عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 2010-01-23, 05:16 PM
أبو جهاد الأنصاري أبو جهاد الأنصاري غير متواجد حالياً
أنصارى مختص بعلوم السنة النبوية
 
تاريخ التسجيل: 2007-07-22
المكان: الإسلام وطنى والسنة سبيلى
المشاركات: 8,418
افتراضي


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ،،
نواصل مع حضراتكم سلسلة الأدلة القرآنية على حجية السنة النبوية ، ومع الجزء الثالث منها:

ثالثاً : الإتيان بمفردات معينة والعدول عن غيرها لإقرار حجية السنة

تعرف البلاغة بأنها تبليغ المعنى فى أقل عدد ممكن من الكلمات. وعرف أعرابى البلاغة قائلاً أنها : الإيجاز من غير عجز ، والإطناب من غير خلل(1).

إذاً فالإيجاز ركن أصيل من أركان البلاغة ، ومن المعلوم بداهةً أن القرآن الكريم هو أعلى نسق بلاغى لدينا ، فلا يعلوه شئٌ ، ودونه كلُّ شئ. والاختصار من وجوه الإعجاز البلاغى فى القرآن حيث لا يمكن أن يُستدرك عليه شئٌ بحذف ولا بزيادة. فما حُذف منه كان لحكمة ،وما ثبت فيه ، وضع لحكمة.

ومدار الإعجاز البلاغى فى القرآن الكريم – كما ذكر الفخر الرازى رحمه الله – يكمن فى أنه لو أزيلت لفظة من القرآن الكريم ثم دارت عليه لغة العرب لما جاء مثلها ولا خير منها.

وإذا تأملنا العديد من المواضع فى القرآن الكريم وجدنا أن هناك ألفاظ يمكن أن يُستغنى عنها لو أُريد منها ظاهر معناها فقط ، ولكن لأنها ثبتت فى القرآن فلابد أن لها حكمة ، إذا تأملناها وتدبرناها وجدنا أن ثبوتها دليل على حجية السنة النبوية فى تشريع الإسلام. ومن يقول غير هذا فقد أعظم على الله الفرية.

وكثيراً ما أتوقف مع آيات القرآن الكريم ومفرداته ،وأسأل نفسى : ما الحكمة أن الله جلت قدرته ، وتعالت حكمته ، قال كذا ، ولم يقل كذا؟ وإذا بى ينفتح أمامى باب علم فسيح ، فننهل من القرآن علوماً ومعارف لا تنتهى ، فأتذكر قول الصحابى الفقيه ، أو الفقيه الصحابى عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وأرضاه حين وصف القرآن بأنه لا تنقضى عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الرد.

وباتباع هذا المنهج القرآنى البلاغة اللغوى سنجد أننا سنتوقف أمام المئات والمئات من آيات القرآن الكريم لنرى أنها قطعية فى إثبات حجية السنة النبوية. ولنتأمل ما يلى :-

(1) تصدير مئات الآيات القرآنية بكلمة ( قل ) وفعل خاص موجه مباشرةً للنبى – صلى الله عليه وسلم – ومن الممكن أن يستغنى عنها سياق الآيات دون حدوث تقصير أو خلل فى المعنى.
وقد وردت كلمة ( قل ) فى القرآن ثنتين وثلاثين وثلاثمائة مرة ـ أغلبها خاص بالنبى – صلى الله عليه وسلم – إلا قليلاً قليلاً ، وإذا تأملنا الكثير من هذه الآيات ، نجد أن المعنى قائم ومكتمل دون الحاجة إلى هذه الكلمة ، مثال ذلك قوله تعالى : قل يأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون فلو جاء الخطاب القرآنى على نحو : " يأيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون ما أختل المعنى ، وكذلك قول تعالى : قل هو الله أحد * الله الصمد وقوله تعالى : قل إن هدى الله هو الهدى وقوله تعالى : قل جاء الحق وزهق الباطل .... إلخ.
وطالما أن المعنى قد قام ، وطالما أنه لا يجوز أن يكون فى كلام الله فضل كلام ، فلابد أن يكون غرض إضافى ، ومغزى جديد بخلاف المعنى الأصلى. وهذا المعنى الإضافى والمغزى الجديد نرى أنه إقرار وإثبات حجية السنة النبوية ، على النحو الذى سنبينه.

ولنتأمل إسناد الضمير فى الجمل التى جاءت بعد قل سنجد أنها فى الأغلب الأعم قد أُسند الضمير ونُسب الفعل إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – كقوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ، وكقوله : قل إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم ... إلخ.

بينما جاء إسناد الضمير فى مواضع أخرى قليلة بعد قل لله تعالى ، كقوله : قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك وكان بالإمكان أن يأتى النظم على غرار الحالة الأولى فينسب إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – فيقال : " قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبى " ، ولكن جاء التباين والتفاوت فى إسناد الضمير بعد قل ليدل على حِكَمٍ عديدة ، علمنا إحداها ، ألا وهى أن القرآن قد يكون منصوصاً كما هو الحال عندما يقول النبى – صلى الله عليه وسلم - : قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك ، كما أن القرآن قد يكون مفهوماً ومنصوصاً كما فى قوله : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى .

فإن رتلها النبى – صلى الله عليه وسلم – كما هى فى القرآن فهى ( قرآن منصوص ) ، وإن قالها النبى – صلى الله عليه وسلم – مباشرة دون تضمينها فى سياقها القرآنى ، فهى إذاً قرآنٌ مفهوم ، أى مروية بالمعنى ، فدل هذا على أن أوامر النبى – صلى الله عليه وسلم – ونواهيه هى وحى من عند الله ، وإن لم تكن بنص القرآن فهى بمفهومه ، وكلاهما وحى بلا خلاف.

(2) وبمناسبة ذكر الآيات التى ذّكرت فيها كلمة قل أتوقف عند قوله تعالى : قل إنما أتبع ما يوحى إلي من رب [ الأعراف : 203 ] ،وهنا أتوصل إلى قاعدة ذهبية أقول فيها : إن اتباع الوحى وحى.

(3) توجيه الخطاب إلى النبى – صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالى : إليك و عليك فى عشرات وربما المئات فى القرآن ،كقوله تعالى : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل ] ، وقوله تعالى : نحن نقص عليك احسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن [ يوسف : 3 ] فلو تأملنا المعنى والسياق لأدركنا – دون عناء – أن المعنى قائم ومكتمل ، وليس فى حاجة لذكر هاتين الكلمتين. ولكن جاءت هاتان المفردتان وبخاصة إليك للتأكيد على ما أسميه : ( تلازم الرسالة والرسول ) فلولا الرسالة ما بُعث الرسول ، ولولا الرسول ما بُلّغت الرسالة. بل سيتحول القرآن من بلاغ حقيقى من شخص إلى شخص إلى مجرد وجادة ، ولمن يدرس علم مصطلح الحديث ، يعلم مغزى كلمة ( وجادة ) ويعلم أنها لا يثبت بها تبليغ.

لطيفة : بتتبع آيات الذكر الحكيم التى وردت فيها كلمتا إليك – عليك مخَاطباً بها النبى – صلى الله عليه وسلم – بعد كلمات مثل : أنزل – نزّل – أنزلنا - نزل – تنزيل وجدت أنه عند ذكر إليك يكون السياق متعلقاً بشخص النبى – صلى الله عليه وسلم – وعند ذكر قوله تعالى عليك يكون السياق متعلقاً بالقرآن الكريم ذاته. ولمن أراد التوسع الرجوع إلى كتاب الله وتدبره.

(4) أسوق مثالاً آخر يتعلق بالمفردات والعبارات القرآنية التى جاءت لتدعم حجية السنة النبوية فى التشريع أختم بها هذه الحلقة وهى قوله تعالى : الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً [ الكهف : 1 ].

فماذا لو جاء النظم كما يلى : " الحمد لله الذى أنزل الكتاب ولم يجعل له عوجاً " بدون على عبده ؟
لا شك ان المعنى الظاهر مكتمل ، ولكن جاءت هذه لتؤكد على أن هناك نعمتين الأولى هى : إنزال الكتاب. الثانية : كون هذا التنزيل كان على النبى – صلى الله عليه وسلم – .
وقد تصدرت هذه السورة الكريمة سورة الكهف بهذه العبارة اللطيفة ، وسنجد أن السورة قد ورد فيها ذكر النبى – صلى الله عليه وسلم – مراراً وتكراراً باستعمال ضمير الغائب كقوله تعالى : فلعلك باخع نفسك على آثارهم و أم حسبت و وتحسبهم أيقاظاً و لو اطلعت عليهم و واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك ..... إلخ ل هذا ليتأكد عندنا حتمية الوساطة النبوية فى العملية التشريعية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

========== الهامش ==========
(1) ذكره ابن رشيق القيروانى فى كتابه العمدة نقلاً عن المفضل الضبى.
__________________
قـلــت :
[LIST][*]
من كفر بالسـّنـّة فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله تعالى يقول : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )).
[*]
ومن كذّب رسولَ الله ، فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ،لأن القرآن يقول : (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )).
[*]
ومن كذّب أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله سبحانه يقول فيهم : (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )).
[*]
ومن كذّب المسلمين فهو على شفا هلكة ، لأن القرآن يقول : (( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) والنبي - صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ).
[/LIST]
رد مع اقتباس