هل يجوز لعن يزيد بن معاوية ؟
الفاضل سعود الزمانان
الحقيقة أنني ترددت كثيراً في هذا البحث وذلك لسببين ، أولهما أن الأمر يحتاج إلى نفس عميق وبحث متأن حتى لا تزل القدم بعد ثبوتها ،
والسبب الآخر أن هذه المسألة قد وقع فيها التخبط الكثير من الناس ،
وأحياناً من الخواص فضلاً عن العوام ، فاستعنت بالله على خوض غمار هذه المسألة ونسأل الله الهداية والرشاد
وقد صنفت المصنفات في لعن يزيد بن معاوية والتبريء منه ،
فقد صنف القاضي أبو يعلى كتاباً بيّن فيه من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد بن معاوية ،
وألف ابن الجوزي كتاباً سمّاه
" الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد " ،
وقد اتهم الذهبي - رحمه الله- يزيد بن معاوية فقال : " كان ناصبياً، فظاً ، غليظاً ، جلفاً ، يتناول المسكر ويفعل المنكر "[1] ،
وكذلك الحال بالنسبة لابن كثير – رحمه الله – حينما قال :
" وقد كان يزيد فيه خصال محمودة من الكرم ، والحلم ، والفصاحة ، والشعر ، والشجاعة ، وحسن الرأي في الملك ، وكان ذا جمال وحسن معاشرة ، وكان فيه أيضاً إقبال على الشهوات ، وترك الصلوات في بعض أوقاتها ، وإماتتها في غالب الأوقات
"[2]
قلت :
الذي يجوز لعن يزيد وأمثاله ، يحتاج إلى شيئين يثبت بهما أنه كان من الفاسقين الظالمين الذين تباح لعنتهم ، وأنه مات مصرّاً على ذلك ،
والثاني :
أن لعنة المعيّن من هؤلاء جائزة .
وسوف نورد فيما يلي أهم الشبهات التي تعلق بها من استدل على لعن يزيد والرد عليها :
أولا:
استدلوا بجواز لعن يزيد على أنه ظالم ، فباعتباره داخلاً في قوله تعالى
{ ألا لعنة الله على الظالمين }
الرد على هذه الشبهة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" هذه آية عامة كآيات الوعيد ، بمنـزلة قوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً }
وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب للعن والعذاب ، لكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح ، إما توبة ، وإما حسنات ماحية ، وإما مصائب مكفّرة ، وإما شفاعة شفيع مطاع
، ومنها رحمة أرحم الراحمين "[3]ا.هـ .
فمن أين يعلم أن يزيد لم يتب من هذا ولم يستغفر الله منه ؟ أو لم تكن له حسنات ماحية للسيئات ؟
أو لم يبتلى بمصائب وبلاء من الدنيا تكفر عنه ؟
وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى
{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" إن لعن الموصوف لا يستلزم إصابة كل واحد من أفراده إلا إذا وجدت الشروط ، وارتفعت الموانع ، وليس الأمر كذلك
"[4]
ثانياً : استدلوا بلعنه بأنه كان سبباً في قتل الحسين – رضي الله عنه - :
الرد على هذه الشبهة:
الصواب أنه لم يكن ليزيد بن معاوية يد في قتل الحسين – رضي الله عنه - ،
وهذا ليس دفاعاً عن شخص يزيد
لكنه قول الحقيقة ،
فقد أرسل يزيد عبيد الله بن زياد ليمنع وصول الحسين إلى الكوفة ، ولم يأمر بقتله ،
بل الحسين نَفْسُه كان حسن الظن بيزيد
حتى قال دعوني أذهب إلى يزيد فأضع يدي في يده .
قال ابن الصلاح – رحمه الله - :
" لم يصح عندنا أنه أمر بقتله – أي الحسين رضي الله عنه - ،
والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله – كرمه الله – إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك "[5]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق ،
ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظه
ر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ،
ولم يَسْبِ لهم حريماً بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردّهم إلى بلادهم ،
أما الروايات التي في كتب الشيعة
أنه أُهين نساء آل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنهن أُخذن إلى الشام مَسبيَّات ، وأُهِنّ هناك هذا كله كلام باطل ،
بل كان بنو أمية يعظِّمون بني هاشم ،
ولذلك لماّ تزوج الحجاج بن يوسف فاطمة بنت عبد الله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر ،
وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها ، فهم كانوا يعظّمون بني هاشم ،
بل لم تُسْبَ هاشميّة قط " ا.هـ .
[6]
قال ابن كثير – رحمه الله - :
" وليس كل ذلك الجيش كان راضياً بما وقع من قتله – أي قتل الحسين –
بل ولا يزيد بن معاوية رضي
بذلك والله أعلم ولا كرهه ، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه ،
كما أوصاه أبوه ، وكما صرح هو به مخبراً عن نفسه بذلك ، وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما
يظهر ويبدو "ا.هـ.
[7]
وقال الغزالي – رحمه الله - :
" فإن قيل هل يجوز
لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو آمر به ؟
قلنا :
هذا لم يثبت أصلاً
فلا يجوز
أن يقال إنه قتله أو أمر به
ما لم يثبت ،
فضلاً عن اللعنة ،
لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق "
[8]
قلت :
ولو سلّمنا أنه قتل الحسين ، أو أمر بقتله وأنه سُرَّ بقتله ، فإن هذا الفعل لم يكن باستحلال منه ، لكن بتأويل باطل ، وذلك فسق لا محالة وليس كفراً ، فكيف إذا لم يثبت أنه قتل الحسين ولم
يثبت سروره بقتله من وجه صحيح ،
بل حُكِي عنه خلاف ذلك .
قال الغزالي : "فإن قيل :
فهل يجوز أن يقال :
قاتل الحسين لعنه الله ؟ أو الآمر بقتله لعنه الله ؟
قلنا :
الصواب أن يقال :
قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله ، لأنه
يحتمل أن يموت بعد التوبة ، لأن وحشياً قتل حمزة عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قتله وهو كافر ، ثم تاب عن الكفر والقتل جميعاً ولا يجوز أن يلعن ، والقتل كبيرة ولا تنتهي به إلى رتبة الكفر ، فإذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر ، وليس في السكوت خطر ، فهو أولى
"[9]
ثالثا :
استدلوا بلعنه بما صنعه جيش يزيد بأهل المدينة ، وأنه أباح المدينة ثلاثاً حيث استدلوا بحديث " من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله من صرفاً ولا عدلاً "
الرد على هذه الشبهة :
إن الذين خرجوا على يزيد بن معاوية من أهل المدينة كانوا قد بايعوه بالخلافة ، وقد حذّر النبي – صلى الله عليه وسلم – من أن يبايع الرجل الرجل ثم يخالف إليه ويقاتله ، فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ،فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا رقبة الآخر "[10] ، وإن الخروج على الإمام لا يأتي بخير ، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة التي تحذّر من الإقدام على مثل هذه الأمور ،
لذلك قال الفضيل بن عياض– رحمه الله - :
" لو أنّ لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في إمام ، فصلاح الإمام صلاح البلاد والعباد " [11] ،
وهذا الذي استقرت عليه عقيدة أهل السنة والجماعة ، ومعركة الحرة تعتبر فتنة عظيمة ،
والفتنة يكون فيها من
الشبهات ما يلبس الحق بالباطل ،
حتى لا يتميز لكثير من الناس ، ويكون فيها من الأهواء والشهوات ما يمنع قصد الحق وإرادته ،ويكون فيها ظهور قوة الشر ما يضعف القدرة على الخير ،
فالفتنة كما قال شيخ الإسلام :
" إنما يعرف ما فيها من الشر إذا أدبرت فأما إذا أقبلت فإنها تُزين ، ويُظن أن فيها خيراً "[12] .
وسبب خروج أهل المدينة على يزيد ما يلي :
- غلبة الظن بأن بالخروج تحصل المصلحة المطلوبة ، وترجع الشورى إلى حياة المسلمين ، ويتولى المسلمين أفضلهم .
- عدم علم البعض منهم بالنصوص النبوية الخاصة
بالنهي عن الخروج على
الأئمة .
قال القاضي عياض بشأن خروج الحسين وأهل الحرة وابن الأشعث وغيرهم من السلف :
" على أن الخلاف وهو جواز الخروج أو عدمه كان أولاً ، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم والله أعلم "[13] ،
ومن المعلوم أن أهل الحرّة متأولون ، والمتأول المخطئ مغفور له بالكتاب والسنة ، لأنهم لا يريدون إلا الخير لأمتهم ،
فقد قال العلماء :
" إنه لم تكن خارجة خير من أصحاب الجماجم والحرّة "[14] ، وأهل الحرة ليسوا أفضل من علي وعائشة و طلحة و الزبير وغيرهم ،
ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال ، وهم أعظم قدراً عند الله ، وأحسن نية من غيرهم
[15].
فخروج أهل الحرة كان بتأويل ، ويزيد إنما يقاتلهم لأنه يرى أنه الإمام ، وأن من أراد أن يفرق جمع المسلمين فواجب مقاتلته وقتله ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح
[16].
وكان علي – رضي الله عنه – يقول :
" لو أن رجلاً ممّن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه ، ولو أن رجلاً ممّن بايع عمر خلعه لقاتلناه
"[17]
أما إباحة المدينة ثلاثاً
لجند يزيد يعبثون بها يقتلون الرجال ويسبون الذرية وينتهكون الأعراض ، فهذه كلها أكاذيب وروايات لا تصح ،
فلا يوجد في كتب السنة أو في تلك الكتب التي أُلِّفت في الفتن خاصّة ،
كالفتن لنعيم بن حمّاد أو الفتن لأبي عمرو الداني أي إشارة لوقوع شيء من انتهاك الأعراض ، وكذلك لا يوجد في أهم المصدرين التاريخيين المهمين عن تلك الفترة ( الطبري والبلاذري )
أي إشارة لوقوع شيء من ذلك ، وحتى تاريخ خليفة على دقته واختصاره لم يذكر شيئاً بهذه الصدد ، وكذلك إن أهم كتاب للطبقات وهو طبقات ابن سعد لم يشر إلى شيء من ذلك في طبقاته .
نعم قد ثبت أن يزيد قاتل أهل المدينة ، فقد سأل مهنّا بن يحيى الشامي الإمام أحمد عن يزيد فقال :
" هو فعل بالمدينة ما فعل قلت :
وما فعل ؟ قال : قتل أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفعل .
قلت : وما فعل ؟ قال : نهبها " وإسنادها صحيح
[18] ،
أما القول بأنه استباحها فإنه يحتاج إلى إثبات ،
وإلا فالأمر مجرد دعوى ، لذلك ذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى إنكار ذلك ،
من أمثال الدكتور نبيه عاقل ، والدكتور العرينان ، والدكتور العقيلي
[19].
قال الدكتور حمد العرينان بشأن إيراد الطبري لهذه الرواية في تاريخه
" ذكر أسماء الرواة متخلياً عن مسئولية ما رواه ، محملاً إيانا مسئولية إصدار الحكم ، يقول الطبري في مقدمة تاريخه
[20] :
" فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه ، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً من الصحة ولا معنى في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يؤت من قبلنا وإنما أُتي من بعض ناقليه إلينا[21] "ا.هـ.
قلت :
ولا يصح في إباحة المدينة شيء ،
وسوف نورد فيما يلي هذه الروايات التي حصرها الدكتور عبد العزيز نور – جزاه الله خيراً – في كتابه المفيد " أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري – والتي نقلها من كتب التاريخ المعتمدة التي عنيت بهذه الوقعة[22] :
نقل ابن سعد خبر الحرة عن الواقدي[23] . ونقل البلاذري عن هشام الكلبي عن أبي مخنف نصاً واحداً [24]، وعن الواقدي ثلاثة نصوص
[25].
ونقل الطبري عن هشام الكلبي أربعة عشر مرة [26]، وهشام الكلبي الشيعي ينقل أحياناً من مصدر شيعي آخر وهو أبو مخنف حيث نقل عنه في خمسة مواضع[27] .
ونقل الطبري عن أبي مخنف مباشرة مرة واحدة
[28].
وعن الواقدي مرتين
[29].
واعتمد أبو العرب على الواقدي فقط ، فقد نقل عنه أربعاً وعشرين مرة
[30] .
ونقل الذهبي نصين عن الواقدي[31] . وذكرها البيهقي من طريق عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان الفسوي
[32] .
وأول من أشار إلى انتهاك الأعراض هو المدائني المتوفى سنة 225هـ
[33] ويعتبر ابن الجوزي أول من أورد هذا الخبر في تاريخه[34] .
قلت :
ممّا سبق بيانه يتضح أن الاعتماد في نقل هذه الروايات تكمن في الواقدي ، وهشام الكلبي ، وأبي مخنف ، بالإضافة إلى رواية البيهقي التي من طريق عبد الله بن جعفر .
أما الروايات التي جاءت من طريق الواقدي فهي تالفة ، فالواقدي قال عنه ابن معين :
" ليس بشيء "
[35].
وقال البخاري : " سكتوا عنه ، تركه أحمد وابن نمير "[36] . وقال أبو حاتم و النسائي : " متروك الحديث
" [37].
وقال أبو زرعة : " ضعيف "[38].
أما الروايات التي من طريق أبي مخنف ،
فقد قال عنه ابن معين : " ليس بثقة " ، وقال أبو حاتم : " متروك الحديث "[39].
وقال النسائي : " إخباري ضعيف "[40] .
وقال ابن عدي :
" حدث بأخبار من تقدم من السلف الصالحين ، ولا يبعد أن يتناولهم ،
وهو شيعي محترق ،
صاحب أخبارهم ، وإنما وصفته لأستغني عن ذكر حديثه ، فإني لا أعلم له منة الأحاديث المسندة ما أذكره ، وإنما له من الأخبار المكروهة الذي لا أستحب ذكره " [41]. وأورده الذهبي في " ديوان الضعفاء " و " المغني في الضعفاء
" [42].
وقال الحافظ : " إخباري تالف "[43] .
مناقشة الروايات التي جاء فيها هتك الأعراض :
أما الروايات التي جاء فيها هتك الأعراض ، وهي التي أخرجها ابن الجوزي من طريق المدائني عن أبي قرة عن هشام بن حسّان :
ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج ،
والرواية الأخرى التي أخرجها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان : قال :
حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن المغيرة قال : أنهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثة أيام .
فزعم المغيرة أنه افتض ألف عذراء ،
فالروايتان لا تصحان للعلل التالية:
- أما رواية المدائني فقد قال الشيباني :
" ذكر ابن الجوزي حين نقل الخبر أنه نقله من كتاب الحرّة للمدائني[44] ،
وهنا يبرز سؤال ملح :
وهو لماذا الطبري والبلاذري ، وخليفة وابن سعد وغيرهم ،
لم يوردوا هذا الخبر في كتبهم ،
وهم قد نقلوا عن المدائني في كثير من المواضع من تآليفهم ؟
قد يكون هذا الخبر أُقحم في تآليف المدائني ، وخاصة أن كتب المدائني منتشرة في بلاد العراق ،
وفيها نسبة لا يستهان بها من الرافضة ،
وقد كانت لهم دول سيطرت على بلاد العراق ، وبلاد الشام ، ومصر في آن واحد ، وذلك في القرن الرابع الهجري ،
أي قبل ولادة ابن الجوزي رحمه الله ،
ثم إن كتب المدائني ينقل منها وجادة بدون إسناد " ا.هـ
. [45]
- في إسناد البيهقي عبد الله بن جعفر ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ( 2/400) وقال :
" قال الخطيب سمعت اللالكائي ذكره وضعفه . وسألت البرقاني عنه فقال :
ضعّفوه لأنه روى التاريخ عن يعقوب أنكروا ذلك ، وقالوا : إنما حديث يعقوب بالكتاب قديماً فمتى سمع منه؟ "ا.هـ.
- راوي الخبر هو :
المغيرة بن مقسم ، من الطبقة التي عاصرت صغار التابعين ،ولم يكتب لهم سماع من الصحابة ،
وتوفي سنة 136هـ ،
فهو لم يشهد الحادثة فروايته للخبر مرسلة .
- كذلك المغيرة بن مقسم مدلس ، ذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين الذين لا يحتج بهم إلا إذا صرحوا بالسماع .
- الراوي عن المغيرة هو عبد الحميد بن قرط ، اختلط قبل موته ، ولا نعلم متى نقل الخبر هل هو قبل الاختلاط أم بعد الاختلاط[46] ،
فالدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
-
الرواية السالفة روِيَت بصيغة التضعيف ، والتشكيك بمدى مصداقيتها : " زعم المغيرة – راوي الخبر – أنه افتض فيها ألف عذراء .
- أمّا الرواية الأخرى التي جاء فيها وقوع الاغتصاب ، هي ما ذكرها ابن الجوزي أن محمد بن ناصر ساق بإسناده عن المدائني عن أبي عبد الرحمن القرشي عن خالد الكندي عن عمّته أم الهيثم بنت يزيد قالت :
" رأيت امرأة من قريش تطوف ، فعرض لها أسود فعانقته وقبّلته ، فقلت : يا أمة الله أتفعلين بهذا الأسود ؟ فقالت : هو ابني وقع عليّ أبوه يوم الحرة [47]" ا.هـ.
- خالد الكندي وعمّته لم أعثر لهما على ترجمة .
- أمّا الرواية التي ذكرها ابن حجر في الإصابة [48]
أن الزبير بن بكار قال : حدثني عمّي قال :
كان ابن مطيع من رجال قريش شجاعة ونجدة ، وجلداً فلما انهزم أهل الحرة وقتل ابن حنظلة وفرّ ابن مطيع ونجا ، توارى في بيت امرأة ، فلما هجم أهل الشام على المدينة في بيوتهم ونهبوهم ، دخل رجل من أهل الشام دار المرأة التي توارى فيه ابن مطيع ، فرأى المرأة فأعجبته فواثبها ، فامتنعت منه ، فصرعها ، فاطلع ابن مطيع على ذلك فخلّصها منه وقتله "
- وهذه الرواية منقطعة ، فرواوي القصة هو مصعب الزبيري المتوفى سنة 236هـ ، والحرة كانت في سنة 63هـ ، فيكون بينه وبين الحرة زمن طويل ومفاوز بعيدة .
قلت :فلم نجد لهم رواية ثابتة جاءت من طريق صحيح لإثبات إباحة المدينة ،بالرغم من أنّ شيخ الإسلام ابن تيمية [49] ، والحافظ ابن حجر[50] -
رحمهما الله – قد أقراّ بوقوع الاغتصاب ، ومع ذلك لم يوردا مصادرهم التي استقيا منها معلوماتهما تلك ، ولا يمكننا التعويل على قول هذين الإمامين دون ذكر الإسناد ، فمن أراد أن يحتج بأي خبر كان فلا بد من ذكر إسناده ،
وهو ما أكده شيخ الإسلام ابن تيميّه حينما قال في المنهاج :
" لا بد من ذكر ( الإسناد ) أولاً ، فلو أراد إنسان أن يحتج بنقل لا يعرف إسناده في جُرْزَةِ [51]
بقل لم يقبل منه ، فكيف يحتج به في مسائل الأصول
المصدر
المنهج