عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2023-08-16, 01:50 PM
معاوية فهمي إبراهيم مصطفى معاوية فهمي إبراهيم مصطفى غير متواجد حالياً
مشرف قسمي العيادة الصحية والمجتمع المسلم
 
تاريخ التسجيل: 2018-02-05
المشاركات: 2,738
افتراضي لا حياة بدون مبدأ

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: -
(( لا حياة بدون مبدأ ))
إن المنطلقَ الذي يُشكّل أو يرسم للإنسان حقيقةَ الحياة هو قيامُها على مبدأ رئيسي، ومنهج قويم، يؤمنُ به صاحبُه، وفي ظلِّ غيابه ( أي ألمبدأ) تغيب الحياةُ طبعًا، ولا أقصد ها هنا غيابَ الحياة بمعنى الموت، بل أقصد حقيقةَ الحياة من وجْهةٍ أخرى؛ أي: ما يؤصِّل للفرد إنسانيَّتَهُ، وفعاليتهُ، ومنطقهُ العمليَّ داخل المجتمع الذي يعيش فيه، وسأبين هذا في هذا المقال.
وإن كان المبدأ مبادئَ مُتعدِّدة، فإنني أقْصُر الأمر على المبدأ بصيغة العموم، الذي يشمل كلَّ ما يخصُّ الفردَ في حياته.
وهذا الموضوع الذي سأتحدَّث فيه موضوعٌ لم يُمْلِه التَّرفُ الفكريُّ، أو جاء عبثًا هكذا، أو جالتْ في نفسي كلماتٌ أريد التعبيرَ عنها فقط، أو أملَتْ عليَّ الذاكرةُ خواطرَ أسعى لتسجيلها بقلمي، أو ما يماثل هذا القول ويشابهُه، بل كان هذا مُطابقًا للظروف والملابسات، ولما نعيشُه في واقعنا اليوم، فالموضوع يُحاكي صورةً موجودةً بيننا، وما نخوض من اضطرابٍ مبدئيٍّ غير قار، لستُ أدري السببَ المتحكِّمَ فيه، ولكن غايتي بيانُ أن حقيقة الحياة تقوم على المبدأ والإيمان به، وسيكون التساؤل الذي سنُحاول الإجابة عنه، هو: ما أهمية المبدأ في الحياة؟
إن المبدأ هو ذلك الوجه الجماليُّ المعبِّر عن حقيقة الإنسان وفضائله، إنه ميزةٌ حَسَنةٌ فينا كبَشَرٍ من بني أدم ما دمنا في عالم الوجود، وفي عدمه ينعدِم صاحِبُه، وبعبارة أخرى: إن المبدأ إذا قام على خصوصيات إنسانية جليلة، وقيمٍ سَمْحَة، فإنه يُعبِّر عن صورة الشخص الذي يحمله من حيث طبيعتُه وأعمالهُ وأفكارهُ وأهدافهُ؛ فهوالشيىء الأساسي في هذه الحياة بشتَّى وجوهها، وإنه الوجه الذي يحفظ كرامتنا، ولْتَقُم حياتنا على مبدأ؛ كي نحفظ وجْه كرامتنا، والكرامة في هذا المساق معناها إنسانيةُ الإنسان.
وإذا قال "مالك بن نبي" في كتابه مشكلة الثقافة: "إن تنظيم المجتمع وحياته وحركته، بل وفوضاه، وخموده وركوده، كلُّ هذه الأمور ذاتُ عَلاقةٍ وظيفيةٍ بنظام الأفكار المنتشرة في ذلك المجتمع"، فنقول: إن ما يؤصِّل طبيعة هذه الأفكار في المجتمع هو نوعية المبدأ الذي يقوم عليه أفرادُه، باعتباره يُحدِّد أسلوب الحياة وسلوك الفرد، وهذا بتعبيره.
وقد جعل رحمهُ الله المبدأَ الأخلاقيَّ واحدًا من الركائز التي تقوم عليها الثقافةُ الإنسانيةُ، بالإضافة إلى الذوق الجماليِّ، والمنطِق العمليِّ (الفعالية)، والصناعة أو الجانب الفنيِّ، ومن هذه المؤسسات خصَّ لنا المبدأ الأخلاقيَّ على أنه أقومُ ركيزةٍ من هذه الأمور التي ذُكِرتْ، والأليقُ لبناء ثقافةٍ معينةٍ، وخَلْق مجتمعٍ أفضلَ سمته المسؤولية والفعالية، بحيث يسعى الرجل إلى العودة بالإنسان العربيِّ إلى درجة السلم الإنساني.
و المبدأ لهُ أهمية فعّالة في حياة الفرد خاصةً، وفي المجتمع عامةً؛ لأنهُ به تتحقَّق الحياة، ويُحفَظ ماء الوجه وصفاؤه، وتتأكَّد إنسانية الإنسان وقيمه السَّمْحة فيهِ، وباعتبار أن مشكلة المبدأ مشكلةٌ عميقة في جوهرها باعتبارها تنتمي إلى مشكلتين: أولهما التي تندرج ضمن المجتمع الإنساني (نحن)، وثانيهما مرتبطة بالذات وحدها داخل المجتمع (الأنا)، بمعنى مبدأ المجتمع ومبدأ الفرد، وهذا الأخير هو الذي يهمُّنا؛ لأنه إذا تحقَّق، تحقق المبدأ الأول، وعليه نقول: إن مبادئ المجتمع قائمةٌ على مبادئ الأفراد، وهنا تكمن أهمية المبدأ.
وللتأكيد على أهمية المبدأ، وعلى كونه القلبَ الذي تنبض به الحياة، والدمَ الذي يسري في شرايين جسم هذه الحياة، وبعبارة أخرى على أنه الشيء الذي يُغذِّي الفرد، ويرسم له طريق حقيقة الصفوة الإنسانية، بل ويدلُّ على سموِّ قَدْر صاحبه؛ إذ يرفعه إذا وُجد، ويحطُّ منه إذا انعدم.
إذاً حقيقة الحياة هي المبدأ والإيمان به، وبغيرهما ينقلب الإنسان إلى آلةً عاملةً لا يعرف الإيجاد والإبداع، والمقاومة، والنزوع العقلي والروحي إلى المعاني السامية والفضائل العلوية، وكذلك يفقد الإنسان الحياة، وكذلك يضيعُ التراث الإنساني الذي جاهدتْ أجيالُ البشر السآبقه في سبيله و من أجلهِ، إن صحة المبدأ وحدها كفيلةٌ بإحداث أعظم الآثار في تاريخ العقل الإنسانيِّ، وأما الإيمان بهذا المبدأ فهو إعطاء العقل قوة التدبير ليُخرج حقائقه وأمانيهِ إخراجًا عمليًّا فعالاً في الحياة" وأنَّ الحياة تنعدِمُ بانعِدام المبدأ.
ولذلك أقول: أنَّ حقيقة الحياة ما هي إلا في قيامها على مبدأ سليم وصحيحٍ و قويٌّ، يُؤمن به صاحبُه؛ حتى تتحقَّقَ الفضائلُ السامية، والقيم النبيلة، وتسموَ النفسُ ويعلو قدرُها، وإذا حصل هذا في الأفراد، سنستطيع أوانئذٍ الارتقاء بالمجتمع إلى سلّم الإنسانية.
و أخيراً أقول و أختم: بأنَّ قيام الحياة على مبدأ صحيح أمرٌ يؤكِّد حقيقتَها، وحقيقةَ حامِلِه، فهو تعبيرٌ عن الذات في أخلاقها، وأعمالها، وأفكارها، ومساعيها، وما علينا إلا " أن نقولَ وأنْ نعملَ، وأن نؤمِنَ بما نقول وما نعمل من سرِّ أنفسنا... من قلوبنا.... من مبادئنا... من أحشائنا... من دمائنا"؛ فالحياة قوامُها المبدأ، إذا وجد وجد الإنسان و إذا إنعدم لا قيمة للإنسان.
************
رد مع اقتباس