أعود إلى الحل الأول للغز المشيئة :
تصور أنني أعطيت طلبتي مجموعة من التمارين ليقوموا بها في منازلهم، ثم بعد عدة أيام تبين لي أن بعضهم استعصى عليه الحل، فعرضت عليهم أن أرسل لهم الحل عن طريق البريد الإلكتروني، فأعطيتهم ورقة وطلبت ممن يريد التوصل بالحلول أن يدوّن إسمه وبريده الإلكتروني.
فإذا وصفت الواقعة بصفتي الأستاذ فسأقول : عرضت على من يشاء من طلبتي أن أرسل إليه الحلول بالبريد الإلكتروني.
ولكن إذا تكلم أحد الطلبة فسيقول : عرض الأستاذ على من يشاء من طلبته أن يرسل إليه الحل بالبريد الإلكتروني
وهنا عبارة "يشاء" تثير نوعا من الغموض، لأن الجملة أصبحت الآن تحتمل معنيين :
ـ الأول : أن "يشاء" تعود على الطلبة، وهذا يتناسب مع نزاهة الأستاذ، فالذين اختاروا التوصل بالحلول هم الطلبة، وهم الذين قرروا بمحض إرادتهم أن يعطوا أسماءهم للأستاذ الذي نفذ لهم مشيئتهم بعد ذلك كما أرادوا
ـ الثاني : أن "يشاء" تعود على الأستاذ، وهنا يبدو الأستاذ متحيزا بل وظالما، فهو الذي اختار من شاء من طلبته وأرسل إليهم الحلول دون البقية الآخرين.
إن هذا النوع من الغموض هو الذي يكتنف آيات المشيئة :
ـ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (البقرة 213)
فكلمة يشاء تعود على من هنا ؟
ـ تعود على الله : يعني أنه هو الذي يختار من عباده من يريد هدايته بينما يضل الباقين، وهذا بكل تأكيد يتنافى مع عدل الله
|