إعلان الخوارج للخلافة عبر العصور+رؤية شرعية
إعﻼنُ الخِﻼفةِ اﻹسﻼميَّةِ - رؤيةٌ شرعيَّةٌ واقعيَّةٌ:
عَلَوي بن عبدالقادر السَّقَّاف المشرف العام على مؤسَّسة الدُّرر السَّنية18 شوال 1435هـ.
الحمدُ لله ربِّ العالَمين، والصَّﻼة والسَّﻼم على رسولِ الله، وعلى آله وصحْبه ومَن واﻻه.
أمَّا بعدُ:فإنَّ الخِﻼفةَ اﻹسﻼميَّة وجمْعَ اﻷمَّة تحت سُلطان واحد يَحكمُهم بشِرعة الله على منهاج النُّبوَّة، مطلبٌ عزيزٌ يرنو إليه كلُّ مسلِمٍ في هذه الحياة، وهو من أعظمِ مقاصدِ اﻹسﻼم، وأسْمى صُورِ الوحدةِ واﻻعتصام التي أمَر الله ورسوله بهما، قال الله تعالى: {وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ} [المؤمنون:51]،وقال:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103].
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم:
((إنَّ اللهَ يرضَى لكم ثﻼثا ويكرهُ لكُم ثﻼثًا، فيرضَى لكُم أن تعبدوهُ وﻻ تشركوا به شيئًا، وأن تعتصِموا بحبلِ اللهِ جميعًا وﻻ تفرَّقوا...)) رواه مسلم (1715).
وقد أجمع العلماءُ على وجوب تنصيب إمامٍ واحد للمسلمين، نقل اﻹجماع على ذلك: الماورديُّ في (اﻷحكام السلطانية ص 15)، وأبو المعالي الجويني في (غياثِ اﻷمم ص15)، والقاضي عياض في [إكمال المعلم 6/220]، والنوويُ في [شرح صحيح مسلم 12/205]، وغيرهم كثير، ونصوصُ اﻹجماع كثيرة مبثوثة في مظانِّها ﻻ حاجة ﻹطالة المقال بذِكرها، كما أجمعت اﻷمَّة على أنَّ المقصد اﻷسمى من اﻹمامة أو الخﻼفة هو ما توارد ذِكرُه على ألسنة العلماء وفي كتُبهم، ولخَّصه الماورديُّ رحمه الله؛ إذْ قال:
(اﻹمامةُ موضوعةٌ لخِﻼفة النبوَّة في حراسة الدِّين وسياسة الدنيا، وعَقْدُها لِمَن يقوم بها في اﻷمَّة واجبٌ باﻹجماع).
فعلى هذا يكون مقصدُ الخﻼفة واﻹمامة إقامةَ المصالحِ الدِّينية والدُّنيويَّة، وتحقيقُ هذا المقصد يُمكن أن يُقيمه حاكمٌ مسلِم في قُطر من أقطار المسلمين وليس ثمَّةَ خﻼفة، وله السَّمع والطاعة حينئذ على مَن كان تحت إمرته، أو داخلًا تحت حُكم وﻻيته، وإنْ لم تكن إمامته إمامةً عُظمى؛ يقول العلَّامة الشوكانيُّ في [السيل الجرار] (4/512):
(وأمَّا بعدَ انتشار اﻹسﻼم، واتِّساع رُقعته، وتباعُد أطرافه، فمعلومٌ أنَّه قد صار في كلِّ قطر أو أقطار الوﻻية إلى إمامٍ أو سلطان، وفي القُطر اﻵخَر أو اﻷقطار كذلك، وﻻ ينفُذ لبعضهم أمرٌ وﻻ نهيٌ في قُطر اﻵخَر وأقطاره التي رجعتْ إلى وﻻيته؛ فﻼ بأس بتعدُّد اﻷئمَّة والسَّﻼطين، ويجب الطاعةُ لكلِّ واحد منهم بعدَ البَيعة له على أهل القُطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القُطر اﻵخَر).
ونقل هذا الكﻼمَ وأيَّده العلَّامةُ صِدِّيق حسن خان في كتابه [إكليل الكرامة في تبيان مقاصد اﻹمامة] (ص 125)؛ وجلُّ أهل العلم من شتَّى المذاهب قد أجازوا تعدُّدَ اﻷئمَّة إذا تعذَّر على إمامٍ واحدٍ حُكمُ كلِّ بﻼد المسلمين لتباعُدها.
ومهما يكُن من خﻼف في هذه المسألة، فهو غير مؤثِّر في مسألتنا، وإنَّما أجازوا هذه الحالة؛ ﻷنَّها حالة اضطرارٍ وعجْزٍ، و(العجز مسقطٌ لﻸمر والنهي وإنْ كان واجبًا في اﻷصل) [مجموع الفتاوى] (20/61).
فهناك فرْقٌ بين حالَي اﻻختيار واﻻضطرار, ومَن لم يفرِّق بينهما، فقد جهِلَ المعقولَ والمنقول، وهذا ما حصَل لكثيرٍ من الناس، فظنَّ أنَّ الدِّين لن تقوم له قائمةٌ ما لم تقُمِ الخِﻼفة، ولم يفرِّق بين السَّعي إلى إقامة الخِﻼفة الحقيقيَّة، التي أمَر الشارع بها، وبين إعﻼن خِﻼفة وهميَّة تُرضي العواطف، وﻻ تحقِّق مقاصد الخِﻼفة في الواقِع، وهذه الظنون تُشبِه ظنَّ بعض الجهلة أنَّه لن يَنشُر العدلَ ويَرفع الظلم إلَّا المهديُّ، فأوقع الطرفين في التعلُّقِ بهذين اﻷمرين.
والحديث عن الخﻼفة اﻹسﻼميَّة، أو (اﻹمامة العظمى) يطول، وقد كَتَب فيه كثيرون قديمًا وحديثًا، وﻻ تفِي بحقِّه مقالةٌ أو بحثٌ وجيز؛ لذلك سيكون الكﻼم هنا مقتصرًا على إعﻼن الخﻼفة بالطريقة التي تمَّت في حاضرنا اليوم في العراق، وذلك من ناحية الواقع التاريخي والشَّرعي.
أولًا: الواقِع التاريخي .
باستعراض التاريخ اﻹسﻼميِّ يَظهر جليًّا كثيرٌ من إعﻼنات الخﻼفة الوهميَّة، سواءً عن طريق الدَّعوات المزعومة بالمهديَّة، أو عن طريق فِرَق الخوارج الضالَّة؛ وهم أكثرُ النَّاس تلهفًا للخﻼفة، لكنْ بغير هُدًى وﻻ كتابٍ منيرٍ، ويبدو - والعِلم عند الله - أنَّ هذه سِمةٌ لهم، أمَّا أهلُ السُّنَّة والجماعة فﻼ يُثبتون اسم الخِﻼفة، أو اﻹمامة العظمى إلَّا لِمَن ثبتَتْ له الوﻻية على جُمهورهم؛ باﻻختيار أو التغلُّب، في شتَّى بِقاع المسلمين، وأمَّا مَن بُويع من أهل قُطْرٍ واحد، أو تغلَّب عليه، فقد ثبتَتْ وﻻيتُه عليهم، دون وﻻيتِه على مَن لم يبايعْه أو يتغلَّب عليه، وهكذا نشأتْ مسألة تعدُّد اﻷئمَّة التي سبَق ذكرُها آنفًا، وليستْ هذه المقالة مسوقةً لمناقشتها جوازًا، ومنعًا.
قال وهبُ بن منبِّه رحمه الله: (ما اجتمعتِ اﻷمَّة على رجلٍ قطُّ من الخوارج، ولو أمكن اللهُ الخوارجَ من رأيهم، فسَدتِ اﻷرض... وإذًا لقام أكثرُ من عَشرة أو عشرين رجلًا ليس منهم رجلٌ إلَّا وهو يدْعو إلى نفْسه بالخِﻼفة)
[مختصر تاريخ دمشق] (26/390).
آخر تعديل بواسطة مناظر سلفي ، 2014-10-02 الساعة 06:46 AM
|