عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2022-11-11, 02:47 AM
ايوب نصر ايوب نصر غير متواجد حالياً
مسئول الإشراف
 
تاريخ التسجيل: 2012-10-23
المشاركات: 4,828
افتراضي العقل العلماني العربي (الجزء الثاني)

كنت قد كتبت قبل شهر من الآن مقالا تحت عنوان: "العقل العلماني العربي" نشرته بموقع أنصار السنة، كشفت فيه عن بعض ما يبين به ما يختلج العقل العلماني العربي، من قصور في النظر، وضيق في الفكر، وأن العلماني العربي لا يزيد عن كونه مرددا لألفاظ يتشدق بها كل حين في المجالس، يملأ بها فاه، دون أي إدراك لحقائق الأشياء أو البحث في ماهيتها أو الخوص في دفائنها.
وقد رأيت أن أزيد في ذلك البيان الذي بدأته في مقالي الأول، بمقالي هذا، حتى يظهر لكل صاحب عقل وفكر، غير متحيز أو متعصب، أننا لا نتجنى على القوم في كل ما نصفهم به من أوصاف، وأننا لا نظلمهم شيئا، وإنما ننزلهم منزلتهم التي أنزلوا أنفسهم إياها.
لا تكاد تجد علمانيا عربيا، إلا ووجدته يتبنى فصل الدين عن الدولة والسياسة، وحجة أغلبهم في ذلك، إن لن أقل كلهم، أن السياسة تقتضي البحث عن المصالح مهما كانت وأينما كانت، ولا يزيدون في حجتهم على ضرورة فصل الدين عن الدولة عن هذه الحجة، بل لا يقدرون حتى على بيانها، وكل كلامهم هو ربط السياسة بالمصلحة، وهذا الربط لا يتعدى الربط اللفظي الذي يتشدقون به و يعيدون ويكررونه في تقليد هو شبيه بتقليد القردة.
ونحن في هذا المقال سنحاول، وباختصار شديد أن ننظر في قضية المصلحة، ولعل أبسط شيئ نسقط به هذا الكلام الأجوف، هو أن نسأل: ما المقصود بالمصلحة؟؟ وبأي قياس نحكم على أن تلك الخطوة هي مصلحة؟؟ وذلك أن المصالح تتغير من شخص إلى آخر، فما تراه فئة مصلحة تراه أخرى مفسدة.
ثم إن من قصور المذهب العلماني الداعي إلى فصل الدين عن السياسة، بإدعاء أن السياسة تقتضي جلب المصلحة، هو أن العلمانية نظرت فقط إلى البحث عن المصلحة، ولم تراعي دفع المفسدة، وهنا يظهر مظهر آخر من مظاهر تفوق الشريعة الإسلامية على العلمانية، وذلك أن السياسة الشرعية جعلت دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، بينما العلمانية تلهت فقط وراء المصلحة غير مهتمة بعظم المفسدة التي قد تترتب.
وهنا دعني أختم لك بمثال، وذلك أنه بعد قرار تطبيع المغرب مع إسرائيل، برر المبررون والمؤيدون لهذا القرار هذا الأمر بأن المغرب إنما طبع لمصلحة رآها في هذا القرار، فلم يكن أمامه إلا أن يطبع جلبا للمصالح، وبعد إنقضاء سنتين على ذلك التطبيع، بدأ الرافضون والمناوشون، يسألون أصحاب المصلحة: أي مصالح حقق المغرب من وراء تطبيعه؟؟ وقد بحث عن انتظرت أن أجد جوابا منهم فلم أجد، ولن أجد، وذلك أن المغرب إنما طبع دفعا للمفاسد، وليس جلبا للمصالح، ومن تلك المفاسد، هو ما كان يخطط له البعض من الرغبة في إنشاء حرب في المنطقة تحت رعاية دولتين أوروبيتين، ولكن تطبيع المغرب جعل تلكم الدول تعدل عن قرارها، وتفيء إما إلى الصلح أو الهدنة.
إن من كمال التشريع السياسي، هو ما جاء به الإسلام من قاعدة في هذا الأمر، وهي: "دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح" وهذا من النظرة الشمولية للإسلام، كما جعل الإسلام لهذه القاعدة استثناءات تزيد من قوة تشريعة، وذلك وفق المقتضيات، تجنبت الخوض فيها لأنني على يقين أن العقل العلماني العربي قصير مدى إدراكه، فلا يستوعب إلا في حدود أنفه.

كتب الجمعة 16 ربيع الثاني 1444 (11/11/2022)
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6

كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين
رد مع اقتباس