عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 2010-08-21, 10:18 AM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 3,065
افتراضي سلسلة رمضانيات/د. عثمان قدري مكانسي/إنها صلاة التساريع

سلسلة رمضانيات

إنها صلاة التساريع

الدكتور عثمان قدري مكانسي


نحن بحاجة إلى التوازن في كل شيء ، فتعطي كل أمر حقه إن أردت أن تنال حقك . فتدفع لكل سلعة حقها لتنالها كاملة . ولن أطيل في المقدمة لأن ما يشغلني أو يهمني القضية نفسها .

( ألا إن سلعة الله غالية ) هذه جملة رددها النبي عليه الصلاة والسلام مراراً ، والكثير منها فهمها ، ولا أقول إن الأكثر لم يفهموها إنما أقول : إنهم تجاهلوها ، ولم يعطوها حقها . والدليل على ذلك أننا ندخل السوق ، فنتجه للبضاعة الجيدة وندفع في اقتنائها ما يناسبها من ثمن ، ولن ينال أحدنا سلعة ثمينة بثمن بخس ، أليس الأمر كذلك ؟ ولن يأخذ بالثمن البخس إلا السلعة المزجاة التي يتدافعها الناس إلا من ضاقت يده عن السلعة الغالية ، فأرضى نفسه بما دونها .

قد يتساءل أحدكم : ما ذا تقصد بهذه المقدمة ، وتدّعي أنك تودّ الدخول فيما تبغي طرحه سريعاً ، ودون مقدمات ؟ أقول : إنها صلاة ( التراويح ) التي يجعلها الكثير من المصلين صلاة ( التساريع ) ويحرص على أدائها خلف إمام جاهل أو متجاهل – والأمر سيان – بقراءة عَجِلة وحركات متسارعة ، فينهي صلاة العشاء وسنتها وثماني ركعات والشفع والوتر بنصف ساعة ، وكأنه كان في ميدان السبق يلاحقه المأمومون وراءه بحركات متتابعة ، ليس فيها روح ولا تفكر ولا تدبر ، وكأنهم يريدون قضاء مهمة شاقة فُرضت عليهم ، فاستثقلوها ، ولا بدّ من أدائها ، فهي من (بروتوكولات رمضان )، ومفيدة في الهضم بعد أن يملأ الصائم بطنه أكثر مما ينبغي . وينطلق بعد هذه الحركات الرياضية – أقصد الصلاة ( الماراثونية ) إلى السهرات الطويلة ذات اللغو المتراكم ، أو المسلسلات الشائقة ، أو البرامج المخصصة للصائمين المساكين الذين منعهم رمضان في النهار من متابعتها ، فلا بأس أن يتابعها في الليل بدل القيام والتهجد واغتنام هذا الشهر الفضيل !!! .

دخلت أمس إلى المسجد بعد أن أُذّن لصلاة العشاء ، وأخذ الإمام في صلاته يقرأ في سورة الأعراف الآيتين أو الثلاث لا يتعدّاها في الركعة الواحدة ، وكانت حركاته في القيام والركوع والسجود متوسطة ولم يكن بين الركعات ما يفيد معنى التراويح الذي فقهه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ولا التابعون ، إنما هي حركات رياضية متأنية نوعاً ما .
إلا أن الإمام كما يبدو لا يفقه معنى الآيات التي يقرؤها ، فيبدأ القراءة من مكان غير مناسب ويقف والمعنى لمّا ينته ، فلما أنهى الركعات الأربع الأولى من صلاة التساريع ( التراويح ) قام يسألني إن كنت أود أن أقول شيئاً ، ولم أكن راغباً ، إلا أنني وقفت أذكر لهم أنني كنت يوماً أصلي خلف أحد الأئمة ، فقرأ من سورة مريم حتى قوله تعالى " وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً " وركع ، فانتابتني قشعريرة ، وأصابني هم ثقيل ، فكيف يركع هذا الإمام قبل أن يُخرج المصلين من جهنم ، أليس من الواجب أن يركع بعد قوله تعالى " ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيه جِثياً " ، فنكون بذلك بعيدين عن النار وهولها ؟ ما لنا وللظالمين ولسنا منهم بعون الله ورحمته . وظللت متألماً أرجو رحمة ربي وعفوه إلى أن قام وقرأ الفاتحة ، وأكمل المعنى .

ثم نبهت الإمام أنه كان يقرأ قصة إبليس الذي أبى السجود لآدم عليه السلام وقرأ إلى قوله تعالى " قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم * ثم لآتيَنّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " ثم ركع ، وما كان له أن يركع عند المعنى الذي فيه كبر وصلف وقلة أدب مع الخالق عز وجلّ ، فهذا إبليس يتحدّى ويتسافه بحضرة الجليل سبحانه ، وكان ينبغي للإمام أن يقرأ قوله تعالى يوبخ إبليس ويطرده من رحمته ويهدده " قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً لَمَن تبعك منهم لأملأن ّجهنّم منكم أجمعين "

وقلت – وقد سمعت من قبل أن الناس يريدون منه أن يسرع – إن الصلاة لقاء بالله تعالى ، فينبغي أن تكون خاشعة متأنية ، فأنت بحضرة المولى سبحانه ، ورضاء الله تعالى غايتنا ، لا رضاء الآخرين ، فمن أحب أن ينال ثواباً ضافياً وجزاء كاملاً فليدفع الثمن ، ولن يأخذ أحدنا سلعة غالية بثمن بخس . ومن أحب أن يقيم الصلاة فليترك أهواءه وكسله جانباً ، وليس بين السرعة في هذه الركيعات والتأني سوى دقائق خمس أو ست ، فهل نبخل بتلك الدقائق هنا لنبذّرها في مكان آخر .
ولا أدري ألاقت كلماتي هذه آذاناً سميعة ؟! ... اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد .

يتبع
رد مع اقتباس