عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 2012-07-26, 03:11 PM
دكتور كمال مختار حميدة دكتور كمال مختار حميدة غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2014-11-13
المشاركات: 25
افتراضي

وأما الشيعة الروافض: فقد جمعوا بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والإجحاف في أصحاب رسول الله  و}. فلهم في بعض الصحابة كعليٍّ والحسين { غلوٌّ وإفراط؛ حتى وصل الحد ببعضهم القول بألوهية علي، وقال بعضهم بنبوّتِه. وأدنى ضلالتهم تقديمه على من هو أفضل منه من الصحابة.
ولهم في البعض الآخر من الصحابة تفريط وإجحاف وتقصير، أعظمه القول بكفرهم ولعنهم، وأدناه القول: بتأخيرهم عن مرتبتهم، والتخلُّف بهم عن مكانَتِهِم، ولهم بين ذلك ضلالات وافتراءات تتراوح بين الغلوّ والتقصير، ما لهم بذلك من علم، إن يتبعون إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا.
فطعنهم في أبي بكر وعمر وعثمان } وسبهم ولعنهم، بل وتكفيرهم أمر معلوم لدى القاصي والداني، وكتبهم حافلة بذلك قديمًا وحديثًا؛ حتى ولو أخفوا ذلك أحيانًا باسم التقية، إلا أنهم لشدةِ حقدهِم وبغضهم، وعمق الغِلِّ الذي في قلوبهم للصحابة } لا يستمر ذلك معهم طويلًا؛ لا سيما إذا هم شمُّوا رائحة الغلبة والتمكين، ثم يرجعون إلى ما جروا عليه من الضلال وسوء الاعتقاد.
قال الشهرستاني: "ويجمعهم -أي: الشيعة الروافض- القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوبًا عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولِّي والتبري قولًا وفعلًا وعقدًا؛ إلا في حال التقية". وفي الجملة؛ فإن الشيعة الروافض يكفّرون ويتبرءون من معظم الصحابة، إلا جماعة قليلة ونادرة منهم. وجعلوا إمامة علي بعد رسول الله  من تمام الدين، ومن أنكر ذلك عندهم فهو في عداد الكافرين.
وقالوا: إن عليًّا هو الخليفة بعد رسول الله  دون غيره بالنص. وزعموا أن إمامة علي وبنيه من أركان الدين. ولا حجة لهم في شيء من ذلك إلا الكذب والزور.
فالذي يميّز الشيعي الرافضي من غيرِهِ تفضيلهم عليَّا على سائر الصحابة، ثم زاد على ذلك القول بتقديمه في الإمامة على غيره من الخلفاء؛ حيث زعموا أن النبي  نصَّ على ذلك، وهم يعلمون أنها مجرد دعوى كاذبة، مخالفة للنصوص الصحيحة، مناقضة لإجماع المسلمين عامة.
ولقد مات رسول الله  ولم ينص بالخلافة لأحد لا لأبي بكر ولا لغيره، على أنه  كان يشير لأبي بكر > إشارة، وقد دَلَّتِ النصوصُ الصحيحةُ الصريحةُ على صحةِ إمامةِ وخلافةِ الصديق، وثبوت انعقادها بمبايعة المسلمين له، واختيارهم إيَّاه، واجتماعهم عليه، مما علموا من تفضيل الله ورسوله  له. وقد سبق بيان شيء من هذا سابقًا، وما ورد في خلافته مما أغنى عن إعادته هنا.
والمقصود لدينا في هذا المقام إثبات الحجة، وإقامة البرهان الذي لا يقبل الشك والنكران على أن النبي  مات ولم يعهد بالخلافة نصًّا لأحد، والأدلة على هذا كثيرة؛ منها ما أخرجه البخاري ومسلم عن طلحة بن مصرف قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى {: هل كان النبي  أوصى؟ فقال: لا. فقلت: كيف كتب على الناس الوصية؟ -أو أُمروا بالوصية- قال: أوصى بكتاب الله.
قال الحافظ في (الفتح): "هكذا أطلق الجواب، وكأنه فَهِمَ أن السؤال وقع عن وصية خاصة؛ فلذلك ساغ نفيها، لا أنه أراد نفي الوصية مطلقًا؛ لأنه أثبت بعد ذلك أنه أوصى بكتاب الله" ثم قال: "ويحتمل أن يكون المنفيّ وصيته إلى علي بالخلافة كما وقع التصريح به في حديث عائشة الذي بعده. ويؤيّده ما وقع في رواية الدارمي عن محمد بن يوسف شيخ البخاري فيه، وكذلك عند ابن ماجه، وأبي عوانة في آخر حديث الباب؛ قال طلحة: فقال هزيل بن شرحبيل: "أبو بكر كان يتأَمَّرُ على وصيّ رسول الله، ودَّ أبو بكر أنه كان وجد عهدًا من رسول الله  فخزم أنفه بخزام".
وهزيل هذا؛ بالزاي مصغرًا، أحد كبار التابعين، ومن صغار أهل الكوفة؛ فدلَّ هذا على أنه كان في الحديث قرينة تشعر بتخصيص السؤال بالوصية بالخلافة ونحو ذلك، لا مطلق الوصية.
وأخرج البخاري ومسلم عن إبراهيم بن الأسود قال: ذكروا عند عائشة أن عليًّا { كان وصيًّا، فقالت: متى أوصى إليه؟ فقد كنت مسندته إلى صدري -أو قالت: حجري- فدعَا بالطست، فلقد انخنث في حجري، وما شعرت أنه مات، فمتى أوصى إليه؟!
وأخرج مسلم عن عائشة أيضًا قالت: ((ما تركَ رسول الله  دينارًا، ولا درهمًا، ولا شاةً، ولا بعيرًا، ولا أوصى بشيء)).
قال القرطبي في (المفهم): "وأما قول عائشة <: ما أوصى رسول الله  بشيء. فإنها أرادت في شيء من أمر الخلافة؛ بدليل الحديث المذكور، ثانيًا: أنهم لما ذكروا أن عليًّا كان وصيًّا، قالت: ومتى أوصى إليه؟! وذكرت الحديث.
وقد أكثرت الشيعة والروافض من الأحاديث الباطلة الكاذبة، واخترعوا نصوصًا على استخلاف النبي  عليًّا، وادَّعوا أنها تواترت عندهم. وهذا كله كذبٌ مركبٌ. ولو كان شيء من ذلك صحيحًا، أو معروفًا عند الصحابة يوم السقيفة لذكروه، ولرجعُوا إليه، ولذكره علي محتجًّا لنفسِهِ، ولما حل أن يسكت عن مثل ذلك بوجه؛ فإنه حق الله، وحق نبيه  وحقه، وحق المسلمين.
ثم ما يعلم من عظيم علم علي > وصلابته في الدين، وشجاعته يقتضي ألا يتقي أحدًا في دين الله، كما لم يتقّ معاوية، وأهل الشام حين خالفوه، ثم إنه لما قُتِلَ عثمان ولَّى المسلمون باجتهادهم عليًّا، ولم يذكر هو، ولا أحد منهم نصًّا في ذلك. فعلم قطعًا كذب من ادعاه. وما التوفيق إلا من عند الله".
وقال أبو نعيم في (الإمامة): "ففي هذه الأخبار الثابتة إبطال لما ادَّعاه من اختصاص علي > بوصيتِهِ، وعهده من دون المسلمين كافة. ولقد سُئِلَ علي > فيما رواه عنه أبو جحيفة وغيره: هل خصَّك رسول الله  بشيء؟ فقال: ما هو إلا كتابُ الله، أو فهم يؤتيه الله من شاء في الكتاب". انتهى. أخرجه البخاري، وغيره.
وأخرج البخاري أيضًا عن عبد الله بن عباس أن علي بن أبي طالب > خرج من عند رسول الله  في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبحَ رسول الله ؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئًا، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب، فقال له: أنت والله بعد ثلاثٍ عبد العصا، وإني والله لأرى رسولَ الله  سوف يُتَوفَّى من وجعه هذا؛ إني لأعرف وجوهَ بني عبد المطلب عند الموت، اذهب بنا إلى رسول الله  فلنسأله فيمن هذا الأمر؟ إن كان فينا علمنا ذلك. وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا. فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله  فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله .
وقوله: "وأنت والله بعد ثلاث عبد العصا" هو كناية عمن يكون تابعًا لغيره، والمعنى أنه يموت بعد ثلاث، وتصير أنت مأمورًا عليك. وهذا من قوة فراسة العباس >".
ومن الأدلة التي احتجوا بها على دعواهم هذه قول الله تعالى: {ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ} [المائدة: 55]، وبحديث: ((اللهمَّ وَالِ من والاه، وعادِ من عَادَاه))، وبقوله  لعلي >: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)).
والجواب:
أولًا: أنه لا يوجد في شيءٍ من هذه النصوص ما يدل على الإمامة، فضلًا عن تقديم علي > على غيره فيها، بل كلام أكثر المفسرين على أنها لم تنزل في علي > بل ما روي في ذلك من قصة التصدق بالخاتم ضعيف.
ثانيًا: أن الإمامة على اعتبارها ركنًا من أركان الدين، وأنها بمنزلة الشهادتين عندهم، بحيث إن من لم يقمها يعتبر كافرًا، ومع هذا لا يوجد لها ذكر في القرآن الكريم، كما ذكرت الصلاة والزكاة والصوم والحج. فإذا كانت الإمامة من أركان الدين فلماذا لم يذكرها الله في كتابه؟ {ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ} [البقرة: 111].
ثالثًا: وفي هذا المقام يلزم الشيعة الروافض حالان، إما أن يقرُّوا بأنه لا وجود لأمر الإمامة المزعومة لديهم في القرآن الكريم، أو أن يعترفوا بأن القرآن محرَّف، حُذفت منه النصوص الدالة على إمامة علي، وهذا قول أئمتهم كما هو معلوم مشهور عنهم.
رابعًا: يقال أيضًا: إذا كان علي > فهم من النصوص التي يوردونها أنها دالة على الإمامة، فلماذا لم يُطَالب بها؟! وهو من هو في شجاعته وصدعه بالحق؛ لا سيما أن الإمامة مما لا يسع تركه والتغاضي عنه مثلها مثل سائر الأركان كالصلاة والزكاة، والصوم والحج كما يزعم الشيعةُ الروافض، فإن هو علم بالنص، ولم يعمل به، فإنه يكون قد ترك ركنًا من أركان الدين، فيكون كافرًا على أصولهم. وأما إذا ادعيتم أنه كان جاهلًا بالنص، فلا يجوز أن يقود الأمة جاهل؛ لا سيما فيما تعلق بركن من أركان الدين على حدِّ زعمكم.
فإن زعمتم أنه ترك ذلك خشية الفتنة، وسكت عن ركن من أركان الدين فلا أقلَّ من أن يكون منافقًا مداهنًا محابيًا في الحق، فكيف يؤتمن على سائر أركان الدين؟!
وعلي > كان مع الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه مدة أربع وعشرين سنة، ولم تحدّثه نفسه قط بأن يستولي على الحكم إبان خلافتهم مع أنه كان يستخلف على المدينة أحيانًا عند غيابهم.


عرفنا فيما تقدم موقف الخوارج والشيعة الروافض من الصحابة الكرام } وتبيَّن لنا مدى بُعْدِهِم عن الاعتدال في هذا الباب، وجنوحهم إلى طرفي الإفراط والتفريط.
وعليه فمن رام الاعتدال، وقصد الحقَّ فعليه بمن أثنى الله -تعالى- على دينهم وعلمهم، وجعلهم خيرَ الناسِ عبر القرون، فأهلُ السنة أتباع السلف الصالح لم يختلفْ قولُهُم في هذا الباب، ولم يظهر عليه تفاوت ولا اضطراب؛ فهو مستمدٌّ من الأصول الثابتة كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله .
وسنعرض بعض أقوالهم التي تبين توسطهم واعتدالهم واقتصادهم في ذلك. قال الإمام أحمد في بيان عقيدة أهل السنة في الصحابة }: "من السنة: ذكر محاسن أصحاب رسول الله  كلهم أجمعين، والكف عن الذي شجر بينهم، فمن سبَّ أصحاب رسول الله  أو واحدًا فهو مبتدع رافضي. حبهم سنة، والدعاء لهم قربى، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآرائهم فضيلة.
وخير هذه الأمة بعد نبيها : أبو بكر، وخيرهم بعد أبي بكر عمر، وخيرهم بعد عمر عثمان، وخيرهم بعد عثمان علي } خلفاء راشدون مهديون. ثم أصحاب محمد  بعد هؤلاء الأربعة لا يجوز لأحد منهم أن يذكر شيئًا من مساويهم، ولا يطعن على أحد منهم، فمن فعل ذلك؛ فقد وجب على السلطان تأديبه وعقابه، وليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه، ثم يستتيبه؛ فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب أعاد عليه العقوبة وجلده حتى يتوب ويُرَاجع".
وقال الإمام الطحاوي في (عقيدته): "ونحب أصحاب رسول الله ، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".‏
ونثبت الخلافة بعد رسول الله  أولًا لأبي بكر الصديق > تفضيلًا له وتقديمًا على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب > ثم لعثمان > ثم لعلي بن أبي طالب > وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون.
وإن العشرة الذين سماهم رسول الله  وبشرهم بالجنة نشهد لهم بالجنة، على ما شهد لهم رسول الله  وقوله الحق، وهم:‏ أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح؛ وهو أمين هذه الأمة }‏.‏
ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله  وأزواجه الطاهرات من كل دنس وذرياته المقدسين من كل رجس؛ فقد برئ من النفاق". انتهى كلامه
وبناء على أقوالهم تتجلى وسطية أهلِ السنة، ويبرز اعتدالهم واقتصادهم من خلال النقاط التالية:
1. أنهم لم يكفروا أحدًا من أصحاب رسول الله ، في حين أن كلًّا من الخوارج والشيعة الروافض كفروا أو فسقوا طوائفَ منهم، كما تقدم. كما أن أهل السنة يتولون جميع الصحابة، ولا يتبرءون من أحد منهم.
2. أنهم يترضون عن جميع الصحابة، ويترحمون عليهم، ويستغفرون لهم كما أمر الله، ولا يسبون ولا يشتمون أحدًا منهم. بينما كل من الخوارج والشيعة الروافض، لا يترضون عن الجميع، ولا يترحمون، ولا يستغفرون لطوائف من الصحابة، ولبعضهم فيهم سبٌّ وشتم ونسبة إلى الجهل والظلم والفسق كما تقدم.
3. أنهم يشهدون ويعتقدون أن أصحاب رسول الله  خير خلقِ الله بعد الأنبياء، وأن خيرهم: الخلفاء الأربعة الراشدون فيما يطعن كل من أهل الإفراط والتفريط في كثيرٍ منهم، ويعدون بعضهم شرَّ هذه الأمة كما تقدم.
4. أنهم لم يغلوا في علي > غلوَّ الشيعة الروافض؛ فلم يرفعوه إلى مقام الألوهية أو النبوة أو العصمة أو نحو ذلك، كما فعل طوائف الشيعة الروافض. ولم يكفروه أو يفسقوه ويردوا شهادته كما فعل الخوارج.
5. أنهم لا يعتقدون العصمةَ لأحد من الصحابة، بل يعتقدون أنهم بشرٌ يقع منهم من الذنوب ما يقع من غيرهم، ومع ذلك لا يشنعون عليهم بذنب، بل يلتمسون لهم المخارج، ويحملونهم على أجمل المحامل.
وأهل البدعة: يعتقد بعضهم العصمة لعلي > وللأئمة من أهل بيته وأنه لا يقع منهم ذنب عمدًا، ولا خطأ، ولا سهوًا. ويعتقدون في بعض الصحابة وقوع الكفر والفسوق والنفاق والردة منهم، وارتكاب المظالم والكبائر، وينسبونهم إلى الزندقة.
هذه بعض مظاهر وسطية أهل السنة والجماعة في هذا الباب، على أن قولهم وفعلهم واعتقادهم لا يخرج عن حد القصد والاعتدال بأي حال.
رد مع اقتباس