عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 2019-10-26, 02:34 AM
ايوب نصر ايوب نصر غير متواجد حالياً
مسئول الإشراف
 
تاريخ التسجيل: 2012-10-23
المشاركات: 4,830
افتراضي رد: العربية الشريفة و العامية

(10)
قيدت هذه المقالة يوم الاحد الماضي ، و و بعدما عقدت النية على بنشرها اتصل بي خبر وفاة اخي الحبيب "أ ج " ، ففجع القلب و حزنت النفس و دمعت العين ، بعدما لم تدمع من قبل على احد مات مهما كان قريبا ، فالتهيت بكل هذا عن نشرها ، و قد كان رحمه الله محبا للعربية مقبلا على ادبها ، و قد نويت ان اجعل هذه المقالات التسع التي كتبت تحت عنوان " العربية الشريفة و العامية " و ما اتصل بها و دار في فلكها من مقالات في هذا الموضوع (1) ، وقفا عليه ، فيكون له اجرها و اجر من قراها او عمل و انتفع بها .

كنت قد بدات ، قبل ما يزيد عن السنة ، كتابة هذه الفصول في الدفاع عن العربية الشريفة ، و بيان الغرض من وراء دعم العامية ، و قد اشرت الى ذلك في بعض تلك الفصول ، و ان كنت اكتفيت في كثير من النقاط بالاشارة و التلميح و الاختصار ، من غير توسع في الكتابة او استرسال في البيان ، و حتى الان لا اعدك بالتوسع و الاسترسال ، و ذلك انني رجل سريعا ما يتسلل الملل الى نفسه ، فتذكره بمثل عامي ماجن على عذوبته فيمتنع عن الكتابة ، فأسال الله ان يحجب الملل عني و ان يهب لي بيانا استعين به على قضاء امور قل في وقتنا من يقوم لقضائها .

بعد الغلبة العسكرية و السيطرة الاوروبية على البلاد العربية و الاسلامية ، قام الصراع الفكري و العقلي و الثقافي ، لاجل بسط الغلبة و بسط النفوذ على هذا الميدان ، و كانت اكثر الحصون تعرضا للقصف و الهجوم ، هي حصون منهج النقد الحديثي و اللغة العربية ، و لعلي اذكرك بقول يثبت ما قلته ، و هو لعدو لك جديد اسمه "دانيال ماديغال" حيث قال : ( ... انها تعكس تبصرا في ان ظاهرة التفجير الاسلامي الحديثة تضرب جذورها مع قراءة خاصة للقران ( اي قراة المسلمين له ) و ان طريقة التعامل مع الازمة الجارية في العلاقات مع المسلمين هي ببساطة ان تكذب قراءة كهذه ( اي و تاتيهم بقراءة جديدة او تجعلهم لا يفهمون لغة القران ) ، ان القران في الفكر الشعبي قنبلة مؤقتة تحتاج الى نزع الفتيل " انتهى كلامه ، و اعيد على مسامعك كلام عدو لك قديم اسمه وليم جيفورد بلجراف " قال فيه: " متى توارى القران و مدينة مكة عن بلاد العرب ، يمكننا حينئذ ان نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها الا محمد ( و نقول صلى الله عليه و سلم ) و كتابه "
فكان الصراع في اساسه صراع مناهج ، فقام للدفاع رجال ، اجزل الله لهم المثوبة و جزاهم عن امتهم خيرا ، صرفوا زهرة شبابهم ، و افنوا الاعمار ، و وصلوا اناء الليل باطراف النهار ، فكشفوا الشخصيات و ردوا الشبهات ، و اظهروا قوة عارضتهم و رجاحة عقولهم و اصابة رايهم ، و لم تكن للدعوات الهدامة ان تروج ، و تاخذ المكان الذي اخذته لولا الغصب ، و اما بالحجة و البرهان و البيان فقد بارت و كسدت و اضمحلت .

و قد قام للترويج لتلك البضاعة الكاسدة رجال من ابناء امتنا ، و للان تدور تلك الدعوات دورتها لتعود الى الطرق نفسها الذي كانت عليه قديما ، و من بينها الدعوة الى التقريب و الدعوة الى الادب العامي ، و لك في الذي كان قبل حين خير مثال على كلامي ، و هم لم يبتدعوا هذه الدعوة و هذا الكلام ابتدعا من غير سابقة او ابتداء ، و انما كان لهم سلف حمل هم هذه الدعوة و على راسهم " مجمع اللغة العربية " فقد حمل هم الدعوة الى الادب االعامي ، و لا تعجب يا صاحبي، فاحيانا يخيل الي ان بلاد العجائب التي نقرا عنها في القصص ، هي هذه البقعة ممتدة على طول البلاد المتكلمة بالعربية ، و حمل هم الدعوة الى التقريب و الجمع " احمد لطفي السيد " ، و قامت لاجل هذين الدعوتين معركتين حمل لوائهما السيد محب الدين الخطيب و السيد مصطفى صادق الرافعي ، رحمهما الله ، و لعلي اعود لاحقا لاحدثك باخبار المعركتين ، لاكشف لك بعضا من خباياهما و خفي وراء الاستر المسدلة التي حركتهما .

ان من خفة العقل من يدعي امرؤ ان الدعوة الى الادب العامي ، انما هي دعوة الى تقريب العوام و غير المتعلمين من الادب ، و انا شخص احب المسايرة و بسط الكلام على الاستقامته ، فاذا افترضنا ، و جدلا ، ان العذر قوي ، فوجب السؤال : هل هذا الادب العامي ، سيكون مكتوبا او مسموعا ، فاذا كان الثاني ، فهذا مما لا يحتاج كل هذه الهالة و هذه الدعوات ، فالامر معلوم عندنا و يسمى ب " الحلقة " و هي ضرب من الفن عندنا في المغرب ، و اما اذا كان الاول ، اي سيكون مكتوبا ، فهنا الطامة التي لا تبقي و لا تذر ، لان مهمة الاديب و المفكر هو اي يرفع الناس اليه و يجعلهم قادرين على فهمه و استعابه ، و ليصل الى هذا فعليه تحمل مضض الفكر و، بذل الجهد ، و مقاومة العجز ، و الصبر على مطاولة التعب ، و هذا هو سبيل زناد اقداح الفكر و الادب في كل امة ، و هو ما كان عليه علمائنا و ادبائنا و حملة الاقلام من ابناء امتنا في العصور الخالية ، حين كنا امة تملك زمام امرها بل تملك زمام امر العالم .
اما و قد قعد ، بامتنا و علمائنا و ادبائنا و مفكرينا ، العجز عن حمل ما عليهم تحمله من مضض الفكر ، و اعمال النظر ، و الصبر على مطاولة التعب، فنزلو ا الى العوام بدل القيام بمهمتهم الاصلية الا و هي رفع العوام اليهم .

و انت تعلم يا صاحبي ان لكل امة لغة عامية و لغة ادبية ، فهل سمعت انه قامت فيهم دعوات الى الادب العامي و التدريس بالعامية ؟؟؟

*******
(1) هناك اربع مقالات كتبت في الموضوع تحمل عناوين مختلفة و هي
الاول : على هامش مقالات " العربية الشريقة و العامية "
الثاني : اللغة روح الامة
الثالث : كيف ثم ذلك ؟؟؟
الرابع : النظرية الاقليمية
كتب: الاحد 21 صفر 1441 (20/10/2019)
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6

كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين

آخر تعديل بواسطة ايوب نصر ، 2019-12-22 الساعة 02:23 AM
رد مع اقتباس