عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2010-07-18, 01:46 AM
أبو شيبة الجزائري أبو شيبة الجزائري غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-07-01
المكان: الجزائر
المشاركات: 24
جديد مصطلحات أسيء إستخدامها

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله ، و على آله و صحبه و من والاه ،
و بعد :
فإن الكلام في مسائل الإيمان و التكفير له شأنه و خطورته ، و أثر الغلط فيه ليس كالغلط في باقي مسائل الدين ؛ و نلحظ ذلك جلياً في بدعتين خطيرتين :
الأولى : بدعة الخوارج الذين حادوا عن نهج أهل السنة في مسألة الإيمان حتى أدى بهم ذلك إلى تكفير مَن لا يستحق التكفير من أهل هذه الملة بالمعاصي و الكبائر التي هي دون الكفر ، و استباح بذلك دمائهم و أموالهم .
الثانية بدعة المرجئة الذين هوَّنوا من أثر الذنوب و المعاصي على الإيمان ، و اعتقادهم أنه لا يضر مع التوحيد ذنب ، ممّا أدى إلى تهاونهم بالوعيد الشديد الوارد لمن اِرتكبها ، و لو أطلق عليه الكفر أو الشرك .
و قد بلغ من اثر هذه البدعة على الأمة أن قال فيهم إبراهيم النخعي ''لفِتنتَهُم أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة ''- مع أن الأزارقة كما هو معلوم فرقة من فرق الخوارج - . وقال الزهري : '' ما ابتُدِعتْ في الإسلام بدعة أضر على أهله الإرجاء '' .
وقد ظهر إثر هذا المذهب المردي جليا في الأمة اليوم ، بل قد أصبح واقعاً عملياً ، حيث ترى الكثير ممّن ينتسبون إلى الإسلام يقعون في الشرك و الكفر الصريح كسب الله و الرسول ، و الإستهزاء به ، و الإنتماء إلى الأحزاب الكفرية كالعلمانية و غيرها ، و التساهل في تحكيم القوانين الوضعية إلى غير ذلك و مع ذلك يروْن أنفسهم أنهم ما يزالون في دائرة الإسلام و في دائرة المسلمين لمجرد النطق بالشهادتين .
و مع هذا كلّه ترى من يدافع عن هذا المذهب المردي و الخطير ، و يجعله مذهب سلف الأمة ، و يصِف من أنكره أو خالفه بأنه : '' خارجي ، تكفيري ، له ولع بتكفير الحُكام و المسلمين ، و يصِف هذا الحكم الشرعي بالفتنة فيقول : '' فتنة التكفير '' و نسمع هذه الكلمة الأخيرة تتردد كثيراً على ألسنة الكثيرين ، و أستغرب كيف لم ينتهي أولئك إلى خطورة إطلاق هذه اللفظة - '' فتنة '' - و أثرها على الحكم التكفيري رغم ما لديهم من علم كما يدّعون .
و على هذه الصفحات سأجتهد مستعيناً بالله على أن أسلط الضوء على بعض النقاط التي أراها مهمة كمصطلح '' فتنة التكفير '' و '' تكفير الحُكام '' و '' حكم من خرج عليهم '' إلى غير ذلك بأسلوب مُيَسر خالٍ من الإطالة المُمِلة أو الإختصار المُخل و الله الموفق و المعين على المقصود .
مصطلح '' فتنة التكفير ''
كثيراً ما نسمع على ألسنة الكثيرين كلمة '' فتنة التكفير '' حين يتكلمون عن مَن يكفر بعض الأشخاص الذين ينتسبون إلى الإسلام ، أو يكفر الحُكام ، أو مِمّن عندهم غلوّ و تساهل في التكفير . و يلقِبونهم بـ : '' التكفيريين '' و تجدهم يُحذرون من هذه الفتنة !!!
أبتدء فأقول : إن أهل العلم ، إذا اِستعملوا لفظا شرعياً أو أطلقوه ، لابد أن يكون هذا اللفظ دقيقا و مطابقاً للمسمّى إحترازاً من أن يدخُل فيه ما ليس منه ، أو يخرج منه ما هو من جزئيته . و سأضرب لذلك مثلا :
مُصطلح : '' الحلال '' ، أو مصطلح '' الحرام '' ، هُما مصطلحان شرعيان مُحترمان ، قال تعالى : { وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا }، و هُما من حق الله وحدهُ عزّ و جلّ ، فلا يجوز إطلاق حُكم '' الحلال '' أو حُكم '' الحرام '' على شيء إلا بدليل شرعي لأن هذا من حق الله لا من حق العبيد قال تعالى : ...{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }(الأعراف54)، و قال تعالى : {...لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }(القصص70)، و قال تعالى : { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ...} (الشورى10) .
هذا و قد أمرنا الله أن نحل ما أحلّه و نقول عنه أنه حلال، و أن نحرم ما حرمه و أن نقول عنه أنه حرام .
فبهذا قدْ اُمِرْنَا أن نكون مُحلِّين لما أحله الله و محرمين لما حرّمه الله .
لكن إذا رأينا شخصاً أسرف في التحليل أو التحريم فأحلّ ما ليس بحلال أو حرّم ما ليس بحرام لا نقول عنه أنه من المحلّين أو التحليليينَ أو المحرمين أو التحريميينَ على سبيل الذم و الإنكار ، بل نقول بعبارة أدقْ ، عنه غلوّ في التحليل أو غلوّ في التحريم ، لأن التحليل و التحريم أصل وواجب في الدِّين و المذموم هو الغلو .
و من هنا نعود إلى مسألتنا فنقول : كذلك الأمر في التكفير ، فالتكفير حكم شرعي محترم ، وهو حق من حقوق الله ليس حقاً لأحد من الشر .
قال ابن القيم :
الكفر حق الله ثم رسوله *** بالنص لا بقول فُلان.
من كان رب العالمين و عبده *** قد كفَّراه فذاك ذو كفران.
و قد أمرنا الله أن نُكفر أقوماً حيْثُ لا يصح إسلامنا إلا بتكفيرهم كاليهود و النصارى و الوثنيينَ و غيرهمْ ، فلوْ قال أحد أنا أشهد الشهادتان و أقيم جميع الأركان و أجتنب الكبائر و المعاصي إلا أنِّي لا أُكفر اليهود أو النصارى مثلا فهذا بإجماع السُنة أنه ليس بمسلم ، و أنه لا يصح إسلامه إلا بعد تكفيرهم .
إذاً لا يصح إسلام أحد إلا بتكفير من كفره الله و رسوله و من ثبت الدليل على كفره ، أيْ أن الله قد أمرنا أن نكون تكفيريين ، و لا يستقيم إسلامنا إلا بذلك و هذا أمر محمود لا مذموم .
قال تعالى : {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ }(الكافرون1) ، و قال تعالى : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ...}(الممتحنة4) .
فقد أمرنا أن نتأسّى بإبراهيم و الذين معه في إظهار البراءة و الكفر .
فإذا رأينا شخصا أو جماعة تُكفر أحد لابد أن نطالبها بدليل شرعي على تكفير هذا الشخص لإنّ التكفير كما أسلفنا ليس من حقها - أيْ الجماعة - بل هو من حق الله - عزّ و جلّ - فإذا ما أتوْنا بالدليل سلمنا لهم و وجب علينا تكفيره - أي الشخص - .
أماّ إذا و جدنا أنها تكفر من لا يستحق التكفير ، أو عندها التساهل في الحُكم على الناس بالكفر فلا نقول عنهم ''تكفيريين '' على سبيل الذم لِأنه ما من مسلم إلا و يدخل تحت هذا المُسمّى ، و لكن نقول : '' عندهم غلوّ في التكفير أو إسراف في التكفير أو غلاة التكفير .
قال الشيخ سليْمان بن سحنان - رحمه الله - و هو من أئمة الدعوة النجدية المباركة ( فقد كفَّر الصحابة - رضي الله عنهم - من كفروه من أهل الرِّدة على إختلافهم و كفَّر عليُّ الغلاة و كفَّر من بعدهم من العلماء القدرية و نحوهم ، كتكفيرهم للجهْمية و قتلهم لجعد بن درهم و جهم بن صفوان و من على رأيهم و قتلهم للزنادقة و هكذا في كل قرن و عصر من أهل العلم و الفقه و الحديث طائفة قائمة تُكفر من كفَّره الله و رسوله و قام الدليل على كفره ، لا يتحاشون عن ذلك بل يروْنه من واجبات الدِّين و قواعد الإسلام ، و في الحديث الذي يرويه البخاري و الترمذي و النسائي و الذي نجده في سنن ابن ماجة و مسند أحمد ''عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ'' .
و بعض العلماء يرى أن هذا ( أيْ التكفيرْ ) و الجهاد عليه لا يتم الإسلام بدونه، و قد سلك سبيلهم الأئمة الأربعة المُقلَدون و أتباعهم في كل عصر و مصر و كفَّرو طوائف الإحداث كالقرامطة و الباطنية ، و كفَّروا العُبيْديِين ملكوك مِصر و قاتلوهم و هم يبنون المساجد ، و يَظلِمون ، و يُؤذوُن ، و يدَّعون نُصر أهل البيت .
و قد عقد الفقهاء في كل كتاب من كتب الفقه المصنفة على مذاهبهم بَاباً مستقلاً في حُكم الأحداث التي توجب الرِدَّة و سماه أكثرهم ( باب الرِدَّة ) و عرَّفوا أن المُرتد هو بأنه الذي يَكفُر بعد إسلامه ، و ذكروا أشياء دون ما نحن فيه من المكفرات ، و حكموا فيه بكفْرِ فاعلها و إن صلىَّ و صام و زعم أنه مسلم ، فما المانع من تكفير مَن أشرك بالله و عدل به سواه و اِتخذ معه الآلهة و الأنْداد و إنما يُهمِل هذا مَن لا يُؤمن بالله و رسوله ولم يُعظم أمره و من لم يسدِدْ صراطه و لم يُقدر الله و رسوله حقَّ قدرهم ، بل و لا قدر علماء الأمة و أئمتها حقَّّ قدرهم إنتهى كلامه - رحمه الله - (الضياء الشارق ) .
فمن هذا النقل نعرف أن علماءنا في كل قرن و عصْر كانوا يعدون التكفير من واجبات الدين و قواعد الإسلام، و أنه و الجهاد عليه ركن لا يتم الإسلام بدونه ،
ثم يأتي مَن يأتي في هذا العصر و يدّعي أن التكفير فتنة و يُحذر منه أشد التحذير دون قيْد أوْ تفْصيل ، و ينسب ذلك إلى علماء السنة و هُم - أيْ علماء السنة - هُم مِن هذه الدعوى براء ، وما هو في الحقيقة تحذير بل هو تخدير - بالحاء المُعجَّمة - للشعوب المسلمة لكي تبقى مطمئنة على إسلام حُكامها و إعطائهم الولاء والبراء و الدخول تحت طاعتهم و وِلايتهم ما دام أنهم ينطقون الشهادتين و بعضهم يؤدي الصلاة ، و لا يهم ما يفعلونه بعد ذلك ، لأنهم سيَجِدون من يُرقِّع لهم و لباطلهم و يُبرر أفعالهم مِن بعض من يُسمّوْن بالعلماء
رد مع اقتباس