عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 2008-03-06, 01:14 AM
سالم سالم غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2007-12-11
المشاركات: 66
افتراضي

المبحث الثالث
فـي بيان وجوب طاعة رسـول الله 
فـي القرآن والسنة معـاً


في الوقت الذي يتمسح فيه من يسمون أنفسهم (القرآنيون) بظاهر القرآن ويستدلون به على أن مهمة الرسول الوحيدة في رسالته هي تبليغ القرآن فقط ؛ إذ بهم يجدون أنفسهم في مأزق من كتاب الله عز وجل الذي يصرح بأن لرسول الله ، بياناً للقرآن الكريم ، وهو بيان حجة، وواجب الإتباع ، بنص عشرات الآيات القرآنية، التي تحض على طاعة رسول الله ، طاعة مطلقة؛ في كل ما يأمر به ، وينهى عنه ، وتحذر من مخالفته 0

ولأن هذه الآيات تفضح إفكهم وتبطل شبهاتهم من جذورها، فقد تعسفوا في تأويل تلك الآيات، بما يتفق وإنكارهم لأن يكون لرسول الله  ، سنة مطهرة ، واجبة الإتباع .

فزعموا : أن كلمة (الرسول) في القرآن تعنى القرآن، وأن طاعة الرسول الواردة في القرآن إنما تعنى : طاعة القرآن فقط ، أو بعبارة أخرى طاعة رسول الله  فيما بلغه من القرآن فقط0

يقول أحمد صبحى منصور : "كلمة الرسول فى بعض الآيات القرآنية تعنى القرآن بوضوح شديد كقوله تعالى : ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله( )¬0

يقول أحمد صبحى : فالآية تقرر حكماً عاماً مستمراً إلى قيام الساعة بعد وفاة محمد. فالهجرة فى سبيل الله , وفى سبيل رسوله أى القرآن ، قائمة ومستمرة بعد وفاة النبى محمد وبقاء القرآن أو الرسالة 0

وأحياناً – ولازال الكلام له – تعنى كلمة "الرسول" القرآن فقط ، وبالتحديد دون معنى آخر

كقوله تعالى : لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً( )¬ فكلمة "ورسوله" هنا : تدل على كلام الله فقط ، ولا تدل مطلقاً على معنى الرسول محمد.
والدليل أن الضمير فى كلمة "ورسوله" جاء مفرداً ، فقال تعالى : وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً 0
والضمير المفرد يعنى : أن الله ورسوله أو كلامه، ليسا اثنين، وإنما واحد، فلم يقل : "وتعزروهما وتوقروهما وتسبحوهما بكرة وأصيلا"0

ويقول تعالى : يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه( )¬ ولو كان الرسول فى الآية يعنى : شخص النبى محمد لقال تعالى : "أحق أن يرضوهما" ولكن الرسول هنا يعنى فقط كلام الله ، لذا جاء التعبير بالمفرد ، الذى يدل على الله تعالى وكلامه 0

ويقول فى موضع آخر : "أما أقوال الرسول، فهى القرآن دين الله ، وقد أبلغه الرسول دون زيادة ولا نقصان ، وفيه الكفاية ، وفيه التفصيل ، وفيه البيان ، إن طاعة الرسول هى طاعة القرآن الذي أنزله الله على الرسول ، ولا يزال الرسول أو القرآن بيننا"( )¬0


وقال قاسم أحمد( )¬ : "يبدو جلياً أن طاعة الرسول تعنى طاعة الله، لأن الرسول ليس سلطة مستقلة، فهو كرسول له حق التبليغ، تبليغ الرسالة، وطاعته من طاعة الله، وكما ذكر فى القرآن فى مرات عديدة ما على الرسول إلا البلاغ( )¬ يعنى : ملاحظة أن القرآن استخدم كلمة الرسول ، ولم يقل "محمد" إذن فالطاعة للرسول أى الرسالة التى أرسل بها من قبل الله …



فمثل هذه الآيات التى تتضمن أن طاعة الله مقترن بها طاعة الرسول، تفسرها آيات أخرى تتضمن أن الطاعة واجبة فقط لله"( )¬0

ويجاب عن ما سبق بما يلى :
أولاً : تعسف أعداء رسول الله، فى تأويل كلمة "الرسول" فى كتاب الله عز وجل بأنها القرآن الكريم، دون شخص النبى محمد ، أمر برفضه القرآن الكريم0
وتأمل معى الآيات التالية:
1- قال تعالي :  وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل  ( ) 0
فهل يصح من عاقل أن يفسر كلمة الرسول فى الآية بأنها القرآن ؟! 0
ويكون المعنى : وما محمد إلا قرآن قد خلت من قبله القرآن أو الرسل ؟!0

2- وقال عز وجل ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً( )¬ 0

فهل يصح من أعداء الإسلام تأويل "ورسوله" بمعنى "وقرآنه" وبالتالى ينكرون ما هو ثابت بالتواتر من هجرة رسول الله  من مكة إلى المدينة ؟! 0
تلك الهجرة التى كانت واجبة قبل فتح مكة ، حتى أن الله سبحانه وتعالى نهى عن اتخاذ من لم يهاجر ولياً حتى يهاجر، كما قال عز وجل : إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا( )¬ فهل حديث القرآن عن الهجرة فى هذه الاية وغيرها، يعنى : الهجرة إلى القرآن ؟!0

كيف وقوله تعالى : ومن يخرج من بيته مهاجراً صريح فى أنها هجرة حقيقية ، من مكان إلى مكان ، وهو الثابت تاريخيا ً؛ من هجرة رسول الله من مكة إلى المدينة ، وهجرة الصحابة بعد ذلك إليه  وهو ما يؤكد أن قوله "ورسوله" تعنى شخص النبى محمد 0

3- وقال سبحانه : يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل ( )¬ 0
فهل يصح أو يعقل أن يكون المراد بالآية : آمنوا بالله وكتابه – والكتاب الذى نزل على قرآنه؟!0

4- وقال تعالى : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون( )¬0
إن هاتين الآيتين تفيدان مع سابقتهما ، أن كلمة "الرسول" مراداً بها شخص رسول الله ، ولا يصح بحال أن تفسر كلمة "الرسول ، بأنها القرآن، كما يزعم الأدعياء. فتكون الآية هكذا : "الذين يتبعون القرآن النبي الأمي" و"قل يا أيها الناس إني قرآن الله إليكم جميعاً" و"فآمنوا بالله وقرآنه النبي الأمي"( )¬0

إن الآيات السابقة كلها تصرح فى وضوح وجلاء لمن عنده عقل ، أن كلمة "الرسول" إنما تعنى شخص النبى محمد  0

وفى الآيات أيضاً الدلالة الواضحة على وجوب إتباعه وطاعته  طاعة مطلقة فى كل ما يأمر به ، وينهى عنه ، حتى ولو كان خارجاً عن القرآن الكريم بدلالة (ويحل، ويحرم، ويضع) فى قوله : ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم 0

وتصرح الآيات بأن فى هذا الإتباع والطاعة له  الفلاح والهداية إلى طريق مستقيم : واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون واتبعوه لعلكم تهتدون0

كما تصرح الآيات بأن الإيمان بشخص النبى محمد  وبرسالته ، جزء لا يتجزأ من الإيمان بوجود الله تعالى ، وبإفراده بالعبودية والألوهية فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى وبدلالة هذا الإيمان كانت طاعته ، طاعة لله عز وجل من يطع الرسول فقد أطاع الله( )¬ 0
وتأمل إفراد الضمير فى قوله : "واتبعوه" بعد أن فرق وغاير بواو العطف بين الإيمان به تعالى ، والإيمان به ، ليدل على أن إتباعه وطاعته ، اتباع وطاعة له عز وجل. لأن المشكاة واحدة – فى القرآن والسنة – وهى : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى( )¬0

وبالتالى : فإفراد الضمير فى قوله : "واتبعوه" لا يعنى كما يزعم أعداء عصمة رسول الله ، بأنه اتباع وطاعة للقرآن فقط . لأن زعمهم هذا بنوه على تفسير كلمة "الرسول" فى الآيات بمعنى القرآن ، وقد تبين لك فساد وبطلان هذا التفسير0

ثانياً : زعم أدعياء العلم والفتنة ؛ بأنه لا طاعة لرسول الله  إلا فى القرآن فقط ، أمر يرفضه ويبطله القرآن الكريم الذى بين فى مواضع عدة أن لرسول الله ، أوامر ونواهى، وأحكام ، خارج القرآن الكريم ، وهى واجبة الإتباع مثل القرآن الكريم سواء بسواء 0
من ذلك ما يلى :
1- قوله تعالى : سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم( )¬ فهذه الآية الكريمة تدلنا على أن التوجه إلى بيت المقدس ، كان مشروعاً من قبل ، وكان ذلك التوجه حقاً وصواباً واجباً عليهم قبل التحول إلى الكعبة.

فأين ذلك كله فى القرآن الكريم ؟
ألا يدلك ذلك على أن النبى ، وأصحابه كانوا عاملين بحكم وأمر، لم ينزل بوحى القرآن، وأن عملهم هذا كان حقاً وواجباً عليهم الطاعة فيه لرسول الله ؟! 0

ولا يصح أن يقال : إن عملهم هذا كان بمحض عقولهم واجتهادهم. إذ العقل لا يهتدى إلى وجوب التوجه إلى قبلة "ما" فى الصلاة ، فضلاً عن التوجه إلى قبلة معينة ، وفضلاً عن أن النبى ، كان أثناء صلاته إلى بيت المقدس راغباً كل الرغبة فى التوجه إلى الكعبة المشرفة : قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام( )¬

إذن : كان التوجه إلى بيت المقدس بوحى غير القرآن وهو وحى السنة المطهرة ، وكان رسول الله  مطاعاً فى ذلك الوحى. بل : وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه( )¬ فتدبر0
2- وقال تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم( )¬ 0

أفادت هذه الآية أن أمر النبى هو أمر الله، ولو كان خارج القرآن ، لأن النبى ، رأى أن يزوج زينب لزيد ، على ما رواه الطبرانى بسند صحيح عن بن عباس أن النبى ، خطب زينب وهو يريدها لزيد ، فظنت أنه يريدها لنفس ه، فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت، واستنكفت ، وقالت : أنا خير منه حسباً. فأنزل الله تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم فرضيت وسلمت"( )¬0

فتأمل : كيف أن المولى عز وجل ، جعل أمر رسول الله  هو أمره تعالى وأتى بصيغة عامة تشمل جمع أوامره .

فالآية تصفع أولئك المبتدعة الذين يقصرون طاعة النبى  على ما كان فى القرآن ، ومتعلقاً بالدين! وزواج زينب بزيد لم يأمر به القرآن، ولا علاقة له بالدين.

فإن تمسكوا بقول النبى  فى مسألة تأبير النخل! "أنتم أعلم بأمور دنياكم"( )¬ فلا حجة لهم فيه؛

لأن النبى  لم يأمر بترك التأبير، وإنما قال : "لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً" فأبدى رأياً مجرداً وليس كلامنا فيه ، إنما كلامنا فيما أفادته الآية من وجوب اتباع أمره  دينياً كان أو دنيوياً ، مع تذييلها بقوله تعالى : ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً( )¬0




3- وقال تعالى : ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم( )¬ 0

أفادت هذه الآية أن أمر النبى  ، هو أمر الله عز وجل ، ولو كان خارج القرآن 0

لأن النبى  يوم أحد ، أخبر أصحابه بنصر الله لهم فى المعركة ، وأمر الرماة يومئذ بألا يتحركوا من مكانهم بأى حال من الأحوال سواء هزموا أو انتصروا، وذلك فى قوله  : "لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا"( )¬

وفى رواية : "احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا"( )¬

ولكن الرماة ما إن رأوا هزيمة أهل الشرك وجمع المسلمين الغنائم إلا تركوا مكانهم, وخالفوا أمر رسول الله  طلباً للغنيمة ، فكانت نتيجة مخالفة الأمر الهزيمة بعد النصر0

وتأمل قوله تعالى : حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم يتبين لك أن عدم طاعة رسول الله  فى سنته المطهرة ، ومخالفته فى أوامره ونواهيه ، عصيان ، عاقبته الفشل فى الدنيا ، والعذاب الأليم فى الآخرة0

4- وقال تعالى : ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين( )¬ 0
فالآية الكريمة تصرح بأن أمر رسول الله  بقطع نخيل بنى النضير وتحريقها، إنما هو
بإذن الله تعالى.

فأين هذا الإذن والأمر فى كتاب الله عز وجل؟!0
أليس فى سنة رسول الله ؟!
وأن تلك السنة يجب طاعته  فيها ، حيث وصفت بأنها بإذن الله تعالى ؟ 0

على ما روى فى سبب نزول هذه الآية عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : "حرق
رسول الله ، نخل بنى النضير وقطع، وهى : البويرة( )¬ فنزلت : ما قطعتم من
لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله( )¬

فهل بقى للمتنطعين القاصرين طاعته  على القرآن فقط من حجة ؟!0

5- وقال عز وجل : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم( )¬ فتأمل كاف الخطاب المراد بها شخص رسول الله ، هل يفسرها الأدعياء هنا بالقرآن؟ وتأمل كيف أن بيعة الرضوان ، وكل ما حدث فيها من أوامر ونواهى ، من رسول الله ، خارج القرآن ، وطاعة الصحابة رضى الله عنهم لتلك الأوامر والنواهى! ( )¬ 0

وكيف وصفت تلك البيعة البيعة بأنها مبايعة لله تعالى، وأن يده فوق أيدي أصحاب البيعة!

مما يفيد أن مبايعة رسول الله ، مبايعة لله ، وطاعته طاعته ، وأن كل ما يصدر عن النبى ، خارج القرآن ، هو بإذن الله؛ بوحى غير متلو فى السنة المطهرة ، مما يجب الإمتثال له، حيث يرضاه الله تعالى 0

وتأمل : لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة( )¬ فإنها تؤيد ما سبق ، حيث أن رضاه عز وجل عم الأشخاص الذين أطاعوا رسول الله  فى البيعة ، كما عم رضاه سبحانه مكان مبايعتهم0

6- وقال تعالى : إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما آراك الله( )¬

فالآية صريحة فى توجيه الخطاب إلى شخص النبى محمد ، "إليك" "لتحكم" "أراك"

فهل يزعم أعداء رسول الله ، أن الخطاب فى الآية للقرآن وليس لشخصه الكريم؟!0

ثم تأمل ما فى الآية من التصريح بأن لرسول الله  حكماً بين الناس ، والحكم أمر
زائد على مجرد القانون الذى يحكم به !
وهذا الحكم النبوى وصف بأنه وحى إلهى بما أراك الله 0

أليس فى الآية تصريح بأن لهذا النبى الكريم طاعة واجبة خارج القرآن، فيما يحكم به مما
جاء فى سنته ؟!0
7- وقال سبحانه : والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد
وهو الحق من ربهم( )¬ فهذه الآية الكريمة تصرح فى وضوح وجلاء ، بوجوب
الإيمان بكل ما نزل على محمد  وما أنزل عليه شيئان (الكتاب والحكمة) كما صرح رب العزة بقوله : واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به( )¬ 0
وقال تعالي : وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما( )¬ وقد سبق قريباً تفسير الكتاب والحكمة ، وتفصيل الأدلة على أن الحكمة فى الآيتين وغيرهما بأنها السنة النبوية.

إذن بصريح الآية الثانية من سورة محمد فإن له  طاعة خارج القرآن ، وذلك فيما أنزل عليه من السنة المطهرة0

وتأمل : ذكر اسمه (محمد) مجرداً وصريحاً ليكون أبلغ رد على المتنطعين المتأولين كلمة
"الرسول" بمعنى القرآن!0

8- وقال تعالى : ثم إن علينا بيانه( )¬ وقال : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون( )¬ 0

فهاتان الآيتان تصرحان بأن لرسول الله ، تبياناً لكتاب الله عز وجل ، وهو تبيان إلهى بنص آية القيامة ، وهذا البيان إنما جاء على لسانه  فتجب طاعته فيه ، لأنه أمر زائد على مجرد بلاغ المبين وهو القرآن الكريم على ما سبق تفصيله فى المبحث السابق0

وبعد : فإذا ثبت لك بصريح القرآن الكريم ، أن لرسول الله  ، أوامر ونواهى وأحكام، خارج كتاب الله عز وجل ، وأن هذه الأوامر والنواهى والأحكام هى بيانه للقرآن، وهو بيان

منزل من عند الله عز وجل دل ذلك على أن لرسول الله ، طاعة واجبة لهذا البيان مع طاعته لكتاب الله تعالى0

كما دل ذلك على أن عشرات الآيات القرآنية التى تتحدث عن طاعته  إنما تعنى إطاعة شخصه الكريم فيما يبلغ من وحى الله تعالى قرآناً وسنة ؛ وليس كما يزعم أعداء عصمته ، طاعته فى القرآن فقط 0
وإليك نماذج من تلك الآيات0

ثالثاً : الأدلة من القرآن الكريم على وجوب طاعته  :
اشتدت عناية القرآن الكريم بتلك المسألة ، فوجه إليها آيات كثيرة ، تنوعت بين آيات تأمر فى وضوح بوجوب الإيمان به  ، وبين آيات أخرى تأمر بوجوب طاعته ، طاعة مطلقة، فيما يأمر به وينهى عنه ، وبين آيات أخرى ، تنهى عن مخالفته ، وتحذر من ذلك0

واستعراض تلك الآيات أمر يطول ، ولذا سوف أكتفى ببعض هذه الآيات فقط ، مع بيان دلالتها على وجوب طاعته 0

1- قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل( )¬0

2- وقال سبحانه : فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون( )¬0

قال الإمام الشافعى : "فجعل كمال ابتداء الإيمان ، الذى ما سواه تبع له ، الإيمان بالله ثم برسوله ، فلو آمن عبد به تعالى ولم يؤمن برسوله  : لم يقع عليه اسم كمـال الإيمـان أبداً ،


حتى يؤمن برسوله معه( )¬، وبمقتضى هذا الإيمان وجبت طاعته  ، فى كل ما يبلغه عن ربه ، سواء ورد ذكره فى القرآن أم لا 0

وتأمل كيف جاء الأمر بإتباعه واتبعوه لعلكم تهتدون عقب الأمر بالإيمان به ، تأكيداً على وجوب إتباع 0
وإلا فإن الإتباع داخل في الإيمان، ولكن أفرد بالذكر هنا : تنبيهاً على أهميته وعظم منزلته؛ وإذا كانت المتابعة بالإتيان بمثل فعل الغير، ثبت أن الانقياد لرسول الله  في جميع أقواله وأفعاله إلا ما خصه الدليل ، طاعة له وانقياد لحكم الله تعالى( )¬0

3- ومن أهم الآيات دلالة على وجوب طاعته ، قوله تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما( )¬ 0

يقول ابن قيم الجوزية : " أقسم سبحانه بنفسه ، وأكده بالنفى قبله على نفى الإيمان عن العباد،
حتى يحكموا رسوله فى كل ما شجر بينهم ، من الدقيق والجليل ، ولم يكتف فى إيمانهم بهذا
لتحكيم بمجرده ، حتى ينتفى عن صدورهم الحرج والضيق عن قضائه وحكمه ، ولم يكتف
منهم أيضاً بذلك حتى يسلموا تسليماً ، وينقادوا انقياداً " ( )¬ 0

ويقول أيضاً : "وفرض تحكيمه ، لم يسقط بموته ، بل ثابت بعد موته ، كما كان ثابتاً فى حياته، وليس تحكيمه مختصاً بالعمليات دون العلميات كما يقوله أهل الزيغ والإلحاد"( )¬0
4- وقال سبحانه : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً( )¬ 0
ودلالة الآية على وجوب طاعته  من عدة وجوه :

الوجه الأول : النداء بوصف الإيمان في مستهل الآية : يا أيها الذين آمنوا ومعنى ذلك : أن المؤمنين لا يستحقون أن ينادوا بصفة الإيمان ، إلا إذا نفذوا ما بعد النداء ، وهو طاعة الله تعالى ، وطاعة رسول الله  ، وأولى الأمر0

الوجه الثانى : تكرار الفعل "أطيعوا" مع الله تعالى ، ومع رسوله  ، وتكرار ذلك فى آيات كثيرة كقوله : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا( )¬ وقوله : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون( )¬0

يقول الإمام الشاطبى : "تكراره الفعل "وأطيعوا" يدل على عموم الطاعة بما أتى به مما فى الكتاب ، ومما ليس فيه مما هو من سنته"( )¬ 0

وقال العلامة الألوسى : "وأعاد الفعل : و"أطيعوا" وإن كان طاعة الرسول مقرونة بطاعة الله تعالى ، اعتناءَ بشأنه  ، وقطعاً لتوهم أنه لا يجب امتثال ما ليس في القرآن ، وإيذاناً بأن له ، استقلالاً بالطاعة لم يثبت لغيره ، ومن ثم لم يعد في قوله : وأولى الأمر منكم إيذاناً بأنهم لا استقلال لهم فيها استقلال الرسول ( )¬ 0
بل طاعتنا لهم مرتبطة بطاعتهم هم لله ورسوله ، فإن هم أطاعوا الله ورسوله فلهم علينا حق السمع والطاعة ، وإلا فلا. لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"( )¬ 0

ومما هو جدير بالذكر هنا : أن فرض الله تعالى ، طاعة رسول الله ، ليست له وحده، بل هى حق الأنبياء جميعاً. قال تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله( )¬ فرب العزة يقرر هنا قاعدة : أن كل رسول جاء من عنده تعالى يجب أن يطاع 0

وأخبر سبحانه على لسان كثير من رسله أنهم طلبوا من أممهم أن يطيعوهم : فقال سبحانه على لسان نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وعيسى، أن كل واحد منهم قال لقومه : فاتقوا الله وأطيعون( )¬ 0
إنهم رسل الله إلى خلقه ، كلفهم بالتبليغ وعصمهم فيه ، فوجب على الخلق أن يطيعوهم ؛ ولماذا لا يطاع هذا الرسول ، الذى جاء بالمنهج الذى يصلح الخلل فى تلك البيئة التى أرسل إليها ؟ ! 0
إن عدم الطاعة حينئذ ؛ هو نوع من العناد والجحود والتكبر! 0

كما أن فى عدم الطاعة اتهاماً للرسالة بالقصور، واتهاماً للرسول فى عصمته من الكذب فى كل ما يبلغه عن ربه من كتاب وسنة 0


الوجه الثالث : فى آية النساء ؛ دلالة على وجوب طاعته ، قوله تعالى : فإن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول فالرد إلى الله تعالى ، هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول ، هو الرد إليه نفسه فى حياته، وإلى سنته بعد وفاته( )¬

وعلى هذا المعنى إجماع الناس كما قال بن قيم الجوزية ( )¬ 0

وتعليق الرد إلى الله ورسوله على الإيمان إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر يعنى: أن الذين يردون التنازع في مسائل دينهم وحياتهم ، دقها وجلها ، جليها وخفيها ؛ إلى كتاب الله عز وجل ، وإلى سنة رسوله ، هم فقط المؤمنون حقاً ؛ كما وصفتهم بذلك الآية الكريمة ، أما غيرهم فلا ينطبق هذا الوصف عليهم0

ثم يحدثنا الله تعالى بعد هذه الآية مباشرة ، عن أناس يزعمون أنهم يؤمنون بالله ورسوله، ومقتضى هذا الإيمان أن يحكموا كتاب الله ، وسنة رسوله فى كل شئون حياتهم ، ولكنهم لا يفعلون ذلك ، وإنما يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، مع أنهم قد أمورا أن يكفروا به0

قال تعالى : وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا( )¬ ففى نهاية الأمر، حكم الله تعالى على من يعرض عن حكمه ، وحكم رسوله ، ويتحاكم إلى الطواغيت بأنهم منافقون0


5- قال تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً( )¬ فقد عبر بالمضارع "يطع" وهو الذى يقتضى الحال والمستقبل ، وعبر بالماضى "أطاع" الذى يدل على الوقوع والتحقق , فمن أطاع رسوله  حالاً، فقد وقعت طاعته قبل ذلك طاعة لله تعالى، لأن الله تعالى هو الذى أرسله، وأمر بطاعته، لذا فمن أطاعه ، كان فى الحقيقة مطيعاً لمرسله قبل أن يطيعه ، ومن عصاه ، كان فى الحقيقة عاصياً لمرسله قبل أن يعصيه ، لأنه عز وجل مرسله ، وأوجب طاعته، وحرم معصيته( )¬0

وهذه الآية من أقوى الأدلة على أن الرسول معصوم في جميع الأوامر والنواهى، وفى كل ما يبلغه عن الله تعالى، لأنه لو أخطأ في شئ منها لم تكن طاعته طاعة لله عز وجل( )¬0
6- وأختم المطاف من الآيات الدالة على وجوب طاعة الرسول  طاعة مطلقة فيما يأمر به، وينهى عنه، بقوله عز وجل :  وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( )
¬ وهناك آيات كثيرة لم أتعرض لذكرها خشية الإطالة 0
فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الآيات التى تحذر من معصية الرسول ، وتنهى عن مخالفته
تجدها كثيرة، وأشير إلى بعضها فيما يلى:

7- قال سبحانه : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين( )¬ 0
فهذا التحذير الشديد من رب العزة : "واحذروا" "فإن توليتم" يدل على خطورة الإعراض
والمخالفة، وأن النبى ، لن يتضرر هو نفسه بإعراض من أعرض، لأنه  ما عليه
إلا البلاغ المبين، وقد أبلغ، وقد بين، وأشهدعلى ذلك، وإنما الذى يتضرر هو المعرض
المخالف العاصى ! 0

وإذا عرف العاقل المدرك، أن الذى يتوعد ويحذر هو ربه عز وجل ، فكيف يكون تمسكه بطاعة رسوله ؟!0


8- وقال سبحانه : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم( )¬ وفى تفسير هذه الآية يسوق بن العربى بإسناده عن سفيان بن عيينة قال : سمعت مالك بن أنس – وأتاه رجل – فقال : يا أبا عبد الله، من أين أحرم ؟ قال : من ذى الحليفة( )¬ من حيث أحرم رسول الله  0 فقال : إنى أريد أن أحرم من المسجد0 فقال : لا تفعل ! قال : إنى أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال : لا تفعل ! فإنى أخشى عليك الفتنة 0
قال : وأى فتنة فى هذا ؟ إنما هى أميال أزيدها.
قال : وأى فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله  !
إنى سمعت الله يقول : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو
يصيبهم عذاب أليم( )¬0


هذا وفى الآية دلالتها الصريحة على وجود طاعة استقلالية لرسول الله  فيما سنه، مما
لم يرد فى القرآن الكريم؛ لأنه لو كان الأمر قاصراً على ما جاء به من القرآن فقط ، كما
يزعم أعداء عصمته ، لما كان للتحذير من مخالفته فى أمره أى جديد !0

9- وقال تعالى : ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين( )¬0

10- وقال سبحانه : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء
شهيدا. يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا
يكتمون الله حديثا( )¬0

11- وقال عز وجل : إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من
بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئاً وسيحبط أعمالهم( )¬0



12- وقال تعالى : إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم
وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين( )¬0

13- وقال سبحانه : إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين( )¬0

إن الآيات السابقة تصرح بأن مخالفة كتاب الله عز وجل ، وسنة رسوله ، وعدم طاعته، والطعن والتشكيك في تلك الطاعة ، يدخل النار، ويورث الذل ، والخزي ، والفتنة، والكبت ، ويحبط العمل ! 0
فليختر المرء لنفسه ما يشاء0

وبعد : فهذه نماذج من الآيات القرآنية التي تأمر فى وضوح وجلاء بوجوب طاعة رسول الله  فى سنته المطهرة ، وتحذر من مخالفته 0
وهناك آيات أخرى كثيرة تنوعت فى أسلوبها فى الحض على إتباعه وطاعته ، لم أتعرض لها خشية الإطالة( )¬ فما ذكر فيه الكفاية لكل عاقل أهـ0


رابعاً : الأدلة من السنة المطهرة على وجوب طاعته  :
حث النبي  أمته على طاعته، وامتثال أمره، وإتباع ما جاء به، والسير على سنته المطهرة، والإقتداء به في كل ما جاء به عن ربه عز وجل0

وأحاديثه  فى هذا المجال أعطت للأمة توجيهات عظيمة متى ساروا عليها وامتثلوا ما فيها ، واستناروا بها ، تحققت لهم سعادة الدارين وفازوا وأفلحوا بإذن الله تعالى0

وقد امتازت الأحاديث فى هذا الشأن بكثرتها وتنوع عبارتها ، وتعدد أساليبها ، واشتمال بعضها على الأمثلة التى ضربها رسول الله  لأمته فى هذا الشأن، ومما لا شك فيه أن هذه المميزات زادت الأمر توكيداً وتوضيحاً وبيانا ً، بحيث أنها لم تدع مجالاً لمتأول يأولها ، أو محرف يغير معناها بهواه ، ورأيه الفاسد 0

وهذه الأحاديث على تنوع عبارتها وتعدد أساليبها ، اتحدت جميعها فى مضمون واحد : هو التأكيد على وجوب طاعته  وإتباع ما جاء به، والترغيب فى ذلك، إضافة إلى التحذير من مخالفته ، وتحريم معصيته ، وبيان الوعيد الشديد فى ذلك 0

والخطاب فى تلك الأحاديث شامل لكل من كان فى عصره ، ومن سيأتى بعده إلى يوم القيامة0
وسأشير هنا إلى طرف من تلك الأحاديث مع بيان ما فيها من توجيهات وإرشادات تنير الطريق للسالكين الراغبين بالفوز برضى الله وجنات النعيم( )¬0

1- قوله  : "ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان، متكئ على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلى، ولا كل ذى ناب من السباع، ولا كل ذى مخلب من الطير، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله ان يعقبهم بمثل قراه" وفى رواية : "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عنى وهو متكئ على أريكته، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله"( )¬.
فقوله : "يوشك رجل شبعان… الخ" يحذر بهذا القول من عدم طاعته ، مما جاء به وليس له فى القرآن ذكر، وهو مما يؤكد ما سبق ذكره من الآيات ، من أن له ، طاعة استقلالية.

وفى الحديث : معجزة ظاهرة للنبى ، فقد ظهرت فئة فى القديم والحديث ، تدعوا إلى هذه الدعوة الخبيثة ، وهى الإكتفاء بما جاء فى القرآن الكريم ، دون ما جاء به رسول الله  فى سنته المطهرة ، وعدم طاعته فيه. وهدفهم من ذلك هدم نصف الدين، وإن شئت فقل هدم الدين كله. حاسبهم الله بما يستحقون0

2- وعن عبد الله بن عمر  ، أنه كان ذات يوم عند رسول الله ، مع نفر من أصحابه، فأقبل عليهم رسول الله ، فقال : "يا هؤلاء ألستم تعلمون أنى رسول الله إليكم؟" قالوا : بلى، نشهد أنك رسول الله. قال : "ألستم تعلمون أن الله أنزل فى كتابه: من أطاعنى فقد أطاع الله ؟" قالوا : بلى، نشهد أن من أطاعك فقد أطاع الله ، وأن من طاعة الله طاعتك ، قال : "فإن من طاعة الله أن تطيعونى، وإن من طاعتى أن تطيعوا أئمتكم، أطيعوا أئمتكم، فإن صلوا قعوداً فصلوا قعوداً"( )¬0

3- وعن أبى هريرة رضى الله عنه، أن النبى ، قال : "من أطاعنى فقد أطاع الله ، ومن عصانى فقد عصى الله ، ومن أطاع أميرى فقد أطاعنى ، ومن عصى أميرى فقد عصانى"( )¬0

4- وعن جابر بن عبد الله  قال : جاءت ملائكة إلى النبى  وهو نائم، فقال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلاً، قال : فاضربوا له مثلاً. فقال : بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة ، وبعث داعياً ، فمن أجاب الداعى دخل الدار وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعى لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة. فقالوا : أولوها له يفقهها ، فقال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : فالدار الجنة ، والداعى محمد ، فمن أطاع محمد  فقد أطاع الله ، ومن عصى محمد  فقد عصى الله ، ومحمد فرق بين الناس"( )¬0

5- وعن أبى موسى الأشعرى  عن النبى  قال : "إنما مثلى ومثل ما بعثنى الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال : يا قوم إنى رأيت الجيش بعينى، وإنى أن النذير العريان، فالنجاء. فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا( )¬ فانطلقوا على مهلهم فنجوا. وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم. فذلك مثل من أطاعنى فاتبع ما جئت به، ومثل من عصانى وكذب بما جئت به من الحق"( )¬0

6- وعن أبى سعيد الخدرى  عن النبى  قال : "والذى نفسى بيده لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد على الله كشراد( )¬ البعير" قال : يا رسول الله ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ قال : من أطاعنى دخل الجنة ، ومن عصانى فقد أبى"( )¬0


إن هذه الأحاديث السابقة تؤكد وجوب طاعة رسول الله ، وامتثال كل ما جاء به فى
سنته المطهرة0

إنها تؤكد ما ورد فى كتاب الله  ، من أن طاعة رسول الله  من طاعة ربه ، وصرح بذلك رسول الله ، على ما جاء فى حديث ابن عمر وغيره، وأشهد على ذلك أصحابه الكرام فأقروا !0

كما تؤكد هذه الأحاديث أن هذه الطاعة هى مفتاح الجنة ، وسبيل النجاة الوحيد التى متى سلكها الإنسان ، فاز برضى الله ، وجنته ، ونجى من سخطه وعذابه 0

أما من أبى إتباعه وطاعته  فى سنته المطهرة فهو الذى شرد شرود الجمل على أهله، وهو الذى ضيع نفسه، وأوقعها فى جهنم ؛ بل هو بعدم امتثاله لهدى النبى  فى سنته كأنه يقتحم بنفسه نار جهنم ، كما قال عليه الصلاة والسلام : "مثلى كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها، جعل الفراش وهذه الدواب التى تقع فى النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها" قال : "فذلكم مثلى ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني، تقحمون فيها"( )¬0

فعلى المسلم أن يسلك طريق طاعة نبيه  فى سنته المطهرة ، وألا يحيد عنها يميناً أو شمالاً، فهذه الطاعة هى صراط الله المستقيم الذى أمر الله بإتباعه لقوله تعالى : وأن هذا صراطى مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون( )¬0

7- وعن عبد الله بن مسعود  أن رسول الله  قال : "ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ، ويفعلون مالا يؤمرون ، ومن جاهدهم بيده فهو




مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"( )¬ 0

فهذا الحديث يؤكد قوله تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله( )¬ فطاعة رسل الله جميعاً واجبة على أقوامهم على مر الزمان والمكان0


وهذا الحديث يبين صفة إتباع الأنبياء؛ فهم يطيعون أنبيائهم ، ويأخذون بسنتهم ، ويأتمرون
بأمرهم ، ولا يحيدون عن ذلك ولا يخالفونه إلى ما سواه 0

وأما المخالفون لهم : فهم الذين يتحدثون عن الطاعة والإتباع ، ولكن بالقول دون العمل،
فهم الذين يقولون مالا يفعلون، وهذا الوصف ينطبق تماماً على أهل البدع المحاربين
لطاعة رسول الله  فى سنته المطهرة 0

ومن هنا فهم أكثر الناس بعداً عن هدى المصطفى وما جاء به عن ربه ، ومع ذلك كله
فهم كثيراً ما يتمسحون بظاهر القرآن ، وكلامهم عنه لا يضبطونه ببيان رسول الله 
لذا فكلامهم لا يتجاوز ألسنتهم ، فهم أبعد الناس عن القرآن الكريم ، فصدق عليهم قوله  : "يقولون مالا يفعلون ، ويفعلون مالا يأمرون"0


8- وعن العرباض بن سارية  قال : صلي بنا رسول الله  الصبح ذات يوم , ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقال قائل : يارسول! كأن هذه موعظة مودع. فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن كان عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"( )¬ 0

وواضح من هذا الحديث أنه ، يأمرنا بطاعته واتباع سنته ، ويؤكد ويشدد على اتباعها ، ويحذر من البعد عنها بالإبتداع فى الدين، لما فى ذلك من الضلال والإنحراف عن الطريق المستقيم الذى رسمه رسول الله 0

وفى الحديث بيان واضح أن من واظب على سنته  وقال بها، ولم يعرج على
غيرها من الآراء هو من الفرقة الناجية يوم القيامة ؛ جعلنا الله منهم بمنه( )¬0

9- وعن أبى هريرة  عن النبى  قال : "دعونى ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم"( )¬0

والشاهد من الحديث قوله  : "فإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشئ فأتوا
منه ما استطعتم" لقد أضاف الأمر والنهى إلى نفسه  : "نهيتكم" و"أمرتكم" 0

وهو موافق لكتاب الله  فى قوله : ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث
ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم( )¬ 0

وقوله : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( )¬ 0

وفى ذلك دليل على وجوب طاعته وامتثال أوامره ونواهيه فى سنته المطهرة ؛ حتى ولو كانت أمراً زائداً على كتاب الله  ، لأن ما يحله ويحرمه ، ويأمر به وينهى عنه ، هو
بوحى الله  على ما سبق تفصيله0


10- وعن عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسول الله  : "ستة لعنتهم، ولعنهم الله،
وكل نبى مجاب : المكذب بقدر الله ، والزائد فى كتاب الله ، والمتسلط بالجبـروت
يذل من أعز الله ، ويعز من أذل الله ، والمستحيل لحرم الله ، والمستحيل من عترتى
ماحرم الله ، والتارك لسنتى"( )¬ 0

أنه  ، يبين فى هذا الحديث أن التارك لطاعته فى سنته المطهرة المنكر لتلك الطاعة
ملعون. أى : مطرود من رحمة الله تعالى ، وفى ذلك من الزجر ما فيه 0

إنه ، جعل تارك طاعته فى سنته ، مع المكذب بالقدر، وهو كافر، ومع خصال هى
فى الكفر موغلة ، مما يرهب كل الترهيب ؛ من ترك سنته ، والتحذير من عدم
طاعته فيها0

وبعد : فهذه نماذج من الأحاديث النبوية ، التى تأمر فى وضوح وجلاء بوجوب طاعة رسول الله ، فى سنته المطهرة ، وتحذر أشد التحذير من مخالفته0



وهناك أحاديث أخرى كثيرة ، تنوعت فى أسلوبها فى الحض على إتباعه وطاعته ، لم أتعرض لها خشية الإطالة( )¬ 0
فما ذكر فيه الكفاية عند من له سمع يسمع وعقل يدرك ! 0

وإذا كانت طاعته ، الإستقلالية، ثابتة له بنص كتاب الله  وسنة نبيه ، وإجماع الأمة( )¬ فتلك الطاعة لرسول الله  هى عين الطاعة والتوحيد الخالص لله عز وجل ، إلا أن أعداء عصمته  يرون أن فى تلك الطاعة تأليه لرسول الله وشرك بربه0

فإلى بيان شبهتهم فى ذلك والرد عليها

















المبحث الرابع
فـي بيان أن طاعة رسول الله  في سنته المطهرة
هـي عين التوحيد لله 

بلغت جراءة أعداء السنة النبوية على القرآن الكريم ، وعلى نبى الإسلام سيدنا محمد  ، بإفكهم أن الآيات والأحاديث التى تربط بين طاعة الله ، وطاعة رسوله ، هى صورة من صور تأليه الرسول ، وهذا هو الكفر بعينه فى نظرهم 0

يقول صالح الوردانى : "ومن أقوى الأدلة التى يستند عليها الفقهاء فى ربط الكتاب بالسنة، وربط السنة بالكتاب ، قوله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( )¬ 0
وقوله : من يطع الرسول فقد أطاع الله( )¬ 0
وقوله : ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيدا( )¬ 0

ثم يقول معقباً : "إن مثل هذه النصوص وغيرها إن كانت تؤكد شراكة الرسول لله فى أمر الحكم والأمر والنهى ، وهو ما يريد تأكيده الفقهاء ، فهذا هو الكفر بعينه ، إذ معنى هذا الكلام أن الرسول يشارك الله فى خاصية الألوهية. وهذا يعنى : أن الرسول قد منح صفة من صفات الله ، وأخذ خاصية من خصائصه سبحانه ، وهذا ما قالته اليهود فى عزير، والنصارى فى عيسى"( )¬0


ولم يقف إفكهم عند هذا الحد ، إذ زعموا أن الإيمان بشخص رسول الله  يعنى البداية لتأليهه0
يقول أحمد صبحى منصور : "أولى حقائق الإسلام ، أنه ليس فيه إيمان بشخص وإنما الإيمان بالوحى الذى نزل على شخص النبى ، وليس بشخص النبى البشرى 0
يقول تعالى : والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد( )¬ لم يقل آمنوا بمحمد ، وإنما آمنوا بما نزل على محمد ، أى : الإيمان بالوحى أى : بالقرآن الذى يكون فيه محمد نفسه أول المؤمنين به ، أما الإيمان بشخص محمد فذلك يعنى البداية لتأليهه"( )¬0

ولأن أعداء النبوة ينكرون الإيمان بشخصه الكريم  ، زعموا أن تكرار شهادة أن محمداً رسول الله ، بجانب شهادة أن لا إله إلا الله ، يعد شركاً صارخاً على حد زعم رشاد خليفة فى قوله : "لقد أغوى الشيطان المسلمين بترديد بدعة "التشهد" حيث يمطرون محمداً وإبراهيم بالحمد والتمجيد. أليس هذا شركاً صارخاً"( )¬ 0

ويذهب محمد نجيب إلى أن فى تكرار الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فيه تفريق بين رسل الله( )¬ ولو قلنا بهذا على ما حدثنى بذلك بعضهم : لوجب علينا أن نشهد أيضاً بأن إبراهيم رسول الله ، وموسى رسول الله ، وعيسى رسول الله… وهكذا وهو أمر يطول أهـ0

ويجاب عن ما سبق بما يلى :
إجمالاً أقول : زعمهم أن طاعة رسول الله  فى أوامره ونواهيه ، وما يحله وما يحرمه فى سنته ، تأليه له ، بمنحه صفة من صفات الله  ، وهى التشريع. هذا الزعم رد على رب العزة كلامه 0


فالله عز وجل : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون( ) 0
¬ فإذا أمرنا ربنا فى كتابه بطاعة واتباع نبيه ، وربط بين طاعته وطاعة نبيه تارة ، وأفردها أخرى ، وجعل طاعته  من طاعته عز وجل ، وإذا أقامه مقام نفسه المقدسة فى بيعة المسلمين وإذا أمرنا باتباعه فى كل ما آتانا به ، ونهانا عنه ، من حلال وحرام 0

فلا يصح من مخلوق أن يرد كلامه عز وجل ! أو أن يقول : هذا إشراك لرسول الله مع ربه فى التشريع ! 0

وكذلك إذا أمرنا المولى  بالإيمان بشخص نبيه  وتعظيمه وتوقيره ونصرته، والإيمان بما أنزل عليه من وحى الله تعالى كتاباً وسنة. فلا يصح أن نرد على الله كلامه ونقول هذا شرك!
وهذا إجمال وإليك التفصيل :
أولاً : أمر رب العزة عباده بطاعة نبيه  طاعة مطلقة مستقلة ، بمقتضى عصمته له ، وربط تلك الطاعة بطاعته عز وجل تارة ، وأفردها تارة أخرى ، ليدل على أن طاعته  طاعة له سبحانه فقال : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول( )¬ 0
وقال  : وإن تطيعوه تهتدوا( )¬ 0
وقال  : من يطع الرسول فقد أطاع الله( )¬ 0

وطاعته  فى الآيات السابقة طاعة مطلقة فى سنته المطهرة ، حتى ولو كانت السنة زائدة على ما فى كتاب الله عز وجل ، لأنه عليه الصلاة والسلام له حق التشريع بدلالة الآيات السابقة ، وبقوله تعالى : الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهـم

الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم( )¬ 0
فقوله: "يحل، ويحرم، ويضع" من خصائص المشرع الحقيقى الواجب طاعته ؛ ولكن مرد هذا التشريع فى حقيقة الأمر إلى الله عز وجل 0

فرسول الله لا يشرع من عند نفسه ، وإنما يشرع حسب ما يريه الله تعالى ويوحيه إليه على ما سبق تفصيله فى نهاية المبحث الثانى( )¬ 0

فهل نسلم بكلام الله تعالى ؛ أم نرده ونقول هذا شرك ؟0

وإذا كانت طاعته  مستقلة عن طاعة الله عز وجل ، كما فى الآيات السابقة وغيرها من الآيات التى تكرر فيها الفعل "أطيعوا" مع الرسول فمن الذى أعطاه هذه المنزلة والمكانة ؛ أليس ربه عز وجل ؟ 0

فهل نرد هذه المكانة والمنزلة ونقول هذا شرك ؟ ! 0

وإذا قال ربنا عز وجل مراراً أطيعوا الله وأطيعوا الرسول 0

فهل يصح من مخلوق بعد ذلك أن يزعم أن الربط بين طاعته عز وجل ، وطاعة رسوله  تأليه له عليه الصلاة والسلام ، فيرد على رب العزة كلامه؟!! 0

وإذا قال ربنا عز وجل : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم( )¬



وإذا قال سبحانه : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم( )¬0

فهل يصح من مخلوق بعد ذلك أن يزعم أن الربط بين مبايعته عز وجل ، ومبايعة رسوله  شرك ؟ 0
أو أن الربط بين محبته سبحانه ومحبة نبيه ومصطفاه شرك ؟!0


إن قائل الآيات السابقة فى وجوب محبته  هو القائل : ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله( )¬ 0

فهل جعل محبة نبيه  ومتابعته نداً ؟ 0
أم جعلها شرطاً لمحبة الله ، وعلامة على صدق من يزعم محبته عز وجل ؟0


قال الحسن البصرى وغيره من السلف : زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله 0

فتأمل كيف أوقع طاعته ومتابعته  بين قطرى محبة العباد ، ومحبة الله للعباد ، وجعل تلك المتابعة شرطاً لمحبة الله لهم ، مما يستحيل حينئذ ثبوت محبتهم لله ، وثبوت محبة الله لهم ، بدون طاعتهم ومتابعتهم لرسول الله .

فهذه الآية الكريمة : حاكمة على كل من ادعى محبة الله ، وليس على الطريقة النبوية ، فإنه كاذب فى دعواه فى نفس الأمر، حتى يتبع شرع الله عز وجل ، وسنة نبيه  فى جميع أقواله

وأفعاله وأحواله ، ويعلم أن هذا الإتباع عين التوحيد الخالص لله عز وجل ، كما دل على ذلك ما روى أنه لما نزلت هذه الآية قال بعض الكفار : "إن محمداً يريد أن نتخذه حناناً( )¬ كما اتخذت النصارى عيسى" فأنزل الله تعالى : قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين( )¬ فقرن طاعته  بطاعته  رغماً لهم( )¬ 0

والمعنى إلصاقاً لأنوفهم بالتراب جزاءاً لأنفتهم من متابعته ، وجزاءاً لإفكهم بأن طاعته  شرك كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً( )¬ 0

وأقول لهم : الربط بين طاعة الله وطاعة رسوله هو عين التوحيد الخالص: فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين( )¬ 0

ثانياً : إنكار أعداء النبوة الإيمان بشخص النبى  واستدلالهم على ذلك بقوله تعالى : والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم( )¬ هذه الآية الكريمة حجة عليهم ، وتفضحهم فى كل ما يأفكون. لأن مما أنزل على سيدنا محمد وهو الحق من ربنا قوله : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم( )¬ وقوله سبحانه : وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة( )¬ 0
وقوله : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول( )¬ 0

وهم بهذه الآيات يكفرون ؛ إذ ينكرون على ما سبق أن يكون لرسول الله  تبياناً للقرآن ، وهو الحكمة ، وهى السنة كما قال علماء الأمة ، وينكرون أن يكون له  طاعة فى هذه السنة 0

• الأدلة من القرآن الكريم علي وجوب الإيمان بشخص رسول الله  0
وإذا كانوا هنا يزعمون بأنه لا يوجد فى الإسلام إيمان بشخص النبى محمد  فالآية التى استدلوا بها على زعمهم ترد عليهم حيث أطلقت وآمنوا بما نزل على محمد وما أنزل على محمد آيات كريمات تصرح بالإيمان بشخصه الكريم، منها ما يلى :

1- قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله( )¬0

2- وقوله سبحانه : فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته( )¬0

3- وقوله عز وجل : ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا( )¬0

ومعلوم أن الإيمان بالله عز وجل يعنى : الإيمان بذاته المقدسة ، وبكتابه العزيز، وطاعته عز وجل فى كل ما أمرنا به فى كتابه العزيز 0


وكذلك الإيمان برسول الله  : يعنى : الإيمان بشخصه الكريم , وبكل ما جاء به من عند ربه عز وجل من كتاب وسنة , وطاعته فى ذلك0

ويؤيد أن الإيمان فى الآيات السابقة مراداً به شخصه  ما جاء فى القرآن الكريم من الأمر بتعظيمه وتوقيره  نحو قوله تعالى : فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه( )¬ وقوله سبحانه : لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه( )¬ 0

فقوله : "وتعزروه" أى : تعظموه وتجلوه( )¬ والتعظيم والإجلال والتوقير والنصرة ، تشمل فى المقدمة شخصه الكريم. بدليل ما جاء فى القرآن الكريم أيضاً من تعظيم رب العزة لنبيه بنداءه وخطابه باللقب المشعر بالتعظيم بالنبوة والرسالة دون غيره من الأنبياء( )¬ 0 وكذلك أمره عباده بالأدب مع رسوله بعدم التقديم بين يديه أو رفع صوتهم على صوته( )¬ وتحذيرهم من الانصراف من مجلسه قبل استئذانه، أو ندائه باسمه (محمد) كما ينادى بعضهم بعضاً( )¬ وتحريم إيذائه( )¬0

أليس فى كل هذه الآداب الربانية دليل على أن الإيمان بشخص رسول الله ، وتعظيمه وتوقيره من حقائق الإسلام ؟ 0
أليس فى هذه الآداب الربانية ما يصفع المتنبئ الكذاب رشاد خليفة فى زعمه إن تعظيمه وتوقيره…  شركاً صارخا ً؟( )¬ 0

الأدلة من السنة المطهرة علي وجوب الإيمان بشخص رسول الله  وتعظيمه وتوقيره :

إن الإيمان بشخص رسول الله  وتعظيمه وإجلاله ، والتأدب معه بالآداب الربانية السابقة ، كان عليه سلفنا الصالح ، وقد شهد بذلك عروة بن مسعود الثقفى( )¬ وهو يومئذ لم يسلم بعد ، وكان مندوب قريش للتفاوض فى شأن دخول النبى  مكة فى غزوة الحديبية ، فرأى من تعظيم وتوقير للنبى  فى قلوب الصحابة وجوارحهم ما أذهله ، حتى عاد إلى قريش وقال لهم: "أى قوم ، والله لقد وفدت على الملوك ، وفدت على قيصر وكسرى والنجاشى ، والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد  محمداً ، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت فى كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له…"( )¬0

فهكذا صور هذا الرجل تعظيم الصحابة الكرام رضى الله عنهم لنبيهم المصطفى  بهذه الألفاظ الجزلة النابعة من بالغ تأثره بذلك المظهر العظيم من مظاهر التعظيم والتبرك بآثاره 

وقد برهن على مدلول هذا الخبر أيضاً ، ما قاله عمرو بن العاص رضي الله عنه ( )¬ قال :

"ما كان أحد أحب إلى من رسول الله ، ولا أجل فى عينى منه ، وما كنت أطيق أن أملأ عينى منه إجلالاً له ، ولو شئت أن أصفه ما أطقت ؛ لأنى لم أكن أملأ عينى منه"( )¬ 0

وهكذا كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم , يعبرون عن تعظيمهم وإجلالهم وتوقيرهم لرسول الله ، بأعمالهم وأقوالهم 0

ثالثاً : وأخيراَ : زعمهم أن تكرار شهادة أن محمداً رسول الله , بجانب شهادة أن لا إله إلا الله ، فيه تفريق بين رسل الله عز وجل ، ولو قلنا بهذه الشهادة لوجب علينا أن نشهد أيضاً بأن إبراهيم رسول الله ، وموسى رسول الله… الخ وهو أمر يطول0

فهذا من جهلهم بكتاب الله عز وجل الذي يتسترون نفاقاً بعباءته 0

فالقرآن الكريم يصرح بأن الله أخذ العهد والميثاق على الأنبياء السابقين بأن يؤمنوا بشخص رسول الله  ويؤمنوا بنبوته وينصروه إن خرج وهم أحياء ، فلما أقروا بذلك أشهدهم عليه ، والله خير الشاهدين.

قال تعالى : وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به. ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين( )¬0

قال على بن أبى طالب ، وابن عمه عبد الله بن عباس رضى الله عنهما : "ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق ، لئن بعث محمداً وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته : لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه"( )¬0

وهذا يعنى أنه  نبى الأنبياء ، ولو قدر لواحد من هؤلاء الأنبياء جميعاً من لدن آدم إلى عيسى عليهم جميعاً الصلاة والسلام ، الحياة ، وبعث المصطفى ، لما وسعه إلا إتباعه0

يدل على ذلك حديث جابر بن عبد الله  ، أن عمر بن الخطاب  عنه أتى رسول الله بنسخة من التوراة ، فقال يا رسول الله ، هذه نسخة من التوراة ، فسكت فجعل يقرأ ووجه رسول الله  يتغير فقال : أبو بكر : ثكلتك الثواكل ، ما ترى بوجه رسول الله  : فنظر عمر إلى وجه رسول الله  فقال : أعوذ بالله ، من غضب الله، ومن غضب رسوله، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، فقال رسول الله  : "والذى نفس محمد بيده ، لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتمونى لضللتم عن سواء السبيل ، ولو كان حياً وأدرك نبوتى لاتبعنى"( )¬0

ومن هنا كان سلام الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ليلة الإسراء والمعراج ، بقولهم: مرحباً بالنبى الصالح، والأخ الصالح( )¬ وهو اعتراف منهم بنبوته ، ولذا كان إمامهم فى الصلاة ببيت المقدس كما قال  : "ثم دخلت بيت المقدس، فجمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمنى جبريل حتى أممتهم"( )¬ 0

وكل هذا يوضح أن إعلان وتكرار شهادة أن محمداً رسول الله , بجانب شهادة أن لا إله إلا الله ، هو إيمان بكل الأنبياء ، وأنه لو وجد واحد من الأنبياء السابقين لوجب عليه أن يشهد

بتلك الشهادة (أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وذلك تنفيذا للعهد والميثاق الذي أخذه الله على سائر أنبياءه ورسله ، وهذا يعنى أن ذكر اسمه  فى الشهادة هو ذكر لكل الأنبياء، وشهادة فى نفس الوقت بأنهم رسل الله تعالى ، بما يغنى عن تكرار ذكرهم أهـ0

والله تعالى أعلى وأعلم




<!-- / message -->
رد مع اقتباس