عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 2009-12-12, 11:55 PM
أحمد العابد أحمد العابد غير متواجد حالياً
عضو نشيط بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-10-16
المشاركات: 179
افتراضي

المقروء المأخوذ بالتلقي هو الحاكِم على المكتوب لا العكس :

و بِرغم أن القرآن الكريم دُوِّن منذ لحظة وحْيه لينْفرِد مرة أخرى عن كل الكُتُب المُقدّسة بخصيصة ثانية , يختص بها , في أنه الكِتاب الذي كُتِب بِمُجرّد وحْيِِه , إلا أنه برغم ذلِك فإن كِتابته هذه لا يُعوّل عليها و لا يُنظر لِأهميّتها إن قورِنت باهمية الحِفظ في الصدور و الإنتقال شِفاها من صدر إلى صدر
.

إذاً فالمعول عليه في القرآن الكريم إنما هو الحِفظ والإستِظهار و التلقي والأخذ من صدور الرِّجال ثقة عن ثقة وإماما عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن المصاحف لم تكن ولن تكون هي العمدة في هذا الباب. وبالتلقي يذهب الغموض من الرسم كائنا ما كان.


كان الخوف من ضياع المحفوظ سبباً لكتابة وجمع القرآن ولم يكُن الخوف من ضياع المكتوب سبباً للحِفظ :

فأكثر من سبعين قارِئاً من حفظة القرآن الكريم الذين قُتِلوا في معركة اليمامة , كانوا سبباً في تخوُّف أبوبكر وعُمر من ضياع القرآن , وسبباُ في أمْرِهِما بجمع القرآن الكريم في الصُحُف
و لم يكُن العكس ... أي لم يكُن الخوف من ضياع المكتوب هو الباعِث للحِفظ , وإنما كان الخوف من مقتل الحفظة و ضياع المحفوظ هو الباعِث لجمع المكتوب.

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُوبَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّالْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ؛إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ؛ .... إلى آخر الحديث ..

لِهذا حتى عِندما كتب عُثمان ابن عفان المصاحِف فإنه لم يكتفي بأن يُرسلِها للأمصار وإنما أرسل معهم مُقرِئاً ليقرأ عليْهِم القرآن الكريم بالقِراءة السائِدة عِنْدهُم . لأن التلقي هو أساس قِراءة القرآن الكريم وليس الكِتابة.


بل إن رسم المكتوب في المصاحِف العُثمانية هذه اختلف في بعض رسْمِه بين مُصحف وآخر من المصاحِف العُثمانية التي أرسلها عُثمان للامصار, بما يتناسب مع القِراءة السائِدة في كُل مِصْر من هذه الأمصار. فرُوي أن عثمان رضي الله عنه أمر
زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني وبعث عبد الله بن السائب مع المكي والمغيرة بن شهاب مع الشامي وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي وعامر بن عبد القيس مع البصري.

ثم نقل التابعون هذه القِراءات عن الصحابة , فقرأ أهل كل مصر بما في
مصحفهم تلقياً عن الصحابة الذين تلقوه من فم النبي صلى الله عليه وسلم فقاموا في ذلك مقام الصحابة الذين تلقوه من فم النبي صلى الله عليه وسلم. ثم تفرغ قوم للقراءة والأخذ والضبط حتى صاروا في هذا الباب أئمة يُرحل إليهم ويؤخذ عنهم وأجمع أهل بلدهم على تلقي قراءتهم واعتماد روايتهم.


و يظهر غلبة و تفوُّق الحِفْظ على المكتوب, حين طالب البعض من الصحابي الجليل أبي سعيد الخُدري أن يكتُب لهم ما سمِعه عن رسول الله لأنهم يشتكون من سوء الحِفظ , فقال لهم : « لا نكتبكم ولا نجعلها مصاحف ، كان رسول الله ، صلى الله عليه يحدثنا فنحفظ ، فاحفظوا عنا كما كنا نحفظ عن نبيكم ».



بل إن أعلام الحفاظ من صحابة رسول الله , كانوا يميزون الحفظ بالتلقي بل إن العُلماء جرّموا أن يتلقى الإنسان العِلْم من المكتوب في الصُحُف وإنما يتوجّب الأخذ بالتلقي من لِسان الحافِظِ المُتْقِن .. فقالوا : من أعظم البلية تشييخ الصحيفة


ونهى الأئِمة والتابِعون عن أخذ القرآن الكريمِ مِن المصحفيين: فعن سليمان بن موسى انه قال " كان يقال لا تقرؤا القرآن على المُصْحَفِيِّين ولا تحملوا العلم عن الصُّحَفِيِّين .


وكان سعيد بن عبد العزيز يقول : لا تأخذوا العلم عن صُحُفي ولا القرآن من مُصْحفي .


وهكذا حتى في نقل القرآن الكريم منذ وحيه إلى اليوم فإننا نسْتن بِسُنة الرسول المُصطفى محمد صلى الله عليْه وسلّم : فما قاله أعلام الحفاظ لم يبتدعوه وإنما أخذوه من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان عليه الصلاة والسلام يتعلم القرآن من جبريل عليه السلام مشافهة، ويعارضه القرآن في كل عام في شهر رمضان وعارضه بالقرآن - عام وفاته – مرتين.


وأخيراً فلو كان الاصل في القرآن المكتوب و ليس المقروء , لاستغنى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمكتوب بدلاً من أن يبعث بالقراء إلى من أسلم حديثاً ... فقد كان صلى الله عليْه وسلّم يبعث القُراء لتعليمهم التلاوة وكان بإمكانه أن يكتب لهم، واقتدى بسنته من بعده الخلفاء الراشدون فأرسلوا إلى أهل البلدان المفتوحة القراء يعلمونهم القرآن، وأرسل عثمان مع كل مصحف قارئاً يعلم الناس عليه.



وهكذا فإن المصاحِف هي مرجع جامع للمسلمين على كتاب ربهم ولكن في حدود ما تدل عليه وتعينه دون ما لا تدل عليه ولا تعينه. فالمصاحف لم تكن منقوطة ولا مشكولة وصورة الكلمة فيها كانت لكل ما يمكن من وجوه القراءات المختلفة وإذا لم تحتملها كتبت الكلمة بأحد الوجوه في مصحف ثم كتبت في مصحف آخر بوجه آخر وهلم جرا. فلا غرو أن كان التعويل على الرواية والتلقي هو العمدة في باب القراءة والقرآن.


و هكذا كان من مظاهر العناية بالقرآن الكريم عند هذه الأمة أنه لا بد فيه من التلقي مشافهة تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل عليه السلام شفاها، وتلقاه الصحابة الأثبات العدول من النبي صلى الله عليه وسلم ثم تلقاه التابعون الأخيار من الصحابة، كذلك، ثم تلقاه أتباع التابعين من التابعين كذلك، إلى أن وصل إلينا غضا طريا كما أنزل، فالقراءة سنة متبعة لا مدخل للقياس فيها، والاعتماد فيها على التلقي والتواتر.



وأخيراً نختِم بما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية رحِمه الله و عليْهِ إجماع جميع القراء وعُلماء القراءة فيقول :

والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على المصاحف ..



ونكتفي بنقْل ما قاله العلامة المحقق الشيخ أبو العاكف محمد أمين المدعو بعبد الله أفندي زادة شيخ الإقراء في وقته باستانبول في كتابه "عمدة الخلان" شرح زبدة العرفان في القراءات العشر ما نصه: فلا يجوز لأحد قراءة القرآن من غير أخذ كامل عن أفواه الرجال المقرئين بالإسناد. ويحرم تعليم علم القراءة باستنباط المسائل من كتب القوم بمطلق الرأي بغير تلق على الترتيب المعتاد لأن أركان القرآن اتصال السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلا انقطاع فالإقراء بلا سند متصل إليه عليه الصلاة والسلام مردود وممنوع عن الأخذ والاتباع.

يتبع


<!-- / message -->
__________________


إذ قال يفترق الضلال ثلاثة *** زيدت على السبعين قولاً يسند
وقضى بأسباب النجاة لفرقة *** تسعى بسنته إليه وتحفد
فإن ابتغيت إلى النجاة وسيلة *** فاقبل مقالة ناصح يتقلد
إياك والبدع المضلة إنها *** تهدي إلى نار الجحيم وتورد
وعليك بالسنن المنيرة فاقفها *** فهي المحجة والطريق الأقصد
فالأكثرون بمبدعات عقولهم *** نبذوا الهدى فتنصروا وتهودوا
منهم أناس في الضلال تجمعوا *** وبسب أصحاب النبي تفردوا
قد فارقوا جمع الهدى وجماعة الإ *** سلام واجتنبوا التقى وتمردوا
بالله يا أنصار دين محمد *** نوجوا على الدين الحنيف وعددوا
لم يبق للإسلام ما بين الورى *** علم يسود ولا لواء يعقد
علقوا بحبل الكفر واعتصموا به *** والعالقون بحبله لن يسعدوا

رد مع اقتباس