عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 2010-01-23, 05:18 PM
أبو جهاد الأنصاري أبو جهاد الأنصاري غير متواجد حالياً
أنصارى مختص بعلوم السنة النبوية
 
تاريخ التسجيل: 2007-07-22
المكان: الإسلام وطنى والسنة سبيلى
المشاركات: 8,418
افتراضي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ،،،
نواصل عرض الأدلة القرآنية على حجية السنة النبوية.

ومع الجزء الرابع من هذه السلسلة
شيوع الخطاب القرآنى الموجه إلى النبى - صلى الله عليه وسلم –
ودلالته على حجية السنة النبوية

إن علم الضمائر فى القرآن الكريم علم كبير ، يستحق أن يفرد له العلماء مصنفات كثيرة ومستقلة. وقد بدأ البعض ينتبه إلى أهمية هذا العلم ، فقد صنف فيه الدكتور محمد حسنين صبرة كتاب : " مرجع الضمير فى القرآن الكريم " وقد خصصه للحديث عن ضمير الغائب المبنى على حرف الهاء ، ولكنه نظر إلى الموضوع نظرة أصولية تساعد المفسرين على فهم الخطاب القرآنى.

ورغم أهمية هذا المبحث إلا أننا هنا ننظر إلى الأمر من جهة أخرى من حيث تعلق الضمير بالمعنى ودلالة ذلك فى سياق الموضوع الذى نتحدث فيه ألا وهو حجية السنة النبوية فى تشريع الإسلام.

وسوف أسوق أمثلة على استخدام الضمائر فى القرآن الكريم نوضح بها المقصود من هذا المبحث.

عندما يقول تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) [سورة البقرة] فيوجه الخطاب بالضمير "كم" إلى الجمع ليدل على عموم الحكم على جميع مكلفى الأمة ثم يعود فيوجه الخطاب إلى المفرد "مَنْ شهد" فى قوله فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة : 185] فإنه يدل على الانفصال الحكمى فى هذه الحالات ، فتغير شكل الضمير ليدل على اختلاف الحكم والانفصال فيه.

ولنتأمل قوله تعالى : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ، فـ "مَنْ" هنا تفيد التبعيض ، ويُستدل منها أن الرؤيا لا تثبت إلا بالعين المجردة وأن العبرة فى صيام أى بلد هو بثبوت رؤية الهلال فيها وإن خالفت بلد آخر. إذا أتقنا فهم هذه المسألة أدركنا أن توحيد صيام الدول الإسلامية ليست شرطاً ولا واجباً ، وتبين لنا خطأ الذين يتشدقون بأن توحيد الصيام فى العالم الإسلامى هو من علامات القوة أو أنه هو المنهج السليم ، فهؤلاء يغلب عليهم المقصد السياسى قبل الفهم الشرعى.

وسوف أخصص الحديث هنا عن عملية شيوع الخطاب القرآنى الموجه إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – ودعونا نتأمل الآيات التالية ثم نعود لنستنتج حكماً :

قال تعالى فى سورة هود : وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) حيث أمر النبى – صلى الله عليه وسلم – بإقامة الصلاة والصبر ، وهما أمران قد تم توجيههما فى مواضع قرآنية أخرى إلى جميع الأمة. حيث قال تعالى فى سورة البقرة : وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ،وقال فى سورة آل عمران : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)

وقال تعالى فى سورة الإسراء : أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)

وقال تعالى فى سورة العنكبوت : اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)

وقال تعالى فى سورة الروم : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) .
ونتأمل الالتفات الضميرى فى قوله فأقم التى تعود على النبى – صلى الله عليه وسلم - إلى منيبين - وأقيموا التى تعود على أمته. لندرك على الفور ضرورة الوساطة النبوية فى تنفيذ التكاليف الشرعية. وهو ما أحب أن أعبر عنه بعبارة : " تلازم الرسالة بالرسول " وأقصد بها أن الرسالة ستكون مفتقدة بدون الرسول ، كما أن الرسول لن يجدى شئ بدون الرسالة.


فكل هذه الأوامر القرآنية للنبى – صلى الله عليه وسلم – هى أوامر موجهة بالدرجة الأولى لجميع الأمة ولكن هنا يأتى الخطاب القرآنى على هذا النحو ليشير إلى مغزى جديد ، ومعنى إضافى لم يرد فى الآيات الأخرى التى أمرت بنفس هذه الأوامر التى صدرت إلى الأمة عبر النبى – صلى الله عليه وسلم - .

شبيه بذلك قوله تعالى فى سورة الطلاق : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فتصدرت الآية بنداء للنبى – صلى الله عليه وسلم – يا أيها النبى ثم تبعها الخطاب للأمة : إذا طلقتم النساء ليبين ان هناك أحكام فى شأن قضية الطلاق سترد فى القرآن ولكن سيأتى لها تفصيل ومزيد إيضاح فى السنة النبوية التى تصدر الخطاب لصاحبها فى بداية السورة.

ولنتأمل قوله تعالى فى سورة النساء : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) فبدا الخطاب القرآنى بتوجيه الحوار للنبى – صلى الله عليه وسلم – بـ ألم تر ثم جاء الأمر بعدها أن يعرض النبى – صلى الله عليه وسلم – عن المنافقين ثم يشفع ذلك فى خطاب صريح موجه للنبى – صلى الله عليه وسلم – بأن يعظهم ويقول لهم فى أنفسهم قولاً بليغاً.
فهل سيعظهم النبى – صلى الله عليه وسلم – بالقرآن نفسه؟! وهو يتحدث الآن فعلاً؟!
وأزيد هذه المسألة وضوحاً فأمثل لها بثلاثة مجتمعين فى موقف واحد : آمر ورسوله ومرسل إليه مأمور ، والآمر يتحدث إلى المأمور ، فهل سيوجه الآمر خطابه إلى رسوله ويقول له قل انصح من أنت مرسل إليه بكذا وكذا وكذا؟! رغم أن ثلاثتهم حاضر ، فلماذا إذاً لم يوجه خطابه للمأمور مباشرة حيث أنه حاضر؟!

وهذا النمط فى الخطاب كثير جداً وشائع فى القرآن الكريم ، حيث نجد أن الله سبحانه وتعالى يخص النبى – صلى الله عليه وسلم – بالخطاب فى مقام تشريعى يخص المكلفين من هذه الأمة ، ليبين أن الحكم القرآنى سيأتى له مزيد تفصيل وإيضاح فى السنة النبوية مصداق قوله سبحانه وتعالى فى سورة الإسراء : وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) فالقرآن شئ ، وقد تم تفصيله فى السنة النبوية.
ولاشك أن النبى – صلى الله عليه وسلم – هو أحد المكلفين والمخاطبين من هذا الخطاب القرآنى علاوة على كونه النبى وصاحب الرسالة. ومن المسلمات أن الخطاب القرآنى عندما يصاغ بأسلوب الجمع فإنه يشمل النبى – صلى الله عليه وسلم - وسائر أمته ، ما لم تقم قرينة بتخصيص النبى بالخطاب القرآنى.


والآيات فى هذا المقام وتحت هذا البند تفوق الحصر ، وعلى الباحث فى علوم القرآن ، السابر لأغواره ، المتعمق فى معانيه ، المبتغى لدقائق مراميه ، أن يطيل النظر عند كل هذه الآيات المشابهة لما نتحدث عنها فى هذا المقال. ليدرك تمام الإدراك وبما لا يدع مجالاً لشك أن هذه الآيات إنما جاءت على هذا النسق المخصوص لتعبر وتدل على حجية السنة النبوية فى التشريع الإسلامى.

ولكننى سأختم هذا المبحث بقوله تعالى فى سورة الأنبياء : وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) حيث نجد أن الله سبحانه قد ضرب لنا مثلاً ودليلاً على صحة ولزوم عقيدة الموت بوفاة النبى – صلى الله عليه وسلم – فإذا كانت وفاة النبى – صلى الله عليه وسلم – دليلاً على صحة عقيدة الموت أفلا يدل هذا على مشروعية وحجية سيرة وحياة النبى – صلى الله عليه وسلم – المحصورة بين بعثته ووفاته؟!

والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات.
__________________
قـلــت :
[LIST][*]
من كفر بالسـّنـّة فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله تعالى يقول : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )).
[*]
ومن كذّب رسولَ الله ، فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ،لأن القرآن يقول : (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )).
[*]
ومن كذّب أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله سبحانه يقول فيهم : (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )).
[*]
ومن كذّب المسلمين فهو على شفا هلكة ، لأن القرآن يقول : (( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) والنبي - صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ).
[/LIST]
رد مع اقتباس