: يا أمير المؤمنين رحمك الله علمني وفهمني، ولم يكن هذا جواباً لقول عمر رضي الله عنه إنما حاد عن جوابه لعلمه بما فيه، فاجتلب كلاما غيره فأجاب به.

وأما الحيدة في كلام العرب فقول امرئ القيس:
تقول وقد مــال الغبيـط بنـا معا عقـرت بعيـري يا امرء القيس فانزل
فقلت لها سيري وأرخي زمامـــه ولا تبعدني من جنـــاك المعــلل

ولم يكن هذا جواباً لكلامها، وإنما حاد عن جوابها واجتلب كلاماً غيره، قال: فأقبل المأمون على بشر فقال: يأبي عليك عبد العزيز إلا أن تقرأن لله علماً فأجبه ولا تحد عن جوابه. فقال بشر: قد أجبته وأن معنى العلم لا يجهل وهذا جوابه ولكنه يتعنث.
رد مع اقتباس