[Nabil]

الغراب.. المُعلّم الأوّل

إعداد: الدكتور أحمد مُحمَّد زين المنّاوي

لكل حقيقة علمية في هذا القرآن الكريم زمن تتحقَّق فيه..
فإذا تجلّى الحدث ماثلًا للعيان أشرقت المعاني وتألَّقت..
وتطابقت دلالات الألفاظ والتراكيب مع الحقائق العلمية التي أصبحت ماثلة للناس عيانًا بيانًا..
وبهذا تتجدَّد مُعجزات القرآن وعجائبه على طول الزمان جيلًا بعد جيل.

تخبرنا سورة المائدة أن أحد ابني آدم قد قتل أخاه فندم على ذلك، واحتار لا يدري ماذا يفعل بجثته..
كما تخبرنا أن الله بعث إليه غراباً يعلمه ماذا يفعل بجثة أخيه:

{ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)}

ولكن لماذا أرسل الله الغراب دون باقي الطيور؟
الغراب طائر عجيب يتمتع بأنماط سلوك غير متوقعة حَيَّرت العلماء..
وقد ثبت علميًا أن الغراب من أذكى الطيور وأمكرها على الإطلاق..
ويعلل العلماء ذلك بأن الغراب يملك أكبر حجم للمخ بالنسبة إلى حجم الجسم في كل الطيور المعروفة.
فإذا وضعت للغراب ماءً قليلًا في إناء عميق لا يستطيع أن يصل إليه بمنقاره فإنه يلتقط الحصى ويلقي به في الإناء حتى يرتفع منسوب الماء ويشرب.
شوهدت الغربان وهي تلقي على الطرق العامة ما لم تستطع فتحه من الثمار حتى تقوم السيارات بدهسها فتصبح سهلة في متناول مناقيرها.
كما شوهدت الغربان وهي تقلد الصيادين في عمليات صيد السمك بمهارة فائقة يحسدها عليها الصيادون!
إن هذه الميزات التي يتسم بها الغراب دفعت بعض الشعوب إلى اعتبار الغراب شعارا للحكمة.
وهذه الميزات التي يتسم بها الغراب دون غيره من الطيور هي التي جعلته يقف من ابني آدم موقف المعلم، يعلم قابيل.. أول قاتل من بني البشر الذي قتل أخاه هابيل ماذا يفعل بالميت، وكيف يدفن جثة أخيه الذي كان أوّل من مات من بني آدم.. وكلنا الآن يعلم أن الدفن في التراب فيه تكريم للميت، ومحافظة على نظافة البيئة وطهارتها، ويمنع انتشار الكثير من الأمراض والأوبئة.
إن صفات الغراب وقصته مع ابني آدم من العجائب المبهرة..
ولكن ما رأيكم أن آيات هذه القصة ستبهركم بمفاجآت وعجائب أخرى؟ عجائب غير مسبوقة!

إذاً لننتقل من قصة القتل وفكرة الموت والدفن إلى فهم جديد يثير فضول جميع من لا يعرفون عنه شيئًا.
تأمل الآية مرّة أخرى:

{ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)}

ما الذي بقي لا نعرفه عن هذه الآية وعن قصة ابني آدم والغراب، وما الذي سيثير فضولنا؟
إن ما يثير الدهشة والفضول لمعرفته هو ذلك الإعجاز الرقمي في هذه الآية.
الكلمة الثالثة في هذه الآية { غُرَابًا } هي الكلمة رقم 792 من بداية سورة المائدة..
وهذا العدد يساوي 88 × 3 × 3 فإلى ماذا يشير العدد 88 هنا؟
تأمّل أولى كلمات الآية { فَبَعَثَ }.
مجموع الترتيب الهجائي لأحرف كلمة { فَبَعَثَ } = 44

تأمّل كلمة { الْغُرَاب }:
تكرّرت أحرف كلمة { الْغُرَاب } في الآية 44 مرّة!
وإذا تأمّلت الآية نفسها تجدها تضمّنت 44 حرفًا منقوطًا!

وإذا تأملنا قصة ابني آدم نجدها جاءت من 88 كلمة، وهذا العدد 44 + 44

{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَي آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)}

تأمّل أحرف كلمتي { ابْنَي آدَمَ }:
مجموع الترتيب الهجائي لأحرف لفظ { ابْنَي آدَمَ } = 88
قصة ابني آدم جاءت في 88 كلمة!
مجموع حروف قصة ابْنَي آدَمَ 363 حرفًا، وهذا العدد = 33 × 11
تأمّلوا هذا النسق الرياضي جيِّدًا، وانتقلوا إلى الآية الأولى من القصة:

{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَي آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)}

تأمّل الكلمة الثانية في هذه الآية { عَلَيْهِم }:
تكرّرت أحرف كلمة { عَلَيْهِم } في الآية 33 مرّة
كلمة { عَلَيْهِم } هي الكلمة رقم 729 من بداية سورة المائدة!
هذا العدد العجيب (729) = 3 × 3 × 3 × 3 × 3 × 3
رقم الآية نفسها (27)= 3 × 3 × 3
عدد حروف الآية نفسها (99) = 33 × 3
الآن تأمّل.. هل ترى أمامك غير الرقم 3 في جميع الحالات؟!

حقيقة مذهلة؟!
إذا تتبّعنا كلمات القرآن التي تبدأ بحرف العين من بداية المصحف، سنجد أن كلمة { عَلَيْهِم } في هذه الآية هي الكلمة رقم 619 في قائمة هذه الكلمات!
619 عدد أوّليّ ترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 114
سبحان الله.. إنه عدد سور القرآن الكريم !
كلمة { عَلَيْهِم } جاءت للمرّة الأولى في ترتيب الكلمة رقم 24 من بداية المصحف
وهو نفسه عدد كلمات الآية !
أوّل حروف الآية هو حرف الواو، وترتيبه في قائمة الحروف الهجائية رقم 27، وهذا هو رقم الآية!
تأمّل أولى كلمات الآية { وَاتْلُ }:
مجموع الترتيب الهجائي لأحرف لفظ { وَاتْلُ }: 54 = 27 + 27

تأمّل اسم { آدَم }:
مجموع الترتيب الهجائي لأحرف اسم { آدَم } الثلاثة = 33

نلخّص هذه الحقائق:
كلمة { عَلَيْهِم } هي الكلمة رقم 729 من بداية سورة المائدة.
وهذا العدد = 3 × 3 × 3 × 3 × 3 × 3
الآية نفسها رقمها 27 وتبدأ بالحرف رقم 27 في قائمة الحروف الهجائية.
الآية تبدأ بلفظ { وَاتْلُ } ومجموع الترتيب الهجائي لأحرفه 54، وهذا العدد = 27 + 27
وفي جميع الحالات فإن هذا العدد = 3 × 3 × 3
عدد حروف الآية 99 حرفًا، وهذا العدد يساوي 33 × 3
أحرف كلمة { عَلَيْهِم } تكرّرت في الآية نفسها 33 مرّة!
مجموع حروف قصة ابْنَي آدَمَ 363 حرفًا، وهذا العدد = 33 × 11
مجموع الترتيب الهجائي لأحرف اسم { آدَم } = 33

إلى أولى سور القرآن الكريم.. الفاتحة:

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}

إذا قمت بعدّ الحروف من بداية سورة الفاتحة فسوف تجد أن أوّل أحرف كلمة { عَلَيْهِم } هو الحرف رقم 114 .. إنه عدد سور القرآن!

والآن.. بعد كل هذه العجائب أليس من حقنا أن نسأل :
هل هذا القرآن من تأليف محمد كما يدعي المكابرون؟
وإذا كان من تأليفه فكيف علم بالترتيب الهجائي للحروف العربية؟
هذا الترتيب الذي لم تعرفه العرب إلا بعد ثمانية عقود من وفاته؟
ومن الذي أعلمه أن الغراب هو أذكى الطيور ليختاره لمهمة تعليم الإنسان الأوّل كيفية دفن الميت؟
من أين أتى بهذا النظم الرقمي المحكم والمذهل للآيات والكلمات بل والحروف؟
الإجابة بموضوعية على هذه الأسئلة تؤكد أن هذه الآيات القرآنية لا يمكن أن تكون صناعة بشرية.
إنه كلام الله لا ريب.
--------------------------------------------------------------------------
المصدر:
مصحف المدينة المنَّورة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة).

بتصرف عن موقع طريق القرآن