عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 2010-10-12, 07:52 PM
طالب عفو ربي طالب عفو ربي غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-02-28
المشاركات: 716
افتراضي الوهابية أو الوهبية . . من هم ؟ !

الوهابية أو الوهبية . . من هم ؟ !

في القرن الثاني الهجري و على يد عبد الوهاب بن رستم انتشرت في الشمال الإفريقي فرقة الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب هذا و هي فرقة متفرعة عن ألوهية الفرقة الإباضية الخارجية نسبة إلى مؤسسها الأصلي عبد الله بن وهب الراسبي و بعضهم يسميها الراسبية .

و لما كان أهل السنة بالمغرب كله يناوؤنها لأنها تخالفهم في هذا المعتقد و قد كفرهم كثير من علمائهم كما نلمس في فتاواهم القديمة .

و من هنا أحببت التوثق من المصادر المهتمة بهذا و لذا فقد رجعت لترجمة حياة علي بن محمد اللخمي و هو الذي وجه إليه السؤال فإذا هو قد توفي عام 478 هـ و أنه فقيه مالكي قيرواني الأصل توفى بسفاقس (1) .

أما المؤلف أحمد بن يحيى الونشريسي فقد جاء على غلاف كل جزء من أجزاء المعيار – طرته – و تحت اسمه بأنه توفي بفاس عام 914 هـ .

و لما كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب و هو صاحب الدعوة السلفية التصحيحية في نجد لم يكن قد ولد بعد حيث إن ولادته عام 1115 هـ بالعينية و بدأ الدعوة مع الإمام محمد سعود بالدرعية منذ عام 1158 هـ .

و على هذا فإن هذا الجواب الذي ترتب عن السؤال قد سبق ولادته بأكثر من ستمائة عام بالنسبة لوفاة المجيب و هو اللخمي و أكثر من مائتي عام بالنسبة لوفاة المؤلف الونشريسي.

و كلا الأمرين يحدثان لبساً لدى من يريد المقارنة ووضع الأمور في نصابها .

و هذا الأمر دفعني للبحث تأريخياً في كتب المغرب عن أصل ذلك المذهب ومتى وجد لأن في الأمر لبساً لابد من جلائه أما بمعرفة المقصود أو أن زيادة قد حصل في الكتاب لم يكن للمجيب و المؤلف ضلع فيها.

خاصة و أن هذا السؤال و جوابه قد جاء في كلام الونشريسي مرة باسم الوهبية و أخرى بالوهابية و لم يعلق الناشر أو المحقق عليه بشيء مما يجعلني أعتقد أن كثيراً من كتب المغاربة و خاصة منها ما يتعلق بالعقائد قد تعرض لمثل هذا بشيء من التوضيح في أماكن متفرقة .

و من باب ربط الحوادث التاريخية بمصادرها و إشراك القارئ في قراءة و رصد ما تحفل به المصادر فإن الموضوع يحتاج إلى مراجعة تاريخية متفحصة لكي نعرف ما يحاول دسه أعداء الإسلام في تاريخ أمة الإسلام للتنفير من كل عمل تصحيحي عقدي في المجتمع الإسلامي لأنهم يعرفون حقيقة الإسلام و ما يضفيه على أبنائه إذا ساروا على منهجه الصحيح جيداً و ما يعود على الأمة من ألفة و محبة و ترابط و لا تستطيع معه قوى الشر أن تنفذ لديار الإسلام أو تجد بين أبناء المسلمين مستقراً أخذاً من حديث رسول الله لى الله عليه وسلم الذي قال فيه : " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي و ذكر منهن " و نصرت بالرعب مسيرة شهر " (2) .

فلابد أن يجدوا منفذاً في ديار الإسلام للاستفادة من خيراتهم بالتركيز على كلمتهم المعهودة : فرق تسد . فسيادة أعداء الإسلام في ديار الإسلام و تمكنهم من التصرف في أمورهم و استثمار خيرات بلادهم و التسلط عليهم فكرياً كل هذا لا يتم إلا ببث الفرقة و إيجاد مسببات الشحناء ة و بذور الكراهية بين الأفراد و الجماعات .

و أعداء الإسلام كالشيطان الذي يسترق السمع فإذا وجد كلمة بنى عليها كذبات كثيرة لإفساد ذات البين و بلبلة الأفكار .

و استنتج هذا من بعض النصوص التاريخية و الوقائع الزمنية التي وقع نظري على جزء منها تراءى أمامي أثناء البحث ما يلي عن الفرقة الوهابية التي بشمال أفريقيا :

1 ) جاء في كتاب المعرب الكبير الجزء الثاني : العصر العباسي للدكتور السيد عبد العزيز سالم أن عبد الرحمن بن رستم الذي أسس الدولة الرستمية في مدينة تاهرت بالمغرب . عندما أحس بدنوا أجله في 171 هـ أوصى بالأمر لسبعة من خيرة رجال الدولة الرستمية و من بينهم ابنه عبد الوهاب و يزيد بن فنديك و قد بويع عبد الوهاب مما ترتب عليه نشوء خلاف بينه و بين ابن فنديك .
و قد انقسمت الإباضية – التي هي ديانة ابن رستم و من معه حيث نقلها من المشرق إلى المغرب - إلى فرقتين : الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن ابن رستم , و النكارية , و دارت بيت الطرفين معارك و مقاتل تنهزم فيها النكارية إلى أن قتل زعيمها ابن قنديره و في حالة ضعف من النكارية انضم إليهم الواصلية المعتزلة .

و قد عزم عبد الوهاب هذا على الحج في آخر حياته إلا أن أتباعه نصحوه بالبقاء في " نفوسة " خوفاً عليه من العباسيين .
و توفي عبد الوهاب هذا الذي يعتبر مؤسس للدولة الرستمية ذات الاتساع في شمال إفريقيا عام 211 هـ (3) .

2 ) أما المؤلف الفرنسي شارلي أندري فقد تحدث في كتابه " تاريخ أفريقيا الشمالية " تعريب محمد مزالي , و البشير بن سلامه عن مالك الخوارج و من ضمنها مملكة تاهرت التي هي الدولة الرستيمة و قد أفاض في حديثه عن معتقداتها و اتساعها و معالمها الحضارية و تسميتها بالوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الذي خالف أهل ملته كما أبان بأنها تخالف أهل السنة في المعتقد (4) .
3 ) كما تحدث الفردبل في كتابه " الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي " من الفتح العربي حتى اليوم و قد ترجم هذا الكتاب عن الفرنسية عبد الرحمن بدوي في عدة مواضع و قال بأن الخوارج الوهبيين الذين سموا نسبة إلى عبد الله وهب الراسبي الذي قاتله الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النهروان هم خوارج أباضية .

و عن انقسامهم أيضاً حيث قال : أباضية المغرب في تاهرت منهم و هم الذين كانت دولتهم الرستمية و كانوا أشد الفرق تعصباً .
ثم قال عن أتباع عبد الوهاب بن رستم هذا الذي سميت فرقته بالوهابية نسبة إليه لما أحدثه في المذهب من تغيرات و معتقدات : بأنهم أشد الأباضية تقوى و كانوا يكرهون الشيعة قدر كراهيتهم لأهل السنة (5) .
و الزركلي في الأعلام أخذ خلاصة من عشرة كتب تعرضت لسيرة الأباضية و الدولة الرستمية في تيهرت بالجزائر و مما جاء في كلامه عنه بأن عبد الوهاب هذا ثاني الأئمة الرستميين من الأباضية فارسي الأصل كان مرشحاً للإمامة في حياة أبيه و جعلها أبوه شورى فوليها بعد وفاته بنحو شهر سنة 171 هـ و اجتمع له من أمر الإباضية و غيرهم مالم يجتمع مثله لزعيم إباضي قبله و كان فقيهاً عالماً شجاعاً يباشر الحروب بنفسه و له مواقف كثيرة مذكورة و استمر إلى أن توفى و في تاريخ وفاته خلاف و الزركلي يرجح أن وفاته 190 هـ (6) .

ومن هذه النبذة الصغيرة نستدل على أن هذه الفرقة قد رصد عنها أشياء كثيرة ليس من الفرنسيين و حدهم – بل من أبناء البلاد أيضاً منه جرى الاطلاع عليه و أكثره لم نطلع عليه.

لأن عبد الوهاب الرستمي هذا قد جعل من تاهرت مركزاً فكرياً و فتح باب الجدل مع علماء السنة ثم الشيعة التي قامت دولتهم في نهاية القرن الثالث الهجري باسم الدولة الفاطمية حيث قضى عبد الله الشيعي في عام 296 هـ على الرستمية (7) .

مما تتبلور عنه تفنيد معتقدات الرستميين التي تختلف مع ما يراه أهل السنة و الجماعة و ثبتت به الأحاديث الصحيحة .

و هذا الحوار هو الذي تفتق عنه جذور عميقة عند علماء و فقهاء المغرب و حول هذه الفرقة و معتقداتها .

و قد استغل المستعمرون و أصحاب المصالح تلك الجذور في إذكاء العداوة بين أبناء المسلمين فيما بعد فألبسوا الثوب القديم بما فيه عيوب و ما عليه من مثالب لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله و دعوته الإصلاحية السلفية كما ألبسوا هذا الثوب لكل دعوة تدعوا إلى نقاوة الإسلام و الإقتداء بالمسيرة الأولى في تبليغ دين الله الحق منذ قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه من بعده مستغلين الحزازات ضد الدعوة الجديدة التي جاءت لإصلاح العقائد و إعادة الناس إلى منزلة الإسلام الأولى التي سار عليها الصفوة الأولى من أمة الإسلام مدة ثلاثة قرون لم تعرف الدخائل و لا البدع اللهم إلا فرقاً عرفت بمباعدتها للإسلام حيث قوتلت في وقائع كثيرة ابتداء من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي جرد سيفه لقتالهم اتباعاً لمنهج الرسالة المحمدية التي حاد عنها أولئك الذين خرجوا عليه .
الاستعمار . . و مواجهة الدعوة : -

كما هي عادة أعداء الإسلام لا يدخلون في المواجهة مع الإسلام لمعرفتهم بعدم الصمود لأن حججهم واهية و لكنهم يستغلون فئات من المنتمين للإسلام ليجعلوهم جسوراً يعبرون منها لمآربهم و يضعون باسم الشبهات حيث أدرك الصليبيون و الحاقدون على الإسلام من واقع مجريات الأمور في الأندلس و في أرض الشام و في حروب الدولة العثمانية مع أوروبا و غير ذلك من المواقف العديدة أن الإسلام الصافي من الشوائب و الحريص أبناؤه على نشر دين الله و تخليص الأمم الأخرى مما يخالفه هو عدوهم الأول فلا يستطيعون مجابهته لأنه المنتصر إذاً فلابد من تشويه صورته و تفرقة أبنائه و إثارة الفتن و القلاقل في بيئته .

أولاً : فالإنجليز مثلاً لمسوا آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في أعظم مكان يعتزون باستعماره و الاستيلاء على خبراته عندما تلقفها الهنود على يد الداعية الإسلامي : أحمد بن عرفان الشهير بأحمد باريلي , و أتباعه و في حركات أخرى مثل " الفراتفيين و تيتومان " نزار علي (8) .

تلك الدعوات التي ناوأت القاديانية الكافرة التي أرادها الإنجليز واجهة إسلامية تحقق مآربهم و ينضوي تحتها من لا يعرف من الإسلام إلا اسمه .

و يظهر انزعاج الإنجليز و حرصهم على القضاء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي تمثل يقظة جديدة في الدين الإسلامي و دعوة إلى فهمه من مصادر الصافية : كتاب الله , و سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أنهم بذلوا جهوداً و أموالاً في هذا السبيل و قد أبانت رحلة " سادلير" الضابط البريطاني و قائد الفوج 47 ومبعوث الحكومة البريطانية في الهند الذي قام برحلة شاقة من الهند إلى أن وصل الرياض ووقف على أطلال الدرعية التي هدمها إبراهيم باشا بناء على تخطيط اشترك في الإعداد له الإنجليز ليطمئن على تفتيت الحكومة الإسلامية التي تحركت في الجزيرة لإيقاظ المسلمين و القضاء على قاعدة الدعوة السلفية بنفسه لما أحدثته من خوف و قلق بداخل الحكومة الإنجليزية خوفاً على مصالحها و قد كان في رحلته هذه ضمن قافلة كبيرة أغلبها من الأتراك أبانت هذه الرحلة جانباً مهماً في التعاطف و الحرص على القضاء على هذه الدعوة التي تمثل يقظة إسلامية توحد المسلمين كما أبانت عن حقد الإنجليز على الإسلام ذلك الحقد المخطط له من التبشير الكنسي الموجه بأفكار المستشرقين و دسائسهم .

فقد مر بالدرعية متشفياً في 13 أغسطس من عام 1819 م (9) , وبعد أن ارتاحت نفسه شد الرحال لاحقاً بإبراهيم باشا حتى أدركه في آبار علي , على مقربة من المدينة المنورة ليقدم له التهاني بهذا النصر مقرونة بهدايا حكومة الهند الشرقية ( الحكومة البريطانية ) (10) هذا من جانب و من جانب آخر حتى يطمئن الحكومة البريطانية على نتائج القضاء على قادة هذه الدعوة و هدم و تدمير قاعدة الملك فيها و ذلك عام 1233 هـ لأن آثارها قد امتدت لمواطئ أقدام الإنجليز في ديار الإسلام في كل مكان .

و كان سادلير يكرر عبارات التشفي و الارتياح للقضاء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مثل قوله " مع سقوط الدرعية و خروج عبد الله عنها يبدو أن جذور الوهابيين قد انطفأت فقد عرفت من كل البدو الذين قابلتهم في نجد أنهم سنيون و أنهم يداومون على الصلاة المفروضة حتى في السفر الطويل و تحت أقسى الظروف " (11) .

ثم من باب التفرقة أيضاً في داخل البلد الواحد يقول " إن البدو لم يثبتوا على الوهابية إلا مرغمين و ذلك حين كانت الدعوة قوية و سهلت لهم سبل النهب " (12) .

مع أن الدولة السعودية منذ أن قامت على ركيزة الدعوة إلى الله مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في عام 1158 هـ كانت تحكم شرع الله و تقطع يد السارق فأمنت الطرق لأن أول ما حاربته النهب و الاعتداء على الناس أو أخذ أموالهم .

و هذا و غيره من كلامه فيه تناقض و تشويه للحقيقة و خداع للناس بما يعطي من معلومات لأسباب جاءت في كتابه عندما تحدث عن قوة القواسم البحرية في الخليج و البحر العربي حتى وصلوا إلى بومباي في الهند و هاجموا سفناً عديدة لحكومة الهند الشرقية و سفناً حربية إنجليزية , و القواسم ممن أيد الدعوة السلفية فهم يعاضدونهم لأن مبادئ الدعوة السلفية تحض على مقاومة السلطان الأجنبي لأنهم كفار لا يحق لهم بسط النفوذ على ديار الإسلام .

و لأن ولاية الكافر لا تجوز على المسلم فالمسلمون يجب أن يلوا أمورهم بأنفسهم ليحكموا شرع الله في بلادهم .

و قد تحدث سادلير في كتابه هذا كثيراً عن هذا الموضوع الذي أرق بريطانيا فتحدث مع إبراهيم باشا و حمل كتاباً من الإنجليز له بطلب التحالف ضد القواسم و عن دور بريطانيا في شرق الجزيرة العربية لمناوأة كل من يؤيد الدعوة السلفية التي أيقظت همة الناس و فتحت مغاليق أفكارهم و حركتهم من سبات عميق .

و قد ظهرت همومه و سمومه ضد الإسلام و المسلمين في مواقف :
1 ) بث العداء بين أهل اليمن و دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كقوله ك و قد سقط آخر زعيم يمني و هابي خلال إقامة هذا الباشا – يعني خليل ياشا – و هذا الزعيم هو محمود ين محمد , و الذي جئ به مكبلاً بالأغلال إلى حبك و من هناك أرسل بسفينة إلى مصر ... إلى آخر حديثه عن اليمن (13) و مثل هذا ما هو إلا محاولة للتفرقة بين أبناء الأمة الواحدة كما قال عن عُمَان و أبناء الجزيرة العربية كلاماً يدعوا للفرقة بين أبناء الجزيرة جميعاً يربطهم الإسلام و يجمع شملهم مصدراً التشريع فيه كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم (14) .
2 ) وصفه التساهل الديني بالتقدم الحضاري و المحافظة على شعائر الإسلام بالتناقض مع متطلبات النفس في مثل قوله : يصف بدو نجد : و هم حريصين جداً على عباداتهم و لا يهملون أياً من الصلوات المفروضة مهما كان المسير طويلاً في أسفارهم و تحت أشق أنواع الحرمان و العوز و يظهر التناقض الغريب عنده بمقارنة هؤلاء البدو مع الأتراك الذين يتسمون بثقافة روحية أكثر لكنهم لا يسمحون للدين أو للصلوات أن تتعارض مع راحتهم و اطمئنانهم أبداً (15) .
3 ) محاولة الحط من قدر أهل المدينة المنورة ووصفهم بنعوت كثيرة كالشحاذين و الجشع و أن من حقهم – اعتقاداً – أن يكونوا متغطرسين و أنهم يعيشون على صداقات الحجاج إلى غير هذا مما ينبئ عن جذور صليبية . (16) .
4 ) لكن الأغرب من ذلك أن يقول سادلير عن إبراهيم باشا :
أ‌- بأنه تناول معه الطعام على الطريقة الإنجليزية و أنه تحدث معه عن رحلته و أعطاه الهدايا البريطانية و الخطابات قبل دخوله المدينة للسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم و قدم له الشاي و الدخان و السعوط و الغلايين و فنجان القهوة يقدم في صحن مرصع بالألماس (17) .
ب‌- أنه ليس إلا ولد متبنى لمحمد علي و عندما ترعرع أمضى سنة كرهينة في استنبول و يقال أن إبراهيم باشا ولد بعد شهور قلائل من زواج والديه لكنه كان مفرطاً في إدمانه على الخمر وجلفاً مع المستخدمين عنده (18) .
ت‌- و في موطن آخر يقول : وكان يشرف على خدمة بعض المماليك فقط ولدى دخوله أرض ( محمد ) المقدسة صمم سعادته على اعتزال اللهو و المسكرات فأهدر كل ما كان مختزناً عنده منها مما أتى به من القاهرة و كان ذلك قبل انطلاقه نحو المدينة (19) .

ثانياً: و الفرنسيون أيضاً لهم دور فقد أحسوا باهتمام الشمال الإفريقي بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و حرصهم عليها في مثل :

1 ) اهتمام سيدي محمد بن عبد الله العلوي , سلطان المغرب الأقصى بها حيث قام بمحاربة البدع و الانحراف كما كان يحارب تشعب الطرق الصوفية و يدعوا إلى العودة إلى الاجتهاد و إلى السنة (20) إلى جانب حرصه الشديد و حرص الدولة العلوية منذ أن قامت على محاربة النصارى وفي تعاطفهم مع الدعوة السلفية قوة تمتد إلى نفوذ الفرنسيين .
هذا السلطان هو الذي وصفه المؤرخ الفرنسي شارلي جوليان بقوله : وكان سيدي محمد و هو التقي الورع على علم بواسطة الحجيج بانتشار الحركة الوهابية في الجزيرة العربية و تأييد عائلة آل سعود لها و قد أعجب بعباراتها و كان يؤثر عنه قوله " أنا مالكي المذهب وهابي العقيدة و قد ذهبت به حماسته الدينية إلى الإذن بإتلاف الكتب المتساهلة في الدين و المحللة لمذهب الأشعرية و تهديم بعض الزوايا (21) .

2 ) كما أنه في عام 1226 هـ حج جماعة من المغاربة صحبة المولى إبراهيم بن السلطان المولى سليمان سلطان المغرب و نقل عنهم صاحب كتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى : أنهم ما رأوا من ابن سعود ما يخالف ما عرفوه من ظاهرة الشريعة و إنما شاهدوا منه ومن أتباعه مآبه الاستقامة و القيام بشعائر الإسلام من صلاة و طهارة و صيام و نهي عن المنكر و تنقية الحرمين من الآثام (22) .

3 ) رسالة بعث بها الإمام سعود بن عبد العزيز لأهل تونس يشرح فيها حقيقة التوحيد و أصول الدين و هي رسالة طويلة تقع في ثلاث صفحات مطبوعة كما جاءت في صحيفة ألمانية ضمن مقال طويل باللغة الألمانية لأحد المستشرقين عن الوهابية في المغرب أما الرسالة فقد كتبت باللغة العربية (23) .

4 ) و السلطان سليمان بن محمد بن عبد الله الذي بويع في فاس عام 1226 هـ كان معاصراً للإمام عبد الله ابن سعود ووالده الإمام سعود بن عبد العزيز الذي دخل مكة عام 1217 هـ , الموافق لعام 1802 م أراد أن يتحقق من ابن سعود و ما يدعوا إليه فأرسل ابنه المولى إبراهيم في جماعة من علماء المغرب و أعيانه و معه جواب من والده فوصلوا إلى الحجاز و قضوا المناسك و زاروا الروضة الشريفة كل هذا على ألمن و الأمان و البر و الإحسان و يقول في هذا الشيخ أحمد الناصري صاحب كتاب الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى من ص 119 إلى ص 123 : حدثنا جماعة وافرة من حج المولى إبراهيم في تلك السنة أنهم ما رأوا من ذلك السلطان – يعني ابن سعود – ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة و إنما شاهدوا منه و من أتباعه غاية الاستقامة و القيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة و صيام و نهي عن المنكر الحرام و تنقية الحرمين الشريفين من القاذورات و الآثام التي كانت تفعل بع من غير نكير و أنه لما اجتمع بالشريف المولى إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب آل البيت الكريم و جلس معه كجلوس أحد أصحابه و حاشيته و كان الذي تولى الكلام معه الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم الزرعي فكان من جملة ما قال ابن سعود لهم : إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية فأي شئ رأيتمونا خالفنا من السنة و أي شئ سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا ؟ فقال له القاضي : بلغنا أنكم تقولون بالاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوى . فقال له : معاذ الله إنما نقول كما قال الإمام مالك : الاستواء معلوم و الكيف مجهول و السؤال عنه بدعة و الإيمان به واجب فهل في هذا مخالفة ؟ قالوا : لا و بمثل هذا نقول أيضاً .
ثم قال له القاضي : و بلغنا عنكم أنكم تقولون بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم و حياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة و السلام في قبورهم فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتعد و رفع صوته بالصلاة عليه . وقال : معاذ الله إنما نقول : إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره و كذا غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء .
و في نهاية ذلك الحديث قال المؤلف : و أقول إن السلطان المولى سليمان رحمه الله كان يرى شيئاً من ذلك و لجله كتب رسالته المشهورة التي تكلم فيها عن حال متفقرة الوقت و حذر فيها رضي الله عنه من الخروج عن السنة و التغالي في البدعة و بين فيها آداب زيارة الأولياء و حذر من غلو العوام في ذلك و أغلظ فيها مبالغة في النصح للمسلمين جزاه الله خيراً (24) .

و ينقل الأستاذ محمد كمال جمعه عن دائرة المعارف الإسلامية بأن المولى سليمان قد تأثر بعد عام 1810 م بالوهابية أو على الأصح بالدعوة السلفية التي قام بها السيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مما جعله يتخذ موقفاً صارماً ضد المربوطية و هو اللقب الذي كان يطلق في المغرب على الصوفيين (25) .

5 ) كما ينقل عن الدكتور عباس الجراري في محاصرة ألقاها في عام 1399 هـ بجامعة الرياض بأن هذا التيار السلفي في المغرب قد ظهر مرة أخرى في بداية القرن الرابع عشر الهجري حين وجه السلطان الحسن الأول سنة 1300 هـ رسالة إلى الشعب المغربي (26) .

6 ) و قد تحث أحمد بن حجر عن الحركة السنوسية التي أسسها محمد بن علي السنوسي في الجزائر و أنه تأثر بها عندما كان يطلب العلم في مكة وقت استيلاء آل سعود عليها و قد ابتدأ حركته الإصلاحية في الجزائر على ضوء تعاليم الإصلاح الديني الإسلامي الذي أضرم نارها في الجزيرة العربية محمد بن عبد الوهاب (27) .

ثالثاً و في مصر : يلمس من يقرأ تاريخ عبد الرحمن الجبرتي المتوفى عام 1237 هـ المسمى عجائب الآثار في التراجم و الأخبار في مثل قوله : و لغط الناس في خبر الوهابي و اختلفوا فيه فمنهم من يجعله خارجياً و منهم من يقول بخلاف ذلك لخلو عرضه . ثم أورد رسالة من رسائل الإمام سعود التي أرسل لشيخ الركب المغربي تتضمن دعوته و عقيدته و قد بين في تلك الرسالة أمور الدين مجملة و عرض لبيان الشفاعة و فتنة و تعظيم القبور و النذور – أي للمقبورين – و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و اتخاذ الوسائط عند الله و أعقب ذلك بقوله : و على هذا أقول إن كان كذلك فهذا ما ندين لله به نحن أيضاً و هو خلاصة لباب التوحيد و ما علينا من المارقين و المتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه " إغاثة اللهفان " و الحافظ المقريزي في " تجريد التوحيد " و الإمام اليوسي في " شرح الكبرى " و ذكر كتباً أخرى – كلها تدافع عن حقيقة التوحيد الصافي النقي الذي صلب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (28) .

و من جانب آخر ذكر الجبرتي مطامع الإنجليز في الشمال الإفريقي المسلم عندما ذكر قصة الإنجليز مع أهل الجزائر لأن لهم صولة و استعداداً و يغزون مراكب الإفرنج و يغنمون منهم مغانم و يأخذون منهم أسرى و تحت أيديهم أسرى كثير من الإنجليز و غيرهم فقد جاء الإنجليز بمراكبهم و معهم مرسوم من السلطان العثماني ليفتدوا أسراهم بمال فأعطاهم أهل الجزائر ما يزيد عن الألف أسير و دفعوا عن كل أسير مائة و خمسين ريالاً فرنسياً و رجعوا من حيث أتوا إلا أنهم بعد مدة رجعوا و بأيديهم مرسوم آخر يطلبون باقي الأسرى فامتنع حاكم الجزائر من ذلك و ترددوا في المخاطبات و في هذه الأثناء وصلت مراكب فأثاروا الحرب و الضرب بطرائقهم المستحدثة فأحرقوا مراكب أهل الجزائر و قد أمد سلطان المغرب مولاي سليمان أهل الجزائر و بعث لهم مراكب عوضاً عن الذي تلف (29) .

رابعاً : الإيطاليون : أقلقهم ما قام به محمد بن علي السنوسي المولود في الجزائر عام 1202 هـ من دعوة إصلاحية في ليبيا لإعادة الإسلام إلى صفائه ووضعه الصحيح في النفوس تطبيقاً و عملاً و الوقوف ضد الإيطاليين الوافدين الذين لا يهمهم إلا استغلال خيرات البلاد و التفريق بين المسلمين (30) .

كما أقلقهم تأثر الحجاج الصوماليون بها و امتدادها إلى القرن الإفريقي لقربهم من الجزيرة العربية و تأثر الحجاج المغاربة بها حيث نقلوا آثارها لبلادهم فقام فيهم مصلحون مجددون .

خامساً: والهولنديون حركهم ما لمسوه من اهتمام جديد من المسلمين الذين استولوا على ديارهم و يظهر ذلك واضحاً بالحرص على الولاء لعقيدة الإسلام في جزيرة سومطرة و جاوة و سولو بإندونيسيا مما وفد لتلك الديار مع الحجاج المتأثرين بما يجب أن ينقى به المجتمع الإسلامي و تصفى من شوائبه شعائر الإسلام بعد أن درس هؤلاء الحجاج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية التجديدية و اهتموا بها بعد أن اطمأنوا على سلامة منهجها في إصلاح العقيدة المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، و لما فيها من صفاء الدعوة و سلامة الاتجاه و البعد عن الهوى و أنها لم تأت لمآرب ذاتية .

فلذا نقلوا بقناعة لبلادهم حيث قامت دعوات متعددة مثل :
الجمعية المحمدية في جاكرتا التي بدأت الدعوة بنبذ الشوائب و الخرافات التي أدخلت على تعاليم الإسلام مما وقف حائلاً دون اتساع دعوة المستعمرين في تبني فئات إسلامية أو محسوبة على الإسلام تشجع الخرافة و تمي البدع في المجتمع الإسلامي مما يستفيد منه المستعمر بتغذية الطائفية و تذكية الفتن على مبدأ الاستعمار : فرق تسد .

و لقد بدأ هذا التأثر من عام 1803 م الموافق لعام 1218 هـ عندما قامت حركة ضد الهولنديين استمرت 16 عاماً تغلبت فيها قوى الاستعمار على السلفيين الموحدين المتأثرين بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (31) .

هذا إلى جانب دول إسلامية عديدة انتقلت إليهم آثار الدعوة مع الحجاج الذين أعجبوا بها لما فيها من تخليص الإسلام من الشوائب التي أدخلت عليه و تخليص البلاد من المستعمر الجاثم عليها و الحريص على إفساد عقيدة أهلها بما يشيعه من أعمال و ما يتيحه من فرص للفساد و الإفساد و لما يدعوا إليه المبشرون من رغبة في تحويل المسلمين إلى النصرانية و ما يبثه الملحدون و أصحاب النزعات الأخرى من دعوة لترد المسلمين عن دينهم و محاولة لإبعادهم عن صفائه و نقاوته التي تخاطب العقول المستنيرة .

لذا كثرت الأصوات المستجيبة في كل مكان كالسودان و مصر و الشام و اليمن و أفغانستان و جزر الهند الشرقية و نيجيريا و بلاد الهوسا و برنو و بلاد التكرور و غيرها مما ذكره كل من درس حياة الشيخ و أثرها في بلاد الشام لأنها أيقظت الهمم و حركت الناس من سباتهم و أوجدت يقظة فكرية و رغبة واسعة في إصلاح المجتمع الإسلامي بالدين السليم كما قال بذلك الإمام مالك رحمه الله مما زلزل أقدام المستعمرين و حرك مشاعرهم ضد هذه الدعوة و المعتنقين لمبادئها .
رد مع اقتباس