عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2010-10-08, 08:13 PM
أم أيوب أم أيوب غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-04-05
المشاركات: 18
افتراضي


2 ـ العدل في النقد ومعالجة الخطأ :

ويتجلى ذلك في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو المنهج العادل والطريقة المثلى

لمعالجة الخطأ حسبما رسمه لنا عليه الصلاة والسلام وما أكثر المواقف العادلة في سيرته

ونكتفي هنا بموقف واحد ألا وهو موقفه من صنيع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

ففي الحديث عند البخاري عن علي رضي الله عنه , قال:

" بعثني رسول الله صلى الله عليه وأبا مرثد والزبير ـ وكلنا فارس ـ قال: انطلقوا

حتى تأتوا روضة خاخ , فإن بها امراة من المشركين معها كتاب من حاطب ابن أبي بلتعة

إلى المشركين " فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

, فقلنا الكتاب , فقالت : مامعي من كتاب , فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا , فقلنا : ماكذب

رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك , فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها

وهي محتجزة بكساء فأخرجته , فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم,

فقال عمر : يارسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين , فدعني فلأضرب عنقه

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ماحملك على ماصنعت ؟ قال حاطب : والله مابي

إلاأكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن تكون لي عند القوم يد

يدفع الله بها عن أهلي ومالي , وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته

من يدفع الله به عن أهله وماله فقال صلى الله عليه وسلم : صدق , ولا تقولوا إلا خيرا"

فقال عمر : إنه قد خان الله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه

فقال : أليس من أهل بدر ؟ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم

فقد وجبت لكم الجنة ـ أو فقد غفرت لكم "

فدمعت عينا عمر وقال : الله ورسوله اعلم,
,أ. هـ


ومن هذه الحادثة نستطيع أن نحدد ثلاث مراحل للمعالجة العادلة للخطأ مهما كانت ضخامته:



المرحلة الأولى : مرحلة التثبت من وقوع الخطأ:


وفي هذه الحادثة قد تم التثبت عن طريق أوثق المصادر ألا وهو الوحي

حيث أوحى الله عز وجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بخبر الكتاب الذي أرسله حاطب

مع المرأة


المرحلة الثانية : التثبت من الأسباب التي دفعت إلى ارتكاب الخطا:

وهو متمثل في قوله صلى الله عليه وسلم لحاطب: (( ماحملك على ما صنعت ))؟

وهذه المرحلة مهمة لأنه قد يتبين بعد طرح السؤال أن هناك عذرا شرعيا في ارتكاب الخطأ

وتنتهي القضية عند هذا الحد

فإذا لم تنتهِ عند هذا الحد كما ظهر في قضية حاطب وان العذر الذي أبداه لرسول الله

صلى الله عليه وسلم لم يكن مقنعا من الناحية الشرعية فإنه يصار إلى :

المرحلة الثالثة : وفيها يتم جمع الحسنات والأعمال الخيرة لمرتكب الخطأ وحشدها إلى

جانب خطئه ,, فقد ينغمر هذا الخطأ او هذه السيئة في بحر حسناته:


وهذا الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع حاطب رضي الله عنه

حيث قال لعمر عندما استأذن في قتل حاطب :أليس من أهل بدر ؟ لعل الله اطلع على أهل بدر , فقال :


اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ـ أو فقد غفرت لكم
"

وقد ذكر الإمام ابن القيم كلاما جميلا حول هذا الموضوع ,, حيث قال في رده على من قال


(( إن الله يعافي الجهال مالا يعافي العلماء )):

" فالجواب : أن هذا الذي ذكرتموه حق لاريب فيه ولكن من قواعد الشرع والحكمة أيضا

أن من كثرة حسناته وعظمت وكان له في الإسلام وكان له في الإسلام تأثير ظاهر , فإنه يحتمل

له مالا يحتمل من غيره ويعفى عنه مالا يعفى عن غيره ,, فإن المعصية خبث ,,

والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى الخبث.

ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر :
ومايدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال:

اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم "


وقد ارتكب مثل ذلك الذنب العظيم ,فأخبرالنبي صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدرا

فدل على أن مقتضى عقوبته قائم لكن منع من ترتيب أثره عليه ماله من المشهد العظيم

فوقعت تلك السلطة العظيمة مغتفرة في جنب ماله من الحسنات

ولما حض النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فأخرج عثمان رضي الله

عنه تلك الصدقة العظيمة قال :
" ماضر عثمان ماعمل بعدها "

وقال لطلحة لما تطأطأ للنبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد على ظهره إلى الصخرة :

"أوجب طلحة "

وهذا موسى كليم الرحمن عزوجل ألقى الألواح التي فيها كلام الله الذي كتبها له ألقاها

على الأرض حتى تكسرت ,,ولطم عين ملك الموت ففقأها , وعاتب ربه ليلة الإسراء

في النبي صلى الله عليه وسلم , وقال :شاب بعث بعدي يدخل الجنة

من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي , وأخذ بلحية هارون وجره وهونبي الله ,, وكل

هذا لم ينقص من قدره شيئا عند ربه وربه تعالى يكرمه ويحبه , فإن الأمر الذي قام به

موسى والعدو الذي برز له والصبر الذي صبره والأذى الذي أوذي به في الله لا تؤثر فيه أمثال

هذه الأمور ولاتغير في وجهه ولاتخفى منزلته

وهذا امر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أنه من له ألوف من الحسنات فإنه يسامح

بالسيئة والسيئتين ونحوهما حتى إنه يختلج داعي عقوبته على إساءته وداعي شكره

على إحسانه ,فيغلب داعي الشكر داعي العقوبة كما قيل :

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد
جاءت محاسنه بألف شفيع

وقال آخر :

فإن لم يكن الفعل الذي ساء واحداً

فأفــعــاله الــلائـي ســررن كثـيـر


والله سبحانه يوازن يوم القيامة بين الحسنات العبد وسيئاته فأيهما غلب كان

التأثير له فيفعل بأهل الحسنات الذين آثروا محابه ومراضيه وغلبتهم دواعي طبعهم

أحيانا من العفو والمسامحة مالا يفعله مع غيرهم"
أ. هـ



يتبع بإذن الله تعالى
رد مع اقتباس