عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 2010-09-23, 01:09 AM
أبوسياف المهاجر أبوسياف المهاجر غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-10-02
المشاركات: 466
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله العلي الأعلى و الصلاة و السلام على نبينا محمد و آله و صحبه ذوي الشرف الأجلى . و بعد :

فقد وقفت لبعض المشوشين و المهوشين على عقيدة أهل السنة و الجماعة , على كلام يزري فيه بأهل الحق لإثباتهم أن الله تعالى فوق عباده , و يصفهم بالتناقض و الإلحاد في اسمي الله تعالى الظاهر و الباطن . و أخشى أن هذا الرجل قد ابتلاه الله تعالى بداء العجب و التعالم , مما جعله يحرف الكلم عن مواضعه و يلوي أعناق النصوص لتوافق أهواءه و العياذ بالله تعالى و ينسب إلى السلف ما هم براء منه .

و لذلك رأيت أن أتعرض لشبهتيه المذكورتين آنفا بالإبطال برد مختصر مجمل , فأقول و بالله التوفيق :


الشبهة الأولى : قوله : إن الفوقية تستلزم أن الله تعالى تحويه جهة من الجهات الست و زعم إن قولنا : الله في السماء , لا يفيد العلو و الفوقية لأن السماء ليست فوقنا فحسب بل محيطة بنا من كل الجهات .

الجواب :

1- إن الفوقية التي تتعنى في نفيها هي غير الفوقية التي نثبتها , إذ أن الفوقية التي تتكلم عنها أنت تقصد بها إحدى الجهات الست , و هذا الاصطلاح مباين للاستعمال القرآني للفظ الفوقية و هو الذي نتكلم عنه نحن .
قال تعالى : " وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ " (فصلت / 10)
و قال تعالى : " أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ " (ق / 6)
و قال تعالى : " و بنينا فوقكم سبعا شدادا " (النبأ / 12)
و قال عز وجل : " وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ "( المومنون / 17)

فنحن نعلم أن الجبال توجد من كل جهات الأرض الست , و كذا السماء تحيط بالأرض من جميع الجهات – و هذا ما قررته أنت و نقرره معك – لكن كيف تجمع بين ذلك و بين وصف كل من الجبال و السماوات في صريح القرآن الكريم بالفوقية ؟؟
فإن قلت : إن السماء ليست في جهة فوق كذبت القرآن , و إن قلت : هي فوق , تعارض ذلك مع قولك إنها تحيط بنا من كل الجهات .
و لا مخرج لك من ذلك إلا أن تقر باختلاف الإطلاقين .
فإذا أقررت بذلك بطل إلزامك لنا , إذ أن الفوقية التي نصف بها الله عز و جل ليست هي إحدى الجهات الست المخلوقة و إنما هي صفة العلو ( التي هي صفة الله و ليست مخلوقة ) فالسماوات فوق الأرض و العرش فوق السماوات و الله تعالى فوق العرش , و العرش سقف المخلوقات فليس فوقه مخلوق ( بما في ذلك الزمان و المكان ) , و لذا ليس الله تعالى حالا في مخلوق زمانا كان أو مكانا (بما في ذلك الجهات المخلوقة) .

2 – يبدو من مقال صاحب هذه الشبهة أنه يظن بأن لفظ "في السماء " الذي وصف به الله تعالى في آيات و أحاديث كثيرة , يعني عندنا السماء المخلوقة التي جعلها الله تعالى سبع سماوات , و هذه فرية صلعاء إذ أننا نعتقد أن معنى السماء في تلك النصوص هو العلو المطلق فالله تعالى أعظم من أن يحل في مخلوق أو يقله مخلوق أو يظله , و يشهد لذلك قوله تعالى "... فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع ... " فالسبب الحبل و السماء هنا سقف البيت أو ما يقوم مقامه كما فسره علماء السلف , و كل ما علا فوق رأسك فهو سماء في اللغة .

الشبهة الثانية : ادعاءه أن اثبات فوقية الله تعالى - بالمعنى الذي بينته – يتناقض مع اسمي الله تعالى الظاهر و الباطن , و استدل بقوله صلى الله عليه و سلم في دعاءه : " أنت الظاهر فليس فوقك شيء و أنت الباطن فليس دونك شيء " و علق عليه بأن لفظ " ليس فوقك شيء" يقابل لفظ " ليس دونك شيء .

و الجواب :
نقول له :
قد علمنا مقالتك , فإليك هذا السؤال : هل موضوع هذا الجزء من الحديث هو فوقية الذات العلية ؟ أم ليس الأمر كذلك ؟

فإن قلت : إن الفوقية في الحديث فوقية ذات , قلنا : قد قلت إن لفظ " ليس فوقك شيء " يقابل لفظ "ليس دونك شيء" , فيلزمك من مجموع الأمرين أن معنى " ليس دونك شيء" هو وصف الذات بالسفول و الله تعالى منزه قطعا عن ذلك . فإن تبرأت من هذا بقي معنى" ليس فوقك شيء " على أصله و هو إثبات علو الله تعالى علو ذات و علو صفات و علو قهر إذ العلو صفة كمال . و تعين حمل قوله " فليس دونك شيء " على معنى القرب و الدنو أي ليس شيء أقرب إلى العباد منك كما فسرها طائفة من أهل العلم وكما دلت عليه الآيات و الأحاديث التي وصفت الله تعالى بالقرب من عباده بعلمه , وذلك لتنزه الله تعالى عن المعنى الآخر . فليس هناك تناقض بين إثبات العلو و الفوقية و بين إثبات القرب إلا إن كنت من أصحاب القول بالحلول أو وحدة الوجود فهذا أشنع و أبطل مما سبق .

و إن قلت : إن الفوقية في الحديث ليست فوقية ذات . بطل اعتراضك من أساسه , لأن خلافنا معك إنما هو حول فوقية الذات فلا يكون لهذا الحديث – على هذا الجواب الثاني – علاقة بالموضوع . فتبين أن الجهة منفكة و أن إلزامك لنا لا يلزمنا .

و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
رد مع اقتباس