عرض مشاركة واحدة
  #68  
قديم 2012-11-17, 06:54 PM
آية.ثقة آية.ثقة غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2012-01-30
المشاركات: 302
افتراضي

غزوة الأحزاب


ثم بعد هذه كانت غزوة الأحزاب في آخر السنة الرابعة ، وقيل في بداية السنة الخامسة .
الآن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن طرد بني النضير ، وكان قد طرد قبلهم بني القينقاع لم يبق في المدينة إلا بنو قريظة والمنافقون طبعا موجودون في المدينة ، عند ذلك في سنة خامسة من الهجرة
خرج عشرون رجلاً من بني قريظة ومن بني النضير أيضا ممن أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم فساروا إلى مكة ، وأخذوا يحرضون أهل مكة على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون نحن معكم ، ننصركم من الداخل ومن الخارج ، وذهبوا إلى غطفان ، وقالوا : أنصروا قريشا على محمد. وذهبوا إلى قبائل العرب يجمعونهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم.
فخرجت قريش وكنانة ، وخرج أيضا غطفان واليهود وتجمعوا حول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف رجل ، واتفقوا على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أثناء خروجهم أو أثناء إعداد العدة للخروج تبلغ أمثال هذه الأمور إلى النبي صلى الله عليه وسلم إما من الوحي ، وإما من الرسل والعيون التي يرسلها النبي صلى الله عليه وسلم أو كقائد مسلم يرسل العيون ينظر الأخبار. علم النبي صلى الله عليه وسلم أن قريشا مع غطفان مع كنانة مع اليهود يتحالفون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأشار عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه أن يحفر خندقا ، وقال: هكذا كان يفعل الفرس إذ تضايقوا . فأمر النبي صى الله عليه وسلم بحفر الخندق حول المدينة من جهة الشمال ، لأن الجهات الأخرى كلها محصورة بالشجر والجبال ، فلا يستطيع أن يلأتي أحد منها ، فالطريق الذي يأتي إلى المدينة جهة الشمال. فأمر بحفر الخندق من جهة الشمال صلوات الله وسلامه عليه.
فصاروا يحفرون وقام المسلمون بجد ونشاط يحفرون الخندق، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشاركهم فعن سهل بن سعد، قال‏:‏ كنا مع رسول الله في الخندق، وهم يحفرون، ونحن ننقل التراب على ظهورنا، يقول: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏
اللهم لا عَيشَ إلا عيشُ الآخرة*** فاغفر للمهاجرين والأنصار‏‏‏.‏

وفي رواية : فاغفر للأنصار والمهاجرة.

وعن أنس قال‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرين والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال‏:‏
اللهم إن العيش عيش الآخرة *** فاغفـر للأنصـار والمهـاجرة

فقالوا له‏:‏
نحـن الذيـن بايعـوا محمـداً *** على الجهـاد ما بقيـنا أبداً

ود متبادل بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
-وعن البراء كذلك قال‏:‏ رأيته صلوات الله وسلامه عليه ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه(يعني من كثرة الغبار ما رأى بطن النبي صلى الله عليه وسلم)، يقول فسمعته يرتجز بكلمات عبد الله بن رواحة، أي يقول كلمات قالها عبد الله ابن رواحة وهي‏:‏

اللهم لولا أنت ما اهتدينا ** ولا تصـدقنـا ولا صلينــا
فأنزلن سكينـة علينـا ** وثبت الأقـدام إن لاقينــا
إن الألى قد بغوا علينـا ** وإن أرادوا فتـنـة أبينـــا

ويعيدها‏:‏
إن الألى قـد بغـوا علينـا ** وإن أرادوا فـتنـة أبينـا

قال أبو طلحة‏:‏ شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع(يعني في ذلك الوقت )،يقول ومن شدة الشكوى يقول: رفعنا القمص عن بطوننا نريد أن نري النبي الحجر على بطوننا (نربط الحجر على بطوننا من شدة الجوع)، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه فإذا هو قد ربط حجرين(يعني أن جوعه أشد من جوعهم صلوات الله وسلامه عليه فاطمأنوا ، وهكذا يطمئن الناس إذا كان قائدهم مثل النبي صلى الله عليه وسلم ،يعني يكون القائد كالناس تماما ، يشعر بشعورهم ، يجوع كما يجوعون ، يعطش كما يعطشون ، يعمل كما يعملون ، يهتم كما يهتمون ، ما يكون في برج عال بعيد عن الناس ، وإنما يشاركهم ويخالطهم ، فإذا رأوا ذلك علموا ليسوا فقط أنهم الذين يعملون ، وليسوا فقط الذين يدفعون ، وليسوا فقط الذين يجاهدون ، بل حتى قائدهم الذي كان ينبغي أن يرتاح أو ينعم بالعيش ، لا ليس كذلك بل هو معهم يشاركهم ، بل أكثر منهم صلوات الله وسلامه عليه ‏.‏

وعن جابر قال: إنا يوم الخندق نحفر(وهذه كرامة أعطاها الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأصحابه رضي الله تبارك وتعالى عنهم وأرضاهم )، يقول: إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة( أي صخرة عظيمة) ما استطعنا تكسيرها فجئنا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله هذه كدية عرضت في الخندق ما نستطيع عليها. فقال صلوات الله وسلامه عليه: أنا نازل لها. ثم قام وبطنه معصوم بحجر صلوات الله وسلامه عليه. يقول: وكنا أي مضت علينا ثلاثة أيام لم نذق طعاما . يقول: فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيبا أهيل أو أهيم (أي لما ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم الحجر صار كالرمل ، تفتت من قوة ضربة النبي صلى الله عليه وسلم).
وقال البراء: لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ منها المعاول (أي لا تكسرها المعاول)، فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول: فجاء وأخذ المعول فقال: بسم الله ، ثم ضرب ضربة، وقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر إلى قصورها الحمر الساعة ، ثم ضرب الثانية فقطع من الصخرة وقال: الله أكبر ، أعطيت فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن. ثم ضرب الثالثة صلوات الله وسلامه عليه. فقال: بسم الله فقطع بقية الحجر، وقال: الله أكبر ، أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني.
استبشر الصحابة رضي الله عنهم لأنهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق ، فهذه ليست أول مرة يروا فيها آية على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستبشروا خيرا.
المهم لما جاءت قريش بجيشها وحلفائها وحاصروا مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم رآهم المؤمنون فقالوا كما قال الله تبارك وتعالى عنهم:{‏وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 22‏]‏‏.‏

المدينة كان يعيش فيها مع المسلمين منافقون فقال المنافقون بعكس قول المؤمنين ونقل الله تبارك وتعالى قولهم في كتابه فقال: ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا‏}‏‏[‏ الأحزاب‏:‏ 12‏]‏‏.‏
فهذان موقفان ، موقف المؤمنين وصدق الله ورسوله، وموقف المنافقين والذين في قلوبهم مرض ما موعدنا الله ورسوله إلا غرورا. الله أكبر ، في مثل هذه المواقف: الجوع شديد، حصار عشرة آلاف، قلة داخل المدينة، هنا تظهر المعادل، يظهر صاحب الحق، ويظهر صاحب الشر.
المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الحصار فاتته صلاة العصر، انشغل عنها صلوات الله وسلامه عليه ، كما شغل أخوه سليمان صلوات الله وسلامه عليه بالخيل حتى غابت الشمس ، فالنبي صلى الله عليه وسلم شغل بجيش مكة ومن جاء معهم حتى غابت الشمس صلوات الله وسلامه عليه ، وفاتته العصر فقال: شغلونا عن الصلاة الوسطى(صلاة العصر)، ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا. فدعا عليهم صلوات الله وسلامه عليه.
فصاروا يترامون أي رمي بين المسلمين وبين المشركين، ووجد المشركون ثغرة فأرادوا أن يدخلوا منها ، فخرج إليهم جمع من المسلمين بقيادة علي بن أبي طالب وسدوا عليهم الثغرة، فطلبوا المبارزة، فقام عمرو بن ودّ أو بن عبد ودّ على خلاف في اسمه ، وكان من الشجعان فقال من يبارزني، وكان قد جاوز المائة من عمره على المشهور فقال : من يبارزني؟ فخرج إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال له عمرو بن ودّ: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. قال: ارجع يابن أخي فإني لا أريد أن أريق دمك. فقال علي رضي الله عنه: ولكني والله أريد أن أريق دمك. فغضب ونزل عن فرسه وضربها على وجهها وصرفها. فنزل علي رضي الله عنه عن فرسه فتصاولا فقتله علي رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه وكبر.
ثم صارت المراماة بين المسلمين والمشركين ، رمي لأنهم لا يستطيعون أن يتجاوزوا الخندق ، فصاروا يرمون بالسهام ‏.‏
ورمي سعد بن معاذ رضي الله تبارك وتعالى عنه وأصيب أكحله في يده رضي الله تبارك وتعالى عنه فقال‏:‏ اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه( يعني حتى بغضه أكثر من غيرهم لأنهم آذوا الرسول صلى الله عليه وسلم طردوه حاولوا قتله ، ألبّوا الناس عليه ، إذا حب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبغضهم مرتبط برسول الله صلى الله عليه وسلم بدين الله تبارك وتعالى، وهكذا يجب على المسلم أن يكون حبه وبغضه لله ، أن يحب لله ، وأن يبغض لله، يحب في الله ، يبغض في الله تبارك وتعالى، يبغض قريشا لأنهم آذووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال:اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها(أي تكون هذه سبيل وفاتي ، أي في سبيل الله طبعا)‏.‏ ثم قال‏:‏ ولكن لا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة‏(لأنهم خانوا الله وخانوا رسوله صلى الله عليه وسلم وهم القسم الثالث من اليهود ، فأما خيانتهم فإن أحد بني النضير جاء لكعب بن أسيد سيد بني قريظة فقال له: حيي على الباب( يعني حيي بن الأخطب على الباب). فقال كعب أغلقه دونه لا أريد أن أراه، فمازال يكلمه حتى أذن له ، ففتح له الباب فدخل حيي بن الأخطب على كعب بن أسيد ، فقال حيي: إني قد جئتك يا كعب بعزّ الدهر، وببحر طام، جئتك بقريش على قاداتها وساداتها حتى أنزلتهم بمجمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قاداتها وساداتها حتى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد(يعني هذا الكلام قبل أن يحاصروا المدينة ، نذكر فقط كيف غدرت بنو قريظة ، لماذا قال سعد: اللهم أقر عيني فيهم
يقول: عاهدوني وعاقدوني على ألا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه‏.(يعني نريد منك الخيانة من الداخل ، نحن من الخارج وأنت من الداخل ، فينتهي أمر محمد صلى الله عليه وسلم)‏

فقال له كعب‏:‏ جئتني والله بذُلِّ الدهر وبجَهَامٍ قد هَرَاق ماؤه(يعني جئتني بوجه ليس فيه حياء). ثم قال: ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء‏(ما رأيت منه شيء لماذا أغدر؟).‏ فقال حيي: ويحك فرصتنا. ومازال معه حتى قال له : نعم آتي محمدا من الداخل ، رضي بالغدر بمحمد صلى الله عليه وسلم ودخل في الحرب ضد المسلمين.
عندما علم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الغدر ، أي بلغه أن كعب بن أسيد سيغدر من الداخل ، وهؤلاء قد حاصروا النبي صلى الله عليه وسلم من الخارج صلوات الله وسلامه عله ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه حتى يتثبت ، التثبت مطلوب لأن الخبر الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم قد يكون كذبا ، فيظلمهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد صلوات الله وسلامه عليه أن يتثبت من الخبر ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ، وعبد الله بن رواحة، وخَوَّات بن جبير، وقال‏:‏ ‏‏"انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ‏؟(أي فعلا سيغدرون بنا أم لا؟) ‏ فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً أعرفه(أي تكلموا بكلام بصورة غير مباشرة تبينون لي فيه أنهم قد غدروا)، ولا تَفُتُّوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس‏" (يعني النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: إذا ذهبتم إلى بني قريظة وتثبثتم من الأمر وعلمتم أنهم سيغدرون فقولوا كلاما غير واضح أفهم أنا منه أنهم يريدون الغدر حتى لا يتأثر الناس ، لأن الناس قد يصيبهم نوع من الإحباط واليأس ، حصار وغدر من الداخل فتفت هذه الأمور في أعضادهم ، قال: وإغن كانوا على العهد فصيحوا بها، قولوا : هم على العهد يارسول الله حتى يطمئن الناس) ‏‏.‏ يقول: فلما دنوا منهم وجدوهم على أخبث ما يكون، يسبون الرسول، ويسبون أصحابه( يعني أظهروا الغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم)
وقالوا‏:‏ من رسول الله هذا ‏؟‏ لا عهد بيننا وبين محمد، يتكلمون بينهم بصوت مرتفع، يسمعون الناس، لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد‏.‏ فانصرف هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم ، فلما أقبلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله‏:‏ عَضَل وقَارَّة ؛ عضل وقارة :قد ذكرنا أنهم غدروا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل قليل، فهذا يقول هو كغدر أولئك ، كغدر قارة وعضل ففهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون غدر الرجيع ، وأن هؤلاء غادرون، وهذا نوع من اللحن غير مباشر، ولكن بين أن هؤلاء كأصحابهم أولئك (أي غدر يا رسول الله).
فتأذى النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر صلوات الله وسلامه عليه ، وكان الموقف لا شك حرجا كما قال الله تبارك تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا‏}‏‏[‏ الأحزاب‏:‏10، 11‏]‏
وأظهر بعض المنافقين نفاقهم كما قال الله تبارك وتعالى:[ ولتعرفنهم في لحن القول ]
فأظهروا نفاقهم فقال بعهم لبعض : إن محمدا يعدنا بكنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يأمن على نفسه حين يذهب إلى الغائط، وبعضهم قال:[ إِنَّ بُيُوتَنَا عورة(أي خارج المدينة نريد أن نذهب إليها)وقال الله: وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 12، 13‏]‏‏.‏
وهم قوم من الأنصار أن يجبنوا عن القتال ، وهم بنو سلمة فقال الله :"وإذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون".فثبتهم الله تبارك وتعالى ولم يفشلوا ولم يتركوا النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الوقت الحرج صلوات الله وسلامه عليه.
وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه تقنع بثوبه فترة ثم رفع رأسه وقال : ‏‏(‏الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره‏)‏، ثم قام صلوات الله وسلامه عليه يثبت الناس ، وأراد أن يصالح إزارة غطفان وغيرها ، فأراد أن يصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة وكانا سيدا الأوس والخزرج فقال لهما:"ما تقولان ؟ نعطي غطفان نصف ثمار المدينة على أن يرجعوا " (لأن غطفان تمثل أربعة آلاف من عشرة، وبقية قبائل العرب تمثل الذين جاؤوا مع قريش يمثل ألفين ، فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى من الرأي أن يرد غطفان بصلح عهد خاص بينه وبين غطفان على أن يرجعوا . فقال : نعطيهم ثلث ثمار المدينة حتى ير جعوا ونقابل نحن قريش ومن معها. فقال : ما تقولان؟ فقالا: يا رسول الله إن كان الله أمرك بهذا فسمعا وطاعة، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا ، وإن كان هذا الأمر إنما تصنعه خوفا علينا ورأفة بنا فلا نراه. يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء على الشرك (فيما مضى) ، ووالله يا رسول الله لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا ببيع أو قرى (يعني يقول لما كنا على الشرك ما يطمعون فينا هؤلاء غطفان إلا أن يبتاعوا بيعا وإما أن نضيفهم يعني ما يأخذوا منا ولا ثمرة واحدة بالغصب أبدا ونحن على الشرك في ذلك الوقت فكيف وقد أعزنا الله بالإسلام نتنازل لهم والله معنا سبحانه وتعالى)، أفحين أن أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ؟ لا والله يا رسول الله ، لا نعطيهم إلا السيف.هذه شجاعة نادرة، يحاصرون بعشرة آلاف وهم قلة ، وخيانة من الداخل وغدر من الداخل ، وجوع وهلكة، ويستطعون خلال هذا الإتفاق أن يصرفوا عنهم أربعة آلاف رجل ، فيقل: لا ليس لهم عندنا إلا السيف . قمة الشجاعة! فصوب النبي صلى الله عليه وسلم رأيهما . وقال: ‏‏(‏إنما هو شيء أصنعه لكم(يعني ليس من الله) لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة‏)‏‏.‏
ولكن الله تبارك وتعالى لم يؤخر الأمر بل نصر رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهناك قصة لنعيم بن مسعود ضعيفة من حيث السند ولكنها يذكرها أهل السير ولا بأس بذكرها ، وذلك أن نعيم بن مسعود جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله إني قد أسلمت ، وأريد أن أقاتل معك . فقال: هل علم أحد بإسلامك؟ قال: لا. قال: ، فَخذِّلْ عنا ما استطعت. فقال: نعم. فذهب نعيم بن مسعود لبني قريظة من الداخل فقال لهم: ياقوم إن قريشا أهل غدر ، وإنهم إذا انتصروا على محمد وأخذوا ما يريدون خرجوا وتركوكم ثم ينتقم منكم أهل المدينة الأوس والخزرج وما يدريكم أن قريشا. قالوا: لا ، سيبقون معنا ن وعاهدونا عن طريق حيي بن الأخطب. قال: والله أنا لا أرى إلا أن تأخذوا منهم فدية تضمنون بها حقكم. قالوا: وما هي؟ قال: أطلبوا منهم أن يعطوكم عشرة من أولادهم حتى إذا غدروا قتلتموهم ولم يغدروا خوفا على أولادهم. قالوا: فكرة.
ثم ذهب إلى قريش وقال لهم: إنكم تعلمون أن اليهود قوم غدر وإنهم سيغدرون بكم.قالوا له: كيف؟ قال: سمعتهم يتكلمون يقولون: إننا سنأخذ عشرة من قريش ونعطيهم لمحمد لنثبت له حسن نوايانا وأننا صادقون وأننا معه وأنهم سيغدرون بكم.
فالتقت قريش مع اليهود، فقالت اليهود لقريش: أعطونا عشرة من أولادكم حتى نضمن حقنا. فقالت قريش في أنفسها: نعم يريدون العشرة ليسلموهم لمحمد. فقالوا: لا، لن يكون هذا أبدا. فقالت اليهود:نعم قريش تريد أن تغدر بنا ولذلك لاتريد أن تعطينا العشرة ففك الله تبارك وتعالى ما كان بينهم من عهد ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم عند ذلك خذلت قريظة قريشا وخذلت قريش قريظة فأرسل الله تبارك وتعالى جنودا من عنده سبحانه وتعالى وذلك في شوال فزلزلت قريشا، وهذه الجنود عبارة عن ريح عظيمة أرسلها الله تبارك وتعالى عليهم.
المهم أن الله تبارك وتعالى أرسل إليهم تلك الريح فتركوا أماكنهم ورجعوا إلى بلادهم خائبين بعد أن حاصروا النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه مدة شهر كامل.
رد مع اقتباس