عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 2015-08-31, 09:51 AM
سليلة الغرباء آل براهمي سليلة الغرباء آل براهمي غير متواجد حالياً
مشرفة قسم اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: 2014-05-15
المشاركات: 121
افتراضي

جمع المخنث السّالم و جمع المسترجل السّالم
(أو المقالة الانشطارية للدفاع عن اللغة العربية في الجزائر)

الجزء الثاني


7) دعاوى باطلة:
إن كل الدعاوى التي ظهرت على الساحة الوطنية قديما و حديثا محاربة اللغة العربية باسم البربرية أو باسم الدارجة أو باسم الفرانكفونية، أو تحت أي شعار آخر أو زعم، إنما هي دعاوى عنصرية عدوانية و جدت لها أبواقا في الجزائر، أبواقا تملأ البلاد زيطة بينما يقف النافخون فيها هناك بعيدا وراء البحر.و هنا وجب طرح سؤال مهم و بسيط في رأيي و هو: هل سترضى فرنسا عن عملائها الجدد، دعاة التفرنس، أو ممارسي "الترافيستيزم" الثقافي؟ هؤلاء الدعاة الذين وطأوا ظهورهم لفرنسا فاتخذتهم مطايا تركبهم كما ركبت أسلافهم من قبل لتصل إلى أغراضها البعيدة و تحقق أحلامها القديمة لما كانت تستعمر البلاد و تسترق العباد؟ و الرد على هذا السؤال سهل و ميسور و هو : إنها لا و لن ترضى عنهم مهما بذلوا في سبيلها من جهد و مهما قدموا من ماء الوجه، كيف ترضى عن عملائها مهما كانوا و هي لم ترض عن أبنائها الحقيقيين لما خالفوها و ناقضوها؟ و إنما ستطرحهم إن عاجلا أو آجلا كما يطرح المدخن أعقاب السجائر بعدما تستنفد قواهم، أو تشم فيهم رائحة الردة عن مبادئها فكم من فرنسي أصيل تبرأت منه و كان ابنها المدلل، أبعد أكثر من أربعين سنة تتحقق أحلام فرنسا في الجزائر يا ناس؟ و على أيدي من؟ الجزائريين؟!

8) لغة المستقبل:
لقد شهد بعظمة اللغة العربية الغرباء عنها و من أبناء فرنسا ذاتها، و قديما قيل الفضل ما شهدت به الأعداء، و اللغة العربية لغة أبدية مهما حاول أعداؤها محاربتها، و انظروا إن شئتم إلى قصة الكاتب الأديب جول فيرن(Jules VERNE : 1828/1905) الفرنسي الشهير برواياته الخيالية العجيبة في القرن التاسع عشر، حيث جعل في روايته "رحلة إلى باطن الأرض" الأثر الذي يتركه أبطاله في جوف الأرض كتابة باللغة العربية، و لما سئل عن السبب الذي جعله يختار اللغة العربية و هو الفرنسي؟ قال:" لأنها لغة المستقبل!" (2) و لقد صدق! و إن الذي يتتبع انتشار اللغة العربية في أوروبا ذاتها ففي ألمانيا و حدها أربع عشر جامعة تدرس اللغة العربية، و في أمريكا الشمالية ( الولايات المتحدة الأمريكية و كندا) ليدرك ما أقصد و إن للعربية لشأنا حتى و إن تنكر لها أبناؤها من العرب و إن غدا لناظره لقريب و إن بعد و ليس مستبعدا عندي أن "تفتح" العربية العالم العربي غازية من الغرب!

9) من خصائص اللغة العربية، أو اللغة الخالدة:
إن اللغة العربية عالم قائم بذاته و هي من أعيان اللغات، بينما اللغات الأخرى و لاسيما اللغات الأوروبية المعاصرة عوالم قائمة بغيرها و هي أعراض، و ما أخس الأعراض أمام نفاسة الأعيان (الجواهر)، للغة العربية قدرات خاصة تمكنها من الاكتفاء ذاتيا، إنها تمتاز بالاشتقاق بأنواعه الثلاثة: الصغير و الكبير و الأكبر، وتمتاز بالنحت أو الاشتقاق الكبار ما يجعلها قادرة على التشكل لمرونتها و ليونتها فتصوغ المفردات و تصنع التراكيب المعبرة لاستيعاب بل لاحتواء نتاج الحضارات المعاصرة كله كما استوعبت نتاج الحضارات القديمة و احتوته مع الاحتفاظ بسماتها الشخصية الخاصة، فلا هي تذوب و لا تستطيع أن تذوب أو تنمحي و لو أرادت، و مع هذا كله نجدها متفتحة على غيرها من اللغات و متفاعلة معها دون شعور بالدونية أو الحرج أو الخوف أو الخجل فنراها تعرب و تقترض و تترجم، و هذا دليل على أنها لغة حية و لها من الحيوية ما يجعلها لغة خالدة! و قد وسعت كتاب الله لفظا و غاية كما وسعت العلوم قديما تسمية و بيانا، فهي لغة دين و دنيا و لا يمكن فصل وجه منهما عن الآخر دون المساس بجوهرها، و إن نزول القرآن الكريم بها جعل منها لغة خالدة بخلوده ولغة عالمية بالدرجة الأولى، فمن أراد قراءته و تدبره تحتم عليه تعلم العربية، و إن الإسلام دين عربي اللسان عالمي السلطان على القلوب قبل البلدان، فمن أراد فهمه من الأمم الأعجمية لزم عليه تعلم العربية أيضا، ومن أحب الدخول فيه وجب عليه تعلمها كذلك ليؤدي فرائضه كاملة تامة فهذه ضرورات ثلاث مأكدة لتعلم العربية، و قد فشت العربية في لغات العالم كما فشا الهواء فيه، وإن من يحاول إبعاد اللغة العربية عن الحياة فكأنما يحاول إلغاء الهواء من الدنيا و هذا محال، فإن كان خصوم العربية عاجزين ـ وهم عاجزون فعلا ـ عن هذا فهم عن إلغاء العربية أعجز! و إن صلة الجزائر باللغة العربية كصلتها بالإسلام، فإن كانت الجزائر جسدا فالإسلام لها روح و اللغة العربية لها نفس، فكما لا يمكن لجسد أن يحيا بلا روح فلا يمكنه كذلك أن يعيش بدون نفس، و إن الجزائر لا تستطيع أن تحيا بغير روحها و لا تستطيع العيش بغير نفسها، فبه تنفس عن مكوناتها الثقافية و به تمارس شعائرها الدينية، أو من يرم صرف الجزائر عن اللغة العربية يرم إفراغ الجسد من نفسه و ملأه بالخواء و من يبغ صرفها عن الإسلام يبغ جعل الجسد يحيا بلا روح و هذا و ذاك محال !


10) مأساة اللغة العربية في الجزائر:
أما بعد هذه الجولة في رياض اللغة العربية الفيحاء، ماذا عساني أن أقول و هذه اللغة المغبونة في أرضها من أبنائها ترفع بكل كلمة فيها كف الضراعة إلى ربها سبحانه تستغيثه من عقوق أبنائها و جحود أدعيائها، شاكية باكية راجية أن بنجدها بأبناء آخرين نجباء و أولياء صادقين خلصاء خلفا لمن بها في مجمع أو جمعية استرزق و لغيرها في نظام هيئة ارتزق، و رحم الله الشيخ محمد البشير الإبراهيمي عندما قال:
نغار عن أحسابنا أن تمتـهن = و الحر عن مجد الجدود مؤتمن
و لـغة العُرْب لسان ممتحن = إن لم يذد أبــناؤه عنه، فمـن؟



إن ما يحز في النفس أن نسمع بهيئات رسمية كالمجمع الجزائري للغة العربية، و المجلس الأعلى للغة العربية، و بهيئات غير حكومية كالجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية، و جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و ما يدعى أحزابا إسلامية (؟!!!) و نوابا في المجلسين، مجلس الأمة و المجلس الوطني الشعبي و مثقفين معربين حملة لواء اللغة العربية واقفين جميعا متفرجين على ما يكاد للغة العربية جهارا نهارا و هم في سبات عميق ثقيل نوم أهل الكهف بجانبه قيلولة مؤقتة خفيفة، إنهم جملة في المعارضة كالجملة الاعتراضية في النحو لا محل لهم من الإعراب، بل لا قدر لهم في التعريب و لا وزن لهم في التعبير عن قضايا الأمة ما داموا منشغلين بـ "البزنسة" و "الثرابانديزم" السياسي و الثقافي بل و حتى المالي على حساب هموم الشعب المغبون بهم، و إن تلك الهيئات كلها لن تتحرك و لو فرنست المساجد! و للإنصاف نستثني الجهود الجبارة التي يقوم بها المجلس الأعلى للغة العربية و ما يقوم به خدمة للغة العربية غير أن جهوده تلك على ما فيها من قيمة علمية أكيدة تبقى غير كافية لأنها محدودة النشر و من ثمة تبقى ممنوعة عن الجمهور المعني ثم لأنها مجرد توصيات و اقتراحات لا تملك قوة القانون الإلزامية المجبرة، و أما الصحافة "المعربة" فحدث عن الطوام و لا حرج، فإنها تسيء للعربية بالأخطاء الكثيرة من حيث تظن أنها تحسن إليها،فإنك تقرأ المقالة لا تكاد تفهم منها غير العنوان، و نستثني بعض الأقلام المتمكنة لغويا فإن القراءة لها متعة حقيقية غير أن هذه الأقلام من القلة ما يجعلها عزيزة بين الأقلام الرديئة المتفشية.

11) مظاهر تلك المأساة:

إن لمأساة اللغة العربية في الجزائر مظاهر عدة و ليس مظهرا واحدا فقط، كأني بالناس قد تعاوروا عليها و تعاونوا على الإساءة إليها في كل مجال حتى ليخيل للواحد منا أننا في بلد العربية فيه أجنبية دخيلة يجب إبعادها عن الحياة و طردها من البلاد، و قد تعددت أشكال الإساءة حتى أننا لا نكاد نحصيها و أذكر هنا عددا منها للتمثيل فقط و ليس للحصر:
- الخطاب الرسمي المعبر عن سيادة الدولة في المحافل الدولية خطاب مفرنس، واللجوء إلى الحديث بالفرنسية في كل مناسبة دون ضرورة، ولا ضرورة أصلا، مظهر من مظاهر الإساءة الرسمية للعربية؛
- الاستعمال الفاحش للغة الفرنسية في كل مناسبة ولقاء بلا داعي كأن المتلقين للخطاب فرنسيون أصلاء(؟!) و ليسوا جزائريين أصلاء؛
- التراسل الرسمي باللغة الفرنسية مع المتعاملين المقيمين كلهم مهما كانوا حتى اشتكت السفارات غير العربية و القنصليات من هذا الأمر، فهي تجلب معها المترجمين من لغاتها إلى العربية و العكس كذلك، فتفاجأ بأنها مطالبة بالترجمة من و إلى اللغة الفرنسية للكتابة إلى الدولة الجزائرية العربية؛
- صدور الكثير من الوثائق و السندات مثل فواتير الكهرباء و الغاز باللغة الفرنسية كأنها موجهة إلى الفرنسيين و ليس إلى الجزائريين الذين يدفعون "دم فوادهم" لتسديدها؛
- حتى في الرياضة و لاسيما في كرة القدم لما تجلب الجزائر المدربين من العالم و خاصة من دول أوروبا الشرقية و هم لا يعرفون اللغة الفرنسية طبعا فبدلا من تعليمهم العربية يعلمون الفرنسية فيصيرون يرطنون بها مع شباب جزائري لا يعرفها و لا يفهم منه إلا: "وي" و "نو" و "جوتام"؛
- و في الملتقيات و الندوات و اللقاءات المحلية أو الدولية على حد سواء تكون الفرنسية هي اللغة السائدة و السيدة حتى مع الأجانب الذين لا يفهمونها فتترجم المداخلات منها بدلا من العربية إلى اللغات الأخرى؛
- أما اللافتات في الشوارع في المناسبات فحدث عن المأساة و تألم لغبن العربية فيها كأن الذين يكتبونها جاؤوا من جزر الواق واق حيث لا عربية و لا أية لغة باتفاق؛ هذا غيض من فيض من الأمثلة عن معاناة اللغة العربية في بلادها!
- أما الطامة الكبرى و المصيبة العظمى ففي الكتب المدرسية التي من المفروض أن تعلم اللغة العربية سليمة مستقيمة لكنها في تلك الكتب تشكو إلى ربها ظلم العباد لما أصابها من مسخ و فسخ.

12) ردة و لا بشير لها:
و أعود إلى الموضوع فأقول إن التخطيط لإلحاق الجزائر بمنظمة الدول الفرانكفونية، مثلا، تخطيط خبيث لا يمكن تفسيره إلا بالعمالة لفرنسا تحت شعارات خادعة و بحجج واهية لا تنطلي إلا على السذج من غلمان السياسة و ما أكثرهم عندنا، و إن كل من يرضى بهذه العمالة أو يسكت عنها عميل و لو أنكر بقلبه مدعيا ضعف الإيمان لأن الرضا بهذا المنكر ينفي الإيمان البتة، ثم إن السعي إلى الفرانكفونية ردة عن مبادئ حزب الشعب الجزائري، و عن قيم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (الأصلية) و عن أهداف ثورة نوفمبر، و عن مواد دساتير الجزائر المستقلة كلها منذ 1963 إلى اليوم و التي تجمع على أن الإسلام ديننا و العربية لغتنا و الجزائر وطننا، أما الدستور القادم فأخشى ما أخشاه أن يكون "شوطاني" النزعة أو شيطاني الأهداف! فأما كونه "شوطاني" النزعة فنسبة إلى كامي شوطان (Camille CHAUTEMPS:1885/1963) النائب الاشتراكي الراديكالي المتطرف و الماسوني المتعصب و هو قطب من أقطاب الاستعمار الفرنسي و قد كان رئيس مجلس الوزراء ثلاث مرات بين عام 1930و عام 1938، و هو الذي سن بمرسوم قانونا يعتبر اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر و بموجب هذا المرسوم الجائر ككل مراسيم الاستعمار ضيق الخناق على الصحافة العربية وقتها، و أما كونه شيطاني الأهداف فبالنسبة إلى ما سيتضمنه من مكر صياغة و غاية، هذا ما أتوجسه من خيفة و قد عودتنا المخابر التي تصاغ فيها النصوص على المكر ضد الشعب، و إن أية محاولة لفرنسة المنظومة التربوية أو الجامعة أو العدالة فستكشف عن ذاك المكر المبيت، و على أية حال فإنها ستبوء كلها بالفشل الذريع مهما أنفق عليها من مال و مهما جند لها من رجال و مهما تلوعب فيها بالأقوال و مهما
تصرف فيها بالأحوال.

13) في الختام:
و أختم هذه المقالة الانشطارية الشضايا لتناولها عددا من القضايا و لاستهدافها عدد من الغايات في حيز واحد و إنني لآمل أنني قد أبرأت ذمتي بها ذودا عن الجزائر الحبيبة و دفاعا عن اللغة العربية فيها و نصحا لأئمة المسلمين و عامتهم، أختمها بدون مداراة لخصم و لا محاباة لصديق بمقولة شيخنا الجليل محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله دائما عندما كتب في البصائر (الحقيقية) في العدد41 لعام 1948 تحت عنوان "اللغة العربية في الجزائر عقيلة حرة ليس لها ضرة": " اللغة العربية في القطر الجزائري ليست غريبة و لا دخيلة، بل هي في دارها وبين حماتها و أنصارها..." رحمك الله يا شيخنا ما أطيبك و ما أحلمك، ليتك ترى ما فعله "أهل" العربية بها و في وطنها، و ليتك تسمع ما صنعه "العرب" بأنفسهم لتحكم و أنت العقل المنير أنك أسأت التفكير، و مثلك خبير لكنك أخطأت التقدير، لا، معذرة يا شيخنا، بل الحمد لله إذ أنك لا ترى و لا تسمع يا محمد يا بشير!


فنم قريرا محمد لا حزن = لــك من بنيك حر يؤتمن
ألغة العُرْب بيننا تمتهن؟ = أنا و مالي لها الفدا فاطمئن!


و لما بلغت هذا القدر من الكتابة، رفعت رأسي أنظر إلى السيدة المتربعة على العرش، فوجدتها ترنو إلي و على محياها السمح ابتسامة هادئة غريبة لم أفهم مغزاها، فتساءلت أهي ابتسامة الرضا أم ابتسامة الإشفاق علي؟ و عندها، و قد طال مكثي في مجلسها العامر، استأذنت منها للانصراف فأذنت كريمة كعادتها دائما فانصرفت بعدما حييتها تحية الخادم المطيع على أمل العثور على فرصة نشر ما كتبت و أنا أردد في نفسي نيابة عنها قول العباس بن الأحنف:

و ما هجروك من ذنب إليهم = و لكن قل في الناس الوفاء.
ــــــــــــــ
الهوامش:
(1) ينظر للمزيد في هذا الموضوع كتاب الأستاذ عباس أبي السعود "الفيصل في ألوان الجموع" طبعة دار المعارف بمصر.
(2) ينظر للتأكد من هذه القصة كتاب "القياس في اللغة العربية" للشيخ، أحد شيوخ الأزهر، محمد الخضر حسين، طبعة الجزائر، ص14، و كتاب "شؤون لغوية" للدكتور محمود أحمد السيد، طبعة دار الفكر، بيروت، ص 10، نقلا عن مقال الأستاذ محمود سالم "عليكم باللغة العربية".

ملحوظة مهمة: نشرت هذه المقالة أولَّ مرة على صفحات جريدة "البصائر"، لسان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عام 2008 ثم نشرتها في عدد من المواقع في الشبكة العنكبية الكونية، وأرى أن موقع المجمع أحق بها وأولى ولذا أعدت نشرها هنا.
و أخرى أخيرة: لقدصحح بعض الأخطاء أستاذي الفاضل الحسن الفهري، من المغرب، جزاه الله عني خيرا، لما نشرتها على صفحات "ملتقى الأدباء والمبدعين العرب".


__________________


هديتي إليك
http://www.tvquran.com/

بوابة الشعراء من هنا:http://www.poetsgate.com/poet_4080.html
سبحانك اللهم وبحمدك ،أشهد أن لا إله إلا أنت،أستغفرك وأتوب إليك
رد مع اقتباس