الموضوع: الادب و الحب (2)
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2019-08-15, 01:29 AM
ايوب نصر ايوب نصر غير متواجد حالياً
مسئول الإشراف
 
تاريخ التسجيل: 2012-10-23
المشاركات: 4,829
افتراضي الادب و الحب (2)

" الشعر ديوان العرب " هكذا قال ابو فراس الحمداني قديما ، و قوله هذا يدل على عمق فكره و اتساع تقلب نظره في اشعار العرب خصوصا و ادبهم عموما ، فخلص الى ان الادب لا ينحصر في الكلام عن الحب و الصبابة ، و بيان دقائق صفات المحبوب ، من رنة صوته و لون عينه و طول جيده و بروز نهده و شكل خصره و مؤخرته ( لا تلمني فهذا يسمى بالادب المكشوف ) .

لقد ادرك صاحبنا ان الادب لا ينحصر دوره في هذه الامور ، و ان كان الادب يشملها ، و انما الادب و كما قلنا ، في المقالة الاولى ، اوسع مجالا و اخصب ارضا و ابعد فكرا ، فالادب يا صاحبي يشمل التعبير عن عواطف الامة و الامها ، و بيان مواطن الضعف و القصور فيها ، و الدفع عنها في مواطن الغواية و مازق الضلال .

و قد كان السبب وراء الظن بالادب هذا الظن السيء ، و حصره في مواضيع الحب و روايات الغرام ، طائفتان من حملة الاقلام و كتاب العربية ، احداهما ركنت الى الكتابات الغرامية التي تتسم بالخليعة ، و لا تتضمن اي عبرة او فضيلة او ما يرفع من مستوى الذوق العام و الخاص ، و ذلك تحت مسميات الادب للادب و الفن للفن و الادب المكشوف ، فحرموا النشء من قراء العربية من المتعة العقلية و اللذة الفكرية ، و الاخرى صرفت همها الى هدم اسس اداب العرب و اساليبهم ، و ما جرت عليه لغتهم و تعارفت عليه اقلامهم ، و حجتهم في ذلك الدعوة الى الجديد ، و لعمر الله انها لدعوى لا اساس لها في العقل و النظر .


ان الادب هو مراة الامة الذي يعكس همومها و افراحها ، و المترجم لاحوالها فيما تحب و تكره ، و المعبر عما ترضى و تسخط، و هو المدافع الاول عن توابثها و معتقداتها ، و لذلك لا تسقط الامم عسكريا الا اذا انحطت فكريا و ادبيا ، و لذلك فان كل اديب ، اذا غابت عنه هذه الامور و كان على غفلة منها ، كان عندي كالجندي على الحدود يقضي يومه و ليله بين السكر و اللهو و النوم .

ان الامة لم تنهزم هزيمتها العسكرية الا بعد ان انهزمت هزيمتها النفسية ،و العلة في هزيمتها النفسية متعلقة بالادب من ناحية اشاعة الشبهات و نشر الشهوات في اوساط ابنائها و انسالها ، فكان سبيل الاولى دعوات التغريب و العامية و القراءات الجديدة و تجديد الخطاب ، و سبيل الثانية الادب للادب و الادب المكشوف ، و لذلك نجد مراكز الابحاث الغربية و التكثلات الاستشراقية تدخل على الامة من باب التشكيك ، و يتخذ هذا التشكيك الدراسات الادبية مسلكا .

" الشعر ديوان العرب " العرب في الجاهلية لم يحكمهم احد و لم يتم استعمراهم و انما ملكوا زمام انفسهم و تحكموا في امورهم ، و ذلك حين انزلوا الكلمة الادبية منزلها و اعطوها حقها ، فجعلت الذل و الهوان يرتفع عنهم ، و العز و الانفة تنهض بهم ، كانت الكلمة الادبية تغير تاريخا ، و تحمي حدودا ، و ترد عدوا ، و ترفع اقواما و تحط من قدر اخرين .

كتب: الاربعاء 12 ذو الحجة 1440 ( 14/08/2019)
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6

كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين
رد مع اقتباس