عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 2008-03-06, 01:23 AM
سالم سالم غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2007-12-11
المشاركات: 66
افتراضي

المبحث السادس

في بيان السنة لعقوبة المرتد الواردة في القرآن الكريم
ودفع الشبهات

تمهيـد : ـ

أ- التعريف بحد الردة : هو حد الجناية على دين الإسلام ، والخروج على جماعة المسلمين ، وهو
حد له نظائر في الشرائع السماوية جميعهاً ، والقوانين الوضعية تحمي نفسها .

وكمثال : فإن في المسيحية ما يسمي ( حق الحرمان ) وهو عقوبة مشهورة ومطبقة ، بل كان الباباوات يطبقونها على الخارجين عن سلطان الكنيسة ، ولو كان من الأباطرة .

وفي القوانين الوضعية المعاصرة أي إنسان يعتدي على النظام العام للدولة في أي أمة من الأمم سواء كان نظامها شيوعياً أو رأسمالياً أو غير ذلك يتعرض للعقاب ، وقد يصل الأمر في ذلك إلي حد تهمة الخيانة العظمي , التي تعاقب عليها معظم الدول بالإعدام !

فهل الدين أهون من مثل ذلك ؟ !

إن الإسلام في تقريره عقوبة الإعدام للمرتدين منطقي مع نفسه ، ومتلاق مع غيره من الشرائع السماوية السابقة ، وغيره من النظم القديمة والمعاصرة .

ب- حد الردة لا يناقض حرية الإعتقاد والفكر الواردة في القرآن الكريم .
إن حرية العقيدة في الإسلام مكفولة ومقدسة إلي الحد الذي لا يجوز العدوان عليها ، وهذا بصريح النصوص القرآنية التي تعلن أنه لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي  ( 1 ) .
ومن هنا كان تأكيد القرآن على ذلك تأكيداً لا يقبل التأويل في قوله   فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (2 ) .


وجاء التأكيد الصريح في ترك مسألة الإعتقاد للحرية الكاملة في قوله   قل يا أيها الكافرون0 لا أعبد ما تعبدون 0 و لا أنتم عابدون ما أعبد 0 ولا أنا عابد ما عبدتم 0 ولا أنتم عابدون ما أعبد 0 لكم دينكم وليَّ دين ( 1 ) 0 .

هكذا بالإعلان الصريح أنتم أحرار في اختياركم وأنا حر في اختياري .
أفبعد هذا حريـة ؟ !

وقد أكد رسول الله r تلك الحرية عملياً عندما هاجر إلي المدينة المنورة ، ووضع أول دستور للمدينة حينما اعترف لليهود أنهم مع المسلمين يشكلون أمة واحد ة ( 2) 0.0..

ومن منطلق هذه الحرية الدينية التي يضمنها الإسلام ، كان إعطاء الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للمسيحيين من سكان القدس الأمان (( لأنفسهم وأموالهم وصلبانهم .. لا تهدم ، ولا ينتقص منها ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم . )) ( 3 ) .

ومع تقرير الإسلام الحرية المطلقة في اختيار العقيدة ، إلا أن تلك الحرية تقف عندما تبدأ حرية الغير وحقوقه .

فكل فرد حر في أن يعتقد ما يشاء ، وأن يتبني لنفسه من الأفكار ما يريد ، حتى ولو كان ما يعتقده أفكاراً إلحادية ، فلا يستطيع أحد أن يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الأفكار لنفسه ، ولا يؤذي بها أحد من الناس .


أما إذا حاول نشر هذه الأفكار التي تتناقض مع معتقدات الدين الإسلام ، وتتعارض مع قيم الناس التي يدينون لها بالولاء ، فإنه بذلك يكون قد اعتدي على حقوق هذا الدين وحقوق معتنقيه .

ومعروف أن الإسلام عقيدة وشريعة ، دنيا وآخره ، وبتعبير عصرنا دين ودولة 0
فقتل المرتد عن دين الإسلام حينئذ ليس لأنه ارتد فقط ؛ ولكن لإثارته الفتنة والبلبلة ، وتعكير النظام العام في الدولة الإسلامية ! 0

أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر ذلك بين الناس ، ويثير الشكوك في نفوسهم فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء ، فالله وحده هو المطلع على ما تخفي الصدور . (1 )

ولن تخسر الأمة بارتداده شئ بل هو الذي سيخسر دنياه وآخرته قال تعالي :  ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .( 2 ) .

إن الإسلام إذ يقرر حرية العقيدة على ما سبق ، لا يجبر أحد على الدخول فيه فإذا ارتضاه الإنسان بكامل إرادته وحريته واقتناعه ، فعليه أن يلتزمه لأن الأمر في الدين جد ، لا عبث فيه ، لأنه بدخوله الإسلام أصبح عضواً في جماعة المسلمين له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، وكأنه بهذا قد دخل مع جماعة المسلمين في عقد اجتماعي يقرر الإنتماء والولاء بكل ما لهما من حقوق وواجبات للفرد والأمة التي ينتمي إليها .... وبهذا العقد الاجتماعي يصبح الفرد وكأنه جزء من جسد الأمة على النحو الذي أشار إليه رسول الله  :
بقوله : (( مَثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد . إذا اشتكي منه عضو ، تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي . )) ( 3 ) .

فإذا عنَّ لأحدهم بعد ذلك أن يرتد ـ أعني أن يفارق الأمة التي كان عضواً فيها وجزءاً منها تمنحه ولائها وحمايتها ، ويسعي إلي تمزيق وحدتها ، إنه بهذا قد مارس ما يشبه ( الخيانة الوطنية ) في
المستوي السياسي .
وخيانة الوطن في السياسة جزائها الإعدام ، ولن تكون أقل منها خيانة الدين ! ( 1 ) 0


ونتساءل بعد ذلك الإستعراض :
هل من حرية الفكر والإعتقاد أن يسلم رجل ليتزوج امرأة مسلمة ، فإذا نال مبتغاه منها وتحولت عاطفته عنها رجع إلي دينه الأول .... ؟

أو هل من حرية الفكر أن يتصل شخص بأعداء أمته ، وينقل إليهم أسرارها ، ويتآمر معهم على مستقبلها ؟

إنه لا بد من التفريق بين العبث بالدين أو خيانة الوطن وبين حرية الفكر ! فالمسافة شاسعة بين المعنيين !
وقد ذكر رب العزة في كتابه العزيز كيف أراد اليهود استغلال هذه الحرية لضرب الإسلام, وصرف الناس عنه :
قال تعالي :  وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أُنْزِلَ على الذين أمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون .( 2 ) .

فهل ترضي جماعة تحترم دينها بهذا العبث ! أو أن ينجح هذا التلاعب ؟ ‍‍‍‍‍! .

وعندما ننظر إلي السيرة النبوية العطرة ، وتاريخنا الإسلامي الطويل نجد أن قتلا المرتدين إلي أخر رمق , تم دفاعاً عن الدين والدولة معاً , وما سمعنا برجل قتل مرتداً لأنه ترك الصلاة مثلاً .

إن الإرتداد كما شرحنا خروج على دولة الإسلام بغية النيل منها ومنه ، والإتيان عليها وعليه ، ومقاتلة المرتدين ـ والحالة هذه ـ دين ( 3 ) 0 0 0
ج- حد الردة لايناقض القرآن الكريم :
إذا كان حد الردة في دين الإسلام عقوبة للمرتد ، ليس لارتداده فقط ، وإنما لإثارته الفتنة في صفوف جماعة المسلمين ، وتشكيكهم في كتاب ربهم ، وسنة نبيهم ، بغية النيل من الإسلام وأهله.
فإننا نجد حينئذ حد المرتد صريحاً في القرآن الكريم ، والسيرة النبوية العطرة , وإليك تفصيل ذلك
من القرآن الكريم , والسنة المطهرة :

أولاً : أدلة قتل المرتد من القرآن الكريم :
1- ففي القرآن الكريم يقول رب العزة : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في
الأرض فساداً أن يُقَتَّلوا . ( 1 ) .

والمحاربة نوعان : 1 - محاربة باليد 2- و محاربة باللسان 0
1- والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكي من المحاربة باليد ، ولذلك كان النبي r يقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد ( 2 ) , خصوصاً محاربة الرسول r بعد موته ، فإنها تمكن باللسان ، وكذلك الإفساد قد يكون باليد ، وقد يكون باللسان ، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد ، كما أن ما يُصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تُصلحه اليد ، فثبت أن محاربة الله ورسوله باللسان أشد ، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد .

فهذا المرتد عن دين الإسلام المحارب لله ورسوله ,أولي باسم المحارب المفسد من قاطع الطريق .

ويؤكد أن المحارب لله ورسوله باللسان قد يفسر بالمحارب قاطع الطريق , ما رواه أبو داود في سننه مفسراً لقوله r : (( التارك لدينه المفارق للجماعة )) ( 3 ) .
(( لا يحل دم امرئ مسلم , يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله , إلا بإحدى ثلاث : رجل زني بعد إحصان فإنه يرجم ، ورجل خرج محارباً لله ورسوله , فإنه يقتل أو يصلب , أو ينفي من الأرض ، أو يقتل نفساً فيُقْتَل بها . )) (4) .
فهذا المستثني هو المذكور في قوله (( التارك لدينه المفارق للجماعة )) ولهذا وصفه بفراق الجماعة ، وإنما يكون هذا بالمحاربة .

ويؤيد ذلك أن الحديثين تضمنَّا أنه لا يحل دم من يشهد : أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله، والمرتد لم يدخل في هذا العموم ، فلا حاجة إلى استثنائه .

وعلى هذا فيكون ترك دينه عبارة عن خروجه عن موجب الدين ، ويفرق بين ترك الدين وتبديله0
أو يكون المراد به من ارتد وحارب كالعُرَنيين ( 1 ) 0

ويؤيد أن المرتد عن دين الإسلام المشكك , والطاعن في كتاب الله  ، وسنة رسوله r محارب لله ورسوله ، وتشمله الآية الكريمة 0

ما روي عن أنس ، وابن عمر ، وابن عباس وغيرهم , أن آية المحاربة نزلت في قوم من عرينة سرقوا ، وقتلوا ، وكفروا بعد إيمانهم ، وحاربوا الله ورسوله .
فعن ابن عمر أن ناساً أغاروا على إبل النبي r فاستاقوها , وارتدوا عن الإسلام ، وقتلوا راعي رسول الله r مؤمناً ، فبعث في آثارهم ، فأخذوا , فقطع أيديهم وأرجلهم , وسَمَلَ أعينهم، وقال : ونزلت فيهم آية المحاربة ( 2 ) .

والعلاقة بين العقوبة والجريمة في الردة والبغي : هي المعاملة بالقسطاس المستقيم فلما كان المرتد يعد خارجاً على النظام العام ، والباغي يبتغي تقويض نظام الحكم 0

والنظام، واستقرار الحكم , أمران ضروريان لا غني للبشر عنهما ، فهدمهما هدم للحياة ، والخيانة وعدم النظام , لا تستقيم الحياة معهما 0

فكان جزاءاً وفاقًا أن شرع الإسلام للمرتد والباغي عقوبة القتل ( 1 ) 0

وهذا القتل الذي جعله رب العزة عقوبة وحداً للمرتد والباغي ، وصفه  بأنه خزي لهم في الدنيا ، ولهم في الآخر عذاب عظيم ، وهذا ما ختمت به آية المحاربة قال تعالي :  ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم  ( 2 ) 0


2- ويدل أيضاً على قتل المرتد قوله تعالي :  لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً 0 ملعونين أينما ثقفوا أُخِذُوا وقُتِّلُوا تقتيلاً 0 سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً  ( 3 ) 0

قال الحسن البصري : أراد المنافقون أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق ، فأوعدهم الله في هذه الآية فكتموه وأسرُّوه . ( 4 )

وهذا يعني أن المنافق حين يظهر كفره ، ويطعن في دين الله ، يُأْخَذْ ويُقْتَلْ عقاباً له .

والسؤال هنا : هل هناك شك في أن المرتد عن دين الإسلام منافق ؟ يسعى إلي تفريق جماعة المسلمين ، وإفساد دينهم عليهم ؟ ! 0

فالمرتد كما سبق وأن قلنا : إن كانت ردته بينه وبين نفسه , دون أن ينشر ذلك بين الناس ، ويثير الشكوك في نفوسهم , فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء ، فالله وحده هو المطلع على ما تُخفِي الصدور .

أما إذا أظهر المرتد عن دين الإسلام ردته ، وأثار الشكوك في نفوس المسلمين بالنطق بكلمة الكفر، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة .

كان حاله في هذه الحالة حال المنافق الذي يُظهر ما في قلبه من الكفر والنفاق ؛ وجهاده واجب عملاً بقوله تعالي :
3-  يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جنهم وبئس المصـير0 0
يحلفون ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله من فضله فإن يتوبوا يكُ خيراً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من وليِّ ولا نصير  ( 1 ) 0

ووجه الدليل في الآيتين : أن الله أمر رسوله r بجهاد المنافقين , كما أمره بجهاد الكافرين وأن جهادهم يمكن إذا ظهر منهم ؛ من القول أو الفعل ما يُوجب العقوبة ، فإنه ما لم يظهر منهم شئ البتة لم يكن لنا سبيل عليهم 0

فإذا ظهر منهم كلمة الكفر كما قال الله   وكفروا بعد إسلامهم  فجهادهم بالقتل وهو العذاب الأليم الذي توعدهم به  في الدنيا بقوله :  وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة  0

4- وهذه الآية نظير قوله تعالي  قل هل تربصُّون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا  ( 2 ) 0

قال أهل التفسير ( أو بأيدينا ) بالقتل : إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلناكم ، وهو كما قالوا ؛ لأن العذاب على ما يبطنونه من النفاق بأيدينا لا يكون إلا القتل لكفرهم ( 3 ) 0

فهل بعد كل هذه الآيات الكريمات شك , في أن المرتد إذا أظهر كلمة الكفر , مثل المنافق , جزاؤه القتل بصريح القرآن الكريم ؟ ! 0


أما إذا كان المرتد ردته بينه وبين نفسه ، ولم يعلن بها ، فحكمه في هذه الحالة , حكم المنافق المعلوم نفاقه بعلامات المنافقين , غير أنه لم يعلن كلمة الكفر , فيعامل بحسب الظاهر من إيمانه ، ويحصن به من القتل .

وهذا من حكم عدم قتل النبي r بعض المنافقين مع علمه بنفاقهم !

أن أجري عليهم أحكام الدنيا على حسب الظاهر من إيمانهم والله يتولى السرائر وهذا ما أكده النبي r في مواقف عدة منها : ـ

1- قوله r لأسامة بن زيد  لما أخبر النبي r أنه قتل من قال (( لا إله إلاَّ
الله )) خوفاً من السيف ، فقال له النبي r (( أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم
أقالها أم لا )) فما زال يكررها علىَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ .

وفي رواية قال له رسول الله r (( فكيف تصنع بلا إله إلاَّ الله , إذا جاءت يوم
القيامة ؟ قال يا رسول الله ! استغفر لي 0 قال : وكيف تفعل بلا إله إلاَّ الله إذا
جاءت يوم القيامة ؟ قال فجعل لا يزيده على أن يقول , كيف تصنع بلا إله إلاَّ الله
إذا جاءت يوم القيامة ؟ ( 1 ) 0

2- وقوله r للذي ساره في قتل رجل من المنافقين : (( أليس يشهد أن لا إله إلا
الله ؟ قال الأنصاري بلي يا رسول الله ؛ ولا شهادة له 0 قال رسول الله r
أليس يشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال بلي يا رسول الله ! قال : أليس يصلي ؟
قال بلي يارسول الله ؛ ولا صلاة له 0 فقال رسول الله r (( أولئك الذين نهاني
الله عن قتلهم )) ( 1 ) 0)) 00

3- وقوله r لخالد بن الوليد  ( 2 ) لما استأذن في قتل رجل أنكر قسمته r فقال رسول الله r : (( لا 0 لعله أن يكون يصلي )) قال خالد : كم من مصل
يقول بلسانه ماليس في قلبه ! فقال رسول الله r إني لم أُومر أن أُنَّقـب عـن
قلوب الناس ولا أشق بطونهم )) ( 3 ) والأحاديث في ذلك كثيرة .

فإعراض رسول الله r عن قتل بعض المنافقين مع علمه بنفاقهم وقبول علانيتهم لوجهين :

الوجه الأول : أن عامتهم لم يكن ما يتكلمون به من الكفر مما يثبت عليهم بالبينة ، بل كانوا
يظهرون الإسلام ، ونفاقهم كان يعرف بعلامات منها, الكلمة يسمعها الرجل المؤمن
فينقلها إلي النبي r فيحلفون بالله أنهم ما قالوا ؛ كما قال الله :  يحلفون بالله
ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ( 4 ) 0


وقوله تعالي :  إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون . اتخذوا إيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ( 5 ) 0
فدلت هذه الآيات أن المنافقين كانوا يُرضون المؤمنين بالأيمان الكاذبة ، وينكروا أنهم كفروا ، ويحلفون أنهم لم يتكلموا بكلمة الكفر . وذلك دليل علي أنهم يُقتلون إذا ثبت عليهم ذلك بالبينة .

وكذلك المرتد إذا أظهر ردته , ونطق بكلمة الكفر , وثبتت عليه البينة ؛ قُتِلْ 0


الوجه الثاني : أنه r كان يخاف أن يتولد من قتلهم من الفساد أكثر من استبقائهم ، وقد بيـن
ذلك رسول الله r حين استأذنه عمر ( 1) في قتل رجل من المنافقين أنكر قسمته r فقال :  معاذ الله ! أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي ( 2 ) 0

فإنه لو قتلهم بما يعلمه من كفرهم لأوشك أن يظن الظانَّ أنه إنما قتلهم لأغراض وأحقاد ( 3 )

وبالجملة كان ترك قتلهم مع كونهم كفاراً ، لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعية ، فإذا ظهر استحقوا القتل بصريح القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، والسيرة العطرة التي ورد فيها إهدار دماء بعضهم .
وفيما سبق ردُ على من استدل بمواقف النبي r من بعض المنافقين ، وأهل الكتاب بعدم قتلهم على نفي حد الردة ( 4 ) 0


ثانياً : أدلة قتل المرتد من السيرة العطرة :
في صحيح السنة النبوية ، والسيرة العطرة نجد التطبيق القولي والعملي من النبي r للآيات الكريمات السابقة المجاهدة لكل من يرتد ويظهر كلمة الكفر ، ويفسد على المسلمين دينهم ، ويؤذيهم في ربهم  ، ونبيهم r بإهدار دمه ، يدل على ذلك ما يلي : ـ
1- ما روي عن ابن عباس  قال : كان عبد الله بن أبي سرح ( 1 ) يكتـب
لرسول الله r فأزله الشيطان ، فلحق بالكفار ، فامر به رسول الله r أن
يقتل يوم الفتح ؛ فاستجار له عثمان بن عفان ، فأجاره الرسول r ( 2) 0

وفي رواية عن سعد بن أبي وقاص  قال : لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن أبي سرح عند عثمان بن عفان ، فجاء به حتى أوقفه على النبي r ، فقال : يارسول الله بايع عبد الله ؛ فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً ، كل ذلك يا أبي ، فبايعه بعد ثلاث ، ثم اقبل على أصحابه فقال : (( أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلي هذا , حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله ؟
فقالوا : ما ندري يا رسول الله ما في نفسك ؛ ألا أومأت إلينا بعينيك ؟ قال : (( إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ))( 3 )

وكان عبد الله بن سعد , أحد الرجال الذين أهدر النبي r دمائهم يوم فتح مكة ، وقال : ((اقتلوهم ، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة )) ( 4 ) 0

2- وعن معاذ بن جبل أن رسول الله r حين أرسله إلي اليمن قال له : (( أيما رجل ارتد عن

الإسلام فادعه ، فإن تاب فاقبل منه ، وإن لم يتب فاضرب عنقه ، وأيما امرأة
ارتدت عن الإسلام ، فادعها ، فإن تابت فاقبل منها وإن لم تتـب فاضرب عنقها )) ( 1 )

3- وقد طبق معاذ حد الردة لما قدم على أبي موسى الأشعري باليمن وخاطبه قائلاً ((
انزل . وألقي له وسادة ، وإذا رجل عنده موثق . قال ما هذا ؟ قال : هذا كان
يهودياً فأسلم . ثم راجع دينه ، دين السوء ، فتهود . قال : لا أجلس حتى يقتل .
قضاء الله ورسوله . فقال : اجلس
نعم قال : لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله . ثلاث مرات . فأمر به فقتل . ثم تذاكرا
القيام من الليل . فقال أحدهما ، معاذٌ : أما أنا فأنام وأقوم ، وأرجو في نومتي ما أرجو في
قومتي )) ( 2 ) 0
وغير ذلك من الروايات التي جاء فيها إهدار النبي r دم من كان يؤذيه بالسب
4- فعن عليّ  أن يهودية كانت تشتم النبي r وتقع فيه ، فنخقها رجل حتى ماتت
فأبطل الرسول r دمها )) ( 3 ) 0

5- وفي الصحيح عنه r قال : (( من بدل دينه فاقتلوه )) ( 4 ) 0

شبهة أعداء السنة حول حديث (( من بدل دينه فاقتلوه )) 0
طعن خصوم السنة النبوية في هذا الحديث سنداً ومتناً :
أما السند فزعم بعضهم أن فيه عكرمة مولي بن عباس وأنه متهم بالكذب على بن عباس وأنه كان من دعاة الخوارج والحرورية والإباضية ! ( 1 ) 0

أما المتن فزعم بعضهم أن عموم الحديث يفيد شموله لكل من غير دينه ، ومن ثم فإن اليهودي الذي ينتصر ، أو المسيحي الذي يعتنق الإسلام , يدخل تحت حكم الحديث فيجب قتله ! ( 2) 0


والجـواب :
1- إن طعونهم في السند محض كذب وافتراء لما يلي : ـ

أولاً : ـ إجماع عامة أهل العلم بالحديث على الإحتجاج بحديث عكرمة ، فقال الحافظ في التقريب
ثقة ، ثبت ، عالم بالتفسير ، لم يثبت تكذيبه ، ولا يثبت عنه بدعه ( 3 ) 0
وقال الحافظ العجلي : ثقة ، وهو برئ مما يرميه الناس به من الحرورية ( 4 ) 0
ثانياً : ـ الحديث لم ينفرد به عكرمة عن ابن عباس  ، بل له شواهد عن جماعة من الصحابة ، تصل بالحديث إلي درجة الشهرة (5 ) وليس درجة الآحاد كما زعم بعضهم ( 6 )
2- أما طعن بعضهم في صحة الحديث بحجة أن عمومه يشمل من انتقل من الكفر إلي الإسلام فإنه يدخل في عموم الخبر .
فالجواب : أن هذا العموم ليس مراداً . لأن الكفر ملة واحدة ، فلو تنصر اليهودي لم يخرج عن دين الكفر ، وهكذا لو تهود الوثني ، فوضح أن المراد من بدَّل دين الإسلام بدين غيره ، لأن الدين في الحقيقة هو الإسلام قال تعالي :  إن الدين عند الله الإسلام  ( 1 ) وما عداه فهو بزعم المدعي ( 2) 0
ويؤيد تخصيصه بالإسلام ما جاء في بعض طرقه عن بن عباس مرفوعاً (( من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه )) ( 3 ) 0
وفي المسند عن عائشة مرفوعاً (( لا يحل دم امرئ مسلم إلا إحدى ثلاث ....... أو رجل ارتد بعد إسلامه )) الحديث ( 4 ) أ هـ 0

ثالثاً : إجماع الصحابة على قتل المرتـــد :
أجمع الصحابة  ومن بعدهم أئمة الإسلام , على حد الردة , فنقل عن صحابة رسول الله  قتل المرتد عن دين الإسلام في قضايا متعددة ، وينتشر مثلها ويستفيض ، ولم ينكرها أحد منهم ، فصارت إجماعاً على وجوب قتل المرتد ( 5) 0
فمن ذلك مايلي : -
1- أن أبا بكر  قتل أم قرفة الفزاريه في ردتها ، قتلة مثلة ، شد رجليها بفرسين، ثم صاح بهما فشقاها 0
وأم ورقة الأنصارية رضي الله عنها كان رسول الله  يسميها الشهيدة ، فلما كان في عهد عمر بن الخطاب  قتلها غلامها وجارتها ، فأتي بهما عمر بن الخطاب فقتلهما وصلبهما( 6 ) 0
ما روي أنه قدم على عمر بن الخطاب رجل من قِبَلْ أبي موسى الأشعري فسأله عن الناس فأخبره . ثم قال له عمر : هل كان فيكم من مُغَرِّبَةِ خبر ؟ ( 1 ) فقال نعم رجلٌ كفر بعد إسلامه . قال فما فعلتم به ؟ قال : قربناه ، فضربنا عنقه . فقال:
أفلا حبستموه ثلاثاً وأطعمتموه كل يوم رغيفاً واستتبتموه لعله يتوب ويُراجع أمر الله؟
ثم قال عمر : اللهم إني لم احضر , ولم آمر ؛ ولم أرض إذا بلغني )) ( 2 ) 0

والعجيب ممن يستدل بهذا الأثر ونحوه علي أنه يجوز قتل المرتد عقوبة تعزيريه ، ويجوز استبدالها بالحبس مثلاً . ( 3 )

وهو بذلك يتجاهل علة مقولة عمر بالحبس ، وهي كما جاءت في رواية الإمام مالك باستتابة المرتد قبل قتله ، كما قال : (( أفلا حبستموه ثلاثاً . وأطعمتموه كل يوم رغيفاً ، واستتبتموه لعله يتوب ....... إلخ )) وهو ما تضمنته عناوين الأبواب التي ذكر تحتها أئمة السنة هذا الحديث
3- روي عن على بن أبي طالب  ، أنه أُتي بزنادقة ! فأحرقهم 0 فبلغ ذلك عبد الله بن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي  ( (لا تعذبوا بعذاب الله )) (4) ولقتلتهم لقول رسول الله  : (( من بدل دينه فاقتلوه )) ( 5 ) 0 )

14وعن أبي هريرة  قال : لما توفي رسول الله  واستخلف أبو بكر بعده ، كفر من
كفر من العرب ، قال عمر بن الخطاب : كيف تقاتل الناس ؟ وقد قال رسول الله 
(( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله , فقد عصم
مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله )) . فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق
بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال . والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلي
رسول الله  لقاتلتهم على منعه .
فقال عمر بن الخطاب : فو الله ‍‍! ماهو إلا أن رأيت الله  قد شرح صدر
أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق )) ( 1 ) 0

قال الإمام الخطابي رحمه الله تعالي (2 ) : في شرح هذا الكلام , كلاماًُ حسناً لا بد من ذكره لما فيه من الفوائد في الرد على من ينكر حد الردة في حروب الردة ( 3 ) 0
قال رحمه الله : مما يجب تقديمه في هذا أن يعلم أن أهل الردة كانوا صنفين :

1- صنف ارتدوا عن الدين : ونابذوا الملة وعادوا إلي الكفر ، وهم الذين عناهم
أبوهريرة بقوله : وكفر من كفر من العرب ، وهذه الفرقة طائفتان :
الطائفة الأولي : أصحاب مسيلمة من بني حنيفة , وغيرهم الذين صدقوا على دعواه في النبوة ،
وأصحاب الأسود العنسي ، ومن كان من مستجيبيه من أهل اليمن وغيرهم ،
وهذه الفرقة بأسرها منكرة لنبوة سيدنا محمد  مدعية النبوة لغيره ! فقاتلهم أبو
بكر  حتى قتل الله مسيلمة باليمامة ، العنسي بصنعاء ، وانفضت جموعهم ،
وهلك اكثرهم .

والطائفة الأخرى : ارتدوا عن الدين ، وأنكروا الشرائع ،وتركوا الصلاة و الزكاة وغيرها من
الشرائع ؛ وعادوا إلي ما كانوا عليه في الجاهلية ، فلم يكن يسجد لله في بسيط
الأرض إلا في ثلاثة مساجد : مسجد مكة ، مسجد المدينة ، ومسجد عبد القيس
في البحرين في قرية يقال لها جواثا .

2- والصنف الأخر : هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة ، فأقروا بالصلاة ، و أنكروا
فرض الزكاة ،ووجوب أدائها إلي الإمام ، وهؤلاء على الحقيقة أهل
بغي ، وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم. وإنما لم يدع هـذا
الصنف بأهل البغي في ذلك الزمان خصوصاً لدخولهم في غمار
أهل الردة إذ كانت أعظم الأمرين ، وأهمهما ، ولمشاركتهم
المرتدين في منع بعض ما منعوه من حقوق الدين 0
وذلك أن الردة اسم لغوي , وهو كل من انصرف عن أمر كان مقبلاً عليه ، فقد ارتد عنه ، وقد وجد من هؤلاء القوم الإنصراف عن الطاعة ، ومنع الحق ، وانقطع عنهم اسم الثناء , والمدح بالدين ، وعلق بهم الاسم القبيح ؛ لمشاركتهم القوم الذين كان ارتدادهم حقاً ( 1 ) 0

اختلاف العلماء في استتابة المرتد :
إذا كان هناك إجماع من الصحابة  فمن بعدهم , على وجوب قتل المرتد عن دين الإسلام ؛ إلا أنهم اختلفوا في استتابته ، هل هي واجبه أم مستحبة ، وفي قدرها ، وفي قبول توبته ، وفي أن المرأة مثل الرجل في ذلك أم لا ؟ ! 0‍‍

وخلاصة القول :
انه يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل , هو قول الجمهور ، والمرأة كالرجل في ذلك ، واستدل على ذلك بالإجماع السكوتى الوارد في كتاب عمر في أمر المرتد (( أفلا حبستموه ثلاثاً ، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً ، واستتبتموه لعله يتوب ويُراجع أمر الله )) ( 2 ) ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة .
كأنهم فهموا من قوله  (( من بدل دينه فاقتلوه )) ( 3 ) أي إن لم يرجع 0
وقد قال تعالي :  فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم  ( 4 ) 0
واستدل على أن المرأة كالرجل في الإستتابة ، فإن تابت وإلا قتلت ؛ بما وقع في حديث معاذ أن النبي  لما أرسله إلي اليمن قال له (( أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه ؛ فإن تاب فاقبل منه , وإن لم
يتب فاضرب عنقه ، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها ، فإن تابت فاقبلها ، وإن لم تتب فاضرب عنقها )) ( 1 ) 0

وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه .

ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها كالزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، والقذف ......

واختلف القائلون بالإستتابة ، فهل يكتفي بالمرة ، أو لا بد من ثلاث ؟ وهل الثلاث في مجلس أم في يوم أو في ثلاثة أيام ؟ 0
وعن عليّ  يستتاب شهراً ، وعن النخعي رحمه الله يستتاب أبداً ( 2) 0
وهذا محمول على رجاء توبته كما قال سفيان الثوري رحمه الله تعالي ( 3 ) 0

وأخيراَ : تعقيب وتعليق علي تطبيق الحدود :
إن التشريع الإسلامي لا يعارض تطبيقه وتنفيذه سوي طوائف ثلاث : ـ

الطائفة الأولي : الجاهلون بهذا التشريع السماوي العادل ، ويدخل فيهم بعض المثقفين , الذين يحملون أرقي الشهادات وأعلاها ، ولكن لم تتح لهم دراسة القرآن الكريم , والسنة النبوية , والفقه الإسلامي ، بل نشئوا على دراسة مناهج من وضع وإخراج المستعمرين 0

شُحِنَتْ بالطعن في الإسلام ومبادئه ، والإستهزاء بأحكامه وتشريعاته ، والتعريض بشخصياته التاريخية ، والإفتراءات الباطلة الشاذة 0


فنشأ هؤلاء بيننا بأسماء عربية إسلامية ، ولكن بعقول غربية اعتنقت مبادئهم ، وأنظمتهم ، تهلل وتطبل لكل ما هو غربي ، وإن كان عُهْراً وفساداً ! وتحتقر كل ما هو شرقي ، وإن كان شرفاً وصلاحاً 0

فالإستعمار وإن جلا عنا بجنوده ، فهو قابعاً في عقول هؤلاء المثقفين الجهلاء بدينهم 0

ومن البلاء أن يصبح بعض هؤلاء , قادة التوجيه في الصحافة والمجلات ، وبيدهم السلطات الواسعة ، التي تجعل أصواتهم في القمة ، وتحارب الأصوات المؤمنة العاقلة .

والطائفة الثانية : تتمثل في هؤلاء المنحرفين في سلوكهم ، المنغمسين في شهواتهم ، الذين
أصبحوا كالكلاب المسعورة ، تنهش الأعراض , وتسبح في المحرمات ، لا تفيق
من ُسكٍر ، ولا تعف عن مال حرام ، ولا تشبع من لذة .

وهؤلاء عندما يعارضون التشريعات الإسلامية , لا يدفعهم إلي هذا الموقف اقتناع بعدم صلاحيتها أو تخوف على مصلحة الأمة ، بل هم مقتنعون أنها أعدل التشريعات ، وأحكم النظم ، ولكنهم يخشون عند تطبيقها على أنفسهم من مس السياط , ورجم الحجارة ، والحرمان مما ألفوه من العربدة , والمال الحرام 0

ولا ينبغي لعاقل أن يسمع صوتاً لمثل هؤلاء المنحرفين ، ولا يقيم لمعارضتهم وزناً ، فهم خارجون على النظام والقانون . متمردون على مصالح المجتمع ، وأمنه ، وإذا جاز لنا أن نسمع لأصواتهم ! فمن حق القتلة , وسفاكي الدماء , أن يرفعوا أصواتهم أيضاً ، مطالبين بإسقاط القصاص وإباحة جرائمهم 0

والوضع الصحيح أن نعتبر هذه الطائفة مرضي ، هم في مسيس الحاجة للعلاج والدواء ، والإنقاذ من التردي في هاوية الشهوات والمحرمات .

والطائفة الثانية : من هذه الطوائف المعرضة ؛ هي تلك الفئة من الناس المتعصبين تعصباً أعمي،
ضد كل إصلاح , وتشريع عادل ، فهم قد أغلقوا عقولهم , وعطلوها عن التفكير
والإدراك ، وأغمضوا أعينهم عن النور والحق , وآثروا العيش في ظلمات
التعصب ، وهم يحسبون أنفسهم أنهم يصنعون صنعَا .
وأكثر هؤلاء المتعصبين هم من أهل الكتاب. الذين يتجاهلون سماحة الإسلام , وكرمه في معاملتهم، ودعوته القوية إلي مودتهم ومحبتهم ، ومراعاة شعورهم وإحساسهم ، ومحافظته الشديدة على مقدساتهم ، وأموالهم ، وأماكن عبادتهم ، وتركه لهم وما يدينون ؛ لهم ما للمسلمين , وعليهم ما على المسلمين .

ويكفي برهاناً على ذلك ؛ أن الله تعالي مدح النصارى في كتابه الكريم ؛ ووصفهم بالعلم والعبادة، والزهد والتواضع ، والانقياد للحق فقال :  00ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا
نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون 0 وإذا سمعوا ما أنزل إلي الرسول تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين 0 وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين .  ( 1) 0

والآيات وإن كانت نازلة في طوائف خاصة ؛ إلا أن علماء الأصول اتفقوا على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ فكل من اجتمعت فيه الصفات المذكورة تشمله الآيات .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة  قال : قال رسول الله  (( أنا أولي الناس بعيسي بن مريم في الآولي والآخرة قالوا : كيف يا رسول الله ؟ قال : الأنبياء إخوة من علات ( إخوة الأب) وأمهاتهم شتي ، ودينهم واحد , فليس بيننا نبي )) ( 2 ) 0

ولقد أوصي  أمته بقبط مصر خيراً ، واتخذ منهم أم ابنه إبراهيم  ، والتاريخ أكبر شاهد على تسامح المسلمين وحسن معاملتهم لأهل الكتاب ، وإطلاق الحرية لهم في مزاولة طقوسهم الخاصة ، وتطبيق أحكامهم في جميع أحوالهم الشخصية ، من طلاق وزواج ونحوهما , وعدم تنفيذ الحدود الشرعية عليهم التي تتعلق بحدود الله تعالي ، كشرب الخمر وغيره 0

والجميع يعرف كيف عامل الخليفة عمر بن الخطاب  نصارى بيت المقدس ، وأعطاهم العهد والأمان على أموالهم وكنائسهم وصلبانهم 0

وكيف أنه لم يرضي أن يصلي داخل الكنيسة حين حضرته الصلاة ، وإنما صليَّ على الدرج الخارجي لها . خشية أن يستولي المسلمون عليها فيما بعد ويقولون : هنا صلي عمر 0

والتاريخ يعرف أيضاً كيف استقبل النجاشي ( وهو نصراني ) المسلمين الأولين المهاجرين إلي بلاده , وكيف أكرم وفادتهم ، ورفض أن يسلمهم لأعدائهم , وأعطاهم الحرية الكاملة في أداء عبادتهم .
وهاهو المقوقس عظيم القبط بمصر يرد على كتاب النبي  رداً كريماً حسناً ، ويهدي إليه جارية , وغلاماَ , وبغلا , ويقول : إني نظرت في أمر هذا النبي ، فهو لا يزهد بمزهود فيه ، ولا ينهي عن مرغوب فيه ، ولم أجده بالساحر الضال ، و لا الكاهن الكاذب ! 0

ومما تقدم يتضح لكل عاقل منصف أنه لا محل لهذه العصبية العمياء ، ولا معني لها ، ولا ضرر على أحد من تطبيق التشريع الإسلامي ، بل الخير كل الخير ، والنصر كل النصر في تنفيذه ، فإن الله تعالي وعد بنصرة من ينصر دينه ، والله لا يخلف الميعاد , ونَِصَرْ دينه لا يكون بالأماني والكلام والوعود ، وإنما بتنفيذ أحكام كتابه , وسنة نبيه 

والخلاصة : أن قيام حكم إسلامي في دولة عصرية , ليس معناه خسارة ولاء غير المسلمين فيها
وعدم رضاهم ؛ كما يري البعض !

لأن دولة الإسلام تقوم على العدالة مع الجميع , وهي لا تتعرض لأصحاب الديانات الأخرى , ولا تجبرهم على شئ يخالف دينهم , وهم أمام القانون الإلهي متساوون في الحقوق والواجبات مع المسلمين ( 1) 0

والله الهادي إلي سواء السبيل







الخاتمـة
فـي
نتائـج هذا البحـث
ومقترحــات وتوصيــات


الخاتمـــة
فـــى
نتائج هذا البحث
ومقترحـــــات وتوصيـــات


الخـاتمــة

الحمد لله تعالى على فضله العظيم أن وفقنى لإتمام هذا البحث ، التى ظهر لى من نتائج دراستى فيها التأكيد على ما يلى :

1- إن شبهات أعداء السنة المطهرة – ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا – حول سنة سسيدنا رسول الله  ؛ قائمة على إعلان الكفر صراحة بالشطر الثانى من الوحى الإلهى ؛ وهم فيما يزعمون من شبهات , يتسترون بعباءة القرآن الكريم، وفاق تسترهم كل حد ، إذ تجرأوا على كتاب ربهم  ، ففسروه وأولوه ، بما يأتى فى النهاية صراحة بردهم على الله تعالى كلامه ، وتطاولهم عليه  من حيث يشعرون أو لا يشعرون0

2- إن القرآن الكريم هو شريعة الإسلام قولاً ، ورسول الله  هو شريعة الإسلام عملاً؛ فحياته  كلها ، وما صدر عنه فيها من أقوال وأفعال وتقريرات , حتى الحركات والسكنات ، هى تفصيل وبيان وترجمة حية لما اشتمل عليه القرآن الكريم من عقائد، أو عبادات، أو معاملات، أو أخلاق، أو حدود، أو أحوال شخصية… الخ.

وإذن فلم تكن آباطيلهم حول الحدود في الإسلام , لم يكن مقصوداً بها الدفاع عن رسول الله كما يزعمون ، وإنما كانت غايتها تدمير الشريعة وصاحب الشريعة، ثم يأتى من وراء ذلك تدمير المجتمع الإسلامى كله!0

3- إن رواة السنة العطرة وأئمتها، لم تكن وظيفتهم بصدد أحداث السنة إلا تثبيت ما هو ثابت منها بمقياس علمى ، يتمثل فى قواعد مصطلح الحديث , المتعلقة بكل من السند والمتن، وفى قواعد علم الجرح والتعديل المتعلقة بالرواة وتراجمهم0

فإذا انتهت بهم هذه القواعد العلمية الدقيقة إلى أخبار ووقائع، وقفوا عندها ودونوها، دون أن يقحموا تصوراتهم الفكرية أو انطباعاتهم النفسية، أو مألوفاتهم البيئية إلى شئ من تلك الوقائع بأى تلاعب أو تحوير0


4- ليس فى الربط بين القرآن الكريم، والسنة المطهرة , فى تحديد شخصية وسيرة المعصوم  شرك وتأليه لرسول الله  كما يزعم أعداء السنة ! لأن الربط هنا ربط إلهى ، وطاعة لله  وطاعة لرسوله . وقد دل على هذا الربط عشرات الآيات القرآنية فى طاعة الله  ، وطاعة رسوله  طاعة مستقلة ؛ وأنها من طاعته  0

5- إن منكرى السنة النبوية فى دعواهم التعارض بين سيرته  فى القرآن الكريم وسيرته  فى السنة المطهرة ، مغرضون مفترون فى تكلف التعارض ، ولو أرادوا الحق لسألوا ، أو قرأوا ، والأجوبة عن كل استشكالاتهم فى كتب الأئمة ؛ وهم أدرى بالنص، وعلى غيرهم أن يحترم رأيهم . فهم رجال قيدهم رب العزة لحفظ دينه، وأمر عباده بالرجوع إليهم. قال تعالى : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون( ) 0

هذه هي أهم نتائج البحث في موضوع (( عقوبتا الرجم والردة في ضوء القرآن والسنة ودفع الشبهات )) وإذا كان لي أن أقترح أو أوصى بشئ فى هذا المقام ، فإنى أقترح وأوصي
بما يلي :

1- دراسة شبهات أعداء السنة قديماً وحديثاً، وبيان بطلانها من خلال تدريس تاريخ السنة وعلومها 0

2- إخضاع الكتابات المتعلقة بسنة سيدنا رسول الله  للتدقيق والتمحيص، وسد منافذ الإجتراء على السيرة النبوية بديار المسلمين، وتجريم ذلك فى جميع الوسائل0

3- الحكم بالارتداد على منكر سنة سيدنا رسول الله  ، وتنفيذ أحكام الله فيهم بمعرفة القضاء؛ لأن منكر السنة النبوية منكر لوحى الله تعالى0



4- العمل على أن يكون للمحدثين رابطة على مستوى العالم الإسلامى ؛ تجمع شملهم ، وتقنن أعمالهم ، وتلم شعث جهودهم 0


5- مواصلة العمل الجاد ، وتضافر الجهود ، وتشابك الأيدى ، وإخلاص النية ، كى نبين ما ينطوى عليه الغرض الخبيث ؛ الذى يلتقى عليه أعداء الله للنيل من سنة سيدنا رسول الله وسيرته العطرة الواردة فيها ، ومن أئمة السنة الأعلام ، ومن ثم وقف هذه الحملة الشرسة المسعورة التى تستهدف الإسلام , وهدم كل ما يتصل به من قرآن , وسنة , وسيرة ، وتاريخ ، وأمة تتداعى عليها الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها0

وبعـد :
فهذا آخر ما فتح الله علىَّ به ، ووفقنى لكتابته فى هذا البحث الجليل ، الذى اعترف فيه بالعجز والتقصير0

ولعلى أكون قد أصبت فى بعض مسائله، وشفيت الغليل فى شئ من مباحثه ؛ فإن يكن ذلك حقاً : فبفضل الله ، وهدايته ، وحسن توفيقه ، وعنايته , وإن كانت الأخرى ، فذلك من نقصى وتقصيرى ، وأتوب إلى الله وأستغفره ، وأسأله  الصفح والغفران ، فيما زلت فيه قدمى ، وانحرف فيه عن جادة الحق قلمى 0

اللهم تقبل هذا الجهد الضئيل , خالصاً لوجهك الكريم , وانفع به المستفيدين
وارزقنى دعوة صالحة منهم ، ينالنى بها عفوك ورضاك
وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد , خاتم النبيين
وإمام المرسلين ، المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله ، وصحبه
والمتمسكين بسنته أجمعين 0

<!-- / message -->
رد مع اقتباس