عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 2018-11-10, 12:36 AM
أبو بلال المصرى أبو بلال المصرى غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-11-08
المشاركات: 1,528
افتراضي رد: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب

قال

فرآه اليهود لما أجمعوا على قتل عيسى فاعتقدوا لأجل ذلك الشبه الذي ألقي عليه اعتقاداً جازماً أنه عيسى فقتلوه .
فهم يعتقدون صدقهم ، في أنهم قتلوه وصلبوه ، ولكن العليم اللطيف الخبير ، أوحى إلى نبيه ، في الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أنهم لم يقتلوه ولم يصلبوه .
فمحمد والذين اتبعوه عندهم علم من الله بأمر عيسى لم يكن عند اليهود ولا النصارى كما أوضحه تعالى بقوله { وَإِنَّ الذين اختلفوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتباع الظن وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ } [ النساء : 157 - 158 ] .
والحاصل أن القرآن العظيم على التفسير الصحيح والسنة المتواترة عن النبي كلاهما دال على أن عيسى حي ، وأنه سينزل في آخر الزمان ، وأن نزوله من علامات الساعة ، وأن معتمد الذين زعموا أنهم قتلوه ومن تبعهم هو إلقاء شبهه على غيره ، واعتقادهم الكاذب أن ذلك المقتول الذي شبه بعيسى هو عيسى .
وقد عرفت دلالة الوحي على بطلان ذلك ، وأن قوله { مُتَوَفِّيكَ } [ آل عمران : 55 ] لا يدل على موته فعلاً .
وقد رأيت توجيه ذلك من أربعة أوجه ، وأنه على المقرر في الأصول ، في المذاهب الثلاثة التي ذكرنا عنهم ، ولا إشكال في أنه لم يمت فعلاً .
أما على القول بتقديم الحقيقة اللغوية فالأمر واضح ، لأن الآية على ذلك لا تدل على الموت .
وأما على القول بالإجمال ، فالمقرر في الأصول أن المحمل ، لا يحمل على واحد من معنييه ، ولا معانيه بل يطلب بيان المراد منه ، بدليل منفصل .
وقد دل الكتاب هنا والسنة المتواترة على أنه لم يمت وأنه حي .
وأما على القول بتقديم الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية ، فإنه يجاب عنه من أوجه :
الأول : أن التوفي محمول على النوم ، وحمله عليه يدخل في اسم الحقيقة العرفية .
والثاني : أنا وإن سلمنا أنه توفي موت ، فالصيغة لا تدل على أنه قد وقع فعلاً .
الثالث : أن القول المذكور بتقديم العرفية ، محله فيما إذا لم يوجد دليل صارف ، عن إرادة العرفية اللغوية ، فإن دل على ذلك دليل وجب تقديم اللغوية قولاً واحداً .
وقد قدمنا مراراً دلالة الكتاب والسنة المتواترة على إرادة اللغوية هنا دون العرفية .
واعلم بأن القول بتقديم اللغوية على العرفية ، محله فيما إذا لم تتناس اللغوية بالكلية ، فإن أميتت الحقيقة اللغوية بالكلية ، وجب المصير إلى العرفية إجماعاً ، وإليه أشار في مراقي السعود بقوله :
أجمع إن حقيقة تمات ... على التقدم له الإثبات
فمن حلف ليأكلن من هذه النخلة ، فمقتضى الحقيقة اللغوية ، أنه لا يبر يمينه حتى يأكل من نفس النخلة لا من ثمرتها .
ومقتضى الحقيقة العرفية أنه يأكل من ثمرتها لا من نفس جذعها


والمصير إلى العرفية هنا واجب إجماعاً ، لأن اللغوية في مثل هذا أميتت بالكلية .
فلا يقصد عاقل ألبتة الأكل من جذع النخلة .
أما الحقيقة اللغوية في قوله تعالى : { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } [ آل عمران : 55 ] فإنها ليست من الحقيقة المماتة كما لا يخفى .
ومن المعلوم في الأصول أن العرفية تسمى حقيقة عرفية ومجازاً لغوياً ، وأن اللغوية تسمى عندهم حقيقة لغوية ، ومجازاً عرفياً .
وقد قدمنا مراراً أنا أوضحنا أن القرآن الكريم لا مجاز فيه على التحقيق في رسالتنا المسماة « منع جواز المجاز ، في المنزل للتعبد والإعجاز » .
فاتضح مما ذكرنا كله أن آية الزخرف هذه تبينها آية النساء المذكورة ، وأن عيسى لم يمت وأنه ينزل في آخر الزمان وإنما قلنا إن قوله تعالى هنا : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } أي علامة ودليل على قرب مجيئها ، لأن وقت مجيئها بالفعل لا يعلمه إلا الله .
وقد قدمنا الآيات الدالة على ذلك مراراً .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا } أي لا تشكن في قيام الساعة فإنه لا شك فيه .
وقد قدمنا الآيات الموضحة له مراراً كقوله تعالى : { وَأَنَّ الساعة آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } [ الحج : 7 ] . وقوله : { وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير } [ الشورى : 7 ] . وقوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ الأنعام : 12 ] وقوله { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } [ آل عمران : 25 ] إلى غير ذلك من الآيات .

رد مع اقتباس