عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2014-09-24, 05:55 AM
مناظر سلفي مناظر سلفي غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2014-05-01
المكان: بلد التوحيد سعودي النشأة تونسي الأصل
المشاركات: 607
افتراضي


اﻷ‌مر الثالث:

وقد وصف الحافظ ابن كثير ما صدر من كفر جنكيزخان فقال: « ذكر بعضهم: أنه كان يصعد الجبل ثم ينزل، ثم يصعد ثم ينزل مرارا حتى يعي ويقع مغشيا عليه، ويأمر من عنده أن يكتب ما يلقى على لسانه حينئذ… فالظاهر أن الشيطان كان ينطق على لسانه بما فيها.

وذكر الجويني أن بعض عبادهم كان يصعد الجبال للعبادة فسمع قائﻼ‌ يقول: إنا قد ملكنا جنكيزخان وذريته وجه اﻷ‌رض»(12).

فهذه أوصاف التتر وأحوالهم، ولذلك نقل الحافظ ابن كثير -رحمه الله- إجماع المسلمين على كفرهم وهو الحق المبين؛ فهذا الحكم خاص بملوك التتر، ومن كان مثلهم، وصنع صنيعهم.

اﻷ‌مر الرابع:
وصف ابن كثير وغيره مما سبق ذكرهم أحكام الياسق بـ«الشرع» وفسره السبكي بقوله: «ووضع لهم شرعا اخترعه ودينا ابتدعه؛ دليل على استحﻼ‌لهم لهذه اﻷ‌حكام الجاهلية بجعلها دينا من عند الله، وهذا كفر»(13 )

ويﻼ‌حظ في في هذا الوصف: التبديل واﻻ‌ختراع والتعبد، قال ابن العربي: «إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل يوجب الكفر» (14).

قال شيخ اﻹ‌سﻼ‌م ابن تيمية: «والشرع المبدل: هو الكذب على الله ورسوله أو على الناس بشهادات الزور ونحوها والظلم البين، فمن قال: إن هذا من شرع الله فقد كفر بﻼ‌ نزاع»(15).

وقال الجصاص: « من حكم بغير ما أنزل الله ثم قال: إن هذا حكم الله فهو كافر كما كفرت بنو إسرائيل حين فعلوا ذلك»(16).

فعلة الكفر التبديل والتقول على الله والكذب على الله ورسوله، وقد فعل جنكيزخان كل هذا.

اﻷ‌مر الخامس:

تكفير ابن كثير لهؤﻻ‌ء المتحاكمين مشروط بتقديم شرعهم المخترع على شرع الله، قال الحافظ في ذلك: « فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر»، وكذا قال: « فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه».

والتقديم هنا: يعني التفضيل، وهو عمل في القلب أي اعتقاد اﻷ‌فضلية، فهذا يكفر صاحبه، وﻻ‌ تعني كلمة التقديم هنا التقديم الظاهري بالحكم بغير حكم الله، وإﻻ‌ للزم منه أن يكون الذي يحكم بغير حكم الله، ولو في قضية واحدة، مقدمًا لحكمه على حكم الله، فليزم دخوله في هذا اﻹ‌جماع وتكفيره بذلك، وهذا باطل قطعا، ويؤيد ما قررت:

أن ابن كثير ذكر التقديم في البداية والنهاية مقرونًا بالتحاكم إلى الياسق، فدل هذا على أن التحكام يختلف عن التقديم؛ إذ لو كان التقديم هو مجرد التحاكم لكان تكرارا ليس له معنى، قال ابن كثير: « فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه» ومنه الكفر يقع على المتحاكم الذي يقدم -أي يفضل- شرع الله على غيره وليس مجرد التحاكم فقط بل يشترط التفضيل الذي هو من اﻻ‌ستحﻼ‌ل الذي ﻻ‌ يكون إﻻ‌ في الكفر اﻷ‌صغر.

وهنا نقف لكي نقرر على ما تقدم: بأن القانون الوضعي ليس بشرع، ولم يتعبد به الناس، وليس بمقدم على شرع الله في قلوب الحكام، وإن كان الحكم به واقع في بﻼ‌دهم، إﻻ‌ أن القياس الذي عقده الغﻼ‌ة بقياس القانون الوضعي على الياسق قياس مع الفارق من جميع الوجوه.

ويكون قياسًا صحيحًا لو أن القانون اعتبر شرعا بديﻼ‌ لحكم الله ويحكم به بين الناس على أنه حكم الله، ويجعل دينًا مقدما ومفضﻼ‌ على شريعة الله، هنا يكون القياس صحيحا، فمثل هذا الحاكم يكفر بما صنع واخترع، وبما اعتقد في قلبه واقتنع.

فلقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن ترك الحكم بغير ما أنزل الله مع اﻹ‌يمان بأصله ليس بكفر وﻻ‌ شرك مخرج من الملة، وإنما كبيرة:

قال اﻹ‌مام السمعاني: «واعلم أن الخوارج يستدلون بهذه اﻵ‌ية، ويقولون: من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، وأهل السنة قالوا: ﻻ‌ يكفر بترك الحكم»(17).

وقد تكلمنا عن مفهوم الغﻼ‌ة في هذه اﻵ‌ية ورددناه في موضعه عند الكﻼ‌م على قوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، وقد رجحنا هناك أن ترك الحكم بذلك ليس شرك باﻹ‌تفاق، وأصل اﻹ‌يمان موجود لم ينتف، فيجوز للحاكم أن يرجع بالتوبة، ويغفر الله له ما كان.

فعلى ما في مذهب أهل السنة وما تقرر فيه وما اتفقوا عليه من أن الحاكم ﻻ‌ يكفر بترك الحكم، وعليه يفهم كﻼ‌م ابن كثير، فإن الغﻼ‌ة يرددون كﻼ‌مه وﻻ‌ يعلمون أن العﻼ‌مة ابن كثير يعتمد على ما تقرر في عقيدة أهل السنة والجماعة، فحدثنا عن الياسق ويعلم أن من ورائه سيفهم أنه ﻻ‌ يقاس عليه ترك الحكم كما عند أهل السنة، إﻻ‌ إذا صنع الحاكم مثل ما صنع جنكيز خان من التبديل والتحريف والكذب واﻻ‌ختراع، وجعله دينا للناس وتفضيله على دين الله، فهذا ﻻ‌ شك سيكفر بذلك ﻷ‌نه استحل ذلك، كما هو معلوم، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم.


-------يتبع------

آخر تعديل بواسطة مناظر سلفي ، 2014-10-02 الساعة 06:59 AM
رد مع اقتباس