عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2011-05-09, 03:18 PM
أبو جهاد الأنصاري أبو جهاد الأنصاري غير متواجد حالياً
أنصارى مختص بعلوم السنة النبوية
 
تاريخ التسجيل: 2007-07-22
المكان: الإسلام وطنى والسنة سبيلى
المشاركات: 8,401
افتراضي

الأئمة الأعلام لا غبار على موقفهم فى قضية التدليس وإن كان من الأولى تجنبها. فلو كان يسأل أحدهم - إذا عنعن - هل سمعت هذا الحديث من شيخك؟ كان يجيب بالنفى أو الإثبات حسب ما هو واقع.
مثال أبو إسحق السبيعى راوى ثقة مشهور التدليس ، عندما سئل عن حديث رواه : هل سمعته من شيخك قال : لا بل سمعته من فلان. فلما ذهب التلميذ إلى من حدث عنه أبو إسحق السبيعى - وكان فى مدينة أخرى - سأله : هل سمعته من شيخك ؟ فقال بل سمعته من فلان . وهو فى مدينة أخرى ، فذهب إليه التلميذ ، وكان فى مدينة أخرى حتى عرف ممن سمع الحديث مباشرة.
فلم يكونوا يكذبون. وإن كانت العنعنة لها ظروف يجب أن نتفهمها. فالأصل أن الرواية تكون بها فقد كان الصحابة يروون عن النبى بها ولم يكن أحد يستنطقهم أو يشترط عليهم ذكر التحديث مباشرة من النبى .
فأم الدرداء كانت تحدث وتقول ( عن رسول الله ) ومعلوم أن جملة كبيرة من حديث أم الدرداء هى لم تسمعها مباشرة من الرسول بل كانت تسمعها من زوجها أبى الدرداء عن رسول الله . كذلك عدد كبير من مرويات صغار الصحابة كعبد الله بن عباس كانوا يروونها عن رسول الله مباشرة رغم أنه معروف أنهم سمعوها من أصحاب النبى الكبار كأبى بكر وعمر.
ولو أن علماء مصطلح الحديث لم يفرقوا بين صيغ التحمل والسماع لما انتقد عليهم أحد. بل هذا أمر افترضه علماء الأمة على أنفسهم تديناً وإتقاناً.
ولما انتشر هذا الأمر فقد وضعوا الضوبط للتنقية والتصفية. وليس من المؤكد أن الحديث المدلس هو حديث منطقع بل مدار العمل فيه والقول الفصل فيه أنه ( مظنة انقطاع ) وليس انقطاعاً يقيناً ، وسوف أسوق لك مثالاً :
يجلس عشرة من التلاميذ ليتكبوا ما يسمعونه من شيخهم ، وكل منهم يكتب : ( حدثنا فلان ) ثم طرأ على أحدهم أمر عارض بأن يذهب إلى الخلاء مثلاً بينما مجلس التحديث مستمر فلن يتوقف لذهاب أحدهم إلى الحمام!!!
ثم لما عاد التلميذ فإنه يحرص أن يكتب كل ما فاته أثناء غيابه. فعرض إلى كراريس زملائه فكتب ما فى صحفهم عنده. فهل يجوز له أن يكتب فى تلك الأحاديث التى ينقلها ( حدثنا ) ؟ طبعاً لا ، رغم أنه ثابت تماما أن الشيخ قال هذا ، نعم قاله ، ولكنه لم يسمعه بنفسه . هنا سيضطر التلميذ أن يقول ( عن فلان ) هذا مجرد مثال مبسط لتقريب الفكرة.
وهناك من كان يروى عن الضعفاء ولايريد أن يذكرهم فى مجلس بينما تجده ذكرهم فى مجلس آخر ، وهذا شئ مشتهر وقد وجدناه كثيراً فى كثير من الأسانيد ، تجد أبا إسحق السبيعى مرة يحدث الحديث بالعنعنة ومرة بالتحديث ، مرة بذكر الواسطة بينه وبين الثقة وأخرى بحذفها.
فالعبرة بجمع طرق الحديث.
نحن أنفسنا فى كلامنا نقع فى مثل هذا ولا يعيبه أحد.
فمثلاً قد تحتاج أن تتكلم فى كلامك فتقول : يا عم الصلح الخير. ومعلوم أن الصلح خير هى من القرآن ، ورغم هذا لا تجد المتحدث يتوقف ليقول قال تعالى. وكذلك فى أحاديث النبى فتجد من يقول : الأعمال بالنيات. ومعلوم أن ( إنما الأعمال بالنيات ) حديث صحيح. فلا تجد المتحدث يتوقف ليذكر هذا . ولعل كلامى هذا الأخير قريب كذلك من قضية المرفوع والموقوف كقربها من قضية التدليس.
أنظر إلى هذين الطريقين فى البخارى عن الأعمش:
254 - حدثنا موسى قال حدثنا عبد الواحد عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس قال قالت ميمونة : وضعت للنبي صلى الله عليه و سلم ماء للغسل فغسل يديه مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ على شماله فغسل مذاكيره ثم مسح يده بالأرض ثم مضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه ثم أفاض على جسده ثم تحول من مكانه فغسل قدميه


256 - حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال حدثني سالم عن كريب عن ابن عباس قال حدثتنا ميمونة قالت : صببت للنبي صلى الله عليه و سلم غسلا فأفرغ بيمينه على يساره فغسلهما ثم غسل فرجه ث قال بيده الأرض فمسحها بالتراب ثم غسلها ثم تمضمض واستنشق ثم غسل وجهه وأفاض على رأسه ثم تنحى فغسل قدميه ثم أتي بمنديل فلم ينفض بها


الأول معنعن والثانى بالتحديث ، رغم أن الحديث واحد. بالنظر إلى هذا المثال فى هذين الحديثين تستطيع أن تستنتج أمراً مفاده أن العنعنة عن سليمان بن مهران ليست شرطاً أن تنسب إليه هو شخصياً بل قد تكون من تلميذ من تلاميذه كعبد الواحد مثلاً ، بينما ساقه تلميذ آخر كغياث - كما فى الطريق الثانى - بالتحديث. وقد يكون الفعل من الأعمش نفسه. ولهذا وجب جمع طرق الحديث لتظهر العللز

وبخصوص سؤالك الأخير:
فأقول : لا. ليس كل المدلَّس معنعن. بل هناك أحاديث معنعنة وهى غير مدلسة لنفس المحدث. وليس العكس فالأحاديث المعنعنة للمدلس منها ما هو موصول ومنها ما هو مدلس. ولهذا قد أخضع العلماء كل مروات المدلس المعنعنة للبحث وأفردوا لها الكتب المتخصصة ولو اتبع مناهج التحقيق العلمى فى المسألة لما كان هناك أية مشكلة.
الخلاصة : ليست كل قضية التدليس تقع على عاتق المدلس نفسه فهناك أمور تتعلق بالتلاميذ وهناك أمور تتعلق بفهم عملية تلقى العلم نفسها.
والعبرة فى المسألة هى اتباع خطوات ومراحل البحث العلمى فى الأمر.
__________________
قـلــت :
[LIST][*]
من كفر بالسـّنـّة فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله تعالى يقول : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )).
[*]
ومن كذّب رسولَ الله ، فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ،لأن القرآن يقول : (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )).
[*]
ومن كذّب أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله سبحانه يقول فيهم : (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )).
[*]
ومن كذّب المسلمين فهو على شفا هلكة ، لأن القرآن يقول : (( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) والنبي - صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ).
[/LIST]
رد مع اقتباس