عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 2012-02-19, 05:49 PM
ابو عادل المغربي ابو عادل المغربي غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2012-02-19
المكان: المملكة المغربية
المشاركات: 125
افتراضي

اتباعهم للقرآن والسنة

يرى أئمة التصوف أنهم متبعين للكتاب والسنة، وأن علمهم هذا كباقي العلوم الإسلامية من الفقه والعقيدة مستمد من الكتاب والسنة، دل على اعتقادهم بذلك أقوالهم، والتي منها: [LIST][*]قول الجنيد: «الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام». وقال أيضا: «من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة».[*]قول سهل التستري: «أصولنا سبعة أشياء: التمسك بكتاب الله تعالى، والاقتداء بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأكل الحلال، وكفِ الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق»[18].[*]قول أبو الحسن الشاذلي: «إِذا عارض كشفُك الصحيح الكتابَ والسنة فاعمل بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك: إِن الله تعالى ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة، ولم يضمنها لي في جانب الكشف والإِلهام»[19].[*]قول أبو الحسين الوراق: «لا يصل العبد إِلى الله إِلا بالله، وبموافقة حبيبه صلى الله عليه وسلم في شرائعه، ومَنْ جعل الطريق إِلى الوصول في غير الاقتداء يضل من حيث يظن أنه مهتد»[20].[*]قول عبد الوهاب الشعراني: «إن طريق القوم - أي الصوفية - محررة على الكتاب والسنة كتحرير الذهب والجوهر، فيحتاج سالكها إِلى ميزان شرعي في كل حركة وسكون»[21].[*]قول أبي يزيد البسطامي حيث سئل عن الصوفي فقال: «هو الذي يأخذ كتاب الله بيمينه وسنة رسوله بشماله، وينظر بإِحدى عينيه إِلى الجنة، وبالأخرى إِلى النار، ويأتزر بالدنيا، ويرتدي بالآخرة، ويلبي من بينهما للمولى: لبيك اللهم لبيك»[22].[/LIST]ويستدلون أيضا على صحة توجههم بمواقف أئمة المذاهب السنية الأربعة الداعية إلى التصوف بمعناه الصحيح. أما معارضيها فيعتبرونها ممارسة تعبدية لم تذكر لا في القرآن ولا في السنة ولا يصح أي سند لإثباتها وعليه فهي تدخل في نطاق البدعة المحرمة التي نهى عنها رسول الإسلام محمد.
مصطلحات الصوفية


متصوفون أتراكمولويون يؤدون حركاتهم التقليدية أمام ضريح المولى جلال الدين الرومي في قونية



إِن لكل علم من العلوم كالفقه والحديث والمنطق والنحو والهندسة والفلسفة اصطلاحات خاصة به، لا يعلمها إِلا أصحاب ذلك العلم، ومن قرأ كتب علم من العلوم دون أن يعرف اصطلاحاته، أو يطلع على رموزه وإِشاراته، فإِنه يؤول الكلام تأويلات شتى مغايرة لما يقصده العلماء، ومناقضة لما يريده الكاتبون فيتيه ويضل.
وللصوفية اصطلاحاتهم التي قامت بعض الشيء مقام العبارة في تصوير مدركاتهم ومواجيدهم، حين عجزت اللغة عن ذلك. فبسبب ذلك دعى الصوفية من يريد الفهم عنهم إلى صحبتهم حتى تتضح لهم عباراتهم، ويتعرفوا على إِشاراتهم ومصطلحاتهم. قال بعض الصوفية: «نحن قوم يحرم النظر في كتبنا على من لم يكن من أهل طريقنا»[23]. وقال عبد الوهاب الشعراني: سمعت سيدي عليًا الخواص يقول: «إِياك أن تعتقد يا أخي إِذا طالعت كتب القوم، وعرفت مصطلحهم في ألفاظهم أنك صرت صوفيًا، إِنما التصوف التخلق بأخلاقهم، ومعرفة طرق استنباطهم لجميع الآداب والأخلاق التي تحلَّوْا بها من الكتاب والسنة»[24].
وإِن كلام الصوفية في تحذير من لا يفهم كلامهم ولا يعرف اصطلاحاتهم من قراءة كتبهم ليس من قبيل كتم العلم، ولكن خوفاً من أن يفهم الناس من كتبهم غير ما يقصدون، وخشية أن يؤولوا كلامهم على غير حقيقته، فيقعوا في الإِنكار والاعتراض، شأن من يجهل علماً من العلوم. لأن المطلوب من المؤمن أن يخاطب الناس بما يناسبهم من الكلام وما يتفق مع مستواهم في العلم والفهم والاستعداد[25]. فمن هذه المصطلحات[26].: [LIST][*]الأنس: قال الجنيد: هو ارتفاع الحشمة مع وجود الهيبة.[*]الاتصال: وهو أن ينفصل العبد بسره عما سوى الله، فلا يَرَى بسره - بمعنى التعظيم - غيرَه، ولا يسمع إلا منه.[*]التجريد: وهو أن يتجرد العبد بظاهره عن الأعراض، وبباطنه عن الأعواض.[*]الوجد: هو ما صادف القلب من فزع، أو غم، أو رؤية معنى من أحوال الآخرة، أو كشف حالة بين العبد والله.[*]التواجد: هو ظهور ما يجد في باطنه على ظاهره، ومن قوي حاله تمكن فسكن.[*]الغيبة: أن يغيب عن حظوظ نفسه فلا يراها، وهي قائمة معه، موجودة فيه، غير أنه غائب عنها بشهود ما للحق.[*]الجمع: جمع الهمة: وهو أن تكون الهموم كلها هما واحدا وهو الله.[/LIST]المنهج العملي في التصوف

يرى الصوفية أنهم لا يكتفون بأن يوضحوا للناس أحكام الشرع وآدابه بمجرد الكلام النظري، ولكنهم بالإضافة إلى ذلك يأخذون بيد تلميذهم ويسيرون به في مدارج الترقي، ويرافقونه في جميع مراحل سيره إلى الله، يحيطونه برعايتهم وعنايتهم، ويوجهونه بحالهم وقولهم، يذكرونه إذا نسي، ويقوِّمونه إذا انحرف، ويتفقدونه إذا غاب، وينشطونه إذا فتر. وهكذا يرسمون له المنهج العملي الذي يمكنه به أن يتحقق بأركان الدين الثلاثة: الإسلام والإيمان والإحسان. ومن أهم الطرق العملية التي يطبقها رجال التصوف للوصول إلى رضا الله ومعرفته:
العلم

يعتقد الصوفية أن العلم والعمل توأمان لا ينفكان عن بعضهما، والسالك في طريق الإيمان والتعرف على الله والوصول إلى رضاه لا يستغني عن العلم في أية مرحلة من مراحل سلوكه. ففي ابتداء سيره لا بد له من علم العقائد وتصحيح العبادات واستقامة المعاملات، وفي أثناء سلوكه لا يستغني عن علم أحوال القلب وحسن الأخلاق وتزكية النفس. ولهذا اعتُبِرَ اكتساب العلم الضروري من أهم النقاط الأساسية في المنهج العملي للتصوف، إذ يرى الصوفية أن التصوف ليس إلا التطبيق العملي للإسلام كاملاً غير منقوص في جميع جوانبه الظاهرة والباطنة[27].
الصحبة

يعتقد الصوفية أن للصحبة أثراً عميقاً في شخصية المرء وأخلاقه وسلوكه، وأن الصاحب يكتسب صفات صاحبه بالتأثر الروحي والاقتداء العملي. وأن الصحابة ما نالوا هذا المقام السامي والدرجة الرفيعة إلا بمصاحبتهم لرسول الإسلاممحمد ومجالستهم له. وأن التابعون أحرزوا هذا الشرف باجتماعهم بالصحابة.
وبما أن الصوفية وباقي المسلمين يؤمنون بأن رسالة النبي محمد عامة خالدة إلى قيام الساعة، فإن الصوفية يرون أن لرسول الإسلام ورّاثاً من العلماء العارفين بالله، ورثوا عن نبيهم العلم والخُلق والإيمان والتقوى، فكانوا خلفاء عنه في الهداية والإرشاد والدعوة إلى الله، فمَنْ جالسهم سرى إليه من حالهم الذي اقتبسوه من رسول الإسلام محمد، ومَنْ نصرهم فقد نصر الدين، ومن ربط حبله بحبالهم فقد اتصل بالرسول محمد حسب اعتقادهم. ويرون أن هؤلاء الوراث هم الذين ينقلون للناس الدين، مُمَثَّلاً في سلوكهم، حيَّاً في أحوالهم، واضحاً في حركاتهم وسكناتهم، هم من الذين عناهم الرسول محمد بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك».[28]. ويعتقدون أن أمثال هؤلاء الوراث لا ينقطع أثرهم على مر الزمان، ولا يخلو منهم بلد، وأن صحبتهم دواء مجرب، والبعد عنهم سم قاتل، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم؛ مرافقتهم هي العلاج العملي الفعَّال لإصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق، وغرس العقيدة، ورسوخ الإيمان.
ويستدلون على أهمية الصحبة بآيات من القرآن، منها: [LIST][*]{يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ وكُونوا معَ الصادقين}[29].[*]{واصبر نفسك مع الذينَ يدعون ربَّهم بالغداةِ والعشيِّ يُريدونَ وجهَهُ ولا تَعْدُ عيناك عنهُم تُريد زينةَ الحياةِ الدنيا ولا تُطِعْ مَنْ أغفلنا قلبَه عن ذكرنا واتَّبَعَ هواهُ وكان أمرُه فُرُطاً}[30].[*]{واتَّبِعْ سبيلَ مَنْ أنابَ إليَّ}[31].[*]{الرحمنُ فاسألْ به خبيراً}[32].[*]{من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً}[33].[/LIST]ويقول أئمة التصوف في أهمية صحبة الشيوخ المرشدين: [LIST][*]قال أبو حامد الغزالي : «مما يجب في حق سالكِ طريق الحق أن يكون له مرشدٌ ومربٌّ ليدله على الطريق، ويرفع عنه الأخلاق المذمومة، ويضع مكانها الأخلاق المحمودة»[34].[*]قال ابن عطاء الله السكندري : «وينبغي لمن عزم على الاسترشاد، وسلوك طريق الرشاد، أن يبحث عن شيخ من أهل التحقيق، سالك للطريق، تارك لهواه، راسخ القدم في خدمة مولاه فإذا وجده فليمتثل ما أمر، ولينْتهِ عما نهى عنه وزجر»[35].[*]قال أحمد زروق : «أخذ العلم والعمل عن المشايخ أتم من أخذه دونهم (بل هو آياتٌ بيِّناتٌ في صُدور الذينَ أوتوا العلمَ)، (واتَّبِعْ سبيلَ مَنْ أنابَ إليَّ)، فلزمت المشيخة»[36].[/LIST]مجاهدة النفس

يعرّف الصوفية مجاهدة النفس على أنها: «بذل الوسع في حمل النفس على خلاف هواها ومرادها المذموم، وإلزامها تطبيق شرع الله أمراً ونهياً». ويقولون أنه ليس المراد من مجاهدة النفس استئصال صفاتها؛ بل المراد تصعيدها من سيء إلى حسن، وتسييرها على مراد الله وابتغاء مرضاته.
ويستدلون على المجاهدة بآيات من القرآن وأحاديث من السنة، منها: [LIST][*]في القرآن: {والذينَ جاهَدوا فينا لنَهديَنَّهم سُبُلَنا}[37].[*]في السنة النبوية: «المجاهدُ مَنْ جاهد نفسَهُ في الله»[38].[/LIST]ومن أقوال أئمتهم في الحث على مجاهدة النفس: [LIST][*]قال أبو عثمان المغربي: «من ظن أنه يُفتح له بهده الطريقة أو يكشف له عن شيء منها لا بلزوم المجاهدة فهو في غلط»[39].[*]قال زكريا الأنصاري : «إنَّ نجاة النفس أنْ يخالف العبدُ هواها، ويحملَها على ما طلب منها ربُّها»[40].[*]قال أحمد بن عجيبة: «لا بد للمريد في أول دخوله الطريق من مجاهدة ومكابدة وصدق وتصديق، وهي مُظهِر ومجلاة للنهايات، فمن أشرقت بدايته أشرقت نهايته، فمن رأيناه جادَّاً في طلب الحق باذلاً نفسه وفلسه وروحه وعزه وجاهه ابتغاء الوصول إلى التحقق بالعبودية والقيام بوظائف الربوبية ؛ علمنا إشراق نهايته بالوصول إلى محبوبه، وإذا رأيناه مقصِّراً علمنا قصوره عما هنالك»[41].[/LIST]واعترض أقوام على رجال التصوف واتهموهم بأنهم يُحَرِّمون ما أحل الله من أنواع اللذائذ والمتع، وقد قال الله: (قٌلْ مَنْ حرَّمَ زينة الله التي أخرجَ لعبادِهِ والطيبات من الرزق...) [الأعراف: 32]. ولكن رجال التصوف ردوا عليهم بقولهم أنهم لم يجعلوا الحلالَ حراماً، إذْ أسمى مقاصدهم هو التقيد بشرع الله، ولكنهم حين عرفوا أن تزكية النفس فرضُ عين، وأن للنفس أخلاقاً سيئة وتعلقات شهوانية، توصِل صاحبها إلى الردى، وتعيقه عن الترقي في مدراج الكمال، وجدوا لزاماً عليهم أن يهذبوا نفوسهم ويحرروها من سجن الهوى.
وبهذا المعنى يقول الصوفي الحكيم الترمذي رداً على هذه النقطة، وجواباً لمن احتج بالآية القرآنية: (قُلْ مَنْ حرَّمَ زينة الله) : "فهذا الاحتجاج تعنيف، ومن القول تحريف لأنَّا لم نُرِدْ بهذا، التحريمَ، ولكنا أردنا تأديب النفس حتى تأخذ الأدب وتعلم كيف ينبغي أن تعمل في ذلك، ألا ترى إلى قوله جل وعلا: {إنّما حرّم ربيَ الفواحشَ ما ظهر منها وما بطنَ والإثمَ والبَغيَ بغيرِ الحقِّ} [الأعراف: 33]. فالبغيُ في الشيء الحلال حرامٌ، والفخرُ حرام، والمباهاةُ حرام، والرياء حرام، والسرف حرام، فإنما أُوتِيَتِ النفسُ هذا المنعَ من أجل أنها مالت إلى هذه الأشياء بقلبها، حتى فسد القلب. فلما رأيتُ النفس تتناول زينة الله والطيبات من الرزق تريد بذلك تغنياً أو مباهاة أو رياء علمتُ أنها خلطت حراماً بحلال فضيَّعَتِ الشكرَ، وإنما رُزِقَتْ لتشكُرَ لا لِتكْفرَ، فلما رأيتُ سوء أدبها منعتُها، حتى إذا ذلَّت وانقمعت، ورآني ربي مجاهداً في ذاته حق جهاده، هداني سبيله كما وعد الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبُلَنا وإنَّ اللهَ لَمَعَ المحسنين} [العنكبوت: 69] فصرتُ عنده بالمجاهدة محسناً فكان الله معي، ومن كان مع الله فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، وقذفَ في القلب من النور نوراً عاجلاً في دار الدنيا حتى يوصله إلى ثواب الآجل"[42].
ذكر الله


مسبحة، يستعملها الصوفيون لأورادهم وأذكارهم



يعرّف الإمام ابن عطاء الله السكندري الذكر على أنه: هو التخلص من الغفلة والنسيان بدوام حضور القلب مع الحق، وقيل: ترديد اسم الله بالقلب واللسان، أو ترديد صفة من صفاته، أو حكم من أحكامه، أو فعل من أفعاله، أو غير ذلك مما يُتقرَّبُ به إلى الله تعالى[43].
ويعتقد الصوفية أن الذكر يثمر المقامات كلها من اليقظة إلى التوحيد، ويثمر المعارف والأحوال التي شمَّر إليها السالكون، فلا سبيل إلى نيل ثمارها إلا من شجرة الذكر، وكلما عظمت تلك الشجرة ورسخ أصلها، كان أعظم لثمرتها وفائدتها. وهو أصل كل مقام وقاعدته التي يبني عليها، كما يُبنى الحائط على أساسه، وكما يقوم السقف على جداره.
حث أئمة التصوف على الذكر كثيرا، فقال الإمام أبو القاسم القشيري : الذكر منشور الولاية، ومنار الوصلة، وتحقيق الإرادة، وعلامة صحة البداية، ودلالة النهاية، فليس وراء الذكر شيء؛ وجميع الخصال المحمودة راجعة إلى الذكر ومنشؤها عن الذكر. وقال أيضاً: الذكر ركن قوي في طريق الحق سبحانه وتعالى، بل هو العمدة في هذا الطريق، ولا يصل أحد إلى الله تعالى إلا بدوام الذكر[44].
ويجعل الصوفية للذكر أنواع، ولكل منها أدلة عندهم من الكتاب والسنة يجيزونها بها، ولكل منها فوائد تعود على السالك إلى الله بما يناسب حاله، فيذكرون: [LIST][*]ذكر السرّ، وذكر الجهر.[*]الذكر الفردي، والذكر الجماعي.[*]الذكر باللسان، والذكر بالقلب.[/LIST]الخلوة

يعرف الصوفية الخلوة على أنها: انقطاع عن البشر لفترة محدودة، وترك للأعمال الدنيوية لمدة يسيرة، كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي لا تنتهي، ويستريح الفكر من المشاغل اليومية التي لا تنقطع، ثم ذكرٌ لله بقلب حاضر خاشع، وتفكرٌ في آلائه آناء الليل وأطراف النهار، وذلك بإرشاد شيخ عارف بالله، يُعلِّمه إذا جهل، ويذكِّره إذا غفل، وينشطه إذا فتر، ويساعده على دفع الوساوس وهواجس النفس[45].
أما عن دليلها الذي يستدلون به من الكتاب والسنة، عديدة، منها: [LIST][*]إلىية القرآنية: (واذكرِ اسم ربِّكَ وتَبَتَّلْ إليه تبتيلاً) [المزمل: 8]. وقد قال العلامة أبو السعود مفسراً لهذه الآية: ودُم على ذكره تعالى ليلاً ونهاراً على أي وجه كان؛ من التسبيح والتهليل والتحميد... إلى أن قال: وانقطعَ إليه بمجامع الهمة واستغراق العزيمة في مراقبته، وحيث لم يكن ذلك إلا بتجريد نفسه عليه الصلاة والسلام عن العوائق الصادرة المانعة عن مراقبة الله تعالى، وقطع العلائق عما سواه[46].[*]حديث عن عائشة أنها قالت: "أولُ ما بُدِئَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاءُ، وكان يخلو بغار حِراءَ؛ فيتَحَنَّثُ فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، ويتزود لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء"[47]. وقد قال ابن أبي جمرة في شرحه لهذا الحديث: "في الحديث دليل على أن الخلوة عون للإنسان على تعبده وصلاح دينه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما اعتزل عن الناس وخلا بنفسه، أتاه هذا الخير العظيم، وكل أحد امتثل ذلك أتاه الخير بحسب ما قسم له من مقامات الولاية. وفيه دليل على أن الأوْلى بأهل البداية الخلوة والاعتزال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول أمره يخلو بنفسه"[48]. وقال القسطلاني في شرحه لحديث عائشة المذكور: "وفيه تنبيه على فضل العزلة لأنها تريح القلب من أشغال الدنيا، وتفرغه لله تعالى، فتنفجر منه ينابيع الحكمة. والخلوة أن يخلو عن غيره، بل وعن نفسه بربه، وعند ذلك يصير خليقاً بأن يكون قالبه ممراً لواردات علوم الغيب، وقلبه مقراً لها"[49].[/LIST]ويذكر الإمام الغزالي طريقة الخلوة ومراحلها ومقاماتها، فيقول: "أن الشيخ يُلزِم المريد زاوية ينفرد بها، ويوكل به من يقوم له بقدر يسير من القوت الحلال - فإنَّ أصل الدين القوت الحلال - وعند ذلك يلقنه ذكراً من الأذكار، حتى يشغل به لسانه وقلبه، فيجلس ويقول مثلاً: الله، الله، أو سبحان الله، سبحان الله، أو ما يراه الشيخ من الكلمات، فلا يزال يواظب عليه، حتى يسقط الأثر عن اللسان، وتبقى صورة اللفظ في القلب، ثم لا يزال كذلك حتى تُمحى من القلب حروف اللفظ وصورته، وتبقى حقيقة معناه لازمة للقلب، حاضرة معه، غالبة عليه، قد فرغ عن كل ما سواه، لأن القلب إذا اشتغل بشيء خلا عن غيره - أيَّ شيء كان - فإذا اشتغل بذكر الله تعالى وهو المقصود، خلا لا محالة من غيره. وعند ذلك يلزمه أن يراقب وساوس القلب، والخواطر التي تتعلق بالدنيا، وما يتذكر فيه مما قد مضى من أحواله وأحوال غيره، فإنه مهما اشتغل بشيء منه - ولو في لحظة - خلا قلبه عن الذكر في تلك اللحظة، وكان أيضاً نقصاناً. فليجتهد في دفع ذلك، ومهما دفع الوساوس كلها، وردَّ النفس إلى هذه الكلمة، جاءته الوساوس من هذه الكلمة، وإنها ما هي؟ وما معنى قولنا: الله؟ ولأي معنى كان إلهاً، وكان معبوداً؟ ويعتريه عند ذلك خواطر تفتح عليه باب الفكر، وربما يَرِدُ عليه من وساوس الشيطان ما هو كفر وبدعة، ومهما كان كارهاً لذلك، ومُتَشمِّراً لإماطته عن القلب لم يضره ذلك"[50].
ويجعل الصوفية للخلوة نوعين، هما: [LIST][*]خلوة عامة: ينفرد بها المؤمن ليتفرغ لذكر الله بأية صيغة كانت، أو لتلاوة القرآن، أو محاسبة نفسه، أو ليتفكر في خلق السموت والأرض.[*]خلوة خاصة: يقصد منها الوصول إلى مراتب الإحسان والتحقق بمدارج المعرفة، وهذه لا تكون إلا بإشراف مرشدٍ مأذون، يُلَقِّنُ المريدَ ذكراً معيناً، ويكون على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك ويدفعه إلى آفاق المعرفة، ويرفع عنه الحجب والأوهام والوساوس، وينقله من الكون إلى المُكَوِّن.[/LIST]يتبع...
__________________
رد مع اقتباس