عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2012-07-23, 10:50 AM
هشام السعيدني هشام السعيدني غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2012-07-23
المشاركات: 4
افتراضي الأدلة على أن الحكم بالقوانين الوضعية كفر أكبر

[align=center]

الأدلة على أن الحكم بالقوانين الوضعية كفر أكبر



الأدلة على أن الحكم بالقوانين الوضعية كفر أكبر مخرج من ملة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

أولاً؛ دليل الإجماع

وقد قدمت هذا الدليل على غيره حتى لا يُظَن أن المسألة اجتهادية قد اختلف فيها أهل العلم المجتهدين، ولكن المسألة من مسائل الإجماع، ومن المعلوم أن الإجماع لا يكون إلا على دليل من الكتاب أو السنة(1).

ومن المعلوم أن المتقدمين من العلماء لم يعاصروا هذه القوانين ولا وجد في عصرهم مثلها، وإنما استحدثها أبناء الفرنجة من المتأخرين، فأقوال العلماء صريحة في مثلها لا في عين هذه القوانين المعاصرة.

فإليك أقوال العلماء:

1) قال الإمام إسحاق بن راهويه فيما ذكره عنه شيخ الإسلام: (أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو دفع شيئاً مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبياً من أنبياء الله عز وجل، أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله)(2). والقوانين الوضعية الآن قد دفعت كثيراً مما أنزل الله.

2) قال ابن حزم رحمه الله: (لا خلاف بين اثنين من المسلمين أن هذا منسوخ وأن من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنصّ عليه وحيٌ في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام)(3). ووجه الدلالة فيه: أن من اتبع الشرائع السماوية المنسوخة كافر، فكيف بمن اتبع قوانين هي من وضع البشر، وكيف بمن ألزم الناس بها!

3) ونقل شيخ الإسلام الاتفاق على كفر من حكم بالشرائع المتضمنة لتحليل الحرام أو تحريم الحلال أو إسقاط الأوامر والنواهي الشرعية، وهذه الصفات كلها تنطبق على القوانين المعاصرة، ومن هذا قوله رحمه الله: (والإنسان متى حَلّل الحرام المُجمع عليه، أو حرَّم الحلال المجمع عليه، أو بدّل الشرع المجمع عليه، كان كافراً باتفاق الفقهاء)(4).

4) وقال ضمن فتوى في حكم التتار: (ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ إتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب، كما قال تعالى: (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا، وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً)(1)) انتهى كلامه(2). وكلامه هنا فيمن سوغ اتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فكيف بمن ألزم الناس بالقوة بالالتزام بما في القوانين الوضعية وهي مخالفة لشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

5) وقال أيضا: (ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بَعَث الله به رسله، فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى)(3).

6) قال ابن القيم: (وقد جاء القرآن، وصحّ الإجماع بأن دين الإسلام نسخ كل دين كان قبله، وأن من التزم ما جاءت به التوراة والإنجيل، ولم يتبع القرآن، فإنه كافر، وقد أبطل الله كل شريعة كانت في التوراة والإنجيل وسائر الملل، وافترض على الجن والإنس شرائع الإسلام، فلا حرام إلا ما حرمه الإسلام، ولا فرض إلا ما أوجبه الإسلام)(4). ووجه الدلالة: أن من اتبع الشرائع السماوية المنسوخة كالتوراة والإنجيل كافر، فكيف بمن اتبع قوانين هي من وضع البشر، وكيف بمن ألزم الناس بها!

7) قال ابن كثير رحمه الله: (فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين)(5). وكلام ابن كثير واضح، فالياسا قانون وضعي وضعه التتار.

8) قال العلامة المحقق محمود شاكر رحمه الله: (وإذن، فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون مُلزِم لأهل الإسلام بالاحتكام إلي حكم غير الله في كتابه وعلي لسان نبيه صلي الله عليه وسلم. فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه وإيثار لأحكام أهل الكفر علي حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا الكفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه)(6).

ثانياً؛ الأدلة من القرآن:

اعلم أخي المسلم أن المحكمين للقوانين الوضعية ومشرعيها يرتكبون الكفر من أوجه عديدة:


الوجه الأول: التولي والإعراض التام عن حكم الله تعالى، أو الإعراض التام عن بعض أحكامه.

الوجه الثاني: تشريع الأحكام مع الله.

الوجه الثالث: إلزام المسلمين بالقوة بهذه القوانين طاعة للكفار.

أما الأدلة على كفر من فعل الوجه الأول ما يلي:

قال تعالى: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)(1).

وسبب نزول هذه الآية ما ورد في قصة اليهود التي رواها البخاري ومسلم في صحيحهما(2) وذلك لما زنا منهم رجل وامرأة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما تجدون في التوراة في شأن الرجم" فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما الرسول فرجما.

والناظر في سبب نزول هذه الآية يجد أنهم فعلوا أمرين مكفرين:

1) تواطئهم على الإعراض عن حد من حدود الله وهو حد الزنا.

2) تبديلهم حكم الله، فذكروا أن حد الله في الزاني هو التحميم والجلد مكان الرجم.

أما الأدلة على كفر من فعل الوجه الثاني ما يلي:

1) قوله تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله)(3)، فثبت بهذا النص أن من شرع للناس ما لم يأذن به الله فقد جعل نفسه شريكاً لله في ربوبيته، ومن أطاعه في ذلك واتبع التشريع المخالف فقد أشرك بالله.

2) قوله تعالى: (ولايُشرك في حكمه أحداً)(1)، ويقال فيها ما قيل في الآية السابقة.

3) قوله تعالى: (ما جَعَل الله من بَحيرة ٍ ولاسائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون)(2). والذي نستشهد به من هذا النص هو حكم الله تعالى على من شرع للناس الشرائع الباطلة بأنه كافر يفتري الكذب (... يفترون على الله الكذب).

4) قوله تعالى: (إنما النسيء زيادة في الكفر يُضَل به الذين كفروا، يُحلّونه عاماً ويحرمونه عاما ليواطئوا عِدّة ماحرّم الله، فيُحلوا ما حرّم الله، زُيِّن لهم سوء أعمالهم، والله لا يهدي القوم الكافرين)(3). والنسيء تشريع مخالف لشريعة الله في الأشهر الحُرُم - وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم - وقد حرّم الله القتال في هذه الأشهر، فكانوا في الجاهلية إذا أرادوا القتال في شهر منها جعلوه حلالاً وحرموا بدلاً منه شهراً آخر من أشهر الحِلّ ليواطئوا عدة ماحرم الله، أي ليوافقوا العدد الذي حرّمه الله. فبيّن الله تعالى أن هذا التشريع المخالف لشرعه هو زيادة في الكفر، والزيادة في الكفر كفر، وبهذا يكون من شرع ما يخالف شرع الله كافراً.

5) وقوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم، وما أمِروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً، لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون)(4).

روى البيهقي والطبراني والترمذي وابن جرير الطبري من طرق عن عَدِيّ بن حاتم رضي الله عنه أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عُنُقه صليب من ذهب فقال الرسول صلى الله عليه وسلم يا عدي أطرح هذا الوثن ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله" قال: فقلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال صلى الله عليه وسلم "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه"، قال: بلى، قال: "فتلك عبادتهم"(5). وموضع الدلالة من هذه الآية والحديث الوارد في تفسيرها في الوجه الذي نتحدث عنه وهو (التشريع من دون الله): أن مَنْ فعل هذا فأحلّ الحرام وحَرَّم الحلال وشرع ما لم يأذن به الله فقد جعل نفسه رَبّاً للناس من دون الله وكفى به كفراً مبيناً.

وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا الحديث في كتاب التوحيد تحت "باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما أحل الله فقد اتخذهم أرباباً"، وقال رواه أحمد والترمذي وحسنه.





أما الأدلة على كفر من فعل الوجه الثالث:

1) قوله تعالى: (وإن أطعتموهم أنكم لمشركون) قال المفسرون إن أطعتم أهل الكتاب في إحلال أكل لحم الميتة فأنكم تصيرون بذلك مشركين(1) وقال ابن كثير عند تفسير هذه الآية (أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك)(2)، وقال ابن جرير (وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه إنكم إذن لمشركون)(3)، فكيف بمن يُحَكم قانون كامل من قوانينهم فيحل فيه ما حرم الله، ويحرم فيه ما أحل الله طاعة لهم، فهذا لا شك أنه كفر ظاهر جلي واضح، إلا على من طمس الله بصيرته.

2) (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم * فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم * ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعملهم)(4).

فانظر كيف قال الله عنهم (ارتدوا) ثم بين سبب ارتدادهم على أعقابهم وهو(أنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر) ثم قال (ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعملهم) فذكر أنهم ارتدوا وحبطت أعمالهم لأنهم قالوا للكفار سنطيعكم في بعض الأمر، فكيف بمن فعل ما وعد به الكافرين من الطاعة؟!

أدلة آخرى:

1) قوله تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله)(5). قال الشنقيطي (ولما كان التشريع وجميع الأحكام شرعية كانت أو كونية قدرية من خصائص الربوبية، كما دلت عليه الآيات المذكورة كان كل من اتبع تشريعاً غير تشريع الله قد اتخذ ذلك المشرع رَبّاً، وأشركه مع الله)(6).

2) وقوله تعالى: (ولايُشرك في حكمه أحداً)(7). ويقال فيها ما قيل في السابقة، وقال الشنقيطي رحمه الله: (ويُفهم من هذه الآيات كقوله "ولا يُشرك في حكمه أحداً" أن متبعي أحكام المشرّعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله)(8).

3) قوله تعالى في سورة النساء (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً * فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(1).

4) قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)(2).

5) قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)(3).

6) قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)(4).

ثالثاً؛ أدلة السنة:

1) ما ذكرناه من قصة اليهود التي رواها البخاري ومسلم في صحيحهما(1) وخلاصة ما فعلوه من الكفر أمرين: تواطئهم على الإعراض عن حد الزنا، وتشريعهم مع الله أو تبديلهم الشرع، فالله جعل حكم الزاني عندهم الرجم ولما سألهم الرسول قالوا الجلد والفضح.

2) في رواية لمسلم(2) عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال "مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمماً - أي مسود الوجه - مجلوداً، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (هكذا تجدون حد الزاني في كتبكم؟) قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم فقال: (أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتبكم؟) قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم... فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم، فأنزل الله: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) إلى قوله (إن أوتيتم هذا فخذوه)... الحديث). وهنا كذلك ارتكبوا نفس الأمرين المكفرين.

3) في رواية عن مجاهد في تفسيره قال: "تنازع رجل من المنافقين ورجل من اليهود، فقال اليهودي اذهب بنا إلى محمد، وقال المنافق: اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف فأنزل الله: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) الآية، وهو كعب بن الأشرف"(3). يقول ابن كثير عند إيراده أسباب النزول ما نصه (والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هنا)(4).

وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح(5) أن إسحاق بن راهويه روى في تفسيره عن الشعبي قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فدعا اليهودي المنافق إلى النبي لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم لأنه علم أنهم يأخذونها فأنزل الله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك...).

4) قال الحافظ ابن كثير (قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم في تفسيره: حدثنا شعيب بن شعيب، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عتبة بن ضمرة، حدثني أبي أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى للمحق على المبطل، فقال المقضي عليه: لا أرضى، فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى أبي بكر الصديق، فذهبا إليه، فقال الذي قضى له: قد اختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لي، فقال أبو بكر: فأنتما على ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى صاحبه أن يرضى، قال نأتي عمر بن الخطاب، فأتياه فقال المقضي له: قد اختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لي عليه، فأبى أن يرضى، فسأله عمر بن الخطاب فقال كذلك، فدخل عمر منزله وخرج والسيف في يده قد سله، فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله، فأنزل الله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) الآية) أ.هـ(1).

قال الحافظ ابن حجر: (وقد روى الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس قال: (نزلت هذه الآية في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الأشرف) فذكر القصة وفيه أن عمر قتل المنافق وأن ذلك سبب نزول هذه الآيات وتسمية عمر "الفاروق". وهذا الإسناد وإن كان ضعيفاً لكن تقوى بطريق مجاهد ولا يضره الاختلاف لإمكان التعدد)(2).

والعجيب في قصة اليهود أنهم كانوا يعيبون الزنا ويعدونه أمراً محرماً ووضعوا له حكماً عاماً يقام على الشريف والضعيف لكن هذا الحكم الذي شرعوه حكم يخالف حكم الله، أما الناظر في حال قوانين زماننا فإنهم يبيحونه إن كان برضى الطرفين! فأي خير فيمن كان اليهود الكفار أفضل منه بذلك؟!

رابعاً؛ دليل القياس أو دليل العقل:

ويكون من وجهين:

الوجه الأول: إجماع العلماء على كفر من حكم بحكم الإنجيل أو التوراة مما لم يأت القرآن أو السنة به كما نقل ذلك ابن القيم وابن حزم وغيرهما رحمهما الله(1)، ومعلوم أن هذه التوراة أو الإنجيل كتب سماوية أي أن مصادرها من عند الله سبحانه وتعالى وإن كانت قد حرفت، ولكن القوانين الوضعية التي أحلت الحرام وحرمت الحلال فهي من صنع طواغيت البشر الذين لم يعجبهم تشريع الله ورسوله، فالحكم بها شر من الحكم بالإنجيل والتوراة مع أن كلاهما كفر وضلال.

الوجه الثاني: أن العلماء قد ذكروا(2) أن الذين يحكمون بعادات الآباء والأجداد من رؤساء القبائل أنهم من الطواغيت وأن من أطاعهم في حكمهم فقد حَكَّم الطاغوت ولم يكفر به.

وفي ذلك يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله(3): (... أما الأول وهو كفر الاعتقاد، فهو أنواع... السادس: ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل، من البوادي ونحوهم، من حكايات آبائهم وأجدادهم، وعاداتهم التي يسمونها "سلومهم" يتوارثون ذلك منهم، ويحكمون به، ويحصلون على التحاكم إليه عند النزاع، بقاءً على أحكام الجاهلية، وإعراضاً ورغبةً عن حكم الله ورسوله، فلا حول ولا قوة إلا بالله)(4).

خامساً؛ ذكر أقوال العلماء في ذلك لِيُعْلَم صدق الإجماع:

وجعلت أقوالهم على قسمين:

القسم الأول: العلماء المتقدمين: وأعني بهم الذين لم يعاصروا هذه القوانين ولا وجد في عصرهم مثلها، ولكن كلامهم صريح فيما يشبهها.

القسم الثاني: العلماء المتأخرين: وهم علماء عاصروا هذه القوانين وأفتوا في حكمها.

القسم الأول: أقوال المتقدمين:

الإمام إسحاق بن راهويه: وقد نقلنا قوله في الإجماع فراجعه، فهو صريح في ذلك.

الإمام الشافعي: قال: (أمّا الذي يجتهد ويشرّع على قواعد خارجة عن قواعد الإسلام، فإنّه لا يكون مجتهداً ولا يكون مسلماً، إذا قصد إلى وضع ما يراه من الأحكام وافقت الإسلام أم خالفته)(1).

الإمام ابن حزم:

1) نقلنا له قولاً في الإجماع.

2) وقال: (لأن إحداث الأحكام لا يخلو من أحد أربعة أوجه: إما إسقاط فرض لازم، كإسقاط بعض الصلاة أو بعض الصيام أو بعض الزكاة أو بعض الحج أو بعض حد الزنا أو حد القذف، أو إسقاط جميع ذلك، وإما زيادة في شيء منها، أو إحداث فرض جديد، وإما إحلال محرم كتحليل لحم الخنزير والخمر والميتة، وإما تحريم محلل كتحريم لحم الكبش وما أشبه ذلك، وأي هذه الوجوه كان، فالقائل به كافر مشرك، لاحق باليهود والنصارى، والفرض على كل مسلم قتل من أجاز شيئا من هذا دون استتابة، ولا قبول توبة إن تاب، واستصفاء ماله لبيت مال المسلمين، لأنه مبدل لدينه، وقد قال عليه السلام "من بدل دينه فاقتلوه"(2) ومن الله تعالى نعوذ من غضبة لباطل أدت إلى مثل هذه المهالك)(3). وكلام ابن حزم هذا ينطبق على القوانين الوضعية فالقوانين قد أتت بما قاله من إسقاط حد الزنا وحد القذف وسائر الحدود، وأتت بإباحة الربا والخمر والزنا والميسر، وأتت بتحريم الجهاد في سبيل الله وغير ذلك مما هو معلوم.

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

1) ذكرنا له ثلاثة أقوال في الإجماع فتنبه.

2) قال: (الشرع المنزّل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنة الذي بعث الله به رسوله، فإن هذا الشرع ليس لأحدٍ من الخلق الخروج عنه، ولا يخرج عنه إلا كافر)(1)، ووجه الدلالة: أن الخروج عن الشرع يكون بعدم الالتزام بأحكامه فكيف بمن شَرَع ما يضاد أحكامه وألزم الناس بالحكم بها؟!

3) وقال: (فكل من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته، فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن حتى يرضي بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما يشجر بينهم من أمور الدين والدنيا، وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه. ودلائل القرآن على هذا الأصل كثيرة)(2).

4) وقال: (بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى، كسوالف البادية وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر..)(3).

5) وقال: (ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتداً كافراً، يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة)(4).

6) وقال رحمه الله: (فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن)(5).

7) وقال: (ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر)(6).

8) وقال: (فالأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة، ليس لأحد أن يلزم الناس بقول عالم ولا أمير ولا شيخ ولا ملك، ومن اعتقد أنه يحكم بين الناس بشيء من ذلك ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة فهو كافر)(7).

العلامة ابن القيم رحمه الله:

1) راجع قوله في الإجماع.

2) وقال: (ثم أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن العباد حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الدقيق والجليل ولم يكتف في إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده حتى ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق عن قضائه وحكمه ولم يكتف منهم أيضاً بذلك حتى يسلموا تسليماً وينقادوا انقياداً)(1).

3) وقال: (.. وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعاً ولا يمكن أن ينفي عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ويسمى رسول الله تارك الصلاة كافراً ولا يطلق عليهما اسم كافر...)(2). وقد ذكرت لك أن بعض الأعمال تخرج من الملة وهي كفر أكبر، وكذلك فإن ابن القيم قد رجح في كتابه الصلاة وحكم تاركها القول بكفر تارك الصلاة كفراً أكبر.

الإمام ابن كثير رحمه الله:

1) انظر قوله فيما ذكرناه في الإجماع.

2) وقال: (ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير, الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله, كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم, وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذي وضع لهم الياسق, وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى: من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها, وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه, فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله)(3).

وقال المحقق أحمد شاكر رحمه الله معلقا على كلام ابن كثير السابق ذكره (أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير - في القرن الثامن - لذاك القانون الوضعي، الذي وضعه عدو الإسلام جنكيز خان! ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، في القرن الرابع عشر إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفا، أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام، أتى عليها الزمن سريعا، فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت، ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالا وأشد ظلما وظلاما منهم، لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيء بذلك الياسق، الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر. هذه القوانين التي يصنعها أناس ينتسبون للإسلام، ثم يتعلمها أبناء المسلمين، ويفخرون بذلك آباء وأبناء، ثم يجعلون مرد أمرهم إلى معتنقي هذا الياسق العصري...)(1). وسيأتي بقية كلامه قريباً إن شاء الله.

الإمام الشوكاني: قال: (فلنبيّن لك حال القسم الثاني: وهو حكم أهل البلاد الخارجة عن أوامر الدولة ونواهيها - إلى قوله - منها أنهم يحكمون ويتحاكمون إلى من يعرف الأحكام الطاغوتية منهم في جميع الأمور التي تنوبهم وتعرض لهم من غير إنكار ولا حياء من الله ولا من عباده ولا يخافون من أحد بل قد يحكمون بذلك بين من يقدرون على الوصول إليهم من الرعايا ومن كان قريبا منهم. وهذا الأمر معلوم لكل أحد من الناس لا يقدر أحد على إنكاره ودفعه وهو أشهر من نار على علم. ولاشك ولا ريب أن هذا كفر بالله سبحانه وتعالى وبشريعته التي أمر بها على لسان رسوله واختارها لعباده في كتابه وعلى لسان رسوله. بل كفروا بجميع الشرائع من عند آدم عليه السلام إلى الآن، وهؤلاء جهادهم واجب وقتالهم متعين حتى يقبلوا أحكام الإسلام ويذعنوا لها ويحكموا بينهم بالشريعة المطهرة ويخرجوا من جميع ما هم فيه من الطواغيت الشيطانية - إلى قوله - ومعلوم من قواعد الشريعة المطهرة ونصوصها أن من جرد نفسه لقتال هؤلاء واستعان بالله وأخلص له النية فهو منصور وله العاقبة فقد وعد الله بهذا في كتابه العزيز (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ)(2) (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)(3) (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(4) - إلى أن قال - فإن تَرَكَ من هو قادر على جهادهم فهو متعرض لنزول العقوبة مستحق لما أصابه، فقد سلط الله على أهل الإسلام طوائف عقوبة لهم حيث لم ينتهوا عن المنكرات ولم يحرصوا على العمل بالشريعة المطهرة، كما وقع من تسليط الخوارج في أول الإسلام، ثم تسليط القرامطة والباطنية بعدهم، ثم تسليط الترك حتى كادوا يطمسون الإسلام، وكما يقع كثيرا من تسليط الفرنج ونحوهم فاعتبروا يا أولي الأبصار إن في هذا لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)(5).

الشيخ سليمان بن عبد الله: (من دعا إلى تحكيم غير الله ورسوله فقد دعا إلى تحكيم الطاغوت ثم قال وقوله تعالى: (وقد أمروا أن يكفروا به) هو دليل على أن التحاكم إلى الطاغوت مناف للإيمان ومضاد له، فلا يصح إيمان إلا بالكفر به، وترك التحاكم إليه، فمن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن بالله)(6).

العلامة عبد الرحمن بن حسن: قال: (فمن خالف ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله أو طلب ذلك إتباعا لما يهواه ويريده، فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه، وإن زعم أنه مؤمن)(1).

الإمام حمد بن عتيق النجدي رحمه الله:

1) قال: (الأمر الرابع عشر - من نواقض الإسلام - : التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، - وذكر الشيخ حَمَد فتوى ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون) - ، ثم قال: ومثل هؤلاء ما وقع فيه عامة البوادي ومن شابههم من تحكيم عادات آبائهم وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي يُسَمُّونها شرع الرِّفاقة، يقدمونها على كتاب الله وسنة رسوله، ومن فعل ذلك فإنه كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله)(2). والقوانين أولى بذلك.

2) وقال في رسالة له إلى أحد إخوانه عن أهل بلدة انتشرت فيها الكفريات: (... ووضعوا قوانين ينفذونها في الرعية، مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد علمت أن هذه كافية وحدها، في إخراج من أتى بها من الإسلام)(3).

العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله -: حيث سئل عما يحكم به أهل السوالف من البوادي وغيرهم من عادات الآباء والأجداد، هل يُطلق عليهم بذلك الكفر بعد التعريف...الخ؟

فأجاب: (من تحاكم إلى غير كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بعد التعريف فهو كافر، قال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، وقال تعالى: (أفغير دين الله يبغون) الآية، وقال تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أِمروا أن يكفروا به) الآية، وقال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) الآية، والآيات في هذا المعنى كثيرة)(4).

العلامة سليمان بن سحمان: قال في رسالة له في الطاغوت (وحاصله: أن الطاغوت ثلاثة أنواع، طاغوت حكم، وطاغوت عبادة، وطاغوت طاعة ومتابعة، والمقصود في هذه الورقة هو طاغوت الحكم، فإن كثيرا من الطوائف المنتسبين إلى الإسلام، قد صاروا يتحاكمون إلى عادات آبائهم، ويسمون ذلك الحق بشرع الرفاقة، كقولهم شرع عجمان، وشرع قحطان، وغير ذلك، وهذا هو الطاغوت بعينه، الذي أمر الله باجتنابه. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاجه، وابن كثير في تفسيره: أن من فعل ذلك فهو كافر بالله، زاد ابن كثير يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله" إلى أن قال: "وما ذكرناه من عادات البوادي، التي تسمى "شرع الرفاقة" هو من هذا الجنس، من فعله فهو كافر، يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير)(1). ووجه الدلالة واضح جداً فهذه الشرائع التي يتحاكم بها البوادي من شرع أجدادهم هي كالقوانين الوضعية تماماً.

القسم الثاني: العلماء المتأخرين:

الشيخ المحدث المحقق أحمد شاكر رحمه الله:

1) قال رحمه الله: (... أما الآن، وأكثر البلاد التي تنتسب إلى الإسلام، وتسمي نفسها بلاداً إسلامية ثم تحكم بتشريع آخر غير دين الإسلام تشريع مقتبس عن القوانين الوثنية والنصرانية والأمم الملحدة هؤلاء لا يحتاجون إلى الحيل للظهور بمظهر العمل الصحيح! بل هم يكتبون العقود ظاهرة صريحة بالربا وبالعقود الباطلة في دين الإسلام، لأنهم اتخذوا ديناً غيره بخضوعهم ورضاهم بتشريع غير شريعته...)(2).

2) وقال رحمه الله : (فانظروا أيها المسلمون - إن كنتم مسلمين - إلى بلاد الإسلام في كافة أقطار الأرض إلا قليلاً وقد ضربت عليها القوانين الكافرة الملعونة، المقتبسة من قوانين أوروبة الوثنية الملحدة، التي استباحت الربا استباحة صريحة بألفاظها وروحها...)(3).

3) وقال رحمه الله: (أما الخارجون عن شريعة الله وحدوده، الذين يطالبون بمساواة المرأة بالرجل في الميراث - من الجمعيات النسائية الفاجرة المتهتكة ومن الرجال أو أشباه الرجال الذين يروجون لهذه الدعوة ويتملقون النسوة فيما يصدرون ويرددون - فإنما هم خارجون من الإسلام خروج المرتدين لاتصال ذلك بأصل العقيدة وإنكار التشريع الإسلامي، فيجب على كل مسلم أن يقاومهم ما استطاع وأن يدفع شرهم عن دينه وعن أمته)(4).

4) وقال: (فانظروا ماذا جنت علينا القوانين الوثنية! تزوج رجل امرأة شابة، وكان له ابن شاب لا يخاف الله ولا يرقب في خلق ولا عرض إلاً ولا ذمة. فزنا بامرأة أبيه، ثم شعر المجرمان بأن الرجل كاد يكشف ما ركبا من فجور فتآمرا وقتلاه، وثبتت هذه الوقائع. وقد استحق هذان الفاجران القتل بجريمة الفجور بين المحارم، واستحقا القتل مرة أخرى بقتل الأب والزوج - فالميت أبو الابن وزوج المرأة - عمداً. ولكن هذه القوانين أفسدت على الناس عقولهم وفطرتهم الإسلامية، بل فطرتهم الآدمية. فحكمت على هذين الفاسقين القاتلين بالتعزير ببضع سنين من الأشغال الشاقة دون النظر إلى الجريمة الخلقية البشعة ودون نظر إلى القتل العمد، وخاصة قتل الأب. وكان التعليل لنقل الحد من القتل إلى التعزير أعجب! بتصوير الرجل القتيل المظلوم - المعتدى على دمه وعرضه - بصورة المخطئ المتسبب في هاتين الجريمتين! بزعم أنه رجل كبير السن تزوج امرأة فتية! بما وضعه المبشرون وأتباعهم في نفوس المنتسبين للإسلام من إنكار زواج الكبير بالصغيرة، قصداً إلى المساس بالمقام الأعلى. ولا أحب أن أقول أكثر من هذا، ولكني أقول: إنه لا يشك مسلم - عالماً كان أو عامياً - أن هذا لا يصدر عن مسلم، وأن المسلم الذي يقوله أو يرضى به يخرج من الإسلام إلى حمأة الكفر والردة والعياذ بالله)(1).

5) وقال: (إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا عذر لأحد ممن ينتسبون للإسلام - كائنا من كان - في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤ لنفسه، وكل امرئ حسيب نفسه)(2).

ولو أردنا أن نذكر أقواله كلها رحمه الله لطال بنا المقام. ولكن يكفينا في ذلك ما ذكرناه مع الإحالة على مختصره لتفسير ابن كثير المسمى بعمدة التفسير لمن أرد الاستزادة. فلينظر (1/​132 - 152 - 168 - 215 - 413 - 423 - 432 - 458 - 534 - 678 - 695) وغيرها.=======================​=================== =======​===


[/align]
رد مع اقتباس