عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2011-10-19, 05:55 PM
الاسيف الاسيف غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-07-17
المكان: طرابلس
المشاركات: 887
افتراضي رد: كيــف ميـــــز القران بين الصحــابة والمنافقيـــن

الآية الثانية: قال تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:29].
هذه الآية من أعظم الآيات في الثناء على الصحابة، ومن أدل الدلائل على إعجاز القرآن، وعلى عظمة الباري وسعة علمه.. والغريب ما ذكره لي بعض الشيعة أن هذه الآية لا دلالة فيها على فضل الصحابة. فسألته مستغرباً: لماذا؟!
فقال: لأن الله قال في آخر الآية: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:29] ف(منهم) أي: بعضهم، فلا يراد بها إلا من آمن وعمل الصالحات، ولم يرتد عن دينه أو ينافق، وعليه فلا تشمل الآية جميع من كان معه..

فقلت له: جوابي ألخصه لك فيما يلي:
أولاً: حصرك «من» في قوله سبحانه: ((مِنْهُمْ)) [الفتح:29] بأنها تبعيضية تَحكُّم!!
ثانياً: أوّل الآية لم يذكر إلا من آمن وعمل الصالحات: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) [الفتح:29] فهذه الصفات لا يتصف بها غير المؤمنين، والمؤمنون كلهم أهل للمغفرة والثواب، ولو أن الآية شملت المنافقين لصح قولنا بأن «منهم» للتبعيض، ولكنها لم تذكر إلا صنف المؤمنين الصادقين والذين وصفهم الله بقوله: ((رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)) [الفتح:29] فتأمل!
وقد لجأ الشيعة إلى القول بالتبعيض؛ لعلمهم بدلالة الآية على فضل من كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذين جاهدوا معه في حياته، وبعد وفاته جاهدوا المرتدين كأصحاب مسيلمة الكذاب ومانعي الزكاة، وهم الذين فتحوا الأمصار، وفتحوا بلاد فارس والروم.
ثالثاً: أن هذا الوصف - كما نصت الآية - قد جاء في التوراة والإنجيل، فهو وصف وثناء عليهم قبل أن يخلقوا، ولو كانوا سيبدلون ويغيرون لاستحقوا الذم لا المدح..
ولهذا فآخر الآية تأكيد لما سبق، ولا يمكن أن تناقض كلمات الله بعضها بعضاً.. وكذا القرآن لابد أن يؤخذ بجميعه؛ فلا يؤخذ بعضُه ويترك البعضُ الآخر، ولا يؤخذ جزءٌ من آية ويترك الجزءُ الآخر منها..
فهؤلاء الذين ذكر الله أنهم في عبادة دائمة وأنهم يبتغون فضلاً منه ورضواناً لا شك أنهم آمنوا وعملوا الصالحات..
وعليه يكون معنى (من) في الآية أحد أمرين:
الأمر الأول: إما أنها لبيان الجنس، أي: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من جنس هؤلاء وأمثالهم مغفرةً وأجراً عظيماً، وذلك كقوله سبحانه: ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ)) [الحج:30] أي: من جنس هذه الأوثان، وليس معناها: اجتنبوا الرجس من الأوثان وأما باقي الأوثان فلا تجتنبوها! وهذا ما ذكره علماء أهل السنة كما ذكره بعض علماء الشيعة([17])..
والأمر الثاني: أن تكون مؤكدة، أي: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من هؤلاء بالذات مغفرةً وأجراً عظيماً، وذلك مثل قوله سبحانه: ((وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)) [الإسراء:82] وليس قوله: ((مِنْ الْقُرْآنِ)) [الإسراء:82] أي: بعض القرآن شفاء ورحمة وبعضه ليس كذلك، بل (مِن) هناك مؤكدة فكذلك هنا([18])..
ثم إن هذا الوصف لمجموع الصحابة رضوان الله عليهم، فهذه الصفات المذكورة في الآية تنطبق تماماً على أصحابه الذين قاتلوا معه في غزواته كلها، بل وقاتلوا بعد وفاته المرتدين والنصارى والمجوس، فهم كما وصفهم الله: ((أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)) [الفتح:29]، والمعية في قوله: (والذين معه) ظاهرة بينة؛ فهم معه في سلمه وحربه، وفي حله وسفره، وفي سائر أحواله، وقد خرج معه في غزوة تبوك وحدها نحو ثلاثين ألفاً.

ثم تأمل هذا الحديث من كتب الشيعة: جاء في كتاب (كامل الزيارات)([19]) وهو من كتب الشيعة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من مات في أحد الحرمين: مكة أو المدينة، لم يعرض على الحساب، ومات مهاجراً إلى الله، وحشر يوم القيامة مع أصحاب بدر. فالرواية تشير بوضوح إلى فضل أصحاب بدر خاصة، من دون تقييد بأَحَدٍ دون أَحَد، وفي مقدمتهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو عبيدة وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة رضي الله عنهم.
أخي الحبيب: تأمل الوصف التالي من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
يقول رضي الله عنه كما في (نهج البلاغة): «لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب»([20]).
فإذا تأملت وصفه رضي الله عنه، فستجده مطابقاً لكتاب الله، وكأنه يشرح الآية ويبينها..

الآية الثالثة: قال الله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم [100] وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)) [التوبة:101].
فقال سبحانه: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100] فذكر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ثم قال في الآية التي تليها مباشرة: ((وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ)) [التوبة:101].
فَفَرَّق سبحانه وتعالى بين السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وبين المنافقين.
ولكن من هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؟
هل المراد بالسابقين من المهاجرين علي بن أبي طالب وحده كما ذكر لي بعض الشيعة، أم إن هذا وصف عام يدخل فيه كل من حصل له سبق في ذلك؟
لا شك أن هذا وصف عام لكل من حصل منه السبق للهجرة أو النصرة..
وقد بين بعض علماء الشيعة؛ كالطباطبائي في (تفسير الميزان)؛ أن السابقين من المهاجرين والأنصار غير محصورين بشخص معين، وأنهم كل من توفرت فيه صفات السبق، كأصحاب الهجرتين..
يقول الطباطبائي: المراد بالسابقين هم الذين أسسوا أساس الدين، ورفعوا قواعده، قبل أن يشيد بنيانه وتهتز راياته؛ صِنْفٌ منهم بالإيمان واللحوق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والصبر على الفتنة والتعذيب، والخروج من ديارهم وأموالهم بالهجرة إلى الحبشة والمدينة، وصِنْفٌ بالإيمان ونصرة الرسول وإيوائه وإيواء من هاجر إليهم من المؤمنين والدفاع عن الدين قبل وقوع الوقائع([21]).
فلاحظ قول الطباطبائي: «صنف.. بالهجرة إلى الحبشة والمدينة»، وقوله: «وصنف بالإيمان ونصرة الرسول وإيوائه وإيواء من هاجر إليهم من المؤمنين.. ».
ثم قال بعد ذلك: « قبل وقوع الوقائع»؛ حيث يشير إلى أن الحد الفاصل لاعتبار السبق هو ما كان قبل غزوة بدر، وعلى كلٍّ ففي المسألة خلاف في وَضعِ حَدٍ يحصل به السبق، وأمثل الأقوال وأعدلها في هذا أنه في فترة ضعف الإسلام، وذلك قبل غزوة بدر؛ إذ ليست المزية فيمن آمن في وقت ضعف الإسلام واستذلال أهله كمن آمن في وقت قوته وتمكنه، ولهذا لم يظهر النفاق في الفترة المكية؛ فلما ظهر الإسلام وقوي، ظهر النفاق.
وأخيراً أقول:
لقد وعد الله من يتبعون السابقين من المهاجرين والأنصار بإحسان أن ينالوا من رضاه سبحانه وتعالى ودخول الجنة ما وعد به أولئك السابقين، فقال سبحانه: ((وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100]، وأخبر بأنهم يشاركونهم في الخير، كما قال سبحانه: ((وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)) [الجمعة:3]، وقال سبحانه: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ)) [الحشر:10].
واتِّبَاعُهُم بإحسان يكون بأخذ العلم عنهم، هذا العلم الذي أخذوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما يكون أيضاً بمحبتهم ومعرفة فضائلهم والذب عن أعراضهم، ورَدِّ الكذب عنهم، والاقتداء بهم..، ولا يكون بالكذبِ عليهم وسبِّهم وشتمِهم وتَنَقُّصِهم والطعنِ فيهم، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
وبعد كلِّ هذا فلسائل أن يقول: وهل يعني ثناء الله عليهم أنهم لا يعصون الله أبداً؟ وما هو مفهوم الصحبة الذي نُعَرِّف به الصحابي من غيره.

-------------------------------------
([1]) الفتاوى: (7 /463)، بتصرف يسير.
([2]) الصارم المسلول على شاتم الرسول: (1/37)، بتصرف يسير.
([3]) جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق" رواه مسلم: (1910).
([4]) [الفتاوى 28/ 439].
([5]) تفسير الطبري: (6/408)، وذكر نحوها الطبرسي في مجمع البيان: (5/81-82).
([6]) الفتاوى: (7/214).
([7]) البخاري: (4503)، ومسلم: (5359)، وانظر: التبيان: (5/167)، ومجمع البيان: (5/5).
([8]) منهاج السنة النبوية: (8/429).
([9]) رواه البزار: (2285)، وقال في مجمع الزوائد: رواه البزار ورجاله ثقات، (1/157).
([10]) صحيح البخاري: (كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر).
([11]) رواه أبو نعيم في الحلية (1/76).
([12]) مجمع البيان: (9/193)، وانظر البحار: (20/326).
([13]) وهو آية الله جعفر السبحاني في كتابه: حوار مع الشيخ صالح بن عبدالله الدرويش القاضي بالمحكمة الكبرى بالقطيف حول الصحبة والصحابة (159)..
([14]) شرح النووي عند حديث برقم: (2780).
([15]) انظر: الاستيعاب (1/3)، البداية والنهاية (4/168)، الكامل في التاريخ (2/200)، تاريخ الطبري (2/279).
([16]) الإرشاد: (13)، روضة الواعظين: (75)، بحار الأنوار: (38/243).
([17]) فتح القدير للشوكاني: (3/81)، تفسير الثعالبي: (4/119)، وذكره من علماء الشيعة الطبرسي في مجمع البيان: (9/157)، عند كلامه عن قوله سبحانه: ((فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل)) [الأحقاف:35].
([18]) معاني القرآن للنحاس: (4/187)، فتح القدير للشوكاني: (3/253).
([19]) وانظر: الكافي: (4/548)، البحار: (96/387)، نور الثقلين: (1/541)، كامل الزيارات: (44).
([20]) نهج البلاغة، خطبة: (97) شرح ابن أبي الحديد: (7/77)، شرح محمد عبده: (1/190)، البحار: (66/307)، الحلية لأبي نعيم (1/76).
([21]) تفسير الميزان: (9/373).

منقول / الموسوعة الإسلامية للرد على شبهات أعداء الإسلام



موقع الرد - قسم الرد على الشبهات حول الصحابة :

http://www.alrad.net/hiwar/sahaba
</B></I>
__________________
ساهموا أخوتي في نشر صفحتنا
(السُنــــــــة النبــــــــوية )
Facebook
Twitter
رد مع اقتباس