عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 2013-04-20, 09:30 PM
SeaOfKnowledge SeaOfKnowledge غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-04-20
المشاركات: 20
افتراضي

منقول:

***********************************************

الميزان في تفسير القرآن

سورة البقرة

177

لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)

بيان

قيل: كثر الجدال و الخصام بين الناس بعد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة و طالت المشاجرة فنزلت الآية.

قوله تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب، البر بالكسر التوسع من الخير و الإحسان، و البر بالفتح صفة مشبهة منه، و القبل بالكسر فالفتح الجهة و منه القبلة و هي النوع من الجهة، و ذوو القربى الأقرباء، و اليتامى جمع يتيم و هو الذي لا والد له، و المساكين جمع مسكين و هو أسوأ حالا من الفقير، و ابن السبيل المنقطع عن أهله، و الرقاب جمع رقبة و هي رقبة العبد، و البأساء مصدر كالبؤس و هو الشدة و الفقر، و الضراء مصدر كالضر و هو أن يتضرر الإنسان بمرض أو جرح أو ذهاب مال أو موت ولد، و البأس شدة الحرب.

قوله تعالى: و لكن البر من آمن بالله، عدل عن تعريف البر بالكسر إلى تعريف البر بالفتح ليكون بيانا و تعريفا للرجال مع تضمنه لشرح وصفهم و إيماء إلى أنه لا أثر للمفهوم الخالي عن المصداق و لا فضل فيه، و هذا دأب القرآن في جميع بياناته فإنه يبين المقامات و يشرح الأحوال بتعريف رجالها من غير أن يقنع ببيان المفهوم فحسب.

و بالجملة قوله و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر، تعريف للأبرار و بيان لحقيقة حالهم، و قد عرفهم أولا في جميع المراتب الثلاث من الاعتقاد و الأعمال و الأخلاق بقوله: من آمن بالله و ثانيا بقوله: أولئك الذين صدقوا و ثالثا بقوله: و أولئك هم المتقون.

فأما ما عرفهم به أولا فابتدأ فيه بقوله تعالى: من آمن بالله و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيين، و هذا جامع لجميع المعارف الحقة التي يريد الله سبحانه من عباده الإيمان بها، و المراد بهذا الإيمان الإيمان التام الذي لا يتخلف عنه أثره، لا في القلب بعروض شك أو اضطراب أو اعتراض أو سخط في شيء مما يصيبه مما لا ترتضيه النفس، و لا في خلق و لا في عمل، و الدليل على أن المراد به ذلك قوله في ذيل الآية أولئك الذين صدقوا فقد أطلق الصدق و لم يقيده بشيء من أعمال القلب و الجوارح فهم مؤمنون حقا صادقون في إيمانهم كما قال تعالى: «فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما: النساء 68 و حينئذ ينطبق حالهم على المرتبة الرابعة من مراتب الإيمان التي مر بيانها في ذيل قوله تعالى إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت: البقرة 131. ثم ذكر تعالى نبذا من أعمالهم بقوله: و آتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب و أقام الصلوة و آتى الزكوة، فذكر الصلاة - و هي حكم عبادي - و قد قال تعالى: «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر»: العنكبوت - 45، و قال: «و أقم الصلوة لذكري»: طه - 14، و ذكر الزكاة - و هي حكم مالي فيه صلاح المعاش - و ذكر قبلهما إيتاء المال و هو بث الخير و نشر الإحسان غير الواجب لرفع حوائج المحتاجين و إقامة صلبهم.

ثم ذكر سبحانه نبذا من جمل أخلاقهم بقوله: و الموفون بعدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس، فالعهد هو الالتزام بشيء و العقد له - و قد أطلقه تعالى - و هو مع ذلك لا يشمل الإيمان و الالتزام بأحكامه كما توهمه بعضهم - لمكان قوله إذا عاهدوا، فإن الالتزام بالإيمان و لوازمه لا يقبل التقيد بوقت دون وقت - كما هو ظاهر - و لكنه يشتمل بإطلاقه كل وعد وعده الإنسان و كل قول قاله التزاما كقولنا: لأفعلن كذا و لأتركن، و كل عقد عقد به في المعاملات و المعاشرات و نحوها، و الصبر هو الثبات على الشدائد حين تهاجم المصائب أو مقارعة الأقران، و هذان الخلقان و إن لم يستوفيا جميع الأخلاق الفاضلة غير أنهما إذا تحققا تحقق ما دونهما، و الوفاء بالعهد و الصبر عند الشدائد خلقان يتعلق أحدهما بالسكون و الآخر بالحركة و هو الوفاء فالإتيان بهذين الوصفين من أوصافهم بمنزلة أن يقال: إنهم إذا قالوا قولا أقدموا عليه و لم يتجافوا عنه بالزوال.

و أما ما عرفهم به ثانيا بقوله: أولئك الذين صدقوا، فهو وصف جامع لجمل فضائل العلم و العمل فإن الصدق خلق يصاحب جميع الأخلاق من العفة و الشجاعة و الحكمة و العدالة و فروعها فإن الإنسان ليس له إلا الاعتقاد و القول و العمل، و إذا صدق تطابقت الثلاثة فلا يفعل إلا ما يقول و لا يقول إلا ما يعتقد، و الإنسان مفطور على قبول الحق و الخضوع له باطنا و إن أظهر خلافه ظاهرا فإذا أذعن بالحق و صدق فيه قال ما يعتقده و فعل ما يقوله و عند ذلك تم له الإيمان الخالص و الخلق الفاضل و العمل الصالح، قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين»: التوبة - 120، و الحصر في قوله أولئك الذين صدقوا، يؤكد التعريف و بيان الحد، و المعنى - و الله أعلم - إذا أردت الذين صدقوا فأولئك هم الأبرار.

و أما ما عرفهم به ثالثا بقوله و أولئك هم المتقون، الحصر لبيان الكمال فإن البر و الصدق لو لم يتما لم يتم التقوى.

و الذي بينه تعالى في هذه الآية من الأوصاف الأبرار هي التي ذكرها في غيرها.

قال تعالى: «إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا - عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر و يخافون يوما كان شره مستطيرا - و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا - إنما نطعمكم لوجه الله - إلى أن قال - و جزاهم بما صبروا جنة و حريرا:» الدهر - 12، فقد ذكر فيها الإيمان بالله و اليوم الآخر و الإنفاق لوجه الله و الوفاء بالعهد و الصبر، و قال تعالى أيضا: «كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين و ما أدريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون. إن الأبرار لفي نعيم - إلى أن قال - يسقون من رحيق مختوم - إلى أن قال - عينا يشرب بها المقربون»: المطففين - 28، بالتطبيق بين هذه الآيات و الآيات السابقة عليها يظهر حقيقة وصفهم و مآل أمرهم إذا تدبرت فيها، و قد وصفتهم الآيات بأنهم عباد الله و أنهم المقربون، و قد وصف الله سبحانه عباده فيما وصف بقوله: «إن عبادي ليس لك عليهم سلطان: الحجر - 42، و وصف المقربين بقوله: «و السابقون السابقون. أولئك المقربون في جنات النعيم»: الواقعة - 12، فهؤلاء هم السابقون في الدنيا إلى ربهم السابقون في الآخرة إلى نعيمه، و لو أدمت البحث عن حالهم فيما تعطيه الآيات لوجدت عجبا.

و قد بان مما مر أن الأبرار أهل المرتبة العالية من الإيمان، و هي المرتبة الرابعة على ما مر بيانه سابقا، قال تعالى: «الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون»: الأنعام - 82.

قوله تعالى: و الصابرين في البأساء، منصوب على المدح إعظاما لأمر الصبر، و قد قيل إن الكلام إذا طال بذكر الوصف بعد الوصف فمذهبهم أن يعترضوا بين الأوصاف بالمدح و الذم، و اختلاف الإعراب بالرفع و النصب.

بحث روائي

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان.

أقول: و وجهه واضح بما بيناه، و قد نقل عن الزجاج و الفراء أنهما قالا: إن الآية مخصوصة بالأنبياء المعصومين لأن هذه الأشياء لا يأتيها بكليتها على حق الواجب فيها إلا الأنبياء انتهى، و هو ناش من عدم التدبر فيما تفيده الآيات و الخلط بين المقامات المعنوية، و قد أنزلت آيات سورة الدهر في أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سماهم الله فيها أبرارا و ليسوا بأنبياء.

نعم خطرهم عظيم، و قد وصف الله حال أولي الألباب الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم و يتفكرون في خلق السماوات و الأرض، ثم ذكر مسألتهم أن يلحقهم الله بالأبرار، قال: «و توفنا مع الأبرار»: آل عمران - 193.

و في الدر المنثور، أخرج الحكيم الترمذي عن أبي عامر الأشعري قال: قلت: يا رسول الله ما تمام البر، قال أن تعمل في السر ما تعمل في العلانية.

و في المجمع، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام): ذوي القربى قرابة النبي.

أقول: و كأنه من قبيل عد المصداق بالنظر إلى آية القربى.

و في الكافي، عن الصادق (عليه السلام): الفقير الذي لا يسأل الناس و المسكين أجهد منه و البائس أجدهم.

و في المجمع، عن أبي جعفر (عليه السلام): ابن السبيل، المنقطع به.

و في التهذيب، عن الصادق (عليه السلام): سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها، قال: (عليه السلام) يؤدي عنه من مال الصدقة فإن الله عز و جل يقول: و في الرقاب.

و في تفسير القمي،: في قوله: و الصابرين في البأساء و الضراء قال: (عليه السلام) في الجوع و العطش و الخوف، و في قوله و حين البأس قال: قال (عليه السلام)، عند القتال
رد مع اقتباس