عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2010-02-01, 07:14 PM
طالب عفو ربي طالب عفو ربي غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-02-28
المشاركات: 716
افتراضي

اللغة العربية تستحق أن تكون عالمية
محمد سالم - الرياض :

تتعاظم أهمية اللغة على خريطة المعرفة الإنسانية، حيث ازدادت علاقة اللغة وثوقًا مع مختلف أنواع هذه المعرفة، حتى أوشك المدخل اللغوي أن يصبح نهجًا معرفيًا عامًا تستهدي به ليس العلوم الإنسانية فقط، وإنما (أيضًا) العلوم الطبيعية.

لاشك في أن دور اللغة في مجتمع المعرفة يتعاظم، وذلك لاعتبارات وعوامل عديدة منها:
- محورية الثقافة التي لم تعد بنية فوقية، أو أحد العناصر المكونة لمنظومة المجتمع، وإنما المحور الأساسي الذي تدور في فلكه عملية التنمية.
- محورية معالجتها آليًا بواسطة الحاسب الآلي في تكنولوجيات المعلومات. فاللغة هي المنهل الطبيعي الذي تستقي منه هذه التكنولوجيا أسس ذكائها الاصطناعي، وقواعد معارفها، وهي التي تكسب أجيال الإنسان الآلي القدرة على محاكاة الوظائف البشرية.
- تعاظم دورها الذي تؤديه على مختلف الأصعدة والمستويات، خاصة بعد أن أصبحت الكلمة من أشد الأسلحة الأيدولوجية ضراوة، وبعد أن فرضت قوى السياسة والاقتصاد سيطرتها على أجهزة الإعلام، وعلى صنع الثقافة بوجه عام. وباتت هذه القوى (ومن خلال اللغة) تعمل على توليد خطاب يخدم مصالحها ويتحكم في أقدار الأفراد والجماعات والدول والمجتمعات.
- اتساع مفهوم مجتمع المعرفة ليشمل مجتمع التعلم مدى الحياة (ليس للبشر فقط) بل للآلات والنظم والمؤسسات، وللخلايا والفيروسات. وكل هذا يرتكز في الأساس على اللغة: إنسانية كانت أم برمجية اصطناعية.
لهذه العوامل ولغيرها، يتعاظم دور اللغة في مجتمع المعرفة، مما يتطلب نظرة أعمق وأشمل لمنظومة اللغة العربية بعناصرها الداخلية، وعلاقتها الخارجية التي تربطها بالمنظومة المجتمعية الأخرى. فما الشروط التي يجب توافرها في لغتنا العربية لتفرض نفسها على شعوب العالم؟
شغلت مجلة «أتلانتيك Atlantic Monthly» الأمريكية الشهرية نفسها بهذه الشروط وشاركها في ذلك عدد من المعاهد ومراكز البحوث التي تهتم بمستقبل اللغة في عالم سريع التغير نتيجة لتقدم أساليب وتكنولوجيا المعلومات والاتصال.
تذكر المجلة أن انتشار اللغات خارج حدود أوطانها يتوقف إلى حد كبير على سهولة اللغة وسرعة تعلمها بفضل بساطة تركيباتها النحوية. وتستشهد على ذلك بأن المتقدمين من الأمريكيين للعمل في الخارجية الأمريكية يحتاجون إلى أربعة وعشرين أسبوعًا فقط لتعلم أي من اللغات: الألمانية، الإيطالية، الفرنسية، الإسبانية، البرتغالية لتقارب تراكيبها النحوية البسيطة مع الإنجليزية. ولذلك تنتشر هذه اللغات أكثر من غيرها في العالم مع بعض التفاوت فيما بينها في درجة الانتشار، بينما يتطلب تعلم لغات من السواحيلية (شرق إفريقيا) والإندونيسية والماليزية إلى ستة وثلاثين أسبوعًا. ويحتاج تعلم الهندية والأوردية والروسية إلى أربعة وأربعين أسبوعًا. أما تعلم العربية والصينية واليابانية والكورية فإنه يحتاج إلى ثمانية وثمانين أسبوعًا. وتعتبر الإنجليزية من أبسط هذه اللغات جميعًا وأسرعها في التعلم، لذا فإنها مؤهلة ومرشحة لأن تكون هي اللغة العالمية التي قد تسود العالم كله في المستقبل. وقد تناقلت وسائل الإعلام مؤخرًا خبرًا مفاده أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الأولى في العالم من حيث المتحدثين بها. ولعل أول هذه الشواهد هو ذلك الكم الهائل من المواد المتاحة باللغة الإنجليزية على شبكات الإنترنت التي تقدر بحوالي 80٪ من كل المواد المعروضة. كما أن عدد الذين يستخدمون الإنترنت للحصول على هذه المواد من بين غير المتكلمين بالإنجليزية (كلغة أصيلة) يزدادون بمعدلات كبيرة جدًا تفوق معدلات الزيادة بين الناطقين بها.
ويقدر عدد الناطقين بالإنجليزية (اللغة الأم) بحوالي 375 مليون نسمة، بينما يصل عدد المتكلمين باللغات الأخرى في العالم أكثر من 5700 مليون نسمة تقريبًا. ويؤلف مستخدمو الإنترنت من غير المتكلمين بالإنجليزية للحصول على مواد بالإنجليزية أكثر من 44٪ من مجموع الذين يعتمدون على الإنترنت من مختلف اللغات.
شاهد ثان على انتشار الإنجليزية هو أنها تعتبر الآن لغة العالم التي تستخدم في إجراء البحوث ونشر النتائج على مستوى العالم. ففي ألمانيا على سبيل المثال (وهي دولة تعتز اعتزازًا كبيرًا بلغتها وثقافتها وإنجازاتها العلمية) نجد أن 98٪ من بحوث الفيزياء و83٪ من البحوث الكيميائية تجرى وتنشر باللغة الإنجليزية. كذلك تعتبر الإنجليزية هي اللغة الرسمية للبنك الأوروبي المركزي، رغم أنه يوجد في فرانكفورت، ورغم أن بريطانيا ليست عضوًا في اتحاد النقد الأوروبي.
ولهذا لابد من دراسة علاقة اللغة العربية بمنظمومة اكتساب المعرفة بمراحلها المختلفة، ابتداء من النفاذ إلى مصادرها، وامتدادًا إلى نقلها واستيعابها، وتوظيفها، وتوليد معارف جديدة. وهذه الدراسة تتطلب (أول ما تتطلب) تحليلاً دقيقًا لعلاقة اللغة العربية بالفكر على كافة المستويات، وتوفير الآليات والوسائل المناسبة التي تمكنها من القيام بدورها في مرحلة من هذه المراحل. فمرحلة النفاذ إلى مصادر المعرفة تستلزم العديد من الوسائل البرمجية لمعالجة النصوص العربية آليًا: كالفهرسة، والاستخلاص، والتلخيص، والمراجعة الجذرية لتعليم اللغة العربية. أما دور اللغة العربية في توظيف المعرفة وسيادتها فإنه ينطلق في الأساس من منظور حل المشكلة الذي يتطلب بدوره الدقة في تحديدها ووصفها والمقارنة المنهجية من خلال دعم جهود البحث العلمي الحديث في المجالات العلمية المختلفة.
فقد أثبتت اللغة العربية جدارتها على مر العصور، ويشهد تاريخ الفتح الإسلامي على سرعة انتشارها، واندماجها في بيئات لغوية متباينة، وأنها كانت أداة فعالة لنقل المعرفة، ومن ثم فإن من حقها أن تصبح لغة عالمية، خاصة أنها تتسم بالعديد من الخصائص الجوهرية من أهمها: أنها تجمع بين كثير من خصائص اللغات الأخرى على مستوى جميع فروعها اللغوية، كما أنها (من منظور معالجة اللغات الإنسانية آليًا بواسطة الحاسب الآلي) جديرة أن تكون لغة عالمية. فبفضل توسطها اللغوي يسهل تطويع نماذج البرمجة المصممة للغة العربية، لتلبية مطالب اللغات الأخرى وعلى رأسها الإنجليزية.
انطلاقًا من عالمية الخطاب القرآني وعالمية لغته ينبغي إخضاع اللغة العربية للنظرية العامة التي تندرج في إطارها جميع اللغات الإنسانية، بل إن هذه العالمية تفرض أن تكون اللغة العربية من أوائل اللغات التي تنضم إلى حظيرة العموم اللغوي العالمي.
رد مع اقتباس