عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 2009-07-09, 12:08 AM
مسدد مسدد غير متواجد حالياً
محاور
 
تاريخ التسجيل: 2008-06-24
المشاركات: 191
افتراضي

في حوار الله مع الشيطان: من خلال هذا الحوار الإلهي مع الشيطان، تبرز حقيقة الثواب والعقاب، الخير والشر، الإيمان والكفر. وما كان لصورة هذه الحقيقة أن تكتمل من دون هذا الحوار؛ وما كان لهذا الحوار أن يقوم من دون وجود الآخر.
في حوار الله مع الأنبياء: تبرز حقيقة الإعجاز الإلهي: (وإذا قال إبراهيم رب أرني كيف تحيِ الموتى قال أولم تؤمن قال بلىَ ولكن ليطمئن قلبي، قال فخذ أربعة من الطير فصُرهُنَّ إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا ثم ادعهنَّ يأتينك سعيًا واعلم أن الله عزيز حكيم). سورة (البقرة)، الآية 260.
في حوار الله مع عباده: تبرز حقيقة العدل الإلهي، حيث ورد في الآية الكريمة: (قال ربِّ لِمَ حشرتني أعمى وقد كُنتُ بصيرًا، قال كذلك أتتكَ آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى). سورة (طه) ، الآيتان 125- 126.
في حوار الأنبياء مع الناس: تبرز حقيقة التربية الإلهية، حيث ورد في الآية الأولى من سورة (المجادلة): (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير)،
كما تبرز حقيقة الهداية الإلهية: (ألم ترَ إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربِّه أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيِ ويميت قال أنا أحيِ وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فآتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين). سورة (البقرة)، الآية 258.
في حوار الناس مع الناس: تبرز حقيقة الجشع الإنساني: " فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفرًا" سورة (الكهف)، الآية 34.
تبيِن الآيات الكريمة السابقة أن الحوار يتطلب وجود تباينات واختلافات في الموقع، وفي الفكر، وفي الاجتهاد، وفي الرؤى، وفي ذلك انعكاس طبيعي للتنوع الذي يعتبر في حد ذاته آية من آيات القدرة الإلهية على الخلق، ومظهرا من مظاهر عظمته وتجلياته.

وفي القرآن الكريم نصوص كثيرة متشابهة كلفظ الجدال, والمخاصمة, والمحاجة.
لكن لفظ الحوار له خصوصية ومزية, وقد ورد في القرآن في ثلاثة مواضع:
 (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) (الكهف:34)
 (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) (الكهف:37)
 (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة:1)
ولفظ الحوار في القرآن غير مقيّد, والله عز وجل سمى فعل المرأة (مجادلة) وهي تذكر زوجها, ولما اشترك معها النبي صلى الله عليه وسلم سمى الفعل محاورة.
ومن ألصق معاني الحوار أو الحور هو التردد والرجوع, وذلك يكون بالذات أو بالفكر ومنه «اللَّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْحَوَرِ بَعْدَ الكَور» أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه أو النقص في الحال بعد الزيادة. والمحاورة والحوار هي المراددة في الكلام ومنه التحاور.
فالحوار فيه معنى ترداد الفكر في العقل, والأخذ والرد, وفيه معنى الاستعداد لدى الإنسان للرجوع إلى الحق إن استبان له. وهذا معنى شريف في لفظ الحوار، ولا يستلزم ذلك الرجوع من قول لآخر, لكن يحدث الإنسان نوعاً من التحوير أو التعديل أو ينظر في دقة وتحرير ما قاله.
إذن الحوار فيه نوع من الرجوع, وعدم الاستئثار بالرأي دون الطرف الآخر, وفيه نوع من الملاينة في الكلام, والملاطفة, بخلاف المجادلة والمحاجة. وفيه نوع من رفع سقف المناقشة قدر الطاقة بين المتحاورين. فالحوار ليس جدالاً ولا مقارعة ولا منابذة في ميدان قتال تراق فيه دماء المتحاربين بسيوف الألفاظ النابية والفكر المعقد والمسلك المتشنج.
فهناك تلازم بين الحوار والأدب, بين الحوار واللطف, بين الحوار واللغة الراقية!
وهذا كله من شأنه أن يجعل الحوار يؤتي أكله, ويصل إلى أهدافه من بيان الحق, وإقناع الآخر به.
يتبع ..
رد مع اقتباس