عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 2007-11-02, 07:33 PM
مجاهد مجاهد غير متواجد حالياً
عضو فعال
 
تاريخ التسجيل: 2007-07-23
المشاركات: 141
افتراضي

<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p> </o:p>
2 - الاستشراق والقرآنيون<SUP>(</SUP>[1]<SUP>)</SUP><o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
لقد ظهرت بعد جيل الصحابة في القرن الثاني للهجرة فرق ومذاهب شتى تدعوا كل منها إلى بعض الآراء والأطروحات التي مزقت الأمة وشتت وحدتها وأضاعت أحكام دينها التي كان عليها الجيل الذي قبلهم وهو جيل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، حيث برزت في الساحة طائفة تنكر حجية السنة مطلقًا وطائفة أخرى تنكر خبر الآحاد، ودعت هذه الطوائف إلى الاحتكام إلى القرآن وحده، دون اعتبار للسنة، لأن القرآن هو كلام الله المنـزل الشامل والمفصل لكل شيء، محتجين بذلك على بعض الآيات القرآنية، والتحليلات العقلية. وقد كان للإمام الشافعي باع طويل في مناقشة هذه الأفكار والمزاعم في كتابه "الأم" الذي جاء فيه حوار مطول بين الشافعي وبين منكر للسنة الذي استسلم في النهاية لقول الشافعي وقبول الحق.<o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
وقد أخبر الرسول r عن هذه الفئة من الناس في قوله: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
وهناك علاقة وثيقة بين هؤلاء الذين يسمون بالقرآنيين - وهم بعيدون عن القرآن – وبين المستشرقين ويشتركون معاً في كثير من العقائد والتصورات والتي كان المعتزلة سبقوهم لها، وقد كانت لمجلة "المنار" لرشيد رضا السبق في نشر مثل هذه الشبه والأباطيل في مقالة للدكتور "توفيق صدقي" تحت عنوان "الإسلام هو القرآن وحده" وهذه بعض الأباطيل التي فرزتها المراكز الاستشراقية وعناصرها وتبعها مجموعة من بني قومنا، وهي:<o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
أولاً: تفسيرهم لقوله تعالى: ( ما فرطنا فى الكتاب من شئ ) [الأنعام:38]. وقوله جل وعلا: ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ )[النحل:89].<o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
أي أن القرآن قد احتوى الدين كله أحكامًا ومعاملات وعبادات بشكل مفصل وواضح، فلا يحتاج هذا القرآن إلى شيء آخر كالسنة مثلاً، وإلا لم يكن هذا الكتاب بياناً وتبياناً لأمور الدين كلها.<o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
وهذا تفسير في غير موضعه، لاحتواء القرآن الكريم على كثير من الأحكام العامة والقواعد الكلية، إلا أنه ترك كثيرًا من الأحكام مجملة ترك بيانها وتفسيرها للرسول r، وأمر بعد ذلك المؤمنين باتباع هذا النبي وطاعته، فجاءت آيات كثيرة تحث على ذلك وتدعو الأمة إلى الالتفاف حوله – عليه الصلاة والسلام – وهذا لا ينافي مطلقًا أن يكون القرآن حجة والسنة أيضًا حجة، لأن ما يرد في القرآن قد يرد في السنة على سبيل التأكيد والأهمية، وقد يأتي في القرآن أحكام تحتاج إلى البيان والتوضيح من رسول الله r، لقوله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) [النحل: 44].<o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
وروي أن عمران بن حصين كان جالسًا ومعه أصحابه فقال رجل من القوم: لا تحدثونا إلا بالقرآن، قال فقال له: أدْنه فدنا، فقال: أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد في صلاة الظهر أربعًا وصلاة العصر أربعًا والمغرب ثلاثًا تقرأ في اثنتين؟ أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد الطواف بالبيت سبعًا والطواف بالصفا والمروة؟ ثم قال: أي قوم خذوا عنا فإنكم والله إن لا تفعلوا لتضلن"<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
ثانيًا: تفسيرهم لقـوله تعـالى:( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [الحجر: 9] بأن الآية دليل على أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن فحسب دون السنة النبوية، فلو كانت السنة حجة لتكفل الله بحفظها أيضًا.<o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
وهذا التفسير كثيرا ما يتوافق مع أقوال كثير من المستشرقين الذين يثيرون الشبه والأباطيل حول ظنية السنة وأنها تعرضت للضياع والزيادة والنقصان، كما تعرضت للوضع والتحريف حسبما كانت تمليه الظروف السياسية للأمراء والخلفاء، وهذا يتوافق تمامًا مع قول برنارد لويس – الذي أشرنا إليه سابقًا -: "ثمة دوافع للتحريف المتعمد لأن الفترة التي تلت وفاة الرسول r شهدت تطورًا شاملاً في حياة المجتمع الإسلامي، فكان تأثر المسلمين بالشعوب المغلوبة بالإضافة إلى الصراعات بين الأسر والأفراد كل ذلك أدى إلى وضع الحديث"<SUP>(<SUP>[4]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
وحقيقة إن هذا التأويل لكلام الله بما لا يحتمل من قبل هؤلاء المتأثرين بالتغريب وأفكارهم، ضرب من العجز العلمي أو النقص والشعور بالدونية يدفعهم للسير وراء مقولات أعداء الدين من اليهود والنصارى وأهوائهم، وإلا فكيف يقال إن حفظ الله لكتابه يعني عدم حفظه لسنة نبيه r، وهل يفسر الذكر بالقرآن فحسب، أم هو الدين الإسلامي كله بما فيه السنة النبوية المطهرة؟ وكيف يفسر قوله تعالى: ( فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [النحل: 43]؟ <o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
وأهل الذكر هم علماء الأمة الربانيون الذين حفظ الله على أيديهم هذا الدين من التحريف في كتابه العزيز وسنة نبيه r. هذه من جهة، أما من الجهة الأخرى فقد وردت كلمة الذكر في مواضع أخرى من القرآن الكريم،وهي تشير إلى إبطال تفسير هؤلاء المغرضين،فهذه الآية الكريمة: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم )[النحل: 44]، دليل على أن من أهم مهام الرسول r توضيح أمور الدين للناس ابتداء من العقيدة وانتهاء بأدق الأحكام والآداب.<o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
ولو سردنا أحكام الدين التي تحتاج الأمة إلى بيانها وتفصيلها من القرآن لاحتاج ذلك إلى حيزٍ واسعٍ من البحث، ولكن نشير إلى بعض تلك الأحكام والفرائض بشيء من الاختصار، فالصلاة التي جاءت في القرآن مجملة دون تفصيل ( وأقيموا الصلاة ) [البقرة: 43]، بحاجة إلى بيان كيفية أدائها بالأقوال والحركات، والرسول عليه الصلاة والسلام هو الوحيد الذي يوضح للأمة هذه الكيفية، وكذلك قوله تعالى: ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ) [آل عمران: 97].<o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
فلولا السنة لاختلط كيفية أداء هذا النسك العظيم بالشركيات وأهواء الناس وكل واحد يؤديه حسب فهمه الخاص، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام علّم الأمة هذه الكيفية بحجته r وقوله للصحابة: "خذوا عني مناسككم"، فالسنة بوصفها تبين وتوضِّح الأحكام المجملة في القرآن، إلا أنها تؤدي دورًا مهمًا في وحدة الأمة وترابط أبنائها على أداء العبادات بصورة واحدة لا تمايز لأحد على آخر، مما يؤدي بالتالي إلى جعلها كالجسد الواحد، في أعمالها وأقوالها ومشاعرها، ويتحقق بذلك قوله r: "مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"<SUP>(<SUP>[5]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p>
<o:p> </o:p>
إن المستشرقين وأذنابهم ممن يسمون بالقرآنيين إما أنهم يجهلون هذه المعاني والأحكام، أو أنهم يقصدون ذلك لتمزيق صف الأمة الواحد، وإفشاء روح التشكيك في نفوس المسلمين تجاه أهم مصدر لدينهم وهو السنة. <o:p></o:p>

<HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) القرآنيون: هم الفرقة التي تنكر السنة النبوية وتدعي الأخذ بالقرآن وحده، حيث نشأت هذه الفرقة في العصر الحديث في الهند على يد سيد أحمد خان، والمولوي جراغ علي، والمولوي عبدالله جكرالوي وآخرين.<o:p></o:p>

([2]) سنن أبي داود، برقم4604، ص651. وسنن ابن ماجه، وجامع الترمذي، ومسند أحمد.<o:p></o:p>

([3]) أخرجه الخطيب في الكفاية، ص15.<o:p></o:p>

([4]) الاستشراق والاتجاهات الفكرية، ص157.<o:p></o:p>

([5]) صحيح مسلم، برقم 6586، ص 1131.<o:p></o:p>
رد مع اقتباس