عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2022-02-24, 02:28 PM
معاوية فهمي إبراهيم مصطفى معاوية فهمي إبراهيم مصطفى غير متواجد حالياً
مشرف قسمي العيادة الصحية والمجتمع المسلم
 
تاريخ التسجيل: 2018-02-05
المشاركات: 2,738
افتراضي بدعة الأذان بالمسجِّل


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:-
(( بدعة الأذان بالمسجِّل ))
عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
اعلم - وفقني الله تعالى وإياك لما يحب ويرضى - أن الأذان عبادة وهي مفروضة على الكفاية، وهي كسائر العبادات تدور حول أحكام الشرع الخمسة، فإن كنا قد تحدثنا عن البدع في الأذان في المبحث السابق إلا أنني أفردت هذه المحدثة الكارثية التي ألمت بهذه الأمة؛ حيث عطلت رويبضة هذه الأمة عبادةً جليلةً عظيمةً لا تصح إلا بالنية، وتتوقف عليها عبادات الناس، ولا يؤديها في الأصل إلا عدول هذه الأمة، فاستغنوا عنها بمسجل الصوت هذا، وزد على ذلك أنهم يفتون بجواز ذلك بلا كتاب ولا سلطان مبين، هذا ولو كان منهم رجل رشيد لحكم قاعدة: "يرجح الحظر على الإباحة"؛ قال ابن قدامة المقدسي في "روضة الناظر"إذا تعارض دليلان أحدهما يفيد الحظر والآخر يفيد الإباحة، وجب تقديم الحظر على الإباحة، لأنه أحوط، ولأن الإثم حاصل في فعل المحظور، ولا إثم في ترك المباح، فكان الترك أولى)[1]؛[انتهى].

هذا لأن الأصل في العبادات المنع، وهذا إن كان لهم دليل أصلًا، لكن لا دليل لهم نقليًّا كان أو عقليًّا، لكن هذا محض هوًى وعناد واستهتار بشعائر الله تعالى، وتكاسل عن القيام بالواجبات، ثم إن الأذان عبادة والعبادة توقيفية، كما أن "الأصل في العبادات المنع، والأصل في العادات الإباحة"، فلو وضعنا إباحة من قال بجواز الأذان بالمسجل مع حظر من قال بمنع ذلك، فعقلًا ونقلًا يجب أن يقدم الحظر على الإباحة، أضف إلى ذلك حديث المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى صلَّى الله عله وسلَّم قال: ((دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك))[2].


قال المناوي رحمه الله تعالى: "((دع ما يريبك))؛ أي: اترك ما تشك في كونه حسنًا أو قبيحًا، أو حلالًا أو حرامًا، ((إلى ما لا يريبك))؛ أي: واعدل إلى ما لا شك فيه، يعني ما تيقنت حسنه وحله.



وقال الطيبي[3]: "جاء هذا القول ممهدًا لما تقدمه من الكلام، ومعناه: إذا وجدت نفسك ترتاب في الشيء، فاتركه ... فارتيابك من الشيء منبئ عن كونه مظنة للباطل، فاحذره، وطمأنينتك للشيء مشعر بحقيقته، فتمسك به"[4].


وكذلك مجمع الفقه الإسلامي أفتوا بعدم جواز ذلك، وأوفوا الأدلة على ذلك، بحيث لا ينكر هذا بعد هذا إلا مستهتر، ودونك قول المجمع الفقهي:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه؛ أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي المنعقد بدورته التاسعة في مكة المكرمة من يوم السبت 12/7/1406هـ إلى يوم السبت 19/7/1406هـ قد نظر في الاستفتاء الوارد من وزير الأوقاف بسوريا برقم 2412/4/1 في 21/9/1405هـ بشأن حكم إذاعة الأذان عن طريق مسجلات الصوت "الكاسيت" في المساجد، لتحقيق تلافي ما قد يحصل من فارق الوقت بين المساجد في البلد الواحد حين أداء الأذان للصلاة المكتوبة، وعليه فقد اطلع المجلس على البحوث المعدة في هذا من بعض أعضاء المجمع، وعلى الفتاوى الصادرة في ذلك من سماحة المفتي سابقًا بالمملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى برقم 35 في 3/1/1378هـ، وما قررته هيئة كبار العلماء بالمملكة في دورتها الثانية عشرة المنعقدة في شهر ربيع الآخر عام 1398هـ وفتوى الهيئة الدائمة بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة برقم 5779 في 4/7/1403هـ، وتتضمن هذه الفتاوى الثلاث: "عدم الأخذ بذلك وأن إذاعة الأذان عند دخول وقت الصلاة في المساجد بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا تجزئ في أداء هذه العبادة".


وبعد استعراض ما تقدم من بحوث وفتاوى، والمداولة في ذلك، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي تبين له ما يلي:

1- أن الأذان من شعائر الإسلام التعبدية الظاهرة، المعلومة من الدين بالضرورة بالنص وإجماع المسلمين، ولهذا فالأذان من العلامات الفارقة بين بلاد الإسلام وبلاد الكفر، وقد حكي الاتفاق على أنه لو اتفق أهل بلد على تركه لقوتلوا.


2- التوارث بين المسلمين من تاريخ تشريعه في السنة الأولى من الهجرة وإلى الآن، ينقل العمل المستمر بالأذان لكل صلاة من الصلوات الخمس في كل مسجد، وإن تعددت المساجد في البلد الواحد.


3- في حديث مالك بن الحويرث رضيَ الله عنه، أن النبي صلَّى الله عله وسلَّم قال: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم))[5].


4- أن النية من شروط الأذان، ولهذا لا يصح من المجنون ولا من السكران ونحوهما، لعدم وجود النية في أدائه، فكذلك في التسجيل المذكور.


5- أن الأذان عبادة بدنية؛ قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني: "وليس للرجل أن يبني على أذان غيره؛ لأنه عبادة بدنية فلا يصح من شخصين كالصلاة"[6].


6- أن في توحيد الأذان للمساجد بواسطة مسجل الصوت على الوجه المذكور عدة محاذير ومخاطر؛ منها ما يلي:

أ‌- أنه يرتبط بمشروعية الأذان أن لكل صلاة في كل مسجد سننًا وآدابًا، ففي الأذان عن طريق التسجيل تفويت لها وإماتة لنشرها مع فوات شرط النية فيه.


ب‌- أنه يفتح على المسلمين باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم، لِما يفضي إليه من ترك الأذان بالكلية والاكتفاء بالتسجيل.


وبناءً على ما تقدم، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر ما يلي: "أن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا يجزئ ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقت من أوقات الصلوات في كل مسجد على ما توارثه المسلمون من عهد نبينا ورسولنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الآن، والله الموفق، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين"[7]؛ [انتهى كلام المجمع الفقهي الإسلامي].


فهذه أربع فتاوى:

1- المفتي السابق للمملكة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ.

2- هيئة كبار العلماء.

3- الهيئة الدائمة إدارة البحوث العلمية والفتوى والدعوى والإرشاد.

4- والمجمع الفقهي الإسلامي.



فهذه الفتاوى الأربع تدل على إجماع أهل العلم في هذا البلد المبارك أن إذاعة الأذان في المساجد عند دخول الوقت لا يجزئ.



وزد على ذلك أن المؤذن حرم أجرًا عظيمًا إذا ما عوض بالمسجل؛ فعنه صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا))[8].



أي: إن فضيلة الأذان والمؤذن عظيمة، وجزاء المؤذن عظيم، فلو علموا ما فيه من أجر لاقترع الناس على من يؤذن منهم[9].



ومنه أيضًا، عن البراء بن عازب رضيَ الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((... والمؤذن يغفر له بمد صوته، ويصدقه من سمعه من رطب ويابس، وله مثل أجر من صلى معه))[10].



فانظر إلى كل هذا الفضل كيف حُرم منه المؤذن إذا عُوض بالمسجل.



فعن ابن عمر رضيَ الله عنهما أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((من أذن اثنتي عشرة سنةً وجبت له الجنة، وكُتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنةً، وبكل إقامة ثلاثون حسنةً))[11].



والأدلة على عدم جواز الأذان بالمسجل لا تُحصى ولا تُعد، ولو فتحت باب الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الرجال، فلن يغلق أبدًا، ولكن لا نقول إلا ما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))[12].

[1] التهذيب والتوضيح في شرح قواعد الترجيح.

[2] أخرجه الترمذي (2442)، وأحمد (1630)، وابن حبان (722) عن الحسن بن علي رضيَ الله عنهما، ورواه النسائي، وصححه الألباني رحمه الله تعالى.

[3] صاحب شرح المشكاة هو الحسين بن محمد عبدالله الطيبي، وقد أكثر عنه المناوي في الفيض القدير، الإمام المشهور وغيره، وكان ذا ثروة من الإرث والتجارة فلم يزل ينفق ذلك في وجوه الخيرات إلى أن كان في آخر عمره فقيرًا.

[4] فيض القدير شرح الجامع الصغير.

[5] متفق عليه.

[6] المغني لابن قدامة، 425/1.

[7] موقع إمام المسجد.

[8] رواه الشيخان.

[9] طريق الأبرار 20 حديثًا تملؤها الأسرار؛ لأبي فاطمة عصام الدين.

[10] رواه النسائي وصححه الألباني.

[11] رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري، قال الحافظ: وهو كما قال، فإن عبدالله بن صالح كاتب الليث، وإن كان فيه كلام، فقد روى عنه البخاري في الصحيح.

[12] رواه البخاري.
§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§
رد مع اقتباس