عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2012-12-05, 01:06 AM
ابو عبد الرحمن الدوسي ابو عبد الرحمن الدوسي غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2011-04-19
المشاركات: 315
مميز مناقشة: قولهم (لا نأخذ الفتاوى من القاعدين، ولكن نأخذها من أهل الثغور)

[align=center]


مناقشة: قولهم (لا نأخذ الفتاوى من القاعدين، ولكن نأخذها من أهل الثغور)

وهناك من يقول: لا نأخذ الفتاوى من القاعدين، ولكن نأخذها من أهل الثغور، ويستدل على ذلك بقول الأوزاعي وابن المبارك: ((إذا اختلف الناس في شيء؛ فانظروا ما عليه أهل الثغر )).

والجواب من وجوه - إن شاء الله تعالى -:

الأول: يُنظر في صحة هذا الأثر أولًا؛ فإنني لم أقف له على سند، والبحث عن إسناده وإثبات صحته مما يلزم من احتج به!!

وعلى التسليم بصحته: فإنه ليس فيه ما يدل على ترك الدليل الشرعي لقول أهل الثغور، ولو كان ذلك مرادهما - وحاشاهما - لَرُدَّ هذا على قائله كائنًا من كان!!
وقد سبق من الأدلة القاطعة – نصًّا، وأثرًا، وواقعًا - ما يدل على الرجوع إلى أهل الذكر في معرفة الحلال والحرام، ولم يُخَصّ ذلك بأهل الثغور.

الثاني: لو قُصد به معرفة الحلال والحرام المعلومَيْن بالشرع؛ فيكون وجهه فيما إذا كان أهل الثغر من العلماء الراسخين، ولهم مزية الجهاد، التي لم يحصل عليها كثير من أهل المجاهدة، والواقع أن هؤلاء الشباب لا يحيلوننا إلى ملىء في العلم والمعرفة، بل نجدهم يفتون بما هو مصادم لأصول أهل السنة، أو يفتحون على الناس أبواب الفتنة والمحنة!!

الثالث: أن هذا الأثر محمول على الترجيح بما عليه أهل الثغور فيما يعرض للقلب من خواطر تشتبه عليه، لا في الحلال البين والحرام البين - فضلًا عما تعم به البلوى - وهذا فيما إذا لم يظهر للمرء من الجهة العلمية أي الطريقين أولى بالصواب.
وقد ذكر العلامة ابن القيم - رحمه الله -([1]) هذا الأثر في هذا المعنى، فقال: ((فإن الصادق يتحرى في سلوكه كله أحبَّ الطرق إلى الله، فإنه سالك به وإليه، فيعترضه طريقان، لا يدري أيهما أرْضى لله وأحبَّ إليه، فمنهم من يُحكِّم العلم بجهده استدلالًا ، فإن عجز فتقليدًا، فإن عجز عنهما؛ سكن ينتظر ما يحكم لديه القَدَر، ويُخلي باطنه من المقاصد جملة.
ومنهم من يُلقي الكل على شيخه، إن كان له شيخ.
ومنهم من يلجأ إلى الاستخارة والدعاء، ثم ينتظر ما يجري به القَدَر.
وأصحاب العزائم يبذلون وسعهم في طلب الأرضَى: علمًا ومعرفة، فإن أعجزهم؛ قنعوا بالظن الغالب، فإن تساوى عندهم الأمران؛ قدموا أرجحهما مصلحة.
ولترجيح المصالح رُتَبٌ متفاوتة: فتارة تترجح بعموم النفع، وتارة تترجح بزيادة الإيمان، وتارة تترجح بمخالفة النفس، وتارة تترجح باستجلاب مصلحة أخرى لا تحصل من غيرها، وتارة تترجح بأمنها من الخوف من مفسدة لا تؤمن في غيرها، فهذه خمس جهات من الترجيح، قَلَّ أن يُعْدَم واحدة منها.
فإن أعوزه ذلك كله؛ تخلى عن الخواطر جملة، وانتظر ما يحركه به محرك القَدَر، وافتقر إلى ربه افتقار مستنـزل ما يرضيه ويحبه، فإذا جاءته حركة؛ استخار الله، وافتقر إليه افتقارًا ثانيًا، خشية أن تكون تلك الحركة نفسية أو شيطانية، لعدم العصمة في حقه، واستمرار المحنة بعدوه، ما دام في عالم الابتلاء والامتحان، ثم أقدم على الفعل، فهذه نهاية ما في مقدور الصادقين.
ولأهل الجهاد في هذا من الهداية والكشف ماليس لأهل المجاهدة.
ولهذا قال الأوزاعي وابن المبارك: ((إذا اختلف الناس في شيء؛ فانظروا ما عليه أهل الثغر ((يعني: أهل الجهاد، فإن الله تعالى يقول: )وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ( ([2]).
ثم ذكر - رحمه الله تعالى- أن اعتراضات الأحكام التي ذكرها المؤلف، يجوز أن يريد بها الأحكام الكونية، أو الدينية، ثم قال: ((وإن كان المراد به الأحكام الدينية؛ فلا يجدون بُدًّا من القيام بأحكام الأمر...)).اهـ. ([3])
قلت: ولا شك أن من وقف على هذا التفصيل؛ علم الموضع الذي يُستعمل فيه هذا الأثر، وأن ذلك بمعنى ما يُروى مرفوعًا: ((استفت قلبك، وإن أفتاك الناس، وأفتوك))([4]) وليس هذا عامًا، فما ثبت فيه النص لا نحتاج بعده إلى استفتاء قلب فلان أو غيره،كذا لا نحتاج إلى الرجوع إلى أهل الثغر أو غيرهم!!
نعم؛ لأهل الثغر من صفاء البصيرة - لجهادهم العدو، وقهرهم للهوى - ماليس عند كثير ممن ليس كذلك، لكن لا يلزم من ذلك ترك الأدلة الواضحة - فضلًا عن الأصول الأصيلة – لقولهم، فتأمل.
وكلام الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى- واضح في أن هذا يكون عندما تعرض للقلب خواطر، لا يدري المرء أيها أرْضى لله - عز وجل - وقد ذكر - رحمه الله تعالى- وجوه الترجيح، ومنها الاستخارة، والاستخارة لا تكون في قبول نص شرعي أو تركه، فضلًا عن قبول أصل من أصول أهل السنة والجماعة، أو رفضه!! ولذلك لما ذكر الإمام ابن القيم الأحكام الدينية؛ ذكر أن المكلفين لا يجدون بُدًّا من القيام بأحكام الأمر، وإن عرض لقلوبهم اعتراض خفي أو جلي، بحسب انقطاعهم عن الحال بالأمر، والله تعالى أعلم وأحكم.
فقارنْ بين فهم العلماء لهذا الأثر، وفهم الشباب الذين يريدون أن نترك الأدلة النيرات، والحجج القاطعات، ونترك منهج الأئمة سلفًا وخلفًا، ونفتح باب الفتنة والمحنة على الأمة، بحجة أن هذا ما عليه أهل الثغور!!
ويا ليت شعري من هم أهل الثغور - إن صح الأثر - الذين تطلبون منا الرجوع إليهم في هذه المسائل المصيرية، والتي تَعمُّ بها البلوى ؟!

*مركز الدين والسياسة للدراسات
-----------------------------------------------
([1]) ((مدارج السالكين)) (1/510-511/ ط. دار الرشاد الحديثة).
([2]) [ العنكبوت: 69 ].
([3]) قول الأوزاعي وابن المبارك قد ذكره بعض المفسرين في آخر سورة العنكبوت من قول سفيان ابن عيينة، وانظره أيضًا في ((بدائع الفوائد)) (3/110/ ط. دار الكتاب العربي).
([4]) انظر ما قاله محقق ((مسند أحمد)) (29/533،528،523) بأرقام (17999، 18001، 18006) ط/ دار الرسالة.

[/align]
__________________
[align=center][/align]
رد مع اقتباس