عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 2015-07-08, 10:43 PM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 3,061
افتراضي كتاب صور من تأذي النبي في القرآن/د.عثمان قدري مكانسي

كتاب صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم
(من المشركين واليهود والنصارى وضعاف الإيمان من المسلمين)

الدكتور عثمان قدري مكانسي

سورة التوبة(1) / [ الآية 58 ]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{ وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ }

المنافقون هم المنافقون يبحثون دائماً عن فوائد لهم، يريدونها خالصة لهم ،وعلى أقل تقدير يريدون الأكثر لهم.. سواء قدموا الخدمة لهؤلاء وهؤلاء، أم لم يفعلوا ذلك.. همهم الأكبر جرُّ المنفعة إليهم، بالحق..بالجور.. لا يبالون بذلك.. فإن لم يصبهم شيء بدأوا يقدحون، وأخذوا يذمون.. باسم العدل تارة، وباسم الحق تارة أخرى، وباسم الرحمة ثالثة..

وفي هذه الآية نجد وصفاً دقيقاً لهم، فهم يسالون النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم من الزكاة.. والرسول صلى الله عليه وسلم يعطي من له الحق ويمنع من ليس له ذلك، وفي المجتمع كثير من الناس يحتاجون، لكنَّ نفوسهم كبيرة وكرامتهم عليهم عزيزة، لا يطلبون وهمُ المحتاجون، ويتعففون وهم أشدُّ ما يكونون فقراً { يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ (273)}(البقرة)
لماذا لأنهم لا يلحفون بالسؤال، بينما تجد الطامعين مزّقوا غلالة الحياء ومدُّوا أيديهم بالسؤال ولسانهم بالجلد لمن يقصِّر عنهم.
وهكذا حال المنافقين الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم أَوْلى بذلك، فإن أعطوا ذَكَرُوا رسول الله والإسلام بكل خير، لأنهم انتفعوا.. أما إذا منعهم أظهروا سخطهم ولمزوا الرسول صلى الله عليه وسلم وغمزوا فيه، فلا حرمة لأحد إلَّا إذا مدَّ يده إلى أفواههم فملأها، وإلى أيديهم فحمَّلها، والى عيونهم فبهرها..
وردت روايات متعددة عن سبب نزول هـذه الآية الكريمة، تقصُّ أحداثاً معينة عن أشخاصٍ بأعيانهم لمزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدالة التوزيع.


روى ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين، سمعتُ رجلاً يقول: هذه قسمة ما أُريْدَ بها وجه الله، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: رحمة الله على موسى، لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر.
ونزلت : { وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ }.

وقال قتادة في- قوله الآية- يقول: ومنهم من يطعن عليك في الصدقات، وذكر لنا أن رجلاً من أهل البادية حديث عهد بالمدينة.. أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم ذهباً وفضة، فقال: يا محمد، والله لئن كان الله أمرك أن تعدل ما عدلت.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ويلك فمن ذا الذي يعدل عليك بعدي؟!!!.

وروى البخاري والنسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم قسْماً إذ جاءه ذو الخويصر التميمي، فقال: إعدل يا رسول الله
فقال: " ويلك ومن ذا يعدل إذا لم أعدل؟ !!
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ائذن لي، فأضرب عنقه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دَعْهُ فإن له أصحاباً يحقر أحدكُم صلاته مع صلاتهم وصيامَه مع صيامهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية".
قال أبو سعيد:" فنزلت فيهم: { وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ }.

وروى ابن جرير عن داود عن أبي عاصم قال: أُتي النبي الله صلى عليه وسلم بصدقة، فقسمها هاهنا، وهاهنا حتى ذهبت، ورآه رجل من الأنصار، فقال: ما هذا بالعدل فنزلت الآية.

فهؤلاء المنافقون لا يقولون هذه القالة حرصاً على الدين ورغبة في الحق، ولكنْ غضباً على حظ أنفسهم، وغيظاً أن ليس لهم نصيب.. وهذا يدل على صريح نفاقهم.. فهل يشك أحد ممن لامس الإيمانُ قلبَه والنورُ بصيرته أن يلمز رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمانته وصدقه، وهو الملقب قبل بعثته بالصادق الأمين؟!! إنه النفاق في أوضح صوره، والكره للدين وصاحبه في أشدِّ بيانه.
لو رضوا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ذوي أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان لهم الأجر العظيم والمكانة الأسمى مِنْ لِعاع الدنيا ومتاعها الزائل.

لمّا وجد الأنصار على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وزع الغنائم في حنين على أهل قريش.. جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقال:
أوَجَدْتم يا معشر الأنصار في عَرَض من أعراض الدنيا تألفت بها قلوب قوم دخلوا الإسلام جديداً.. ووكَّلتُكم إلى دينكم وإيمانكم وحبكم لله ورسوله؟؟ !! أَمَا ترضَون أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟
تعودون بحبيبكم ونبيكم فهو قسمتكم.. ويا لها من قسمة.. وما أعظمها من نصيب، وما أجملها من فوز عظيم..!!
وهنا بكى الأنصار واخضلَّتْ لحاهم، وسالت دموعهم تغسل ما علق في قلوبهم من الدنيا وشكوكهم - إن وُجِدت- برسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: رضينا برسول الله حظاً.. رضينا برسول الله قسمة. رضينا برسول الله نصيباً..
وهنا رقَّ قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ذو القلب الرقيق والفؤاد الرحيم.. فدعا لهم: اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار.. وأبناء أبناء الأنصار..

هذا حال المؤمنين.. فلو أن المنافقين كانوا مثلهم وعرفوا حدودهم، رضوا بقَسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسألوا الله أن يرزقهم من فضله العميم.. وجأروا بالدعاء إليه.. والذي يجأر إلى الله بالدعاء لا يطلب من العباد إلَّا حقه، ثم يسال ربَّ العباد أنْ يكرمه الإكرام الزائد.. ويتفضل عليه التفضل العميم، فيرغب عما في أيدي الناس إلى ما في خزائن رب العباد.

والمسلم يمتاز بالأدب الرفيع، أدب النفس، وأدب اللسان وأدب الإيمان.. يرضى بقسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضا التسليم والقناعة لا رضا القهر والغلب.

قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ (59)}(التوبة)
أين جواب لو.. الجواب في أعماق النفس المؤمنة.. الجواب في ضمير المؤمن العارف بالله المحب رسوله.. الجواب في شفافية القلب الذي استنار بنور الإسلام واستضاء بضياء الإيمان.. إنَّ الجواب واضح في رضا الله ورعايته وفضله وكرمه.. ونِعمَ كرمُ الله وحبذا فضلُ الله.

يتبع










آخر تعديل بواسطة Nabil ، 2015-08-18 الساعة 08:41 PM
رد مع اقتباس