عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2014-06-03, 12:42 AM
حجازيه حجازيه غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2014-04-03
المكان: مـكـة الـمـكـرمـة
المشاركات: 1,808
افتراضي القول الفاصل / بين الإمام ابن تيمية والرحالة ابن بطوطة

القول الفاصل .. بين الإمام ابن تيمية والرحالة ابن بطوطة
محمد بهجة البيطار

اشتهر بين الناس قول الرحالة ابن بطوطة في رحلته الشهيرة عن شيخ الاسلام ابن تيمية ( وكنت اذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ميذكرهم ، فكان من جملة كلامه ان قال : ان الله ينزل الى سماء الدنيا كنزولى هذا – ونزول درجة من درج المنبر ) وصدق هذه الرواية كثير من العلماء والادباء في مختلف العصور ، واخذوا يروومها ويتوارثونها الى عصرنا هذا المسمى بعصر الحقيقة والنور . فرايت ان انشر في مجلة ( الهدى النبوي ) الغراء كلمة في هذا الموضوع تكون القول الفاصل انتصار للحق ودفعا للباطل :
.
.
1- ان ابن بطوطة رحمة الله لم يسمع من ابن تيمية ، ولم يجتمع به ، اذ كان
وصوله الى دمشق يوم الخميس التاسع من شهر رمضان المعظم عام 726 هجرية ، وكان سجن شيخ الاسلام في قلعة اوائل شهر شعبان من ذلك العام ، ولبث فيه الى ان توفاه الله تعالى ليلة لعشرين من ذي القعدة عام 728 وفاقا لما نشره الاستاذ الدكتور محسن بك البرازى في الرسالة الغراء. فكيف راه ابن بطوطة يخطب على منبر دمشق وسمعه يقول ( ينزل ) الخ ؟

.
.
2- ان رحلة ابن بطوطة مملوءة بالروايات والحكايات الغريبة ، ومنها ما لايصلح عقلا ولا نقلا ، وهو يلقي ما ينقله على عواهنه ولا يتعقبه بشئ . فمن ذلك قوله ( 54:1) وفي وسط المسجد ( أى الأموي الدمشقي ) قبر زكريا عليه السلام ، وانما هو قبر يحي عليه السلام كما هو المعروف . وقوله ايضا : وقرات في فضائل دمشق عن سفيان الثورى ان الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين الف صلاة . وهذا لا يقال من قبل الراي . وسفيان اجل من ان يفضله على حرم الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى المسجد الاقصى ثالث الحرمين الشريفين ، وهما لم يبلغ الثواب فيهما هذه الدرجة ، كما هو معلوم للمحدثين وغيرهم .
ومن نقوله التى اقرها ولم ينكرها ( 129:1 ، 133، 136 ) النذور للقبور المعظمة ، والوقوف عندها كما يفعل على ابواب الملوك . ومن ذلك النذر لأبي اسحق اذا هاجت الرياح في البحار واشتدت الاخطار ، وهو مالم يبلغه اهل الجاهلية الذين قال الله تعالى عنهم ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين) .

.
.
3- لم يكن ابن تيمية يعظ الناس على منبر الجامع كما زعم ابن بطوطة (75:1 فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ) بل لم يكن يخطب او يعظ على منبر الجمعة كما يوهمه قوله : ونزل درجة من درج المنبر . وانما كان يجلس على كرسي يعظ الناس ، ويكون المجلس غاضا باهله . قال الحافظ الذهبي : وقد اشتهر امره ، وبعد صيته في العالم ، واخذ في تفسير الكتاب العزيز ايام الجمع على كرسي من حفظه ، فكان يورد المجلس ولا يتعلنم ، وكان يورد الدرس بتؤدة وصوت جهورى فصيح . وقال : وفسر كتاب الله تعالى مدة سنين من صدره ، ايام الجمع .
وقال الشيخ علم الدين البرزالى في معجم شيوخه : وكان يجلس في صبيحة كل جمعة يفسر القران العظيم ، فانتفع بمجلسه ، وبركة دعائه ، وطهارة انفاسه ، وصدق بنيته وصفاء ظاهره وباطنه ، وموافقة قوله لعمله ، واناب الى الله تعالى خلق كثير وانما كان يخطب الناس على منبر الجامع الاموى في عهد دخول الرحالة ابن بطوطة دمشق – قاضي القضاة جلال الدين محمد عبد الرحمن القزيني ، وقد كان خطيب المسجد وامام الشافعية فيه ، وكان سكناه بدار الخطابة (ج1ص56رحلة ابن بطوطه) .

ومما تقدم يعلم ان ابن تيمية كان مدرسا واعظا ، ولا خطيبا ، وكان يلقي دروسه في التفسي صبيحة كل جمعة وهو جالس على كرسي في الجامع الاموي ، لا واقف على منبر فينزل درجة عنه . وقد اشار الى ذلك الحافظ المؤرخ ابن عبد الهادي بقوله : ثم ان الشيخ جلس يوم الجمعه ( اى بدمشق ) على عادته ، وقال وهو يصف حاله واعماله بمصر – ويتكلم في الجوامع على المنابر من بعد صلاة الجمعه الى العصر ) فهو لم يقل على منابر الجمعة ولا منابر الخطابه ، والظاهر ان المراد بالمنبر كل ماارتفع عن الارض ، كما يؤخذ من مفهومه اللغوي ، فهو يعم هذه الكراسي التى يجلس عليها المدرسون في المساجد الكبرى بمصر والشام والعراق ليسمع منها الجماهير ، فكيف غفل ابن بطوطه عن ذلك ؟.
.
.
4- انك لا تجد في جميع ما تراه من كتبه المخطوطه والمطبوعة غير تفصيل مسهب لمثل قوله الذى نقله عنه ابن ناصر الدين الشافعي في الرد الوافر : ومذهب السلف والأئمة الاربعة وغيرهم : اثبات بلا تشبيه ، وتنزيه بلا تعطيل ، وليس لأحد ان يضع عقيدة ولا عبادة من عند نفسه ، بل عليه ان يتبع ولا يبتدع ، ويقتدى ولا يبتدي ) ولمثل ما فسر به كلامه السيد صفى الدين الحنفي البخاري في القول الجلي بقوله ( قلت : وتفسير كلامه انه يجب الايمان بجميع المتشابهات الواردة في الكتاب والسنة كاليد والوجه والاستواء والنزول على وجه يليق به تعالى ، فلا يكيف بشئ منها ، ولا يمثل بصفات المخلوقين كما هو مذهب السلف ومن تبعهم من الخلف فلا يقال : يد كيدنا ولا وجه كوجهنا ، أو استواء كاستوائنا ، او نزول كنزولنا ، بل يداه صفته بلا كيف ، وكذا وجهه ؟، وهكذا فقس سائر الصفات والافعال ).
واقول هذه عقيدته الحموية والواسطية والاضفهانيه التى عقدت له المناظرات حولها في مصر والشام ، بل هذه ايضا كتبه و رسأله وفتاويه وردوده في العقائد قد بسط الكلام فيها على ايات الصفات والافعال واحاديثهما كالوجه واليدين والاستواء والنزول وغيرها بالمعقول والمنقول ، وكلها يتضمن اثبات الاسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات ، اثباتا فلا تشبيه ، وتنزيها بلا تعطيل ، كما قال تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) فقوله ليس كمثله شئ ، رد للتشبيه والتمثيل . وقوله : وهو السميع البصير ، رد للاحاد والتعطيل .
.
.
5- ان طريقة الشيخ الاسلام في اثبات الاسماء والصفات ، وفي بيان منشأ غلط المعطلة والنفاة ، واضحة في جميع كتبه ، وخلاصتها ان لهذه الصفات وجودا علميا ذهنيا ، ووجودا خارجيا عينيل ، فوجودها الذهني هو العلمي المطلق المجرد عن جميع الخصائص والاضافات كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام ، وكون المصوف حيا عليما قديرا ، سميعا بصيرا كتكلما ، فهذا القدر مشترك بين الموجودات كافة ، يطلق عليها بالاشتراك الاسمى او اللفظي كما هو ثابت لها في الوجود العلمي والذهني ، ولكن شيئا من ذلك لا يقتضي المشاركة والاعيان الخارجية ، بل الذهن مشتركا بين المسلميين ، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يميز به الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق . ولا بد من هذا في جميع اسماء الله وصفاته ، يفهم منها مادل عليه الاسم بالمواطاة والاتفاق ، وما دل عليه بالاضافة والاحتصاص ، المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شئ من خصائصه سبحانه وتعالى .
.
.
6- بين شيخ الاسلام رحمه الله تعالى في الرسالة التدمرية وغيرها ان نفاة الصفات يقعون في كثير من الاوهام والمحاذير ( منها ) ظنهم ان مدلول النصوص هو التمثيل ( ومنها ) انهم بنوا على ظنهم السئ تعطيل ما اودع الله ورسوله في كلامهما من المعني الالهية اللائقة بجللا الله تعالى ( ومنها ) انهم نفوا عن الله تعالى تلك الصفات بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ( ومنها ) انهم وصفوا الرب تعالى بنقيض تلك الصفات من صفات الاموات والجمادات ، او وصفوا المنقوصات والمعدومات ، فهم يجمعون في كلام الله وفي الله بين التعطيل والتمثيل ، وهذا من الالحاد في اسماء الله وآياته .
.
.
7-يظهر من كلامه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ان الشيخ نصرا المنيجي الذى كان مقدما في الدولة هو الذي اشاع عنه مسالة النزول عن الدرج بسبب كتاب ورده من الامام ابن تيميه ينكر عليه فيه اقوالا في وحدة الوجود ويعدها عليه . قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة ( 154:1) وكتب اليه كتابا طويلا ، ونسبه واصحابه اللا الاتحاد الذى هو حقيقة الالحاد ، فعظم ذلك عليهم ، واعانه عليه قوم اخرون ، ضبطوا عليه كلمات في العقائد مغيرة ، ، وقعت منه في مواعيده ( مواعظه ) وفتاويه ، فذكروا أنه ذكر حديث النزول ، فنزول عن المنبر درجتين ( كذا ) فقال كنزولي هذا ، فنسبة الى التجسيم).
واقول : قد عرفت المراد من لفظ المنبر حتى ان الحافظ ابن حجر قال : وكان يتكلم على المنبر على طريقة المفسرين مع الفقه والحديث ، فيورد في ساعة من الكتاب والسنة واللغة والنظر مالا يق5در احد على ان يورده في عدة مجالس ، كأن هذه العلوم بين عينيه ) ( 135 ج1 ) من الدرر . وهذا مما يؤكد انه كان يلقي درسه على كرسي يجلس عليه والمستمعون حوله ، فكلامه على طريقة المفسرين – من بعد صلاة الجمعة الى العصر . وايراده من الايات والأحاديث ونصوص اللغة وقوال العلماء في مجلس واحد مالا يورده غيره في عدة مجالس كما تقدم – هو طريقة المدرسين المحققين في حلقات المساجد الكبرى ، لاخطباء المساجد وهم وقوف ، لاسيما وقد صرحوا بجلوسه في درسه ، وهذا لا يتيسر على منبر الخطب الجمعية .
ثم انظر الى قوله في خصومه : ضبطوا عليه كلمات في العقائد مغيرة ، فاذا كانت مغيرة فما ذنبه هو حتى يؤخذ بها او تؤخذ عليه ( ولا تزر وازرة وزر اخرى ) والحافظ ابن حجر هو ناقل غير قائل ، وفي قوله : عقائد مغيرة ما يثبت انه لا يعتد بما قالوه بل لا يعبا بما افترى به عليه ، كيف وقد اقوال الائمة الثقات فيه ، وهم قد نزهوه عن تلك المفتريات ؟
ومن اراد استيفاء البحث فليراجع مجموعة الرد الوافر او الرسالة التدميرية لشيخ الاسلام ، او ملحق الجزء الرابع من فتاويه او العقود الدرية للحافظ ابن عبد الهادي ليبلغ حد اليقين في نفي مطاعن الطاعنين . وهذه من اشهر الكتب التى طبعت في مصر .

.
.
8- ان العلوم الحديثة قربت فهم النصوص على طريقة السلف ، وبنيت انها البخاري ومسلم في الصحيحين ( ينزل ربنا كل ليلة الى سماء الدنيا . فقد اورد في دفع المؤلف القاضي ابي يعلى : النزول صفة ذاتية ، ولا نقول : نزوله انتقالوقال المؤلف الامام ابن الجوزي رحمه الله : وهذا مغالط ) قلت : ليس بمغالط ، فقد ظهر في عصرنا ما يؤيد قوله ، فان صوت المذياع الان يسمع من كل مكان كما يسمع من مكانه ، وهذا الاختراع الحديث يقرب لنا فهم ما اورده الامام البخاري في صحيحه من ان الله ينادي عباده يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد يسمعه من قرب . ومثله اذا تكلم الله بالوحي سمع اهل السموات صوته ، بل الالة التى تريك المتكلم الان حاضرا عندك وهو لم يبراح مكانه تهدينا الى فهم النزول الى سماء الدنيا بلا انتقال ، وان النزول هو صفة ذات لا صفة فعل ، كما قال القاضي ابو يعلى . ومثله اسناد صفة الكلام اليه تعالى في قوله ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيما ً) وقوله رسوله ( اذا تكلم الله بالوحي ) فوصفه بما وصف به نفسه حقيقي غير مجازي وهو لا يحتاج الى تاويل بله التعطيل ، فرارا من شبهة التشبيه ، فان تشبيه من ليس كمثله شئ بالمخلوق المتكلام بفم ولسان غير وارد من اصله . فقد انطق العلم الحديث الان الجمادات فنطقت بغير فم ولسان كالمذياع والحاكي . افتابي قدرة الله وحكمته الا ان يتكلم بفم ولسان كالانسان ؟ اليس هو القادر ان يختم على فم الانسان وينطق جسمه الصامت كما اخبر في عدة ايات ؟ منها قوله سبحانه ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ ) الاية . افيعقل ان يكون هذا القادر الحكيم عاجزا عن التكلم الا بفم مثل المخلوق ؟ .
.
.
وجملة القول : ان هذه الرواية مختلفة على ابن تيمية سواء صحت عن ابن بطوطة ام لم تصح ، فهو لم يره ولم يسمع منه ، ومؤلفاته جميعها ترد هذه الكلمة الشاردة عنه ، بل لو ثبتت الرؤية والسماع لصح ان نقول ان ابن بطوطة شبه له ابن تيمية كما شبه السيد المسيح عليه الصلاة والسلام لقوم زعموا انه هو ، وكان غيره ، فتشابه الخلق عليهم ، وكما عذق النخلة في القصة التى حكاها ابن بطوطة في سبب تسمية الشيخ رسلان رحمه الله بالياز الأشهب ( ج 1:59) وقد كنت دخلت انا وصديقي الاستاذ عز الدين التنوخي على شاب من معارفنا ، فقلت له : ما اشبهك بفلان ، قال : فلان ما اعرفه ولكني اعرف شابا اخر لولا تحقيقي من وجود المستقل عني لظننته اياى ، وحكايات الشبه والاشتباه في الاشخاص والاشياء لا تكاد تحصر ، وهي داخلة في باب تحقيق الشخصية من كتب الطب الشرعي وغيره . على ان ابن بطوطة لم يكتب رحلته بقلمه ، وانما املاها على الكاتب الاديب ابن جزى الكلبي . وقال هذا في المقدمة : ونقلت معاني كلام الشيخ ابي عبد الله بالفاظ موفية للمقاصد التى قصدها ، موضحة للمعاني التى اعتمدها ) فيجوز ان يكون ذلك من تجريف النساخ او وسوسة بعض الخصوم والله اعلم ، ([1]).
([1])مجلة الهدى النبوى : عدد (1) جمادى الأولى (1359)..

منــــقول
رد مع اقتباس