الموضوع: رسالة من الروح
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2010-06-14, 05:27 PM
زينب من المغرب زينب من المغرب غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-14
المكان: tangier morocco
المشاركات: 1,013
Question رسالة من الروح



هذا عنوان لمجموعة من الرسائل التي أتوصل بها أسبوعيا وفي جزئية منه تم طرح مسألة مهمة وهي مشيئة الله تحت عنوان " لغز المشيئة"، أضعه بين أيديكم حتى أرى رأي المختصين:
الرسالة الأولى
قد تتساءل عزيزي القارئ لماذا اخترت أن أبدأ هذه السلسلة من الرسائل بالحديث عن قوانين الكون (موضوع الرسالة السابقة) الذي خلصنا منه إلى قاعدة مهمة وهي أن الكون يمشي وفق قوانين غاية في الدقة ، ثم أفضى بنا الحديث إلى العدل الذي هو منهج الكون ؟
ربما بدا لك الأمر بديهيا ولا يحتاج لكل هذا الكلام، ولكنني سوف أطرح لك في هذه الرسالة لغزا أرق مضجعي لسنوات عديدة وهو كما يلي :
إنني ككل المسلمين أومن بأن القرآن كلام الله، إلا أنني عندما أقرأ الكتاب الحكيم أجد نفسي في مأزق فكري لم أجد فيه ما يشفي غليلي في أي من كتب الفقه الإسلامي أو الفكر أوالفلسفة.
قد تقول مالنا والفقه والفلسفة ؟؟ لندع هذه الأمور للفلاسفة والفقهاء وأصحاب الاختصاص. لكن انتظر، أنت كذلك تفكر، أم أنا مخطئ؟ ... وربما قد راودتك نفس التساؤلات التي حيرتني ولم تجد لها جوابا، فربما أفيدك في شيء :
ألم تلاحظ أن هناك كلمة تكررت في القرآن عشرات المرات أو مئات المرات، قد لا تكاد تخلو سورة منها، هذه الكلمة إذا فهمتها فهما سطحيا، كما تفهمها الأغلبية الساحقة من الناس، توحي لك أنك دمية أو آلة لا حول لها ولا قوة ، بل وتبدو لك مناقضة للتكريم الذي كرمك الله به وللعدل الذي نلمسه في كل مكان حولنا.
هذه الكلمة تناظر من أجلها كبار الفلاسفة، وظهرت بسببها مذاهب متعددة كالمعتزلة والأشعرية والمرجئة والقدرية وغيرهم، في حين تفنن في استعمالها أصحاب النفوذ والسلطة كالأمويين لخدمة مصالحهم والحفاظ على إذعان ألوف المسلمين لحكمهم لعهود طويلة.
هل أنت متشوق لمعرفة هذه الكلمة المحيرة ؟
إنها كلمة : "يشاء"
إنها فعلا لغر لذلك سميت هذه الرسالة "لغز المشيئة"
ألا نقرأ في القرآن :
ـ والله يرزق من يشاء بغير حساب (البقرة 212)
ـ يختص برحمته من يشاء (البقرة 105)
ـ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (البقرة 213)
ـ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء (القصص 52)
ـ إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب (الرعد 27)
بماذا شعرت وأنت تقرأ هذه الآيات ؟ بكل صراحة ؟ ألا تحس بالحيرة و أنت تقرأ كيف أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ويرزق من يشاء ويبسط الرزق لمن يشاء ... ؟ ألا يبدو هذا متناقضا مع آيات أخرى من القرآن الكريم تقول :
ـ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا (الملك 2)
ـ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (الكهف 29)
ـ ولا يظلم ربك أحدا (الكهف 49)
ـ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد (فصلت 46)
هذا هو اللغز ... يهدي الله من يشاء ويضل من يشاء ... ولكن في نفس الوقت لا يظلم ربك أحدا
لقد كان لغز المشيئة من الأسباب التي جعلتني أعود إلى مدرجات الجامعة سنة 2002 كطالب بكلية أصول الدين بتطوان، ومع أنني تخليت عن الدراسة بتلك الكلية نظرا لظروف العمل (كنت أعمل في شركة دلفي في تلك الفترة) إلا أنني انكببت وباهتمام بالغ على دراسة مقررات السنة الثانية والثالثة والرابعة، وتصفحت العديد من تفاسير القرآن لعلي أجد حلا لهذا اللغز، ولكن مع الأسف، كانت النتيجة مخيبة للأمل.إن المفسرين المشهورين أتوا على صعيد واحد ليوحوا إليك بنفس المعنى : مشيئة الله هي ما يريده الله ... فلا نستطيع أن نحيد عما أراده الله و قدره لنا في كتابه، نحن عباده يفعل بنا ما يشاء ... ولكنهم في نفس الوقت يقرون أن الله يقيم العدل بل ومن أسمائه العدل
حاورت الكثير من الأصدقاء لعلي أجد أحدا يفيدني شيئا جديدا، إلا أن الكثير منهم تجنب الحديث حول هذا الموضوع، أو اكتفى بالقول : نحن في مشيئة الله ... أو : هذا الموضوع حُسِم فيه منذ قرون، لماذا تريد الكلام عنه؟ اذهب واقرأ التفاسير ... أو: هل سنفهم أحسن من ابن كثير أو ابن عباس في تفسير القرآن ؟ أين نحن من هؤلاء الجهابذة ؟
أترى مدى جمود العقل ؟ لا يريد أحد أن يتحمل عناء التفكير في أمر يحدد مصير حياته، يكفي أن يتبع ما وجد عليه آباءه وأجداده، أليس هذا فعلا ما حذر منه القرآن : "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون" (البقرة 170) ؟
لم أستسلم، وبقيت أحاول جاهدا أن أجد جوابا مقنعا. كنت متأكدا أنه سيأتي يوما.
ثم بدا بصيص الأمل عندما عثرت بمحض الصدفة على مقال على شبكة الأنترنت كتبه المفكر التركي "إديب يوكسل" حول معنى المشيئة، هذا المقال فك بعض رموز اللغر الذي حيرني لسنوات ...
ولأنني كنت قد وعدتك عزيزي القارئ أن تكون رسائلي قصيرة، فسأتوقف عند هذا الحد، وأتركك تفكر قليلا في هذا اللغز إلى الأسبوع المقبل.
الرسالة الثانية
هل فكرت جيدا في معنى مشيئة الله طوال هذا الأسبوع ؟

تلقيت منكم بعض الردود، وأشكركم كثيرا على تفاعلكم من أجل حل هذا اللغز المحير. كانت بعض الردود فعلا موفقة. إلا أنها لا تفك إلا 80% من الغموض. لذلك سوف أعرض في هذه الرسالة الحل الذي اقترحتموه وأسميه الحل الأول للغز.

قبل أن أمضي بعيدا في شرح الحل الأول، أحب فقط أن أذكرك أن مشكل مشيئة الله هو من بين الدعائم الأساسية التي يعتمد عليها أعداء الإسلام والملحدون ليثبتوا وجهة نظرهم حول نفي العدل عن الله، والتمييز بين البشر في العطاء والهداية والضلال. أو ليستدلوا على وجود تناقضات في القرآن الكريم. وقد قرأت العديد من مقالاتهم وكتبهم ...

حتى أن أحدهم تخلى عن الإسلام بسبب ضائقة مالية خانقة لم يستطع الخروج منها مع أنه كان يكثر الصلاة والذهاب إلى المساجد والدعاء بالليل والنهار، وبعد قراءة كتابه رثيت لحاله في الواقع، لأنه تصور أن الصلاة والصيام وقراءة القرآن كفيلة وحدها بأن تفتح عليه أبواب الرزق والمال، وهذا خطأ، لأن الواقع يكذب ذلك، ألا ترى أن الكثير من الأتقياء هم من الفقراء، ألا ترى أن الكثير من أئمة المساجد لا يجدون من يسدد نفقاتهم إلا تبرعات المصلين من الفينة إلى الأخرى. في حين ترى الكثير ممن لا يدينون بدين الإسلام يعيش في رغد من العيش ويرفل بالأموال والقصور والسيارات الفاخرة ...

المال إذن له قوانين خاصة علمها من علمها وجهلها من جهلها، هذه القوانين لا تتعلق بالضرورة بمدى تقوى المرء وصلاحه، لهذا سأفرد عدة رسائل للتحدث عن المال لأنه قوام الحياة

أعود إلى الحل الأول للغز المشيئة :

تصور أنني أعطيت طلبتي مجموعة من التمارين ليقوموا بها في منازلهم، ثم بعد عدة أيام تبين لي أن بعضهم استعصى عليه الحل، فعرضت عليهم أن أرسل لهم الحل عن طريق البريد الإلكتروني، فأعطيتهم ورقة وطلبت ممن يريد التوصل بالحلول أن يدوّن إسمه وبريده الإلكتروني.

فإذا وصفت الواقعة بصفتي الأستاذ فسأقول : عرضت على من يشاء من طلبتي أن أرسل إليه الحلول بالبريد الإلكتروني.

ولكن إذا تكلم أحد الطلبة فسيقول : عرض الأستاذ على من يشاء من طلبته أن يرسل إليه الحل بالبريد الإلكتروني

وهنا عبارة "يشاء" تثير نوعا من الغموض، لأن الجملة أصبحت الآن تحتمل معنيين :

ـ الأول : أن "يشاء" تعود على الطلبة، وهذا يتناسب مع نزاهة الأستاذ، فالذين اختاروا التوصل بالحلول هم الطلبة، وهم الذين قرروا بمحض إرادتهم أن يعطوا أسماءهم للأستاذ الذي نفذ لهم مشيئتهم بعد ذلك كما أرادوا
ـ الثاني : أن "يشاء" تعود على الأستاذ، وهنا يبدو الأستاذ متحيزا بل وظالما، فهو الذي اختار من شاء من طلبته وأرسل إليهم الحلول دون البقية الآخرين.

إن هذا النوع من الغموض هو الذي يكتنف آيات المشيئة :

ـ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (البقرة 213)

فكلمة يشاء تعود على من هنا ؟

ـ تعود على الله : يعني أنه هو الذي يختار من عباده من يريد هدايته بينما يضل الباقين، وهذا بكل تأكيد يتنافى مع عدل الله
ـ تعود على العبد : الإنسان هو الذي يختار طريق الهداية، والله هو الذي يقوم بالهداية. فالله يعطي الاختيار للإنسان، فأي شيء اختاره أعطاه الله منه. وفي نفس السياق تأتي الآية الكريمة :

ـ ومن يرد ثواب الدنيا نوته منها ومن يرد ثواب الآخرة نوته منها (آل عمران 145)
ـ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نوته منها (الشورى 20)

وكذلك في المال والرزق :

ـ والله يرزق من يشاء بغير حساب (البقرة 212)

فالمشيئة تأتي من العبد، يعني أن أولئك الذين أرادوا الرزق وقاموا بأسبابه، تفتح عليهم أبواب الرزق. بينما الذين اختاروا الكسل والقعود عن طلب الرزق، فهم لم يشاءوه بلسان حالهم. فالرزق من حق الجميع، مسلمين أو غير مسلمين :

ـ كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا (الإسراء 20)

عندما فهمت هذه المعاني، وعدت لقراءة القرآن تحت ضوئها، بدت آيات المشيئة ناصعة نصوع الشمس، تترجم العدل الذي هو منهج الكون وتزيح الغمة التي كدرت صفو الإيمان : نحن الذين نشاء : في الرزق، في الهداية، في الضلالة، في طلب الدنيا، في طلب الآخرة، ... والله ينفذ لنا مشيئتنا، فلا يظلم ربك أحدا

ولكن بعد قراءة القرآن بتمعن أكثر، تبدو لك آيات أخرى توحي بمعاني محيرة مثل قوله تعالى :
ـ وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين (التكوير 29)
ـ من يشإ الله يضلله، ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم (الأنعام 39)

إذن فالمسلسل لم ينته بعد ... و بقيت الـ 20% التي تكلمت عنها في البداية مازالت يلفها الغموض فأعملوا عقولكم معي لحلها
الرسالة الثالثة:

في الرسالة السابقة فهمنا كيف أن كلمة "يشاء" في آيات القرآن تعود على العبد لا على الله، ولكن بقي كما رأينا الغموض الذي تثيره بعض الآيات مثل قوله عز وجل :

ـ وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين (التكوير 29)

هذا يعني أن هناك مشيئتان : مشيئة الله ومشيئة العبد، ولا تتحقق الثانية إلا بتحقق الأولى ... ألا يعيدنا هذا إلى نقطة الصفر ؟ ألا نفهم من هذه الآية أن الإنسان مهما أراد الهداية فإذا كان الله يريد له الضلالة فمشيئة الله هي التي تتحقق ؟ وأن الإنسان إذا أراد الغنى بينما مشيئة الله تشاء له الفقر، فلن يكتب له الغنى مهما حاول ؟؟؟

هذا هو الفهم السطحي الذي يتبادر إلى أذهان عامة الناس. أن مشيئة الله ومشيئة العبد في صراع، وأن مشيئة الله هي التي تكون لها الغلبة في الأخير ...

تعال معي إذن لكي أفسر لك هذه الآية وفق تسلسل بسيط و منطقي ...

وأطرح عليك هذا السؤال أولا :
مشيئة الله ومشيئة العبد هل هما متشابهتان ؟ هذا هو السؤال الجوهري ...

أنت عندما تشاء شيئا ما : ترغب في المزيد من المال، ترغب أن تتزوج، ترغب أن تأكل وتشرب، ترغب أن تنجح في امتحاناتك، ترغب في سيارة جديدة، ... ما الدافع وراء كل هذه الرغبات ؟ إذا تأملت في كل حالة، تجد أن مشيئتك أيها الإنسان نابعة من : الحاجة (البيولوجية أو المادية) أو الرغبة في التميز، أو الطمع في تحسين وضعيتك أو السعي وراء نزواتك... كل ذلك طبيعة بشرية، إذن فمشيئة الإنسان يتحكم فيها: الهوى والحاجة والمصلحة

الآن، هل تظن أن مشيئة الله لها نفس الدوافع ؟ هل لله رغبات أو حاجات أو أطماع أو مصالح أو أهواء ؟ هذا مستحيل، إذن فما مصدر مشيئته عز وجل ؟

للرد على هذا السؤال سأضرب لك مثالا :

تخيل معي شركة يتصرف فيها مدير عادل. ولكي تسير أمور الشركة كما يرام وضع المدير مجموعة من القوانين من بينها أن أي موظف تعامل بالرشوة يفصل عن العمل. تصور الآن أن ابن المدير موظف بالشركة وتقاضى يوما رشوة من أحد الزبناء، فماذا سيكون تصرف المدير ؟ إن عدله يقتضي أن يفصل ابنه عن العمل رغم القرابة التي تربطهما. إذن مشيئة المدير العادل لا تحكمها العواطف بل يحكمها العدل، يحكمها القانون

أظن أنك قد فهمت الآن معنى مشيئة الله ... مشيئته تمشي وفق قوانينه، أو بعبارة أخرى : مشيئة الله هي قوانينه

وهكذا نستطيع أن نصوغ الآية المحيرة : "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله" على هذا الشكل : :لن تستطيعوا تحقيق رغباتكم (التي تصدر عن حاجاتكم وأطماعكم ومصالحكم) إلا إذا عملتم وفق القوانين التي سنها الله في الكون"

أراد الإنسان منذ قديم الزمان أن يطير، كلنا نعلم أن عباس بن فرناس حاول أن يحلق في السماء فصنع لنفسه جناحين وقفز من مكان مرتفع، لكنه هوى إلى الأرض وأصيب بكسور، لماذا ؟ لأن مشيئة الله لم ترد ... لأنه ارتكب خطأ بسيطا في فهمه لقوانين ديناميكية الهواء، خالفها مخالفة بسيطة ... فسقط ... رغم أنه كان مسلما.

لكن "الأخوين رايت" فهما قوانين الطيران، فهِما مشيئة الله، فكللت محاولتهما بالنجاح، رغم أنهما كانا غير مسلمين

والآن نستقل طائرات البوينغ الأمريكية والإيرباص الأوروبية ونطير في أعالي السماء بكل سهولة ويسر لأن هذه الآلات تمشي وفق النظام الإلهي، وفق مشيئة الله، ولو خرجت عن هذه القوانين قيد أنملة فلا مصير لها إلا الهلاك ...

ـ أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات يقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير (الملك 19)

لا يمسكها بيده كما يظن بعض "السذج"، ولكن يمسكها بقوانينه ... بمشيئته

وإليك آية أخرى في منتهى الخطورة :

ـ قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة ترونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء (آل عمران 13)

ياللهول ... لم تقل الآية : والله يؤيد بنصره المؤمنين ... بل يؤيد بنصره من يشاء ... هل تعلم أن الرسول وأصحابه هُزموا في غزوتي أحُد وحنين ؟ ... كيف وهم النخبة الصالحة التقية ؟ لأن النصر له قوانين، إن لم تعلمها وتدرسها هُزمت ولو كنت أتقى الناس، لذلك نبه القرآن الرسول الكريم إلى أحد أسباب الهزيمة في قوله تعالى :

ـ ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين (التوبة 25)

أليس من المحزن أن تقرأ عن جدالات الفقهاء المتعددة كجدالهم حول اختيار جنس الجنين. لقد ظنوا أن ذلك تحد لمشيئة الله الذي يقول في القرآن :

ـ يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما (الشورى 49)

وهذا فهم قاصر لمعنى المشيئة، ... لن تستطيع أبدا أن تتحدى مشيئة الله لأن مشيئته كما قلنا هي قوانينه في الكون. هل تستطيع أن تتحدى مشيئة الله بأن تقفز من الطابق العاشر ثم تطير في السماء عوض أن تسقط على الأرض؟ هل تستطيع أن تتخطى مشيئته وتلمس أسلاك التوتر الكهربائي العالي دون أن يصعقك؟ هل تستطيع أن تبطل مشيئته بأن تلمس النار دون أن تحرقك، هذا هو التحدي الحقيقي. أما اختيار جنس الجنين فما هو إلا توجيه علمي لقوانين الكون (أو مشيئة الله) لغرض معين ، تماما كما نوجه طاقة الكهرباء لتوليد الحرارة أو تحريك المحركات وكما نستعمل قوانين الميكانيك والجاذبية لتحريك السيارات والقطارات والطائرات.

لن تخرج أبدا عن مشيئة الله مهما حاولت، لأن قوانين الكون ثابتة : "سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا" (الفتح 23)

الآن نفهم بكل وضوح معنى قوله تعالى : "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء" (النحل 93) : إننا لم نخلق في هذه الدنيا لنكون نسخا طبق الأصل، الاختلاف هو مشيئة الله، هو القانون الذي وضعه في الدنيا ... فلماذا نريد أن يكون كل الناس مثلنا ؟ لماذا نريد أن يفكر أولادنا مثلنا ونغضب إذا خالفونا الرأي ؟ هل تغضب من مشيئة الله الذي جعل الاختلاف قانون الكون ؟؟

وأخيرا، لا مجال للعجب إذا رأيت إمام المسجد يتقرب إلى المصلين ليعينوه ببعض المال مع أنه أورعهم وأتقاهم : إنه بكل بساطة لم يفهم مشيئة الله في المال ولم يعمل بتوافق معها.

في الرسالة المقبلة سوف نرى النتائج الخطيرة لهذا المعنى الذي فهمناه اليوم، وسوف نسقط أحد الأسوار المنيعة التي يحتمي وراءها خلق كثير من هذه الأمة، ربما كنت أحدهم، من يدري ...

وإلى ذلكم الحين، دمتم في رعاية الله ... ومشيئته

بإنتظار رأيكم تقبلوا تحياتي



رد مع اقتباس