الأخت الكريمة حفيدة عمر , أدامك الله ورعاك من كل سوء, لقد جاء سؤالك الأول في قول الله نعالى :
قال تعالى: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون) (الأنبياء:23)
في الحقيقة أن هذه الآية الكريمة لا تفسر إلا إذا علمنا كيفية عدل الله, فكيف نقول عن الله أنه لا يظلم مثقال ذرة وهو الذي خلق :
1.الطفل الجائع, اليتيم, الذي يموت صغيراً, ابن الزنا.
2. المرأة المظلومة, المغتصبة, الضحية.
3. العبد (الرق)
4. المعاق, السفيه, الأعمى, والأطرش, الأخرس, الكسيح, المريض.
5. المسروق, المقتول, المغشوش.
6. الأسود, الأحمر, الأصفر, الأبيض, الأسمر.
7. البوذي, اليهودي, المسلم, المسيحي, اللاديني.
8. المقتول أو المشوه بالكوارث الطبيعية.
إ الله في القرآن لم يقل وم يذكر أنه عادل, ولكنه قال أنه لا يظلم مثقال ذرة, وأيضاً يقول أنه يوزع كل شيء بقسط:
(
شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم ) 3/18
وقال الله تعالى أيضاً :
(ولكل امة رسول فاذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ) 10/47
وقال الله تعالى أيضاً :
( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين ) 21/47
وقال أيضاً :
(مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر اصابت حرث قوم ظلموا انفسهم فاهلكته وما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون )3/117
من هذه الآيات نرى أن عقوبة الإنسان في الآخرة تختلف من واحد إلى آخر وكل بحسب خطيئته, وبقسط إللهي, أما عذاب الإنسان هنا في عالم الدنيا هو قسط وعذاب لشيء حدث سابقاً وإلا فلم يلد الإنسان مشوه أو بلا عقل أو بلا أسرة :
نعم إني أوافقك الرأي تماماً إن الله لا يسأل عما يفعل, لأن ما يقوم به هو بلا ظلم أساساً, لأن الإنسان الذي خرج من الجنة خرج لسبب وجيه, وكانت عاقبته أنه ولد هنا في هذه الحياة على شكله الحالي من دون أن يسأل, ووضعه الإجتماعي أيضاً بسبب حياته الأولى في ذات العالم الذي أتى وخرج منها آدم, لهذا يحاول الله تذكيرنا بالمواثيق التي أبرمها معنا قبل أن نأتي إلى هذه الحياة :
اقتباس:
المواثيق
سأذكر لكم بعضاً من المواثيق التي برمها الله معنا والتي مسحت من عقولنا لحظة وصولنا إلى هذا الكوكب, وهذه الحياة, وهذا المستقر, قال الله تعالى :
(واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين ) 7/172
فالسؤال الذي يجب أن يطرح ذاته هو التالي :
متى تم هذا الحوار بين الناس والله ؟
(ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين)36/60
متى كان هذا العهد ؟
(واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور) 5/7
ما هو الميثاق ومتى تم ؟
(فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون )6/169
متى تم اخذ ذلك الميثاق ؟
(وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين )57/8
هل من أحد يذكر أي ميثاق تم بينه وبين الله ؟
الجواب هو : (لا أحد يذكر أي شيء عن أي عهد أو ميثاق قبل أن نأتي إلى هذا العالم).
وهناك ميثاق آخر تكلم الله عنه وهو الميثاق الذي أبرم بين الله ورسله وأنبيائه.
(وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ) 33/7
(واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ااقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا اقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين )3/81
وهناك أيضاً ميثاق آخر :
(لقد اعتبر الله عقدة النكاح بين الرجل والمرأة وما تكتبونه كمقدم ومؤخر للصداق هو ميثاق غليظ يجب طاعته في هذه الآية ) :
(وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ) 4/20-21
وهناك عهود ومواثيق تمت مع الله والناس بوجود رسل الله وأنبياءه بين الناس, فمثلاً ذكرى المائدة كان ميثاق بين الله وبين النصارى إلى يوم اليقامة حيث قال :
قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ )5/114-115
(ومن الذين قالوا انا نصارى اخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به ..) 5/14
(واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل لا تعبدون الا الله وبالوالدين احسانا .........)2/83
نرى من هذه المواثيق أنها قد ابرمت هنا في الأرض وبين الله والناس بواسطة أنبيائهم المتصلين بالله, ولكن المواثيق التي تم ذكرها والعهود التي أخذت من ذرية آدم قبل أن يصلوا إلى هنا : متى تمت وكيف تمت ولماذا لا نذكرها ولكننا سنتذكرها فيما بعد .... هكذا يقول الله !
هذا دليل أننا قد كنا شيئاً قبل أن نأتي هنا فأين كنا ؟ وماذا كنا ؟
للجواب على هذا السؤال يجب أن نعلم أننا هنا ليس بسبب خطأ أبوينا كما قال الله تعالى في هذه الآية فقط :
(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ *قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ) 7/12-15
إذا كان أمر الله بطرد الشيطان من الجنة قد كان بسبب عدم سجوده للإنسان قد أوجل بسبب طلب مباشر من الشيطان, فسمح الله له بالمكوث فيها إلى يوم البعث, فعن أي بعث يتكلم الله هنا ؟
وهذا يعني ان البعث كان موجوداً في الجنة قبل الطرد, فلماذا حدث الطرد بعد وقوع آدم وحواء في خطيئة الأكل من الشجرة المحرمة ؟
أي أن البعث قد حصل.
(فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ) 7\20-25
فالهبوط والحياة والموت والخروج سيتم فقط على (العصاة) من أهل الجنة, أما البعث الذي تكلم الله عنه ومنحه لإبليس فهو قد حصل هنا في عالم الدنيا (المستقر الدنيوي الثاني) وهناك (المستقر الأول) ولكن الفرق بين (المستقر الأول والثاني) أنه في هذه الأرض سيضطر الإنسان على العمل والكدح من أجل العيش, يقول الله :
(فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى *إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى ) 20/117-119
هنا تم طرد آدم وحواء والشيطان بسبب عصيانهم لأمر الله.
ولكن ماذا عن الذين لم يعصوا الله من نسل آدم وحواء ومن نسل الجن أم أنه لم يكن هناك نسل في الجنة ؟
وهل كان هناك نسل لآدم في الجنة قبل أن يخرج منها ؟
قال الله تعالى :
(وقلنا يا ادم اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) 2/35
إن لم يكن هناك نسل في الجنة لما كان لأدم زوج أساساً, فما هو سبب وجود الزوج إن لم يكن من أجل النسل ؟
ولماذا كان ادم ذكراً أساساً وزوجه الأنثى والكلام مازال في الجنة ؟
ولماذا يحاول الله أن يذكرنا بأشياء كثيرة حدثت معنا في حياة أخرى لا نذكر فيها أي شيء (المواثيق)؟
( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون )51/49
( ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون )56/62
وهناك الكثير والكثير من الآيات التي تحث الإنسان على التذكر لأشياء لم تحصل معه في هذه الحياة وكأنها حصلت في حياة أخرى, ولكن وبسبب عصيانه لله وجبت عليه التوبة ووجبت عليه الحياة هنا على الأرض.
هل الجن والإنس جميعهم أكلوا من الشجرة. وكلهم هبطوا إلى الأرض ؟
أم أن كل من أكل من الشجرة من الإنس وكل من غوى الإنسان من الجن هم الذين تم ويتم طردهم يومياً من الجنة بسبب عصيانهم لأمر الله المستمر؟
ألم يخاطب الله سلالة بني آدم قبل أن يطردهم من الجنة وحذرهم قائلاً :
(يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) 7/27
أليست هذه الآية خطاب لبني آدم من قبل الخروج من الجنة.... ؟ يحذر الله فيها نسل آدم الموجود في الجنة بأن لا يقع بما وقع فيه آدم وزوجه من خطأ ويحاول الله أن يحذرهم بعدم الوقوع بذات الأمر.
وقبل أن نهبط إلى هذه الدنيا أقام الله عهداً معنا كما أبرم عهداً مع آدم عندما قال له :
(واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين ) 7/172
ألم يعصي آدم ربه ولهذا تم طرده :
(فاكلا منها فبدت لهما سواتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى ادم ربه فغوى )20/121
خلاصة :
كلنا في يوم من الأيام قد كنا في الجنة, وكلنا عصى الله وأكل من الشجرة, وكلنا هبط منها وبدأ بالشقاء والسعي وراء لقمة العيش ولهذا نحن هنا وإن لم نتوب لن نعود للجنة من جديد ولكننا سنذهب إلى مكان آخر ليس فقط من أجل الشقاء فيها والتوبة بل سنذهب إلى تعاسة ما بعدها تعاسة لقد أخطأنا نحن فتم طردنا من الجنة واليوم لدينا فرصة للعودة إلى الجنة من جديد إما أن نتوب وإما أن نذهب إلى شقاء ما بعده شقاء.
|
والله ولي المؤمنين
أخوك وسام الدين اسحق