عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 2012-06-03, 06:44 PM
أبو عادل أبو عادل غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-05
المكان: المملكة المغربية
المشاركات: 703
افتراضي

قصيدة وموقف لخبيب بن عدي ( رضي الله عنه )

منقول عن مجلة البيان الإسلامية
المناسبة والشاعر [1] :
خبيب بن عدي : صحابي جليل من الأوس ، وقارئ داعية إلى دينه ، كان في البعثة التي أرسلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى نجد ، حيث قدم على رسول الله بعد أُحد رهط من (عُضَل والقارة) وقالوا : يا رسول الله إن فينا إسلاما ؛ فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقِّهوننا في الدين ، ويُقرؤوننا القرآن ، ويُعلموننا شرائع الإسلام .. فبعث رسول الله نفراً ، منهم : خبيب وزيد بن الدثنة وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح .. حتى إذا كانوا على الرجيع -ماء لهذيل بين عسفان ومكة - استصرخوا عليهم هذيلاً وغدروا بالصحابة ، فمنهم قتيل وأسير .
أُسر خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة ، وقدم المشركون بهما مكة ، ( قال ابن هشام ) : فباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة ...
حيث إن خبيباً كان قد قتل في بدر الحارث بن عامر من أهل مكة .. فقتلته قريش ثأراً لصاحبهم ، وتشفيّاً بعباد الله المؤمنين .
سُجن الصحابي الجليل انتظاراً لتنفيذ الجريمة البشعة فيه ، حيث خرجت به قريش إلى التنعيم (خارج حدود الحرم) ، وصلّى ركعتين خفيفتين ، واجتمع الرجال والنساء والأطفال يحضرون مصرع الصحابي الجليل وصلبه ، وعندما رفع إلى خشبته وأوثقوه ، قال : اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك ، فبلغه الغداة ما يصنع بنا ، ثم قال : اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تغادر منهم أحداً .
وفي هذا الموقف العصيب قال هذه القصيدة :


1- لقد جمّع الأحزاب حولي وألّبوا قبائلهم واستجمعوا كل مَجمعِ



2- وكلُّهم مُبدي العداوةِ جاهدٌ عليّ لأني في وَثاقي بمضيع



3- وقد جمّعوا أبناءهم ونساءهم وقُربتمن جذع طويل مُمنّع



4- إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي وما أرصدَ الأحزابُ لي عند مَصرعَي



5- فذا العرشِ صبّرني على ما يُراد بي فقد بضّعوا لحمي وقد ياس مطمعي



6- وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصالِ شلْو ممزّع



7- وقد خيروني الكفرَ ، والموت دونه وقد هملت عيناي من غير مجزع



8- وما بي حِذارُ الموت ، إني لميّتٌ ولكن حذاري جحم نار مُلفع



9- فلست أبالي حين أقتل مسلماً على أيّ جنبٍ كان في الله مصرعي



10- ولست بمبدٍ للعدو تخشّعاً ولا جزِعاً ، إنّي إلى الله مَرجعي

المفردات الغريبة :
5-ياس : أصلها يئس ، فخففت .
6-أوصال : أعضاء مقطعة .
شلو : ضعيف .
8 - جَحْم : الملتهب .
الملفع : المضطرم .
جحم نار ملفع : في ( الاستيعاب) : حر نار تلفع .
9 - وفي رواية : (مضجعى) بدل مصرعي .
في جوّ الأبيات :
1- إن الصحابي الجليل يصور غربته وسط جوّ جاهلي حاقد ، فقد تجمع المشركون حوله ، يُبدون العداوة ، يشتفون بإراقة دم المسلم الطاهر النقي ، ولا ذنب له إلا أن يعلن إسلامه صادقاً ، جمعوا الأبناء والنساء ، وقد قربوه من جذع ليصلبوه عليه ، عرضوا عليه الكفر ففضّل الموت : ( وقد خيروني الكفر والموت دونه ) .
وهكذا المشركون في كل عصر ، و الطواغيت في كل حين ، مطلبهم واحد من المؤمنين : أن يتركوا دينهم ، وإلا فهم متزمتون ، متطرفون ، رجعيون ، أعداء الوطن .
2- و ها هو مسلم اليوم يعيش في غربته القاتلة ، ولكن طوبى للغرباء ، فالصحابي يشكو غربته وكربته وما أرصد له الأحزاب عند مصرعه .. ويدور الزمن دورته وإذا بالمؤمنين يفرون بدينهم في فجاج الأرض ، وهم يحسون الغربة والكربة ، يلاحقون ويضطهدون ، ويضيَّق عليهم في كل أرض ...
يَقبضون على الجمر ماداموا يتمسكون بعقيدتهم ، ولا يساومون عليها .
3- إن والي حمص - سعيد بن عامر الجمحي -رضي الله عنه-أيام أمير المؤمنين عمر -رضى الله عنه- كان ممن حضر مصرع خبيب ودعوته في الجاهلية ، يقول سعيد بن عامر .
( فوالله ما خطرت على قلبي دعوة خبيب وأنا في مجلس قط إلا غشي عليّ ) .
كم من المسلمين اليوم من يُرفع على أعواد المشانق ، وكم من المؤمنين من يُقتلون بالعشرات ، والجرافات تواريهم في قبور جماعية .
وقد يكون من بينهم بعض الأحياء ! وكم من ليال لجيران أقبية التعذيب لا تدع لأصحابها فرصة للنوم ، من أنين المعذبين المضطهدين ؟ ! .
ومسلمو العصر الحديث لا يحركون ساكناً ، وأحفاد سعيد بن عامر-رضي الله عنه-لا يرف لهم جفن عندما يسمعون بهذه المآسي .. بَلْهَ الغيبوبة التي كانت تصيب الصحابي الجليل الوالي الورع .. أين كلمات الحق التي تقال ؟ أين الإنصاف ، ولا ذنب لهؤلاء إلا أن قالوا : ربنا الله ؟ ! .
إن منطق الجاهلية الحديثة ، جاهلية القرن العشرين يقول : إن هؤلاء وأمثالهم مشاكسون متطرفون ، يجب أن يخضعوا ويتركوا إثارة القلاقل ، وإعلان دعوة التوحيد ؛ لأن الدين قضية شخصية لا تحتاج إلى كل هذا ؟ ! .
وقديماً قال المنافقون في شهداء الرجيع مثل هذا القول .
يقول ابن إسحاق عن ابن عباس -رضي الله عنهما-
[2] : لما أصيبت السرية - في الرجيع - قال رجال من المنافقين : يا ويح هؤلاء المفترين الذين هلكوا ، لا هُم قعدوا في أهليهم ، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم ، فأنزل تعالى قوله : [ ومِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ ][البقرة : 204] .
4- إن الصحابي البدري القارئ ، إنسان يشعر بكيد الجاهلية ، وتذرف عيناه الدمع من غير جزع ، فما هو بخائف من الموت ، فالموت حق ، ولو لم يمت بحد السيف مات بغيره ، ولكنه يخشى ألا يكون قد قام بحق الدعوة ، وحق الإسلام ، إنه يخشى مَسَّ النار الملتهبة .. إن الذي يموت على الإسلام ، لا يبالي على أي جنب كان في الله مصرعه ما دام في سبيل الله .
ولن يبدي للعدو جزعاً ولا تردداً ، ولا تراجعاً ، فنفس المؤمن عزيزة ، فهو صاحب دعوة ، أدى رسالة رسول الله ( اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة ما يصنع بنا ) ، ( اللهم اقتلهم بدداً ، ولا تغادر منهم أحداً ) .
5- إن خبيباً مثال التضحية والفداء في السراء والضراء ، وأين منه أدعياء البطولة - في أيامنا الحاضرة - وقت الرخاء ومواتاة الظروف ؟ ! ، وإذا ما تنكرت لهم الأيام انقلبوا خائبين إلى أحضان أعدائهم ولو كانوا من المشركين ! .
إن العقيدة الصلبة ، والتربية الإيمانية ، هي التي تفرق بين أجيالنا وجيل الذروة ، جيل القمة السابقة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
واستمع إلى قول زيد بن الدثنة-رضي الله عنه-عندما قدم ليقتل في التنعيم أيضاً : قال له أبو سفيان : أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك ؟ قال : ( لا والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي ) .
قال أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً ، ثم قُتل- رحمه الله- [3] .
هكذا تكون التربية العقدية ، ولا مخلَص لنا مما نحن فيه إلا بالعودة إلى هذه التربية القرآنية الإيمانية الخالصة لوجهه تعالى .. بعيدة عن كل شائبة .
6- لابد من التربية الصلبة التي رُبِّي عليها أصحاب رسول الله ؛ حتى يستطيع المسلمون اليوم أن يَثبتوا للجاهلية الجديدة والغربة الثانية .
فالملأ من قريش الذين أعدموا الصحابة في التنعيم موجودون في معظم أنحاء العالم الإسلامي ولو تغيرت اللافتات والأسماء ، هنالك قريش وهذيل وبقية المشركين في جزيرة العرب ، وهنا : الشيوعية ، والأحزاب العلمانية ، والباطنية ، والطواغيت التي ترفض تحكيم شرع الله .. 7- وأخيراً أختم هذه الخواطر (من وحي القصيدة) بأبيات لشاعر الدعوة الإسلامية حسان بن ثابت -رضي الله عنه-يرثي فيها خبيب بن عدي -رضي الله عنه-عندما قتل صبراً بمكة [4] : 1-ما بال عينك لا ترقا مدامعها شحّاً على الصدر، مثلَ اللؤلؤ الفَلَقِ 2- على خبيبٍ ، وفي الرحمن مصرعُه لا فشل حين تلقاه ولا نزق 3-فاذهب خبيبُ ، جزاك الله طيبةٌ وجنة الخلد عند الحور في الرُّفَق 4-ماذا تقولون إن قال النبيُّ لكم حين الملائكة الأبرارُ في الأفق 5-فيما قتلتم شهيدَ الله في رجلٍ طاغٍ قد أوعث في البلدان والطرق هكذا كانت عين حسان -رضي الله عنه- - وأمثاله من المؤمنين - لا ترقأ مدامعها ، تنهمر غزيرة على خداع الجاهلية وضلالات الشرك التي أودت بأهل الرجيع ، سرية القراء والدعوة إلى الله .. وهكذا يكون التعاطف بين المؤمنين ، ويكون الرثاء في معاني جديدة ، معاني الإسلام ؛ ( الجنة ، والملائكة ، والشهادة ) .

________________________
(1) الإصابة 1/ 418 ، الاستيعاب 1 / 430 ، وابن هشام 2 /170-177 .
(2) السيرة النبوية : ابن هشام 2 /174 .
(3) سيرة ابن هشام : 2 /172 .
(4) ديوان حسان : ص 168 الغريب : - اللؤلؤ الفلق : شبه انتشار الدمع بانتثار اللؤلؤ المتفلق، لا ترقأ : لا تجف - في البيت الرابع : يقصد يومَ القيامة - أوعث أفسد ( ويشير إلى : الحارث بن عامر الذي قتله خبيب يوم بدر ) .
__________________








رد مع اقتباس