عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 2012-10-08, 02:08 AM
محمود5 محمود5 غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-10-17
المكان: مصر
المشاركات: 1,238
افتراضي

قال عبد العزيز: فقلت لبشر: تقول إن الله كان ولا شيء، وكان ولما يفعل شيئا ولما يخلق شيئا. قال: بلى. فقلت له: بأي شيء حدثت الأشياء بعد إذ لم تكن شيئا أهي أحدثت أنفسها أم الله أحدثها؟ قال: الله أحدثها. فقلت له: فبأي شي أحدثها؟ قال: أحدثها بقدرته التي لم تزل. قلت له: صدقت أحدثها بقدرته أفليس تقول إنه لم يزل قادرا؟ قال: بلى. قلت له: فتقول إنه لم يزل يفعل؟ قال: لا أقول هذا. قلت له: فلا بد من أن يلزمك أن تقول إنه خلق بالفعل الذي كان عن القدرة وليس الفعل لأن القدرة صفة الله ولا يقال لصفة هي الله ولا هي غير الله.

قال بشر: ويلزمك أيضا أن تقول إن الله لم يزل يفعل ويخلق وإذا قلت ذلك فقد أثبت أن المخلوق لم يزل مع الله سبحانه وتعالى.

قال عبد العزيز فقلت له: ليس لك أن تحكم علي وتلزمني مالا يلزمني وتحكي عني ما لم أقل إذ لم أقل إنه لم يزل فاعلا يفعل فيلزمني مثل ما قلت وإنما قلت إنه لم يزل الفاعل سيفعل ولم يزل الخالق سيخلق لأنه الفعل صفة لله عز وجل يقدر عليه ولا يمنعه منه مانع.

قال بشر: أنا أقول إنه أحدث الأشياء بقدرته فقل أنت ما شئت.

قال عبد العزيز: فقلت يا أمير المؤمنين قد أقر بشر أن الله كان ولا شيء معه وأنه أحدث الأشياء بعد أن لم تكن الأشياء بقدرته، وقلت أنا إنه أحدثها بأمره وقوله عز وجل عن قدرته فلم يخل يا أمير المؤمنين أن يكون أول خلق خلقه الله بقوله قاله أو بأرادة أرادها أو بقدرة قدرها فأي ذلك فقد ثبت إن هاهنا إرادة ومريد وقول وقائل ومقال وقدرة وقادر ومقدور عليه وذلك كله متقدم قبل الخلق وما كان قبل الخلق فليس هو من الخلق في شيء وكسرت والله يا أمير المؤمنين قول بشر ودحضت حجته إقراره بلسانه فقد كسرت قوله بالقرآن والسنة واللغة العربية، والنظر والمعقول، ولم يبق إلا القياس، وأنا أكسره بالقياس إن شاء الله تعالى.

قال عبد العزيز: وكان المأمون قد جلس منا مقعد الحاكم من الخصمين. فقال: هاته يا عبد العزيز وأوجز، فقلت: يا أمير المؤمنين، لو كان بشر غلامان، وأنا لا أجد علمهما من أحد من الناس إلا من بشر، يقال لأحدهما خالد، وللآخر يزيد، وكان بشر غائبا عني فكتب إلي ثمانية عشر كتابا يقول في كل كتاب منها، أدفع إلى خالد غلامي هذا الكتاب. وكتب إلي أربعة وخمسين كتابا ( يقول في كل كتاب) أدفع إلى يزيد، ولم يقل: يزيد غلامي، هذا الكتاب، ثم كتب إلي كتابا جمعهما فيه فقال: أدفع إلى خالد غلامي هذا الكتاب، وإلى يزيد ولم يقل، يزيد غلامي.

ثم قدم بشر من سفره، فقال: أليس تعلم أن يزيد هذا غلامي؟ فقلت له: قد كتبت إلي أربعة وخمسين كتابا (تقول في كل كتاب منها) أدفع هذا الكتاب إلى يزيد ولم تقل غلامي، ولم أسمعك تقول إنه أحد غلاميك، وأنا لا أجد علمه عن أحد غيرك. وكتبت إلي ثمانية عشر كتابا_ تقول في كل واحد منها_ أدفع إلى خالد غلامي هذا الكتاب فعلمت إنه غلامك، ثم كتبت إلي كتابا جمعتهما فيه فقلت: أدفع إلى خالد غلامي هذا الكتاب، وإلى يزيد ولم تقل غلامي، فمن أين أعلم أن يزيدا غلامك وأنت لم تقل بي قبل هذا الوقت إنه غلامك وليس أعلم خبرهما من غيرك.

فقال بشر فرطت، فحلفت أنا إن بشرا فرط، وحلف بشر إني أنا فرطت حيث لم أعلم إن يزيدا غلامه من كتبه، فأينا المفرط يا أمير المؤمنين. فقال: بشر المفرط، فقال بشر أي شي هذا مما نحن فيه.

قال عبد العزيز: إن الله أخبر في كتابه عن خلق الإنسان في ثمانية عشر موضعا، ما ذكره في موضع منها إلا أخبر عن خلقه.

وذكر القرآن في أربعة وخمسين موضعا من كتابه فلم يخبر عن خلقه في موضع منها ولا أشار إليه بشي من صفات الخلق، ثم جمع بين القرآن والإنسان في موضع واحد وأخبر عن خلق الإنسان، ونفى الخلق عن القرآن. فقال عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ} ففرق بين القرآن وبين الإنسان، فزعم بُشر يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل فرط في الكتاب، وكان يجب عليه أن يخبر عن خلق القرآن، وقال الله عز وجل {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} فهذا كسر قول بشر في القياس والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

قال المأمون: أحسنت يا عبد العزيز، ثم أمر لي بعشرة ألاف درهم، فحملت بين يدي وانصرفت من مجلسه على أحسن حال وأجملها، قد أعز الله دين الإسلام وعز أهله وأذل الكفر وأهله فلله الحمد والشكر على نعمه كلها وعلى مننه وتوفيقه وتسديده.

قال عبد العزيز: فسر المسلمون جميعا بما وهبهم الله من إظهار الحق وقمع الباطل، وانكشف عن قلوبهم ما كان قد اكتنفها من الغم والهم والحزن وجعل الناس يجيئون إلي أفواجا حتى أغلقت بابي واحتجبت عنهم خوفا على نفسي وعليهم من مكروه يلحقنا، فقالوا: لا بد أن تملى علينا ما جرى لنعرفه ونتعلمه، فتهيبت ذلك، وتخوفت سوء العاقبة، فلما ألحوا علي قلت: أنا أذكر بعض ما جرى مما لا يكون علي حجة في ذكره فرضوا بذلك، فأملين عليهم أوراقا يسيرة مقدار عشر أوراق مختصرة مما جرى لأقطعهم بها عني وعن ملازمة بابي، ولم يتهيأ لي شرح هذا كله لما تخوفت على نفسي مما يلحقني بعضه، وأنا أذكر ما لحقني بعد هذا المجلس وما جرى بسبب تلك الأوراق التي كتبها الناس عني في كتاب مفرد بعد هذا إن شاء الله تعالى "آخر كتاب الحيدة" .

قال عبد العزيز الكناني: وكان خلق ظهري وأنا في مجلس أمير المؤمنين المأمون أناظر بشرا المريسي على ما سأذكره في هذا الكتاب رجل ممن يعرف بالكلام والنظر، فجعل كلما سكت بشر وانقطع يحرضه على الكلام، وإذا أردت أنا أن أتكلم لا يزال يهذي خلفي ويقرب رأسه من أذني ليسمعني ويدهشني ويقطعني بذلك عن حجتي، فشكوت إلى أمير المؤمنين ذلك فصاح به وباعده عني، فلما قلت لبشر: ما من شيء كان أو هو كائن مما يحتاج الناس إلى معرفته وعلمه إلا وقد ذكره الله عز وجل في كتابه عقله من عقله، وجهله من جهله، فإذا ذلك الرجل يضرب يده على فخذه ويقول: يا سبحان الله تزعم أن كل ما هو كائن مما يحتاج إليه قد ذكره الله ما أعظم هذا وكيف يعلم ما هو كائن فيذكره؟

قال عبد العزيز: فالتفت إليه فقلت له أنت جهمي قدري أيضا وأنت تهذي دائما، ثم أقبلت على المأمون فقلت: يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك إن هذا الذي شكوت إليك أذاه منذ اليوم. هو جهمي قدري قد جمع الأمرين من جهتين، ينكر أن يكون الله يعلم ما يكون قبل أن يكون، فقال المأمون: هذا قوله، فقلت له: إن رأى أمير المؤمنين أطال الله بقاءه أن يأذن لي حتى أكذبه وأكسر قوله وأدحض حجته وأبطل مذهبه بنص التنزيل الساعة.

فقال المأمون: لهذا وقت غير هذا ومجلس غير هذا تتكلم معه ومع غيره في القدر خاصـة.

قال عبد العزيز: فقلت: يا أمير المؤمنين ليس أطول إنما أحتج عليه بآية واحدة. فقال المأمون: قل ما تريد.

قال عبد العزيز فقلت له: أتنكر أن الله يعلم ما يكون فبل أن يكون. قال: نعم. أنا أنكر هذا. فقلت: والله يا أمير المؤمنين لقد علم الله ما لم يكن، ولا يكون أن لو كان كيف كان يكون. فصاح الرجل ما أجراك على الكذب الحمد لله الذي أخذك بلسانك.

فقال لي المأمون: أعد هذا الكلام يا عبد العزيز. فقلت له: نعم والله لقد علم الله ما لم يكن ولا يكون أن لو كان كيف كان يكون.

فقال لي المأمون: يا عبد العزيز هذا شيء تقوله من نفسك أو شيء تحكيه عن غيرك، فقلت له: هذا شيء أخبرنا به في كتابه الذي أنزله على نبيهr، فقال لي المأمون: وأين ذلك من كتاب الله عز وجل.

قال عبد العزيز فقلت له: قال الله عز وجل: {وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِفَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} في قولهم هذا، وهذا ما لم يكن ولا يكون لأنهم لا يردون لا هم ولا غيرهم، فأخبر عز وجل بعلمه السابق فيهم أن لو ردوا ما كانوا فاعلين، ولن يردوا أبدا، فهذا ما لم يكن ولا يكون أن لو كان كيف يكون.

فقال لي المأمون: أحسنت يا عبد العزيز، وما قلت في يومك هذا أحسن ولا أدق من هذا. فقلت: قد أكذبت والله أهل هذه المقالة وكسرت قولهم ودحضت حجتهم وأبطلت مذهبهم بنص التنزيل بلا تأويل ولا تفسير والحمد لله رب العالمين.
رد مع اقتباس