عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 2010-09-17, 10:40 PM
mostafa mostafa غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-09-02
المشاركات: 142
افتراضي

فالوحدة الكاملة المثالية للمسلمين هي أن يكونوا جميعا كما كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أمة واحدة ذات عقيدة لا يخالطها شرك، وعبادة خالية من كل بدعة، وخلق حسن، وعمل صالح إلا ما كان لازما للبشر من نقص في العلم، وتقصير في العمل يرجى من الله تعالى التجاوز عنه.
لكننا نعلم أنه لا سبيل اليوم إلى تحقيق هذه الوحدة المثالية لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن أمته ستختلف، وبين لنا علماؤنا أن اختلافها سيكون في مسائل من أصول الإيمان. ونحن نرى اليوم مصداق ما أخبر به الرسول وبينه العلماء. فقلوب المسلمين ليست مجتمعة الآن كلها على كل حق جاء به الدين الحق.
لكن عزاءنا أن هذه الوحدة المثالية ليست بلازمة لتحقيق الهدف الذي نرجوه، بل إن تحقيقه للمكن بوحدة أقل منها، وحدة ناقصة، بمعنى أنها لا تتطلب من الجماعات الإسلامية المختلفة أن تتنازل عن شيء من معتقداتها وآرائها، بل ولا تتطلب أن تكون شاملة لتلك الفئات في كل البلاد، بل إنها ستكون مفيدة ومجدية حتى لو اقتصرت على الفئات الموجودة في بعض بلدان العالم الإسلامي دون بعض. الذي يجعلها ممكنة هو كون الهدف المرجو أن تحققه هو هدف إذا تأملته تلك الفئات كل من وجهة نظرها وجدت أن تحقيقه من مصلحتها.
الهدف الأكبر الذي نسعى لتحقيقه هو درء الخطر الذي يتآمر الغرب بقيادة الولايات المتحدة على إلحاقه لا بهذه الفئة أو تلك من فئات المسلمين، بل بالدين الإسلامي نفسه الذي يجتمع على عموماته كل المسلمين. وهم يسمون حربهم هذه بالحرب الفكرية. فصدنا لها يجب أن يعتمد أولا على سلاحنا الفكري، وهو بحمد الله تعالى سلاح ماض. فسعينا ينبغي أن يكون في المقام الاول إقناعا لتلك الفئات بحمل هذا السلاح دفاعا عن نفسها، وهزيمة لأعدائها ونصرة لدينها.
ونحن لا نتكلم عن هذا الخطر استناداً إلى شيء اسمه بروتوكولات حكماء صهيون التي لا يدرى من مؤلفها، ولا نتكلم تمشيا مع ما يسمى بنظرية المؤامرة التي ترى وراء كل حدث تآمراً، وإنما نتكلم عنه استناداً إلى وثائق جديدة ورسمية. آخر هذه الوثائق مشروع اسمه Muslim World Outreach كتبت عنه مجلة أمريكية اسبوعية مشهورة. قال كاتبه إنه سمع بهذا المشروع السري وظل لمدة أربعة أشهر يبحث عن معلومات عنه ضمنها في مقاله
[LIST]<LI dir=rtl>
مما ذكره الكاتب في هذا المقال:
<LI dir=rtl>
في جبهة خفية أمريكا تصرف ملايين الدولارات لتغيير وجه الإسلام نفسه
<LI dir=rtl>
هذه حرب فريدة؛ إنها أول تجربة في " الاتصالات الاستراتيجية".
<LI dir=rtl>
اجتمع لتأليفها أهم قادة أمريكا لكسب الحرب الفكرية ضد الإرهاب، اجتمعوا في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن العاصمة. كان هنالك مديرو الأزمات من البيت الأبيض، ودبلوماسيون من وزارة الخارجية، ومختصون من البنتاجون في العمليات السايكلوجية
<LI dir=rtl>
قال Marc Ginsberg وهو سفير سابق في الجزائر: كنا في المعركة الفكرية قد نزعنا السلاح من جانب واحد لكن الأمر لم يعد كذلك. فأمريكا الآن ترد.
<LI dir=rtl>
إن الولايات المتحدة في معركة سياسية لا مثيل لها منذ القمة التي وصلت إليها الحرب الباردة.
<LI dir=rtl>
يشترك فيها رجال من العمليات الحربية السايكلوجية إلى رجال العمليات السرية في السي آي إي، إلى وسائل إعلام ومراكز بحوث تمول علنا.
<LI dir=rtl>
إن واشنطن تصخ الملايين من الدولارات في معركة للتأثير لا على المجتمعات الإسلامية فحسب، بل على الإسلام نفسه.
<LI dir=rtl>
وافقت الولايات المتحدة على استراتيجية سرية جديدة تقرر لأول مرة أن للولايات المتحدة مصلحة أمنية في أن تؤثر في ما يجري داخل الإسلام.
<LI dir=rtl>
تعمل الولايات المتحدة (لتنفيذ مخططها) عن طريق أطرف ثالثة: الأمم الإسلامية المعتدلة، المؤسسات، والجماعات الإصلاحية، لتنشر قيما مشتركة: الديمقراطية، وحقوق المرأة والتسامح
<LI dir=rtl>
في اثنتي عشرة دولة على الأقل مولت الولايات المتحدة برامج إذاعية وتلفازية، ومقررات إسلامية في المدارس، مراكز بحوث إسلامية، تدعو إلى الإسلام المعتدل.
[*]
تستهدف السي آي إي وسائل إعلام إسلامية، وقادة دينيين وأحزابا سياسية، ومدت لهذا الغرض بزيادات ضخمة من المال والرجال لتساعدها على التأثير في المجتمعات الإسلامية
[/LIST]
· من تكتيكاتها:
[LIST]<LI dir=rtl>
التعاون مع المتشددين المختلفين مع القاعدة
<LI dir=rtl>
شن خطط هجومية الغرض منها الإساءة إلى سمعة أسوأ معارضي أمريكا.
<LI dir=rtl>
إنشاء مواقع جهادية كاذبة.
<LI dir=rtl>
تمول في أندونيسيا ثلاثين منظمة إسلامية من برامجها: منتجات إعلامية، دورات لتدريب الخطباء، ومناهج للمدارس والجامعات. أحاديث إذاعية عن الإسلام والتسامح تبث من محطات إذاعية في أربعين مدينة، وينشر منها عمود في مئة صحيفة.
[*]
إنشاء مراكز بحوث للتدليل على التوافق بين الإسلام والدمقراطية وحقوق الإنسان.
[/LIST]
هذا ما جاء عن هذه الاستراتيجية الرسمية. لكن هذه الاستراتيجية تشبه إلى حد كبير استراتيجيات اقترحتها ونشرتها مراكز بحوث معروفة بصلتها بالحكومات، أهمها مركز راند Rand الذي كان قد أصدر دراسة بعنوان: الإسلام المدني الدمقراطي، وتشبه آراء صرح بها كتاب من أمثال هنتجتون معروفون بصلتهم بمتخذي القرار ونيلهم لثقتهم واحترامهم. فمما قاله هذا الرجل في كتابه الشهير صدام الحضارات:
المشكلة الأساسية بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية وإنما هي الإسلام: حضارة مختلفة أهلها موقنون بسمو ثقافتهم ومهمومون ... والمشكلة الأساسية بالنسبة للمسلمين ليست هي السي آي إي، أو وزارة الدفاع. إنها الغرب: حضارة مختلفة أهلها موقنون بعالمية ثقافتهم، ويعتقدون أن قوتهم المتفوقة ـ وإن كانت في اضمحلال ـ تفرض عليهم واجب نشر هذه الثقافة في العالم. هذه هي العناصر الأساسية التي تشعل الصراع بين الإسلام والغرب.
لم يعد تآمر الدول الغربية على الإسلام أمراً خافياً إذن رغم التصريحات الكثيرة عن احترامهم للإسلام ووصفه بأنه دين السلام، ورغم كلامهم الكثير عن حرية الاعتقاد وعن حياد نظامهم العلماني.
كيف نجتمع ونتوحد لصد هذا العدوان وللمضي في نصرة ديننا بالدعوة إليه والدفاع عنه؟ إن مسؤولية الفئات المذكورة مسؤولية مشتركة، يصعب أن تقول إن حدود إحداها تنتهي هنا لتبدأ حدود الأخرى، لكننا سنحاول مع ذلك أن نذكر ما نراه يقع بالدرجة الأولى على هذه الفئة أو تلك.
مسؤلية العلماء
بما أن أقوال الناس وأعمالهم الظاهرة حسنة كانت أم سيئة إنما هي تعبير عن أحوال باطنة.
كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ . أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ. (الذاريات: 52ـ53)
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (البقرة: 118)
وبما أن وحدة المسلمين إنما هي في المقام الأول وحدة قلوب:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (آل عمران: 103 )
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (الأنفال: 63)
وبما أن ما في قلوب الناس إنما هو علم أو جهل وتصور صحيح أو باطل،. وبما أن الغربيين يسمون حربهم هذه بالحرب الفكرية الموجهة إلى قلوب المسلمين وعقولهم، فإن العبء الأكبر في تحقيق الوحدة يقع على عاتق العلماء ومن يعينهم من أولي الرأي والخبراء.
علماء الأمة هم الذين يذكرون الأمة بأن كتاب ربهم قد بين لهم أن تآمر الأعداء عليهم أمر لا زم لاستمساكهم بدينهم ودعوتهم إليه، فلا غرابة في حدوثه في أي زمان أو مكان.
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (التوبة:32)
وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا (البقرة: 217)
ولكن إذا كانت أهداف التآمر قديمة معروفة، فإن وسائله متجددة تحتاج إلى رصد ومتابعة، وإعداد الوسائل المضادة المكافئة لها، والقادرة لذلك على درئها وإفشالها. والعلماء ومعاونوهم من أولي الرأي والخبراء هم أقدر الناس على ذلك. قال تعالى:
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ( النساء: 83)
كلمة الاستنباط الواردة في الآية الكريمة كلمة مهمة. فهم لا يعرفون الوقائع فقط فهذه قد يعرفها كثير من الناس ومنهم الذين وصفتهم الآية بإذاعتها. لكن المستنبطين يعرفون مصادر الأخبار ومراميها ويعرفون لذلك كيف يدرأ خطرها. قال الشيخ السعدي تعليقا على قوله تعالى ("لعلمه الذين يستنبطونه منهم" أي يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة.)
إن أسلحة الغرب الفكرية تتمثل الآن أكثر ما تتمثل في الدعوة إلى الدمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، والتسامح. وهذه الفئة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن منازلة الغرب في هذا الميدان.
إنهم هم المسؤولون عن الإجابة عن الأسئلة التي تثيرها هذه القضايا، وهم المسؤولون عن حماية الأمة من أن تتأثر بشبهاتها، أو ان تتفرق بسببها.
قد يتساءل الناس ما الدمقراطية التي تريدها لنا الولايات المتحدة، وما مدى توافقها مع الإسلام؟ وما مصلحة الولايات المتحدة في نشرها؟ ولماذا تريد لنا الحرية، ولماذا تكثر من الكلام عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة؟ إننا نعلم أنها لا تقول هذا لكونها تراه حقا وخيرا، لأننا نعلم أن أهم دافع يدفعها وأهم سب تسوغ به سياستها هو ما تراه مصلحة وطنية لبلادها. فما المصلحة الوطنية للبلاد الأمريكية في تبني البلاد العربية للنظم الدمقراطية؟
وما ذا يعنون بحقوق المرأة؟ بل ما ذا يعنون بحقوق الإنسان؟ إن الغرب ينطلق في كل هذا ـ كما يعترف المنصفون من أبنائه ـ من ثقافته وقيمه، لكن ساسته يريدون إيهام الناس بأن ما يرونه ليس أمرا خاصا بهم وإنما هو قضايا إنسانية عالمية كما قال هنتجتون في ما نقلنا عنه. فما ذا نقول نحن؟ الإجابة عن هذه الأسئلة هي مسؤولية هذه الفئة، والإجابة الرشيدة عنها هي من أعظم وسائل جمع المسلمين ووحدتهم.
لكي تؤدي هذه الفئة مهمتها على الوجه الأكمل لا بد أن تكون هنالك صلة قوية وتعاون بينها وبين مراكز اتخاذ القرار. إنهم بحاجة إلى مراكز بحوث توفر لهم المعلومات، وتمكنهم من الاتصال بغيرهم من رجال الفكر في العالم الغربي، وتعمل على نشر ما يتوصلون إليه من فكر نظري ومقترحات عملية. وهم بحاجة إلى المؤسسات الإسلامية الرسمية ذات المقدرة جمعهم في مؤتمرات وندوات وجلسات استشارية. وهم بحاجة إلى عون من رجال الإعلام الذين يتولون نشر فكرهم بطرق عصرية جذابة سواء في شكل كتب أو مقالات أو برامج إذاعية أو تلفازية.
مسؤولية الحكومات
الحكومات هي القادرة على ترجمة أسباب الوحدة إلى مشاريع عملية تضطلع بتنفيذها. وعليه فيدخل في مسؤوليتها:
1. اتخاذ السياسات التي تساعد على جمع الأمة. وهذا أمر بدهي لأن الحكومة هي الممثلة للأمة فيجب أن تكون سياساتها تعبيرا عن دين هذه الأمة والتزاما به بقدر المستطاع. لكن الواقع أن كثيرا من حكومات العالم الإسلامي عزلت نفسها عن جماهيرها بالتزامها بأفكار مخالفة للإسلام ظنت أنه لا يمكن لدولة حديثة أن تقوم إلا بها. فجعلت من نفسها باختيارها حكومة أقلية. وهذا من أكبر أسباب بذر عوامل الاختلاف بين الناس حتى في البلد الواحد، ودعك عن الأمة بأسرها، بل هو من أعظم أسباب ضعف الحكومات الذي لا يزيد الأمة إلا تفرقا.
وقد كان لهذه العزلة سبب آخر هو اعتماد بعض حكوماتنا على التأييد الغربي ولا سيما الأمريكي. ومن المعروف أن هؤلاء لا يؤيدون نظاما إلا إذا اشترطوا تحقيقه لبعض مصالحهم القومية أو القيمية. كانت أمريكا إلى وقت قريب ترى أنه من مصلحتها أن تؤيد الحكومات غير الدمقراطية لتجعل منها وسائل لمحاربة خصومها من الجماعات الإسلامية. وكانت بعض هذه الحكومات هي الأخرى تستغل هذا الضعف الأمريكي لتسكتها كلما طالبت بما تسميه بالإصلاحات الدمقراطية. أما الآن فإن أمريكا تقول إن عدم الحريات في العالم العربي كان من أسباب وجود الجماعات المتطرفة التي تهدد مصالحها. فهي الآن تريد من الحكومات أن تكون دمقراطية، وتهددها بأنها إن لم تفعل ذلك فستسلط عليها تلك الجماعات المتطرفة بأن تعلن عدم اعتراضها على مجيئها للسلطة إذا ما اختارها الشعب بطريقة دمقراطية!
2. والحكومات هي القادرة على تنفيذ السياسات التربوية والإعلامية التي تساعد على وحدة الأمة وعزتها. لكن أعداء الأمة كما رأينا يريدون لهذه السياسات أن تكون خادمة لمصالحهم ومعبرة عن قيمهم.
3. وبما أن ضعفنا الاقتصادي والعسكري هو الذي يلجئ كثيرا من حكوماتنا إلى السمع والطاعة للغرب، وبما أن هذا الالتجاء كثيرا ما يحدث بطريقة فردية ـ كل دولة تحاول ان تكون هي موضع الثقة عند من تحتاج إلى سنده، فإن هذا مما يزيد من الخلاف والشقاق بين الدول الإسلامية.
4. إذا كان سبب هذا الاعتماد على الغرب وما ينتج عنه من مسخ للأمة واختلاف بينها، فإن علاجه الحاسم إنما هو بالاخذ بأسباب القوة المادية اللازمة في عصرنا: العلوم الطبيعية والتقنية. وقد أخذت كل من دولنا بحمد الله تعالى حظها من هذه الأسباب، وإن كان بعضها أكثر تقدما فيها. ما ذا لو رسم خبراؤنا مشاريع مشتركة في هذا المجال؟ ماذا لو كانت لنا جامعات علمية عربية يؤمها الطلاب النابغون من كل انحاء العالم العربي؟ ما ذا لو كانت لنا مجلات علمية يكتب فيها المختصون من كل بلادنا ويقرؤها الناس في كل أقطارنا؟ لماذا لا نهتم بتبسيط العلوم وجعلها أمرا ميسرا لعامة المثقفين كما تفعل الدول الغربية بل كما تفعل الهند؟
إن الضعف المادي يكون سببا في شعور الأمة بالنقص، بل كثيرا ما يستغله الاعداء للتدليل على صحة معتقداتهم وتفوقها:
وَإِذَا تتلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا. وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ( مريم: 73-74 )
مسؤولية المنظمات الإسلامية الرسمية
هذه المنظمات الرسمية هي التي تقوم بمهمة الوسيط بين الحكومات من ناحية وبين العلماء والمنظمات الشعبية من ناحية أخرى. فهي التي تتابع نشاط أولئك وتعمل على جمعهم وتوثيق الروابط بينهم. وهي بما لديها من إمكانات قد لا تتوفر لأولئك التي تدعوهم لمؤتمرات وندوات عالمية أو على مستوى بعض الأقطار. وهي التي تحول تنظر في آرائهم ومقترحاتهم لتحول ما يمكن تحوله منها إلى مشاريع عملية تتولى الحكوما تنفيذها.
مسؤولية المنظمات الإسلامية الشعبية
المنظمات الإسلامية الشعبية كثيرة وذات أهداف مختلفة، فمنها ما هو أقرب للعمل السياسي كالأحزاب الإسلامية، ومنها ما هو أبعد شيء عنه، لكنها كلها قابلة لأن تكون سببا من أسباب الوحدة بين المسلمين أو سببا من أسباب تفرقهم واختلافهم.
إن الخلاف نفسه شر، لكن شره يزداد حين يؤدي إلى عدم نصرة المسلمين بعضهم لبعض، ويتعاظم أكثر حين يؤدي ببعضهم إلى نصرة بعضهم للعدو الكافر على المسلم. هذا الأخير في رأيي هو أعظم أسباب ضعف المسلمين وأعظم الأسباب التي تساعد العدو على تنفيذ كيده بهم. ولو أن الفئات التي تسارع إلى الانضمام إلى صفوف العدو تدبرت الأمر لوجدت أنه ليس من مصلحتها، بل لوجدت أنه يساعد العدو على ضربها هي في النهاية.
يعلم العدو مثلا أن كثيرا من الجماعات الإسلامية على خلاف كبير مع من يسمونهم بالوهابية، فيقول لهم إنه أيضا عدو للوهابية فتعالوا نتعاون على حربها. فيقولون ولم لا؟ لكنهم لا يدركون أن حربه للوهابية ليست نهاية المطاف بل نهاية المطاف عند هذا النوع من الأعداء هو أن يتحول المسلمون عن الإسلام إلى دياناتهم هم:
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( البقرة:120)
وإنما يريد أن يبدأ بهم لأنهم يمثلون في رأيه خط الدفاع الأول عن الدين الإسلامي الذي هو هدفه. ولا يدركون أن اختلافه مع الوهابية ليس كخلافهم هم معها، بل إنه ليعاديهم بسبب مشترك بينهم وبين الوهابية. فإذا كانوا هم يعادون الوهابية لأنهم صوفية مثلا، أو لأنهم أشعرية، أو لأنهم يخالفونها في مسائل عقدية مثل الدعاء والاستغاثة والذبح، فإنه لا يحاربهم من أجل هذا، وإنما يحاربهم لأنه يراهم متشددين في اعتقادهم بأن القرآن كلام الله حقا، وأن كل ما قاله الرسول فهو حق أيضا، وأنههم لا يقرون أي تحريف أو تبديل لدين الله، وأنهم يعادون أعداء الله. لكن هذه كلها قضايا يشترك في القول بعموماتها كل المنتسبين إلى الإسلام. فمحاربة الوهابية أو غيرها من الجماعات التي يراها الغرب متشددة في الاستمساك بها هي بداية حرب لسائر المسلمين، وأنه إنما يريد أن يتحذ خصومهم آلات في هذه الحرب، فإذا ما فرغ منهم أقبل على هؤلاء الذين اتخدوه وليا لهم.
وكما يستغل الخلاف العقدي فإنه يستغل الخلاف في صورته السياسية. حدث هذا في أفغانستان حيث تصور خصوم طالبان أن أمريكا إنما جاءت لتخلصهم من عدوهم الذي اغتصب الحكم منهم فتعيده إليهم. لذلك وقفوا معها وساندوها حتى قضت على حكومة طالبان ثم ركلتهم. وحدث مثل هذا في العراق أيضا.
إن الخلاف السياسي بين بعض الجماعات وحكوماتها، وبعض المفكرين وحكوماتهم قد يجعل بعضهم يلجؤون إلى ما أسميه بالمعارضة الجاهلية، وأعني بها المعارضة التي تركز على تتبع أخطاء الحاكم وزلاته وقصوره وأنواع فشله، فتذيعها وتفرح بها. أما حسناته وإنجازاته فتغض الطرف عنها وترى أن الثناء عليه بها نوع من النفاق. هذه معارضة جاهلية أما المعارضة العادلة فهي التي لا توافق على الخطأ لكنها تسعى لإصلاحه، ولا تتردد في تأييد الصواب بل تعين عليه. وفي هذا الموقف العادل يقول الإمام ابن القيم تعليقا على صلح الحديبية:
... ومنها أن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمرا يعظمون فيه حرمة من حرمات الله تعالى اجيبوا إليه وأعطوه، وأعينوا عليه، وإن منعوا غيره. فيعانون على ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى، لا على كفرهم وبغيهم، ويمنعون مما سوى ذلك. فكل من التمس المعونة على محبوب لله مرض له، إجيب إلى ذلك كائنا من كان، مالم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم منه. وهذا من أدق المواضع وأصعبها، وأشقها على النفوس.
ماذا لو أن هذه الجماعات والحكومات قالت إن الشر الناتج عن الخلاف بيننا هو مهما كان أقل من الشر الناتج عن تسلط العدو علينا. فلماذا لا نتصالح على وضع يسد هذه الثغرة التي يدخل منها العدو. لماذا لا نتصالح على نظام سياسي يتناسب مع واقعنا وظروفنا فلا يكون استبداديا كما كان عدونا يريده، ولا يكون ديمقراطيا بالواصفات التي يريدها الآن، نظام تلتزم فيه الجماعات الإسلامية السياسية بانتهاج الوسائل السلمية، وتلتزم فيه الحكومات بعدم التعرض لها إذا ما هي سلكت هذا السبيل. لماذا لا تدرك الحكومات أن سندها الحقيقي بعد الله تعالى إنما هو السند الذي تجده من شعبها فتحاول أن لا تعادي فريقا منهم معاداة تلجئه إلى وسائل العنف. ولماذا لا تقول الجماعات لنفسها إننا لن نسمح للخلاف بيننا وبين حكوماتنا أن يكون بابا يدخل منه العدو إلى بلادنا. نعم إننا لسنا راضين عن سياسات حكوماتنا، ونريد لها أن تكون أكثر التزاما بالإسلام، لكن منازلتها لن تؤدي إلي هذه النتيجة كما أثبتت تجربة بعض الجماعات في مصر فكفوا عن الصراع مع حكومتهم وقالوا في تسويغ ذلك إنه لم يؤد إلا إلى قتل المسلمين من الطرفين.
هنالك جماعات لا يمكن التصالح معها، وأعني بهم أولئك الذين يسميهم العدو بالإصلاحيين الذين هم في الحقيقة حزبه وممثلوه في داخل الوطن الإسلامي. فهم معه في معتقداته وسائر قيمه، ومعه في عاداته وتقاليده، وهم المؤيدون لكل سياساته العدوانية تأييدا يفوق أحيانا تأييد أهل تلك البلاد لها. هؤلاء هم الذين يريد لهم العدو أن يكونوا في مراكز الصدارة في البلاد الإسلامية، في مراكز الصدارة السياسية والإعلامية والتربوية والاقتصادية كي يساعدوه على تغيير وجه الإسلام.
هؤلاء المارقون قلة لا جذور لها في الشعوب الإسلامية، لكنها هي الفئة التي يريد العدو فرضها على الحكومات في البلاد الإسلامية. وبما أنها تخدم مصالحه فإنها تعمل ضد مصالح تلك الحكومات وتزيد من بعدها عن شعوبها وهو بعد يستفيد منه العدو، لأنه حين يوهن من العلاقة بين الحكومات وشعوبها يزيد من اعتمادها عليه. فهؤلاء المارقون يجب أن يعاملوا معاملة العدو وإن كانوا من أبناء جلدتنا ويتكلمون بلساننا وينتسب بعضهم إلى ديننا. إنهم بمروقهم عن هوية الأمة وانتمائهم إلى أعدائها لا تزداد الأمة بالتصالح معهم إلا وهنا. "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا" (التوبة:47)
الإعلام.
بما أن الحرب حرب فكرية فإن الإعلام من أهم وسائلها. ولذلك فإن الولايات المتحدة أنشأت للتأثير في العالم العربي قنوات ومحطات إذاعة، ومواقع شبكية، ومجلات تمول تمويلا رسميا. هذا إلى جانب من يشترونه من رجال الإعلام ومؤسساته في بلادنا.
فإذا كانت فئة العلماء والخبراء هي المسؤولة عن إنتاج الفكر الوحدوي، فإن رجال الإعلام (ونساءه) هم المسؤولون عن إيصال هذا الفكر إلى الناس بوسائلهم المتعددة وطرقهم الجذابة. كما أنهم هم المسؤولون عن نقل مشاعر الناس ومشكلاتهم إلى العلماء والخبراء الذين قد يميلون إلى شيء من عدم المخالطة للجماهير.
بيد أن اتخاذ الإعلام وسيلة إلى وحدة الأمة وعزتها ينبغي أن لا يترك لاختيار الأفراد أو الشركات؛ فقد رأينا أن بعضها يمكن أن يشترى ويكون معبرا بلسان عربي عن فكر كله غربي، وبوقا للدعاية إلى طرق الحياة الغربية، ومدافعا عن المواقف والمصالح الغربية دفاعا قد يستحيي المتعصبون من الغربيين عن التفوه مثله.
لا بد إذن من وضع مواثيق بين الإعلاميين، لا بد من أن يتوحدوا هم في العمل لوحدة الأمة. بل لا بد من أن تتفق الحكومات على حقوق إعلامية للفرد المسلم تمنع من نشر الرذيلة والدعاية لها.
خاتمة
إننا لا نتحدث بحمد الله تعالى من فراغ، بل إن كثيرا مما ذكرنا هو أمر واقع أو فكر شائع، وكلامنا هذا إنما هو نصرة له وتأييد، لأن مثل هذه القضايا لا يكفي لتحقيقها أن تكون مجرد أوراق تقرأ او لا تقرأ في مؤتمرات وندوات أكادمية، بل يجب لكي تكون فكرا شائعا ومؤثرا أن يتصرف القول فيها ويكثر الداعون إليها كل بوسيلته وطريقته عسى أن يحقق الله الأمل ويجيب الدعاء. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
مــــــــــــنقول( نسأل الله لنا ولكم ان يجعلنا ممن نسمع القول
فنتبع احسنه)
اخوكم مصطفى؟
رد مع اقتباس