عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 2009-07-09, 09:31 PM
عبدالرزاق عبدالرزاق غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-06-24
المكان: أنصار السنة
المشاركات: 870
افتراضي

[align=center]المذاهب الفلسفية والمدارس الأدبية
1-وحدة الوجود
2- اللذة
3-الأفلاطونية الحديثة
4-العقلانية
5-النزعة الإنسانية
6-الإلحاد
7-المنفعة
8-الوضعية
9-المثالية
10-الوجودية
11-الفرويدية
12-الذرائعية "البرجماتية"
13-الروحية الحديثة

وحدة الوجود

التعريف :
وحدة الوجود مذهب(*) فلسفي لا ديني يقول بأن الله والطبيعة(*) حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرونه – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.

ونحن نوضح هذا المذهب لأن آثاره وبعض أفكاره لا زالت مبثوثة في فكر أكثر أهل الطرق الصوفية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، وفي أناشيدهم وأذكارهم وأفكارهم.

والمذهب كما سنرى موجود في الفكر النصراني واليهودي أيضاً، وقد تأثر المنادون بهذا الفكر من أمثال: ابن عربي، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وبالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من إغريقية ونصرانية وفارسية الأصل ومنها المذهب المانوي والمذهب الرزرادشتي وفلسفة(*) فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين(*).

التأسيس وأبرز الشخصيات وأهم آرائها:

إن فكرة وحدة الوجود قديمة جداً، فقد كانت قائمة بشكل جزئي عند اليونانيين القدماء، وهي كذلك في الهندوسية الهندية. وانتقلت الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين من أبرزهم: محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني. ثم انتشرت في الغرب الأوروبي على يد برونو النصراني وسبينوزا اليهودي.

ومن أبرز الشخصيات وأفكارهم:

ابن عربي 560هـ – 638هـ:
هو محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي، الحاتمي، الطائي، الأندلسي وينتهي نسبه إلى حاتم الطائي، أحد مشاهير الصوفية، وعرف بالشيخ الأكبر ولد في مرسية سنة 560هـ وانتقل إلى أشبيلية، حيث بدأ دراسته التقليدية بها ثم عمل في شبابه كاتباً لعدد من حكام الولايات.

في سن مبكرة وبعد مرض ألم به كان التحول الكبير في حياته، حيث انقلب بعد ذلك زاهداً سائحاً منقطعاً للعبادة والخلوة، ثم قضى بعد ذلك حوالي عشر سنين في مدن الأندلس المختلفة وشمالي إفريقية بصحبة عدد من شيوخ الصوفية.

في الثلاثين من عمره انتقل إلى تونس ثم ذهب إلى فاس حيث كتب كتابه المسمى: الإسراء إلى مقام الأسرى ثم عاد إلى تونس، ثم سافر شرقاً إلى القاهرة والقدس واتجه جنوباً إلى مكة حاجاً، ولزم البيت الحرام لعدد من السنين، وألف في تلك الفترة كتابه تاج الرسائل، وروح القدس ثم بدأ سنة 598 هـ بكتابة مؤلفه الضخم الفتوحات المكية.

في السنين التالية نجد أن ابن عربي ينتقل بين بلاد الأناضول وسورية والقدس والقاهرة ومكة، ثم ترك بلاد الأناضول ليستقر في دمشق. وقد وجد ملاذاً لدى عائلة ابن الزكي وأفراد من الأسرة الأيوبية الحاكمة بعد أن وجه إليه الفقهاء سهام النقد والتجريح، بل التكفير(*) والزندقة(*). وفي تلك الفترة ألف كتابه فصوص الحِكَم وأكمل كتابه الفتوحات المكية وتوفي ابن عربي في دار القاضي ابن الزكي سنة 638هـ ودفن بمقبرة العائلة على سفح جبل قسيون.

• مذهبه في وحدة الوجود:
يتلخص مذهب ابن عربي في وحدة الوجود في إنكاره لعالم الظاهر ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق هم ظل للوجود الحق فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق.

فابن عربي يقرر أنه ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق ومن أقواله التي تدل على ذلك:
"سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها".

ويقول مبيناً وحدة الوجود وأن الله يحوي في ذاته كل المخلوقات:
يا خالق الأشياء في نفسه *** أنت لما تخلق جامع
تخلق ما لا ينتهي كونه *** فيك فأنت الضيق الواسع

ويقول أيضاً :
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا *** وليس خلقاً بذاك الوجه فاذكروا
جمِّع وفرّق فإن العين واحدة *** وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذرْ

وبناءً على هذا التصور فليس ثمة خلق ولا موجود من عدم بل مجرد فيض(*) وتجليّ ومادام الأمر كذلك، فلا مجال للحديث عن علة أو غاية، وإنما يسير العالم وفق ضرورة مطلقة ويخضع لحتمية(*) وجبرية(*) صارمة.

وهذا العالم لا يتكلم فيه عن خير وشر ولا عن قضاء(*) وقدر(*) ولا عن حرية(*) أو إرادة ومن ثم لا حساب ولا مسؤولية وثواب ولا عقاب، بل الجميع في نعيم مقيم والفرق بين الجنة والنار إنما هو في المرتبة فقط لا في النوع.

وقد ذهب ابن عربي إلى تحريف آيات القرآن لتوافق مذهبه(*) ومعتقده، فالعذاب عنده من العذوبة، والريح التي دمرت عاد هي من الراحة لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة، وفي هذه الريح عذاب وهو من العذوبة:

ومما يؤكد على قوله بالجبر(*) الذي هو من نتائج مذهبه الفاسد:
الحكم حكم الجبر والاضطرار *** ما ثم حكم يقتضي الاختيار
إلا الذي يعزى إلينا ففي *** ظاهره بأنه عن خيار
لو فكر الناظر فيه رأى *** بأنه المختار عن اضطرار

وإذا كان قد ترتب على قول ابن عربي بوحدة الوجود قوله بالجبر ونفى الحساب والثواب والعقاب. فإنه ترتب على مذهبه أيضاً قوله بوحدة الأديان(*). فقد أكد ابن عربي على أن من يعبد الله ومن يعبد الأحجار والأصنام كلهم سواء لأنهم في الحقيقة ما عبدوا إلا الله إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق.

يقول في ذلك:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة *** فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف *** وألواح توراة ومصحف قرآن

فمذهب وحدة الوجود الذي قال به ابن عربي يجعل الخالق والمخلوق وحدة واحدة سواء بسواء، وقد ترتب على هذا المذهب نتائج باطلة قال بها ابن عربي وأكدها وهي قوله بالجبر ونفيه الثواب والعقاب وكذا قوله بوحدة الأديان.

وقد تابع ابن عربي في القول بوحدة الوجود تلاميذ له أعجبوا بآرائه وعرضوا لذلك المذهب(*) في أشعارهم وكتبهم من هؤلاء: ابن الفارض وابن سبعين والتلمساني.

أما ابن الفارض فيؤكد مذهبه في وحدة الوجود في قصيدته المشهورة بالتائية:
لها صلاتي بالمقام أقيمها *** وأشهد أنها لي صلَّت
كلانا مصل عابد ساجد إلى *** حقيقة الجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي فلم تكن *** صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
ومازالت إياها وإياي لم تزل *** ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت

فهو هنا يصرح بأنه يصلي لنفسه لأن نفسه هي الله. ويبين أنه ينشد ذلك الشعر لا في حال سُكْر(*) الصوفية بل هو في حالة الصحو(*) فيقول:
ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها *** وذاتي ذاتي إذا تحلت تجلت

والصوفية معجبون بهذه القصيدة التائية ويسمون صاحبها ابن الفارض بسلطان العاشقين، على الرغم مما يوجد في تلك القصيدة من كفر صريح والعياذ بالله.

وأما ابن سبعين فمن أقواله الدالة على متابعة ابن عربي في مذهب وحدة الوجود: قوله : رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك الله فقط، والكثرة وهم.

وهنا يؤكد ابن سبعين أن هذه الموجودات ليس له وجود حقيقي فوجودها وهم وليس ثمة فرق بين الخلق وبين الحق، فالموجودات هي الله!!

أما التلمساني وهو كما يقول الإمام ابن تيمية من أعظم هؤلاء كفراً، وهو أحذقهم في الكفر(*) والزندقة(*). فهو لا يفرق بين الكائنات وخالقها، إنما الكائنات أجزاء منه، وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر، وأجزاء البيت من البيت، ومن ذلك قوله:
البحر لا شك عندي في توحده *** وإن تعدد بالأمواج والزبد
فلا يغرنك ما شاهدت من صور *** فالواحد الرب ساري العين في العدد

ويقول أيضاً:
فما البحر إلا الموج لا شيء غيره *** وإن فرقته كثرة المتعدد

ومن شعره أيضاً:
أحن إليه وهو قلبي وهل يرى *** سواي أخو وجد يحن لقلبه؟
ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري *** وما بعده إلا لإفراط قربه

فالوجود عند التلمساني واحد، وليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق، بل كل المخلوقات إنما هي الله ذاته.
وقد وجد لهذا المذهب(*) الإلحادي(*) صدى في بلاد الغرب بعد أن انتقل إليها على يد برونو الإيطالي ورَوّج له اسبينوزا اليهودي.
جيور وانو برونو 1548-1611م وهو مفكر إيطالي، درس الفلسفة واللاهوت في أحد الأديرة الدينية، إلا أنه خرج على تعاليم الكنيسة(*) فرمي بالزندقة، وفرّ من إيطاليا، وتنقل طريداً في البلدان الأوروبية وبعد عودته إلى إيطاليا وشي به إلى محاكم التفتيش فحكم عليه بالموت حرقاً.

باروخ سبينوزا 1632 – 1677م وهو فيلسوف هولندي يهودي، هاجر أبواه من البرتغال في فترة الاضطهاد الديني لليهود من قبل النصارى، ودرس الديانة اليهودية والفلسفة كما هي عند ابن ميمون الفيلسوف اليهودي الذي عاش في الأندلس وعند ابن جبريل وهو أيضاً فيلسوف يهودي عاش في الأندلس كذلك.

ومن أقوال سبينوزا التي تؤكد على مذهبه في وحدة الوجود:
ما في الوجود إلا الله، فالله هو الوجود الحق، ولا وجود معه يماثله لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان متماثلان.

إن قوانين الطبيعة(*) وأوامر الله الخالدة شيء واحد بعينه، وإن كل الأشياء تنشأ من طبيعة الله الخالدة.

الله هو القانون الذي تسير وفقه ظواهر الوجود جميعاً بغير استثناء أو شذوذ.

إن للطبيعة عالماً واحداً هو الطبيعة والله في آن واحد وليس في هذا العالم مكان لما فوق الطبيعة.

ليس هناك فرق بين العقل(*) كما يمثله الله وبين المادة كما تمثلها الطبيعة(*) فهما شيء واحد.

يقول الإمام ابن تيمية بعد أن ذكر كثيراً من أقوال أصحاب مذهب(*) وحدة الوجود "يقولون: إن الوجود واحد، كما يقول ابن عربي – صاحب الفتوحات – وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني وأمثالهم – عليهم من الله ما يستحقونه – فإنهم لا يجعلون للخالق سبحانه وجوداً مبايناً لوجود المخلوق. وهو جامع كل شر في العالم، ومبدأ ضلالهم من حيث لم يثبتوا للخالق وجوداً مبايناً لوجود المخلوق وهم يأخذون من كلام الفلاسفة شيئاً، ومن القول الفاسد من كلام المتصوفة والمتكلمين شيئاً ومن كلام القرامطة والباطنية(*) شيئاً فيطوفون على أبواب المذاهب ويفوزون بأخسِّ المطالب، ويثنون على ما يذكر من كلام التصوف المخلوط بالفلسفة" (جامع الرسائل 1 – ص167).

الجذور الفكرية والعقائدية:

لقد قال بفكرة وحدة الوجود فلاسفة قدماء: مثل الفيلسوف اليوناني هيراقليطس فالله – سبحانه وتعالى – عنده نهار وليل وصيف وشتاء، ووفرة وقلة، جامد وسائل، فهو كالنار المعطرة تسمى باسم العطر الذي يفوح منها.

وقالت بذلك الهندوسية الهندية: إن الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي والروح الإنسانية جزء من الروح العليا وهي كالآلهة(*) سرمدية غير مخلوقة.

وفي القرن السابع الهجري قال ابن عربي بفكرة وحدة الوجود وقد سبق ذكر أقواله.

وفي القرن السابع عشر الميلادي ظهرت مقولة وحدة الوجود لدى الفيلسوف اليهودي سبينوزا، الذي سبق ذكره، ويرجح أنه اطلع على آراء ابن عربي الأندلسي في وحدة الوجود عن طريق الفيلسوف اليهودي الأندلسي ابن ميمون.

وقد أعجب سبينوزا بأفكار برونو الإيطالي الذي مات حرقاً على يد محاكم التفتيش، وخاصة تلك الأفكار التي تتعلق بوحدة الوجود. ولقد قال أقوالاً اختلف فيها المفكرون، فمنهم من عدُّوه من أصحاب وحدة الوجود، والبعض نفى عنه هذه الصفة.

وفي القرن التاسع عشر الميلادي نجد أن مقول وحدة الوجود قد عادت تتردد على ألسنة بعض الشعراء الغربيين مثل بيرس شلي 1792 – 1822م فالله سبحانه وتعالى في رأيه – تعالى عما يقول: "هو هذه البسمة الجميلة على شفتي طفل جميل باسم، وهو هذه النسائم العليلة التي تنعشنا ساعة الأصيل، وهو هذه الإشراقة المتألقة بالنجم الهادي، في ظلمات الليل، وهو هذه الورود اليانعة تتفتح وكأنه ابتسامات شفاه جميلة إنه الجمال أينما وجد..".

وهكذا فإن لمذهب وحدة الوجود أنصار في أمكنة وأزمنة مختلفة.


موقف الإسلام من المذهب:

الإسلام يؤمن بأن الله جل شأنه خالق الوجود منزَّه عن الاتحاد(*) بمخلوقاته أو الحلول(*) فيها. والكون شيء غير خالقه، ومن ثم فإن هذا المذهب(*) يخالف الإسلام في إنكار وجود الله، والخروج على حدوده، ويخالفه في تأليه المخلوقات وجعل الخالق والمخلوق شيئاً واحداً، ويخالفه في إلغاء المسؤولية الفردية، والتكاليف الشرعية، والانسياق وراء الشهوات البهيمية، ويخالفه في إنكار الجزاء المسؤولية والبعث والحساب.

ويرى بعض الدعاة أن وحدة الوجود عنوان آخر للإلحاد(*) في وجود الله وتعبير ملتوٍ للقول بوجود المادة فقط وأن هذا المذهب تكئة لكل إباحي يلتمس السبيل إلى نيل شهواته تحت شعار من العقائد أو ملحد يريد أن يهدم الإسلام بتصيد الشهوات أو معطل يحاول التخلص من تكاليف الكتاب والسنة.

يتضح مما سبق:
أن هذا المذهب(*) الفلسفي هو مذهب لا ديني، جوهره نفي الذات الإلهية، حيث يوحِّد في الطبيعة بين الله تعالى وبين الطبيعة(*)، على نحو ما ذهب إليه الهندوس أخذاً من فكرة يونانية قديمة، وانتقل إلى بعض غلاة المتصوفة كابن عربي وغيره، وكل هذا مخالف لعقيدة التوحيد في الإسلام، فالله سبحانه وتعالى منزه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها.

------------------------------
مراجع للتوسع :
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، مترجمة من الإنجليزية بإشراف زكي نجيب محمود دار القلم بيروت.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي، مكتبة لبنان – بيروت.
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، وآخر، لجنة التأليف والنشر – القاهرة.
- جامع الرسائل المجموعة الأولى، ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، مطبعة المدني – القاهرة.
- المنقذ من الضلال، دراسة د. عبد الحليم محمود، دار الكتاب اللبناني بيروت ط. 1979م.
- فصوص الحكم، ابن عربي.
- الفتوحات المكية، ابن عربي.
- تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي ومعه نقد تائية ابن الفارض، برهان الدين البقاعي.
- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ابن قيم الجوزية.
- History of Philosophy by F.C. Copestone Burns – London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding. London 1956.
- Ethics by B. de Spinosa. Tr. Boyle. London 1955.
- Political Works by B. de Spinosa with tr. A. Wornham. O.V.P. Oxford ad New York 1958.
- Vindication of ****physics: A study in the Philosophy of Spinoza by r.L. Saw Macmillan London 1951.



اللــذة

التعريف :
اللذة: مذهب(*) غير أخلاقي فلسفي، يرى أن اللذة هي الشيء الخيِّر الوحيد في الوجود.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

اللذة مذهب قديم جديد في نفس الوقت، فهو قد تأسس بالفعل في العهد اليوناني القديم، وظهر بثوبه الجديد في مذهب المنفعة الذي نادى به فلاسفة أوروبا في الوقت الحاضر.

ومن أبرز شخصياته القديمة والجديدة:

الفيلسوف أبيقور اليوناني 343 – 270 ق.م، ولد في أثينا في اليونان، وقد اختلف الكتَّاب في أفكاره وحياته الخاصة، فبعض الكتَّاب المتأخرين يصف حياته بالحياة المنعمة اللاأخلاقية، إلا أن البعض الآخر يقول بأن كل خطاباته تدل على أنه كان متواضعاً في طعامه، وأن مفهوم اللذة عنده لا يقصد به الإباحية الأخلاقية أو ما شابه ذلك من مفاهيم.

جيرمي بنتام 1748 – 1823م وهو أول فيلسوف إنكليزي أبرز مذهب اللذة في القرن التاسع الميلادي، وذلك في كتابه مقدمة لأصول الأخلاق والتشريع.

جون ستيوارت ميل 1806 – 1873م – وهو الفيلسوف الإنكليزي الذي نادى باللذة والمنفعة أيضاً.

جون لوك 1632 – 1704م وهو فيلسوف إنكليزي. قال بأن فكرة الخير: يجب أن تُعرّف بأنها هي نفسها كلمة اللذة أو على الأقل تعرف تعريفاً يردها إلى اللذة وعارض نظرية الحق الإلهي، وقال بأن الاختيار هو أساس المعرفة.

الأفكار والمعتقدات:

يمكن إجمال الأفكار الأساسية لأصحاب مذهب(*) اللذة فيما يلي:

إن اللذة هي وحدها الخير، وهي خير الدوام، ولا توجد اللذة إلا من خلال إقصاء الألم وكل ما يعكر صفو العقل(*). ولا يقصد باللذة لذَّات أصحاب الشهوات الحسية ولا إدمان الشراب.

اللذة نوعان:
1- لذة جسمية تبلغ أوج صورها في الصحة الجسمية الكاملة.
2- لذة عقلية وتعني التحرر الكامل من الخوف والقلق.

إن آلام العقل أقسى من آلام البدن التي يمكن تحملها والتي تنتهي لا محالة بالموت، والموت أمر طبيعي لا يوصف بأنه شر ولا بأنه خير كذلك.

لا يستطيع الإنسان أن يحيا حياة سعيدة ما لم يقض هذه الحياة في كل ما هو فاضل بالفعل، والحياة الفاضلة هي مصدر اللذة، لأن الإنسان يقضيها في تحصيل العلم أساساً.

اللذة هي الشيء الوحيد الذي "هو خير في ذاته". والألم هو الشيء الوحيد الذي هو "شر في ذاته"، والسعادة تشمل اللذة والتخلص من الألم، وإن رجحان كفة اللذة يعني صيرورة حياة الإنسان مصدراً للمزيد من اللذة.

الجذور الفكرية العقائدية:

إن كلمة Hedonism مشتقة من الكلمة اليونانية Hoedone ومعناها: "اللذة" الحسية الدنيوية، وهي وحدها أساس اهتمام الفلاسفة الذين نادوا بها.

فأبيقور كان فيلسوفاً علميًّا، إذ لم يهتم بالفلسفة النظرية التي كان معاصروه يهتمون بها.. فتوجه إلى البحث عن سر السعادة البشرية سيما وأن الحياة اليونانية الوثنية(*) لا تهتم بالحياة الآخرة، وليس فيها أية قوانين خلقية روحية. وقد وجد أبيقور سر السعادة في اللذة، التي لا تعني إلا الخير.. ولذا فقد أساء البعض فهم اللذة عند أبيقور عندما تصوروا أنه لا يدعو إلا إلى اللذة الحسية.

أما الفلاسفة المحدثون أمثال بنتام ولوك وميل الذين قالوا بالمنفعة، فهم من الفلاسفة الماديين الحسيين.. ولذا فإن قولهم بمذهب المنفعة(*)، لا يعني سوى المنفعة المادية الحسية.

يتضح مما سبق :
أن اللذة مذهب(*) غير أخلاقي فلسفي يرى أن اللذة هي الشيء الخيِّر الوحيد في الوجود، واللذة إما أن تكون جسمية وإما أن تكون عقلية، وإذا كانت آلام العقل أقسى من آلام البدن، فإن الإنسان يجب أن يحيا حياة فاضلة حتى يستشعر اللذة، لأن رجحان كفة اللذة التي هي مبعث السعادة، يعني صيرورة حياة الإنسان مصدراً للمزيد من اللذة.

----------------------------
مراجع للتوسع :
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، مترجمة عن الإنكليزية.. دار القلم – بيروت.
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين وآخر- لجنة التأليف والنشر – القاهرة – 1978م.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي – مكتبة لبنان – بيروت.
- History of Philosophy by F.C. Copleston Burns – London 1947.
- Epicurus and his gods Y.A.J. Festugire tre. C.W. Chilton, Oxford 1955.
- Bentham, ed. W. Harrison Blackwell, Oxford and Macmillan. New York 1948.
- Two Treatises of Government by J. Locke ed T. Cook, Hafner, London 1956.
- J. Looke by D.J. O’connor, London 1952.


الأفلاطونية الحديثة

التعريف :
الأفلاطونية الجديدة تسمية حديثة لآراء مجموعة من الفلاسفة والمفكرين الملاحدة تمتد من 250 ق.م حتى 550م وهذه الآراء تحاول إعطاء تفسير للكون والإنسان والحياة، لتلبية طموح الإنسان من النواحي الدينية والأخلاقية والعقلية. وهي تختلف اختلافاً جوهريًّا عن آراء أفلاطون اليوناني: إذ إنها تؤمن بإله(*) مفارق للكون. وهذا الإله يفيض(*) عنه الكون والوجود كله بما فيه من مخلوقات.

والأفلاطونية الجديدة أثّرت كثيراً – في طور أحدث – بأفكار بعض الفلاسفة المسلمين أمثال ابن سينا وغيره، ولا تزال تؤثر في كثير من الطرق الصوفية في العالم الإسلامي.. ومن هنا كان اهتمامنا بتوضيحها للقارئ المسلم.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

تأسست الأفلاطونية الجديدة في مدينة الإسكندرية على يد أفلوطين 205 – 270م الذي درس الفلسفة(*) اليونانية واطلع على الديانات القديمة والأساطير والسحر والشعوذة.. وكتب كتابات كثيرة في مذهبه الذي سنوضح أفكاره لاحقاً.

ثم جاء فرفرويوس 234 –305 م ونشر كتابات أفلوطين وهاجم النصرانية بكتابه ضد المسيحيين وله عدة مؤلفات أخرى.

ثم أتى مبليخوس توفي عام 330م الذي ألف عدة رسائل فلسفية، منها أسرار مصرية وهي تفسير فلسفي لطقوس مصر وتعاليمها الدينية قبل الإسلام.

وجاء أبرقلس 410 – 485م الرجل المدرسي في الأفلاطونية الجديدة الذي عرض المذهب في مؤلفين: مبادئ اللاهوت ولاهوت أفلاطون.

أما أوغسطين 354 – 440م القديس الذي ولد في الجزائر من أم نصرانية وأب وثني، فقد انتسب إلى الأفلاطونية الجديدة، وقارن بينها وبين النصرانية، وقال بأن النصرانية هي الفلسفة الحقة!!

الأفكار والمعتقدات:

الأفلاطونية الجديدة خليط من الأفكار والفلسفات والمعتقدات الوثنية(*) واليهودية والنصرانية، والأساطير، وغيرها.

تدعو الأفلاطونية إلى إله(*) تفيض عنه الأشياء جميعاً بحيث لا تنفصل عنه، فيضاً لا يتحدد بزمن أو تاريخ ولا يتقيد بإرادة ولا ينقطع، وهذا الفيض(*) لا ينقص مصدره، بل يظل كاملاً غير منقوص.

وهذا الإله المبدأ الأسمى للوجود يطلق عليه واحد غير محدد بسيط لا كيف له، وهو الخير المطلق عندهم.

عملية الفيض الأزلية تبدأ أولاً بالعقل(*) أو الروح ثم النفس ثم الواقع الحسي في الزمان والمكان.

عملية الفيض دقيقة موزونة بحيث لا تترك نقصاً أو ثغرات في الكون، أما النقص الذي في الإنسان أو الشر فهو ناتج عن ابتعاد الإنسان عن الخير أو عن الألوهية، وينتج عن ذلك الشوق إلى العودة إلى الله.

الألوهية لا يمكن الوصول إليها عن طريق العقل، لأنه قاصر عن ذلك وإنما يمكن الوصول إليها عن طريق نوع آخر من المعرفة لا يتوصل إليها إلا بعد القضاء على نوازع الجسم المادي، والتطهير، ثم الفناء(*) في الواحد، وهذه هي حالة الوجد أو النشوة التي يطمح أن يصل إليها الإنسان.

تأثير هذه الأفكار والمعتقدات:
أثرت الأفلاطونية الجديدة في تفكير كثير من الفلاسفة المسلمين أمثال ابن سينا والفارابي وغيرهم وأخذوا عنها نظرية الفيض الإلهي، التي تدعي أن العالم يجيء صدوراً عن الله في صورة فيض، فمرتبة تفيض عن مرتبة.. وهكذا حتى تصل إلى أدنى المراتب.

وأثرت الأفلاطونية الجديدة في التصوف الإسلامي أيضاً وخاصة في أولئك المتصوفة المتأثرين بالفلسفة(*).. ثم فشا تأثيرها في طرق التصوف. وخاصة فيما يتعلق بعملية التطهير أو التزكية للوصول إلى المعرفة الكاملة أو الإيمان الكامل، وهو سعي الإنسان جاهداً للوصول إلى المصدر الذي صدر عنه والفناء فيه، وما يحتاج إليه ذلك من مجاهدة شديدة الصلابة لإماتة نوازع الجسد المفطور عليها.

الجذور الفكرية والعقائدية:
أخذت الأفلاطونية الجديدة من أفلاطون خيالاته في عالم المثل، ومن أرسطو تساؤلاته عن المعاني الكلية وهل لها وجود مستقل؟ ومن الرواقيين(*) السمو الخلقي والترقي الروحي، ومن النصرانية تأثيراتها الروحية والخلقية، ومن البوذية مسألة التطهير والتزكية والفناء(*) في المصدر الأول.

إلا أن ما جاء به أفلوطين من أفكار وآراء حول عملية الفيض(*) أو الصدور عن الله يعد جديداً في بابه كما يرى كثير من المفكرين.

الانتشار ومواقع النفوذ:
تأسست الأفلاطونية الجديدة في الإسكندرية، وانتشرت في الفكر الأوربي اللاهوتي كله والفكر الصوفي النصراني والإسلامي.

ولا شك أن هذه الآراء مرفوضة من وجهة النظر الإسلامية وقد أبان مفكرو الإسلام تهافتها من أكثر من وجه.

ويتضح مما سبق:
أن الأفلاطونية الجديدة، هي خلاصة آراء بعض الفلاسفة الملحدين، وهي خليط من الأفكار والفلسفات والمعتقدات الوثنية(*) واليهودية والنصرانية والأساطير وغيرها، تقول بوجود إله(*) "هو المبدأ الأسمى للوجود، بسيط لا نظير له، وهو الخير المطلق عند أتباعها، وهذا الإله تفيض عنه الأشياء جميعاً ولا تنفصل عنه، والعقل(*) هو الأساس الوحيد لإدراك حقيقة الألوهية التي لا يمكن الوصول إليها عن طريق نوع آخر من أنواع المعرفة". ولا شك أن هذه الآراء مرفوضة من وجهة النظر الإسلامية وقد أبان مفكرو الإسلام تهافتها من أكثر من وجه.

----------------------------
مراجع للتوسع :
- تهافت الفلاسفة، لأبي حامد الغزالي.
- الإشارات والتنبيهات، لابن سينا.
- نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، د. علي سامي النشار.
- الأفلاطونية المحدثة عند العرب، د. عبد الرحمن بدوي.

المراجع الأجنبية :
- History of Philosophy by F.C. Copleston Burns, London 1947.
- The Philosophy of Plotinus by W.r. Inge Logmans. London and New York, rev. ed. 1948.
- The Architecture of the Intelligible Universe in the Philosophy of Plotinus by A.H. Armstrong. C.U.P. Cambridge 1940.
- Complete English Translation by S. Mackenma rev. B.S. page Warner, London 1917-30.
- Saint Augustine by II. Marron. Longmans. London 1957.
- Avicenna on Theology by A.J. Arberry. Murray. London 1951.


العقلانيــة

التعريف :
العقلانية مذهب(*) فكري يزعم أنه يمكن الوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجود عن طريق الاستدلال العقلي بدون الاستناد إلى الوحي(*) الإلهي أو التجربة البشرية وكذلك يرى إخضاع كل شيء في الوجود للعقل(*) لإثباته أو نفيه أو تحديد خصائصه.

ويحاول المذهب إثبات وجود الأفكار في عقل الإنسان قبل أن يستمدها من التجربة العملية الحياتية أي أن الإدراك العقلي المجرد سابق على الإدراك المادي المجسد.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

العقلانية مذهب قديم جديد بنفس الوقت. برز في الفلسفة(*) اليونانية على يد سقراط وأرسطو، وبرز في الفلسفة الحديثة والمعاصرة على أيدي فلاسفة أثَّروا كثيراً في الفكر البشري أمثال: ديكارت وليبنتز وسبينوزا وغيرهم.

رينيه ديكارت 1596 – 1650م فيلسوف فرنسي اعتمد المنهج(*) العقلي لإثبات الوجود عامة ووجود الله على وجه أخص وذلك من مقدمة واحدة عُدت من الناحية العقلية غير قابلة للشك(*) وهي: "أنا أفكر فأنا إذن موجود".

ليبنتز: 1646 – 1716م فيلسوف ألماني، قال بأن كل موجود حي وليس بين الموجودات مِنْ تفاوت في الحياة إلا بالدرجة – درجة تميز الإدراك – والدرجات أربع: مطلق الحي أي ما يسمى جماداً، والنبات فالحيوان فالإنسان.

وفي المجتمع الإسلامي نجد المعتزلة تقترب من العقلانية جزئيًّا، إذ اعتمدوا على العقل(*) وجعلوه أساس تفكيرهم ودفعهم هذا المنهج إلى تأويل(*) النصوص من الكتاب والسنة التي تخالف رأيهم. ولعل أهم مقولة لهم قولهم بسلطة العقل وقدرته على معرفة الحسن والقبيح ولو لم يرد بها شيء. ونقل المعتزلة الدين(*) إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية وذلك لتأثرهم بالفلسفة(*) اليونانية.

وقد فنَّد علماء الإسلام آراء المعتزلة في عصرهم، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل ثم جاء بعد ذلك ابن تيمية وردَّ عليهم ردًّا قويًّا في كتابه درء تعارض العقل والنقل وبيّن أن صريح العقل(*) لا يمكن أن يكون مخالفاً لصحيح النقل. وهناك من يحاول اليوم إحياء فكر المعتزلة إذ يعدونهم أهل الحرية الفكرية في الإسلام، ولا يخفى ما وراء هذه الدعوة من حرب على العقيدة الإسلامية الصحيحة، وإن لبست ثوب التجديد(*) في الإسلام أحياناً.

العقائد والأفكار:

تعتمد العقلانية على عدد من المبادئ الأساسية هي:
العقل لا الوحي(*) هو المرجع الوحيد في تفسير كل شيء في الوجود.
يمكن الوصول إلى المعرفة عن طريق الاستدلال العقلي وبدون لجوء إلى أية مقدمات تجريبية.
عدم الإيمان بالمعجزات(*) أو خوارق العادات.
العقائد الدينية ينبغي أن تختبر بمعيار عقلي.

الجذور الفكرية والعقائدية:

كانت العقلانية اليونانية لوناً من عبادة العقل وتأليهه وإعطائه حجماً أكبر بكثير من حقيقته. كما كانت في الوقت نفسه لوناً من تحويل الوجد إلى قضايا تجريدية.

وفي القرون الوسطى سيطرت الكنيسة(*) على الفلسفة الأوروبية، حيث سخَّرت العقل لإخراج تحريفها للوحي(*) الإلهي في فلسفة عقلية مسلَّمة لا يقبل مناقشتها.

وفي ظل الإرهاب الفكري الذي مارسته الكنيسة انكمش نشاط العقل الأوروبي، وانحصر فيما تمليه الكنيسة والمجامع المقدسة، واستمرت على ذلك عشرة قرون.

وفي عصر النهضة(*)، ونتيجة احتكاك أوروبا بالمسلمين – في الحروب الصليبية والاتصال بمراكز الثقافة في الأندلس وصقلية والشمال الإفريقي – أصبح العقل الأوربي في شوق شديد لاسترداد حريته في التفكير، ولكنه عاد إلى الجاهلية(*) الإغريقية ونفر من الدين(*) الكنسي، وسخَّر العقل(*) للبعد عن الله، وأصبح التفكير الحر معناه الإلحاد(*)، وذلك أن التفكير الديني معناه عندهم الخضوع للفقيد الذي قيدت به الكنيسة العقل وحجرت عليه أن يفكر.

يتضح مما سبق :
أن العقلانية مذهب(*) فكري فلسفي يزعم أن الاستدلال العقلي هو الطريق الوحيد للوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجود، بدون الاستناد إلى الوحي(*) الإلهي أو التجربة البشرية، وأنه لا مجال للإيمان بالمعجزات أو خوارق العادات، كما أن العقائد الدينية يمكن، بل ينبغي أن تختبر بمعيار عقلي، وهنا تكمن علله التي تجعله مناوئاً ليس فقط للفكر الإسلامي، بل أيضاً لكل دين سماوي صحيح.

----------------------------
مراجع للتوسع :
- مذاهب فكرية معاصرة، محمد قطب، دار الشروق – بيروت ط1407هـ.
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، بإشراف د. زكي نجيب محمود دار القلم ، بيروت.
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، زكي نجيب محمود، لجنة التأليف والنشر القاهرة 1978م.
- تاريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم، دار المعارف – القاهرة.
- درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بتحقيق د. محمد رشاد سالم.

النزعة الإنسانية

التعريف :
النزعة الإنسانية هي اتجاه فكري عام تشترك فيه العديد من المذاهب(*) الفلسفية والأدبية والأخلاقية والعلمية، ظهرت النزعة الإنسانية في عصر النهضة(*).

التأسيس وأبرز الشخصيات:

ظهر المذهب الإنساني في إيطاليا في بداية عصر النهضة الأوروبية.

وأبجديات النزعة إنما تترجم الانتفاضة التي عبّرت عنها النهضة الأوروبية باعتبارها تغيراً في الفكر نجم عنه تغير في جميع شؤون الحياة. فالإنسان الأول كان مكبلاً بقيود الكنيسة(*) طوال فترة الإظلام الفكري المسماة بالعصور الوسطى والتي استطالت إلى أكثر من عشرة قرون، إذ كان خلالها مطالباً بالطاعة العمياء لرجال الدين وكان يُساق كما يساق القطيع، ويكفي أنه من طبيعة فاسدة بسبب الخطيئة الأصلية!! أما المرأة، فهي لا ينبغي أن تُحب لأنها سبب الخطيئة، لذا عزف رجال الدين عن الزواج بها. وإذا سمحوا لغيرهم بالارتباط بها بالزواج فذلك فقط باعتبارها وسيلة للإنجاب واستمرار البشرية. أما الرجال فهم وسيلة أيضاً لتحقيق أهداف الكنيسة، وكل من خرج على هذه الأهداف يواجه الموت حرقاً.

ومن أسماء الرواد الأوائل للمذهب الإنساني بوجيو وبروني، والمحامي البارز مونتبلشيانو وكلهم عاشوا خلال القرن الخامس عشر الميلادي.

أراسمس ولد في روتردام سنة 1466م ويعد من أكبر ممثلي المذهب الإنساني من ناحية معرفته بالأدب اليوناني واللاتيني.

في فرنسا مثل المذهب ستيفانوس وسكاليجر ودوليه.

ويعد رينيه ديكارت 1956 – 1650م الفيلسوف الفرنسي من أنصار المذهب الإنساني ولكنه يؤمن بوجود الله تعالى.

وكذلك سبينوزا 1632 – 1677م الفيلسوف الهولندي وهو يشبه ديكارت في الاعتقاد.

وكتابات جان جاك روسو 1712 – 1778م تحمل الطابع الإنساني.

وجون لوك 1632 – 1704م الفيلسوف الإنجليزي كان إنساني المذهب(*).

والفيلسوف الألماني كانت 1724 – 1804م في مذهبه الانتقادي كان إنساني المذهب.

والفيلسوف شيلر المتوفى سنة 1937م الإنجليزي الألماني الأصل.

والكاتب الفرنسي فرانسيس بوتر، ألف كتاباً بعنوان المذهب الإنساني بوصفه ديانة جديدة.

والأديب الإنجليزي ت.س. إليوت 1888 – 1965م يعتبر نفسه من أتباع المذهب الإنساني، وهو من أبرز ممثلي الشعر الحر.

الأفكار والمعتقدات :

تأكيد الفردية الإنسانية:
في مجال الدين(*): الاستجابة لحكم الفرد الخاص ضد سلطة الكنيسة(*) وتأييد فكرة ظهور الدول القومية.

في مجال الفلسفة(*): تأكيد ديكارت للوعي الفردي عند المفكر وشدة الاعتماد على الفعل وتغليب وجهة النظر المادية الدنيوية.

قصر الاهتمام الإنساني على المظاهر المادية للإنسان في الزمان والمكان.

المذهب الإنساني أوحى بالأفكار التحررية لقادة الفكر في عصر النهضة(*) الأوروبية ووصل إلى ذروته إبان الثورة(*) الفرنسية.

الثقة بطبيعة الإنسان وقابليته للكمال، وإمكان حدوث التقدم المستمر.

تأكيد أن الشرور والنقائض التي اعترضت طريق الإنسان لم يكن سببها الخطيئة كما تقرر النصرانية، وإنما كان سببها النظام الاجتماعي السيئ.

الدفاع عن حرية(*) الفرد.

إمكان مجيء العصر السعيد والفردوس الأرضي، ويكون ذلك بالرخاء الاقتصادي، وتحقيق ذلك يكون بتبديد الخرافات والأوهام ونشر التربية العملية.

وقد نقد الفلاسفة والمفكرون الإنسانية ومن أهم ما جاء في نقدهم:

إن تقدم العلم الحديث لم يصحبه تقدم في قدرة الإنسان على حسن استعمال العلم.

وإن البشر وجهوا اهتماماتهم جميعاً إلى المسائل الدنيوية، ونسوا كل ما يسمو على ذلك وتركزت مطامعهم في الأشياء الزائلة التي يسرها لهم العلم، وحدث من جراء ذلك صدع بين تقدم الإنسان في المعرفة وتقدمه الأخلاقي.

إن الإنسانية تؤكد على زيادة خطر الإسراف في الاعتماد على الآلة، فهذا الإسراف قد يقضي على الأصالة والابتكار.

كما أن الأسس الأخلاقية لا تصلح إلا إذا استندت إلى الاعتقاد بوجود نظام أسمى من النظام الدنيوي والإيمان بالمبادئ الخالدة المطلقة، أما إذا اقتصرت الآداب على أن تكوم خاضعة للمواءمة بين الإنسان وبيئته، كلما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال، فإنها بذلك تفقد قيمتها العامة.

وطريق الخلاص هو رفع الأخلاق(*)، ولا يحدث هذا إلا بإيحاء من الإيمان الديني، أما الآداب العلمانية فلا تمنحنا الخلاص.

إن المذهب الإنساني قدم للإنسانية وعوداً لم يحققها، كما أنه أفقد الناس الشعور بالحقائق الروحية، وجعل الناس عبيداً للقوى المادية(*) العمياء.

إن وجود الشر ينقض أداء المذهب(*) الإنساني لصلاح الإنسان وقابليته للتقدم.

وقد عزى الناقدون إخفاق عصبة الأمم في تسوية المشكلات في العالم وانتشار الفاشية والنازية إلى ظهور المذهب الإنساني.

إن عيوب المدنية الغربية ترجع في الغالب الأعم منها إلى المذهب الإنساني في تياره الإلحادي(*).

ومن أهم الأفكار التي تبنتها النزعة الإنسانية ما يلي:
يجب على الإنسان أن يبحث دائماً عن معنى وجوده وحياته.

الحياة في حد ذاتها شيء رائع ويستحق أن يعيشها الإنسان مهما احتوت على صراعات وتناقضات وآلام.
على الإنسان أن يواجه الألم ويتسلح بالأمل في نفس الوقت.
على الإنسان أن يهتم بالمادة قبل الروح لأنها الشيء الوحيد الذي يستطيع إدراكه والسيطرة عليه.

إن الطريقة الوحيدة كي يحقق الإنسان إنسانيته هي في التمتع بكل الملذات الجسدية والحسية لأنها الشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان لمسه وإدراكه.

الإنسانية ترحب بالقومية والوطنية والمحلية، ولكنها تأبى العنصرية لأنها امتهان صارخ لبقية العوامل المشكلة للنسيج الإنساني الشامل، والأدب العنصري ليس سوى جسماً غريباً في نسيج الأدب الإنساني سرعان ما يلفظه ويأباه.

الجذور الفكرية والعقائدية:

إن الحركة الفكرية التي نشأت في عصر النهضة(*) الأوروبية هي الأساس في ظهور الإنسانية. وكان الوقود الذي أشعل هذه الحركة يحتوي على الفكر اليوناني الوثني(*) المعارض للفكر الديني، والآداب اليونانية واللاتينية ومن هنا كان شعار الإنسانية كلمة الفيلسوف اليوناني القديم "إن الإنسان مقياس للأشياء جميعها" فضلاً عن انغماس الإنسان بالمادة في بدايته، وحب اكتناز المال والثروات، والاستمتاع بالحياة الزائلة.

أماكن الانتشار:
انتشرت الإنسانية في أوروبا ثم عمت الغرب والشرق ومعظم سلبيات المدنية الغربية الحاضرة تعتبر ثمرة من ثمارها.

ويتضح مما سبق:
أن النزعة الإنسانية هي مذهب(*) فلسفي أدبي مادي لا ديني، يؤكد فردية الإنسان ضد الدين(*) ويغلب وجهة النظر المادية(*) الدنيوية وهو من أسس فلسفة(*) كونت الوضعية وفلسفة بتنام النفعية وكتابات برتراند راسل الإلحادية(*)، وهذا يعني فشل هذا المذهب على الصعيد العقدي، أما فشله على الصعيد العملي الواقعي المؤثر بصورة ملموسة في أسلوب سلوك الفرد، فدليله أنه منَّى الإنسان بأمان كاذبة لم تتحقق على الإطلاق، ونسي أن طريق الخلاص لا يمكن أن يتم إلا من خلال خاتم الأديان . وهذا أمر ينبغي أن يتنبه له المسلم وهو يتعامل مع نتاج هذا المذهب حيث أن الإسلام قد كرم الإنسان، وتعاليمه كلها إنسانية(ولقد كرمنا بني آدم..) ؛ لكن بعض الناس يختار الكفر فيسلبه الله هذا التكريم ( أولئك هم شر البرية ) .


مراجع للتوسع:
- شيلر: من نوابغ الفكر الغربي، د. عثمان أمين.
- مجلة عالم الفكر، المجلد الثاني العدد الثالث 1974م. مقال بعنوان الهيومانزم.
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل ورفاقه، دار القلم – بيروت.
- Studies in Humanism by F.C.S. Schiller, Macmillan, London, 2nd ed. 1912.
- Humanism: Phillosophical Essays by F.C.S. Schiller, Macmillan. London 1912.
- Essay Concerning Human Understanding by J. Locke ed. r. Wilburn. London 1947.
- History of Philosophy by F.C. Copleston Burns, London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding, London 1956.



الإلحــاد

التعريف :
الإلحاد(*) هو : مذهب فلسفي يقوم على فكرة عدمية أساسها إنكار وجود الله الخالق سبحانه وتعالى:
فيدّعي الملحدون بأن الكون وجد بلا خالق.
وأن المادة أزلية أبدية، وهي الخالق والمخلوق في نفس الوقت.
ومما لا شك فيه أن كثيراً من دول العالم الغربي والشرقي تعاني من نزعة إلحادية عارمة جسدتها الشيوعية المنهارة والعلمانية المخادعة.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

الإلحاد بدعة جديدة لم توجد في القديم إلا في النادر في بعض الأمم والأفراد.

يعد أتباع العلمانية هم المؤسسون الحقيقيين للإلحاد، ومن هؤلاء : أتباع الشيوعية والوجودية والداروينية.

الحركة الصهيونية أرادت نشر الإلحاد في الأرض فنشرت العلمانية لإفساد أمم الأرض بالإلحاد والمادية(*) المفرطة والانسلاخ من كل الضوابط التشريعية والأخلاقية كي تهدم هذه الأمم نفسها بنفسها، وعندما يخلو الجو لليهود يستطيعون حكم العالم.

نشر اليهود نظريات ماركس في الاقتصاد والتفسير المادي للتاريخ(*) ونظريات فرويد في علم النفس ونظرية دارون في أصل الأنواع ونظريات دور كايم في علم الاجتماع، وكل هذه النظريات من أسس الإلحاد في العالم.

أما انتشار الحركات الإلحادية بين المسلمين في الوقت الحاضر، فقد بدأت بعد سقوط الخلافة(*) الإسلامية.

صدر كتاب في تركيا عنوانه: مصطفى كمال للكاتب قابيل آدم يتضمن مطاعن قبيحة في الأديان وبخاصة الدين الإسلامي. وفيه دعوة صريحة للإلحاد بالدين(*) وإشادة بالعقلية الأوروبية.

إسماعيل أحمد أدهم. حاول نشر الإلحاد في مصر، وألف رسالة بعنوان لماذا أنا ملحد؟ وطبعها بمطبعة التعاون بالإسكندرية حوالي سنة 1926م.

إسماعيل مظهر أصدر في سنة 1928م مجلة العصور في مصر، وكانت قبل توبته تدعو للإلحاد والطعن في العرب والعروبة طعناً قبيحاً. معيداً تاريخ الشعوبية(*)، ومتهماً العقلية العربية بالجمود والانحطاط، ومشيداً بأمجاد بني إسرائيل ونشاطهم وتفوقهم واجتهادهم.

أسست في مصر سنة 1928م جماعة لنشر الإلحاد تحت شعار الأدب واتخذت دار العصور مقراً لها واسمها رابطة الأدب الجديد وكان أمين سرها كامل كيلاني.. وقد تاب إلى الله بعد ذلك.

ومن أعلام الإلحاد في العالم:

أتباع الشيوعية: ويتقدمهم كارل ماركس 1818 – 1883م اليهودي الألماني. وإنجلز عالم الاجتماع الألماني والفيلسوف السياسي الذي التقى بماركس في إنجلترا وأصدرا سوياً المانيفستو أو البيان الشيوعي سنة 1820 – 1895م.

أتباع الوجودية: ويتقدمهم:
جان بول سارتر.
وسيمون دوبرفوار.
والبير كامي.
وأتباع الداروينية.

ومن الفلاسفة والأدباء:
نيتشه/ فيلسوف ألماني.
برتراند راسل 1872 – 1970م فيلسوف إنكليزي.
هيجل 1770 – 1831م فيلسوف ألماني قامت فلسفته على دراسة التاريخ.
هربرت سبنسر 1820 – 1903م إنكليزي كتب في الفلسفة(*) وعلم النفس والأخلاق(*).
فولتير 1694 – 1778م أديب فرنسي.

في سنة 1930م ألف إسماعيل مظهر حزب الفلاح ليكون منبراً للشيوعية والاشتراكية(*). وقد تاب إسماعيل إلى الله بعد أن تعدى مرحلة الشباب وأصبح يكتب عن مزايا الإسلام.

ومن الشعراء الملاحدة الذين كانوا ينشرون في مجلة العصور.

الشاعر عبد اللطيف ثابت الذي كان يشكك في الأديان في شعره..

والشاعر الزهاوي يعد عميد الشعراء المشككين في عصره.

الأفكار والمعتقدات:

إنكار وجود الله سبحانه، الخالق البارئ، المصور، تعالى الله عمّا يقولون علواً كبيراً.
إن الكون والإنسان والحيوان والنبات وجد صدفة وسينتهي كما بدأ ولا توجد حياة بعد الموت.
إن المادة أزلية أبدية وهي الخالق والمخلوق في نفس الوقت.

النظرة الغائية(*) للكون والمفاهيم الأخلاقية تعيق تقدم العلم.

إنكار معجزات الأنبياء(*) لأن تلك المعجزات لا يقبلها العلم، كما يزعمون. ومن العجب أن الملحدين الماديين(*) يقبلون معجزات الطفرة الوحيدة التي تقول بها الداروينية ولا سند لها إلا الهوس والخيال.

عدم الاعتراف بالمفاهيم الأخلاقية ولا بالحق والعدل ولا بالأهداف السامية، ولا بالروح والجمال.

ينظر الملاحدة للتاريخ باعتباره صورة للجرائم والحماقة وخيبة الأمل وقصته لا تعني شيئاً.

المعرفة الدينية، في رأي الملاحدة ، تختلف اختلافاً جذريًّا وكليًّا عن المعرفة بمعناها العقلي أو العلمي!!

الإنسان مادة تنطبق عليه قوانين الطبيعة(*) التي اكتشفتها العلوم كما تنطبق على غيره من الأشياء المادية.

الحاجات هي التي تحدد الأفكار، وليست الأفكار هي التي تحدد الحاجات.

نظريات ماركس في الاقتصاد والتفسير المادي للتاريخ(*) ونظرية فرويد في علم النفس ونظرية دارون في أصل الأنواع ونظرية دور كهايم في علم الاجتماع من أهم أسس الإلحاد في العالم.. وجميع هذه النظريات هي مما أثبت العلماء أنها حدس وخيالات وأوهام شخصية ولا صلة لها بالعلم.

الجذور الفكرية والعقائدية:

نشأ الإلحاد الحديث مع العقلانية والشيوعية والوجودية.

وقد نشر اليهود الإلحاد في الأرض، مستغلين حماقات الكنيسة(*) ومحاربتها للعلم، فجاءوا بثورة العلم ضد الكنيسة، وبالثورة(*) الفرنسية والداروينية والفرويدية، وبهذه الدعوات الهدامة للدين(*) والأخلاق(*) تفشى الإلحاد في الغرب، والهدف الشرير لليهودية العالمية الآن هو إزالة كل دين على الأرض ليبقى اليهود وحدهم أصحاب الدين!!


الانتشار وأماكن النفوذ :
انتشر الإلحاد أولاً في أوروبا، وانتقل بعد ذلك إلى أمريكا.. وبقاع من العالم.

وعندما حكمت الشيوعية في ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي قبل انهياره وتفككه، فرضت الإلحاد فرضاً على شعوبه.. وأنشأت له مدارس وجمعيات.

وحاولت الشيوعية نشره في شتى أنحاء العالم عن طريق أحزابها. وإن سقوط الشيوعية في الوقت الحاضر ينبئ عن قرب سقوط الإلحاد – بإذن الله تعالى.

يوجد الآن في الهند جمعية تسمى جمعية النشر الإلحادية، وهي حديثة التكوين وتركز نشاطها في المناطق الإسلامية، ويرأسها جوزيف إيدا مارك، وكان مسيحيًّا من خطباء التنصير، ومعلماً في إحدى مدارس الأحد، وعضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وقد ألف في عام 1953م كتاباً يدعى: إنما عيسى بشر فغضبت عليه الكنيسة(*) وطردته فتزوج بامرأة هندوكية وبدأ نشطاه الإلحادي، وأصدر مجلة إلحادية باسم إيسكرا أي شرارة النار. ولما توقفت عمل مراسلاً لمجلة كيرالا شبدم أي صوت كيالا الأسبوعية. وقد نال جائزة الإلحاد العالمية عام 1978م ويعتبر أول من نالها في آسيا.

يتضح مما سبق :
أن الإلحاد(*) مذهب(*) فلسفي يقوم على إنكار وجود الله سبحانه وتعالى، ويذهب إلى أن الكون بلا خالق، ويعد أتباع العقلانية هم المؤسسون الحقيقيين للإلحاد الذي ينكر الحياة الآخرة، ويرى أن المادة(*) أزلية أبدية، وأنه لا يوجد شيء اسمه معجزات الأنبياء فذلك مما لا يقبله العلم في زعم الملحدين، الذين لا يعترفون أيضاً بأية مفاهيم أخلاقية(*) ولا بقيم الحق والعدل ولا بفكرة الروح. ولذا فإن التاريخ عند الملحدين هو صورة للجرائم والحماقات وخيبة الأمل وقصته ولا تعني شيئاً، والإنسان مجرد مادة تطبق عليه كافة القوانين الطبيعية(*) وكل ذلك مما ينبغي أن يحذره الشاب المسلم عندما يطالع أفكار هذا المذهب الخبيث.

مراجع للتوسع :
- صراع مع الملاحدة، عبد الرحمن الميداني.
- الملل والنحل، للشهرستاني ط.(1400هـ- 1980م). بتحقيق محمد سيد كيلاني، وهي طبعة فريدة – لمذاهب جديدة.
- الفلسفات الكبرى، بياردو كاسيه – سلسلة زدني علماً- بيروت.
- الإلحاد وعلاقته باليهود والنصارى ، مقال للدكتور محمد بن سعد الشويعر، نشر بمجلة البحوث الإسلامية العدد 14.

المراجع الأجنبية :
- History of Philosophy by F.C. Copleston. Burns. London 1947.
- Existentialism and Humanism by J.P. Sartre, London 1955.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding. London 1956.




المنفعة

التعريف :
المنفعة مذهب(*) أخلاقي اجتماعي لا ديني، يجعل من نفع الفرد والمجتمع مقياساً للسلوك، وأن الخير الأسمى هو تحقيق أكبر سعادة لأكبر عدد من الناس.

وفي مجال الاقتصاد يقرر مذهب المنفعة أن قيمة السلعة تتوقف على قدر منفعتها وليس على نفقة العمل أو التكلفة.

التأسيس وأبرز الشخصيات:
تأسس مذهب المنفعة في إنكلترا ومن أبرز شخصياته:

جيرمي بنتام 1748 – 1832م ويعد زعيم القائلين بمذهب المنفعة، ولد في لندن، وقدم نظريته في المنفعة في كتابه مقدمة لأصول الأخلاق والتشريع.

جون ستيوارت ميل 1806- 1873م وهو فيلسوف إنكليزي، ألف كتاب مذهب المنفعة ونادى بالحرية الفردية.

هربرت سبنسر 1820 – 1903م وهو فيلسوف إنكليزي قال بتطور الأنواع قبل دارون.

ج.أ. مور 1873 – 1958م وهو فيلسوف إنكليزي – ألف كتاب أصول الأخلاق وأدخل تعديلات على مذهب المنفعة إذ قبل الرأي القائل بأن صواب أي فعل من الأفعال يتوقف على النتائج الحسنة والسيئة التي تترتب عليه.

الأفكار والمعتقدات:
يعد مذهب المنفعة نظرية في الأخلاق(*)، طبعت أتباعها بطابع مميز.. إذ كان كل همهم الاهتمام بالحياة الدنيا والاغتراف من لذاتها.

ويمكن تلخيص أفكاره فيما يلي:
إن صواب أي عمل من الأعمال، إنما يحكم عليه بمقدار ما يسهم في زيادة السعادة الإنسانية أو في التقليل من شقاء الإنسان، بصرف النظر عن السداد الأخلاقي لقاعدة ما، أو مطابقتها للوحي(*) أو للسلطة أو للتقليد أو للحس الأخلاقي أو للضمير.

اللذة هي الشيء الوحيد الذي هو خير في ذاته، والألم هو الشيء الوحيد الذي هو شرٌّ في ذاته، والسعادة تشمل اللذة والتخلص من الألم، وإن رجحان كفة اللذة قد يعود هو نفسه فيصبح مصدراً للمزيد من اللذة.

يمكن دفع الناس إلى التصرف على نحو يؤدي إلى السعادة العامة من خلال ما يلي:
1- القانون بقصاصه، والرأي العام بجزاءاته من ثواب وعقاب، فهما يحولان بين الناس وبين أن يأتوا من الأعمال ما يضاد الصالح العام.
2- المنفعة الذاتية المستنيرة تدل الناس على أن الصالح العام ينطوي في أغلب الأحوال على منفعتهم الخاصة.

الجذور الفكرية والعقائدية:
إن لنظرية المنفعة جذور في الفكر اليوناني، وعند الفيلسوف أبيقور 342 – 270 ق.م بشكل خاص.
ويمكن في الوقت الحاضر أن نجد جذور مذهب(*) المنفعة عند كل من:
تومامس هوبز 1588 – 1679م الفيلسوف الإنكليزي الذي يرى أن كلمة خير يقصد بها الشهوة، وكلمة شر يقصد بها النفور.
وجون لوك 1632 – 1704م الفيلسوف الإنكليزي وفرنسيس هتشون 1694 – 1747م الفيلسوف الأيرلندي، ونظريته في الحس الأخلاقي تعبر في بعض جوانبها عن مذهب المنفعة إلا أنها ترتكز على الدين(*).
كما نجد جذور مذهب المنفعة أيضاً عند ديفيد هيوم 1711 – 1776م الفيلسوف الإنكليزي الذي يرى أنه لا شيء يؤثر في الفعل الإرادي غير اللذة والألم، وقد يكون التأثير مباشراً.
وعندما جاء جيرمي بنتام مؤسس مذهب المنفعة، استفاد من كل من سبقوه منتهياً إلى نظرية متكاملة، في رأيه، ومستخدماً إياها على أوسع نطاق.

يتضح مما سبق:
أن المنفعة فكرة فلسفية لا تلتزم بالأصول الدينية، إذ تقيس صواب العمل بمقدار ما يحققه من منفعة وسعادة بصرف النظر عن توافقه مع الأخلاق(*) أو مطابقته للدين، وترى أن كلَّ ما يُلزم به الدين، يمكن للقانون بقصاصه والرأي العام بجزاءاته أن يأتي به. ولا شك أن في هذا تجاوزاً يهدم أسس العقيدة ويحول المجتمعات إلى غابة تتصارع فيها المنافع بلا ضابط أو رابط.

----------------------------
مراجع للتوسع:
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل ورفاقه دار العلم – بيروت.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي مكتبة لبنان – بيروت – 1982م.
- تاريخ الفلسفة الحديثة ، د يوسف كرم. دار المعارف – القاهرة.

المراجع الأجنبية :
- The Utility of religion and Theism by John S. Mill Wath. London 1904.
- On Liberty: representative Government and Utilitarianism by John s. Mill, London, New York 1954.
- History of Philosophy by F.C. Copleston Burns, London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding, London 1936.


الوضعية

التعريف :
المذهب(*) الوضعي مذهب فلسفي ملحد يرى أن المعرفة اليقينية هي معرفة الظواهر التي تقوم على الوقائع التجريبية، ولا سيما تلك التي يتيحها العلم التجريبي. وينطوي الذهب على إنكار وجود معرفة تتجاوز التجربة الحسية، ولاسيما فيما يتعلق بما وراء الماد وأسباب وجودها.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

تأسس المذهب الوضعي في فرنسا على يد الفيلسوف كونت ومعظم من جاء بعده طبَّق منهجه في العلم والمعرفة. ومن أبرز شخصيات المذهب:

أوغست كونت 1798 – 1857م وهو الفيلسوف الفرنسي المؤسس للمذهب، عمل أميناً للسر(سكرتيراً) للفيلسوف الاشتراكي(*) سان سيمون وبدأ بإلقاء محاضرات عن فلسفته الوضعية سنة 1826م، ثم أصيب بمرض عقلي وحاول الانتحار.. وقد نشر كتابه بعد ذلك تحت عنوان: محاضرات في الفلسفة(*) الوضعية بسط فيه نظريته في المعرفة والعلوم.

نادى بضرورة قيام دين(*) جديد هو الدين الوضعي يقوم على أساس عبادة الإنسانية كفكرة تحل محل الله – سبحانه وتعالى – في الأديان السماوية.

سان سيمون.. وهو فيلسوف فرنسي اشتراكي النزعة.. في كتابه مقال في علوم الإنسان سنة 1813م أطلق كلمة وضعي على العلوم القائمة على الوقائع القائمة على الوقائع الخاضعة للملاحظة والتحليل، والعلوم التي لم تؤسس على هذا النحو يسميها العلوم الظنية.

ريتشاد كونجريف.. وهو مفكر إنكليزي ناصر الوضعية واعتنق أفكارها.

زكي نجيب محمود وهو مفكر عربي مصري، تبع الفلسفة الوضعية الملحدة، وتبنى أفكارها.. وألف كتاب المنطق الوضعي.

أ‌.إير فيلسوف إنجليزي.
ب‌. برتراند راسل فيلسوف إنجليزي.

الأفكار والمعتقدات:
صاغ الفيلسوف الفرنسي كونت مبادئ وأفكار المذهب(*) الوضعي، ثم بلور من جاء بعده من الوضعيين هذه الأفكار وسار على منهجها العلمي.

* وهذه خلاصة لتلك الأفكار مع نقد المفكرين والفلاسفة لها:
* استحوذت على تفكير كونت فكرة التقدم الإنساني.

- وضع كونت قانون التقدم الإنساني، وهو قانون الحالات الثلاث الذي يتقدم العقل(*) البشري بمقتضاه من المرحلة اللاهوتية إلي المرحلة الميتافيزيقية ثم إلى المرحلة الوضعية الأخيرة.

وقد قسم كونت المرحلة اللاهوتية إلى ثلاث مراحل :
المرحلة الوثنية(*) – والمرحلة التعددية(*) – والمرحلة التوحيدية(*) وهي المرحلة الأخيرة التي بدأت بظهور النصرانية والإسلام.

والمرحلة الوضعية بدأت بالثورة(*) الفرنسية، وهي المرحلة التي تفسر الظواهر عن طريق الاستقرار القائم على الملاحظة.

* ويطبق كونت هذا القانون في التطور على جميع العلوم الإنسانية والاجتماعية مثل الحضارة والسياسة والفن والأخلاق(*).

• نقد القانون:
- وقد نقد طائفة من المفكرين قانون الحالات الثلاثة بما يلي:
1- يعتبر كونت أن الإنسانية كلٌّ لا يتجزأ وأنها خاضعة لقانون واحد بينما نجد أن هناك مجتمعات لا تسير في تطورها وتقدمها على نمط واحد في فهم وإدراك الظواهر.
2- يختلف الطريق الذي سلكه العقل الإنساني عن ذلك الذي حدده كونت ففي كثير من الأمور كان الفهم الوضعي للأمور يسير مع الفهم الديني أو الميتافيزيقي(*)؛ ففي مجال فهم الحقائق الرياضية والفلكية مثلاً أمور كانت تسير مع الفهم الديني قديماً. ولا تزال بعض المجتمعات تفسر الحقائق العلمية القائمة تفسيراً دينيًّا. على الرغم من أننا نجتاز حالياً المرحلة الوضعية في نظر كونت.
3- لا يستمد قانون المراحل الثلاث حقائقه من التاريخ، وإنما هو فكرة فلسفية اختار لها كونت مجتمعات معينة حاول تطبيقها عليها دون استقراء لتاريخ المجتمعات الإنسانية.
4- يفسر هذا القانون بأنه التقدم، بينما نجد الحضارة عبارة عن مستوى عام للحياة المادية(*) والروحية للمجتمع دون النظر إلى تقدمها أو تأخرها.

الجذور الفكرية والعقائدية:
* لقد اعتبر فرنسيس بيكون 1561-1626م نفسه داعية للعلوم الجديدة، وهي العلوم التي كانت في طريقها إلى الانفصال عن الفلسفة (*) في القرنيين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين. وربما عدّ بيكون بادئ الوضعية وواضع الاسم الذي سميت به في القرن التاسع عشر، ففي كتابه في المبادئ والأصول 1623م أطلق بيكون صفة وضعي على الحقائق الأولية التي يجب تقلبها إيماناً بصدق الخبرة.

وقد كان بيكون موضع تقدير كبير من الفلاسفة التجريبيين في القرن التاسع عشر في كل من إنكلترا وفرنسا. وأصبحت كلمة وضعي تطلق على مناهج العلوم الطبيعية، نظراً لاعتماد هذه المناهج على الملاحظة واستخدمها للتجربة، ولقد سبق بيان كيف أن سان سيمون الذي عمل كونت في خدمته، قد أطلق كلمة وضعي في كتابه مقال في علوم الإنسان على العلوم القائمة على الوقائع الخاضعة للملاحظة والتجريب.. وقد اقتبس كونت هذه الأفكار وأقام عليها نظريته وقانونه الوضعي.

الانتشار ومواقع النفوذ:

* زحف المذهب الوضعي من فرنسا إلي إنكلترا، واعتنق بعض الفلاسفة مبادئ المذهب الوضعي. إلا أن بعض كبار المفكرين والفلاسفة رفضوا متابعة كونت في مفهوم دين(*) الإنسانية الذي وضعه، وبالرغم من ذلك فقد أُنشئت جمعيات وضعية في أجزاء مختلفة من العالم على غرار النموذج الذي أسسه كونت نفسه عام 1848م. وفي هذه الجمعيات كانت الإنسانية هي موضوع الشعائر الدينية، واتخذ من علم الاجتماع سنداً لمثل هذه الديانة الاجتماعية، وقويت هذه الحركة بصورة خاصة في أمريكا اللاتينية، ولكنها ازدهرت لعدة سنوات في إنكلترا…

* وقد صدرت المجلة الوضعية التي أطلق عليها فيما بعد اسم الإنسانية من عام 1893م إلي عام 1925م. وقامت محاولات لإحياء الوضيعة في إنكلترا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، من خلال أعمال الفلاسفة الإنجليز إير وراسل.

يتضح مما سبق:
* أن المذهب(*) الوضعي مذهب فلسفي ملحد، يركز المعرفة اليقينية في الظواهر التجريبية، وينكر وجود معرفة مطلقة، ويقول إن التقدم بدأ في العلوم الطبيعية وبدأ ينتقل للعلوم الاجتماعية وأن العقل البشري يتقدم من المرحلة اللاهوتية الدينية إلي المرحلة الميتافيزيقية (*) لكي يصل في النهاية إلي المرحلة الوضعية التي هي قمة التخلي عن كل العقائد الدينية.وبذا تتضح مخاطر هذا المذهب على كل مسلم.

----------------------------
مراجع للتوسع:
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، وآخر- مطبعة التأليف والنشر- القاهرة 1978م.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي – مكتبة لبنان – بيروت.
- تاريخ الفلسفة الحديثة، د. يوسف كرم- دار المعارف- القاهرة.
- Course de Philosophies Positive Par A. Comte, Paris. 1830.
- A Discourse on the Positive Spirit by A. Comte, Tr. S. Beesley. revers. London 1903.
- Dialogues Concerning Natural religion by D. Hume. Ed. N. Kemp Smith O.V.P. Oxford 1935.
- History of Philosophy by F.C. Copleston Burns. London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding, London 1956.



المثالـية

التعريف :
المثالية مذهب(*) فلسفي يشمل جانباً كبيراً من المذاهب الميتافيزيقية(*) (ما بعد الطبيعة أو الغيبية) وهي اتجاه فلسفي يبحث عن مسألة الوجود (أوْ الانطولوجيا) في حين أن العقلانية اتجاه مذهبي يبحث في أصل المعرفة ويرد هذا الأصل إلى العقل فقط وينكر دور الحواس أو المعرفة القلبية أو المعرفة عن طريق الوحي(*)، وعكس العقلانية التجريبية وهذه الأخيرة تعتمد على التجربة الحسية فقط من دون العقل المجرد.

وعكس المثالية "المادية"(*). والمثالية تعطي الأولوية في الوجود للروح على أن يكون وجود المادة ثانوياً في حين أن المادية (*) تعطي الأولوية في الوجود للمادة، على أن تكون الروح انعكاساً للمادة وظلاً لها.

وتقترب المثالية كثيراً من الفلسفة لأنها تبلور مباحث الفلسفة الثلاثة الرئيسية: الحق والخير والجمال.

التأسيس وأبرز الشخصيات:
ظهرت المثالية في القرن الثامن عشر الميلادي، ومن أبرز الفلاسفة الذين أثروا في المذهب، وكان لهم تأثير كبير في مجرى الفكر الأوروبي عامة:

جورج باركلي 1685 – 1753م وهو راهب(*) أيرلندي، كان على جانب كبير من النشاط والجاذبية الفطرية والقدرة على الإقناع ويعد المؤسس الحقيقي للمثالية، وكانت أفكاره ذات تأثير كبير فيمن جاء بعده من المفكرين والفلاسفة.

عمانوئيل كانت 1724 – 1804م وهو فيلسوف ألماني، ألف كتباً مشهورة أهمها نقد العقل(*) الخالص ونقد العقل العملي، وكان يعتقد أن هناك حجة أخلاقية كافية للبرهان على وجود الله هي القانون الأخلاقي.

جوهان فيشته 1762 – 1814م وهو فيلسوف ألماني، درس اللاهوت والفلسفة وتتلمذ على يد كانت وكان لخطبه الشهيرة في برلين بين عامي 1807 – 1808م عميق الأثر في إحياء بروسيا بعد هزائمها على يد نابليون بونابرت القائد الفرنسي الشهير.

جورج فلهلم هيجل 1770 – 1831م وهو فيلسوف ألماني كان من أكبر الفلاسفة تأثيراً في فلسفات(*) عدة مثل الوجودية والماركسية والذرائعية في مجال الديالكتيك (الجدل)(*) وكان يعتقد أن الوجود المادي مظهر للروح.

آرثر شوبنهور 1788 – 1860م وهو فيلسوف ألماني، تأثر كثيراً بفلسفة أفلاطون المثالية وكانت من كتبه العالم إرادة وفكرة وقد تأثر بالبوذية، لكنه لم يقبل مذهب(*) تناسخ الأرواح(*).

ت.هـ. جرين 1836 – 1924م وهو فيلسوف إنجليزي، أثر تأثيراً كبيراً في أكسفورد، واهتم بشكل خاص بالربط بين المثالية والنصرانية وبين المثالية والأفكار السياسية الحرة.

ف.هـ. برادلي 1846 – 1924م وهو فيلسوف إنجليزي، قال بأنه ينبغي علينا افتراض وجود مطلق يجاوز نطاق الفكر.

الأفكار والمعتقدات :

إن جوهر الحقيقة روحي، والروح لا تستطيع أن تدرك نفسها إلا في علاقتها بعنصر مادي موضوعي، وهذا هو علة وجود المادة أو كما قال هيجل: "الماد مظهر تتبدَّى به الروح".

إن الأرواح هي الفاعل وهي التي تملك إرادة.

إن الأشياء المادية المحسوسة ليست سوى مجموعات من الأفكار على حد تعبير باركلي أو من المعطيات الحسية على حد تعبير من جاءوا بعده. وإننا لا نستطيع أن نتصور الصفات التي ننسبها إلى الأشياء المادية مجردة من تجربتنا الحسية لها.

إن الأشياء الطبيعية التي لا يدركها الإنسان موجودة في علم الله، (باركلي).

إن معرفتنا مقتصر على الظواهر، ولا نستطيع معرفة الأشياء في ذاتها، كانت.

ترى المثالية أن الشر شيء عارض وعابر في الحياة؛ والأدب المثالي يحاول الكشف دائماً عن الطبيعة الخيرة والجميلة للإنسان.

الجذور الفكرية والعقائدية:

مؤسس المثالية جورج باركلي الفيلسوف الأيرلندي كان راهباً(*) عاش طوال حياته متشبعاً بالفكر الديني مولعاً بالفلسفة والفكر اللاهوتي، ومدافعاً عن الإيمان الديني والإدراك الفطري السليم. فضلاً عن محاولته وهو في منتصف عمره، إقامة جامعة لتخريج مبشرين بالنصرانية.

هذه الجذور الدينية العميقة كان لها أكبر الأثر في توجهه الفلسفي نحو القول بالمثالية. وأنه لا حقيقة إلا للروح ولخالقها، الله – تعالى- وأن الوجود المادي وجود ظاهري يحس به الإنسان ويدركه بعقله فقط. ويظهر الأثر المباشر لآراء باركلي في الفيلسوف كانت الألماني.

الانتشار ومواقع النفوذ :

انتشرت المثالية في أوروبا عامة وألمانيا بصفة خاصة.

يتضح مما سبق :
أن المثالية مذهب(*) فلسفي، يرى أن العقل(*) هو أساس المعرفة وأنه هو الحقيقة النهائية، فالمادة مظهر تتبدّى فيه الروح، والأرواح هي الفاعل وهي التي تملك إرادة، كما يقول المذهب النقدي عند الفيلسوف كانت.

مراجع للتوسع :
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل ورفاقه، دار القلم بيروت.
- تاريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم – دار المعارف – القاهرة.
- Dialogues between Hylar and Philonour by G. Berkeley, Collier, New York 1910.
- Philosophy of right. G. Hegel, tr. T.M. Knox O.U.P. Oxford. 1942.
- Hegel: A re – examination by J.N. Findlay, London 1958.
- History of Philosophy by F.C. Copleston Burns. London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffoling, London 1956.




الوجوديـة

التعريف :
الوجودية اتجاه فلسفي يغلو في قيمة الإنسان ويبالغ في التأكيد على تفرده وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه. وهي فلسفة عن الذات أكثر منها فلسفة(*) عن الموضوع. وتعتبر جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة التي تتعلق بالحياة والموت والمعاناة والألم، وليست نظرية فلسفية واضحة المعالم. ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار.

التأسيس وأبرز الشخصيات:
يرى رجال الفكر الغربي أن سورين كيركجورد 1813 – 1855م هو مؤسس المدرسة الوجودية. ومن مؤلفاته: رهبة واضطراب.

أشهر زعمائها المعاصرين: جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي المولود سنة 1905م وهو ملحد ويناصر الصهيونية له عدة كتب وروايات تمثل مذهبه(*) منها: الوجودية مذهب إنساني، الوجود والعدم، الغثيان، الذباب، الباب المغلق.

ومن رجالها كذلك: القس كبرييل مارسيل وهو يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والنصرانية.

كارل جاسبرز : فيلسوف ألماني.
بسكال بليز : مفكر وفيلسوف فرنسي.
وفي روسيا: بيرد يائيف، شيسوف، سولوفييف.

الأفكار والمعتقدات:
يكفرون بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات وكل ما جاءت به الأديان(*) ويعتبرونها عوائق أمام الإنسان نحو المستقبل. وقد اتخذوا الإلحاد مبدأ ووصلوا إلى ما يتبع ذلك من نتائج مدمرة.

يعاني الوجوديون من إحساس أليم بالضيق والقلق واليأس والشعور بالسقوط والإحباط لأن الوجودية لا تمنح شيئاً ثابتاً يساعد على التماسك والإيمان وتعتبر الإنسان قد أُلقي به في هذا العالم وسط مخاطر تؤدي به إلى الفناء.

يؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإنساني وتخذونه منطلقاً لكل فكرة.

يعتقدون بأن الإنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإنسان سابق لماهيته.
يعتقدون أن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإنسان.
يقولون: إنهم يعملون لإعادة الاعتبار الكلي للإنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره.
يقولون بحرية الإنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء.
يقولون: إن على الإنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية.
يقول المؤمنون منهم إن الدين(*) محله الضمير أمَّا الحياة بما فيها فمقودة لإرادة الشخص المطلقة.
لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين.

أدى فكرهم إلى شيوع الفوضى الخلقية والإباحية الجنسية والتحلل والفساد.

رغم كل ما أعطوه للإنسان فإن فكرهم يتسم بالانطوائية الاجتماعية والانهزامية في مواجهة المشكلات المتنوعة.

الوجودي الحق عندهم هو الذي لا يقبل توجيهاً من الخارج إنما يسيِّر نفسه بنفسه ويلبي نداء شهواته وغرائزه دون قيود ولا حدود.

لها الآن مدرستان: واحدة مؤمنة والأخرى ملحدة وهي التي بيدها القيادة وهي المقصودة بمفهوم الوجودية المتداول على الألسنة فالوجودية إذاً قائمة على الإلحاد.

الوجودية في مفهومها تمرد على الواقع التاريخي وحرب على التراث الضخم الذي خلفته الإنسانية.

تمثل الوجودية اليوم واجهة من واجهات الصهيونية الكثيرة التي تعمل من خلالها وذلك بما تبثُّه من هدم للقيم والعقائد والأديان.

الجذور الفكرية والعقائدية:
إن الوجودية جاءت كردِّ فعل على تسلط الكنيسة(*) وتحكمها في الإنسان بشكل متعسف باسم الدين(*).
تأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية ورفضت الدين والكنيسة.
تأثرت بسقراط الذي وضع قاعدة "اعرف نفسك بنفسك".
تأثروا بالرواقيين(*) الذين فرضوا سيادة النفس.
كما تأثروا بمختلف الحركات الداعية إلى الإلحاد والإباحية.

الانتشار ومواقع النفوذ:
ظهرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ثم انتشرت في فرنسا وإيطاليا وغيرهما. وقد اتخذت من بشاعة الحروب وخطورتها على الإنسان مبرراً للانتشار السريع. وترى حرية الإنسان في عمل أي شيء متحللاً من كل الضوابط. وهذا المذهب يعد اتجاهاً إلحاديًّا يمسخ الوجود الإنساني ويلغي رصيد الإنسانية.

انتشرت أفكارهم المنحرفة المتحللة بين المراهقين والمراهقات في فرنسا وألمانيا والسويد والنمسا وإنجلترا وأمريكا وغيرها حيث أدت إلى الفوضى الخلقية والإباحية الجنسية واللامبالاة بالأعراف الاجتماعية والأديان.

ويتضح مما سبق:
أن الوجودية اتجاه إلحادي(*) يمسخ الوجود الإنساني ويلغي رصيد الإنسانية من الأديان وقيمها الأخلاقية. وتختلف نظرة الإسلام تماماً عن نظرية الوجودية حيث يقرر الإسلام أن هناك وجوداً زمنياً بمعنى عالم الشهادة ووجوداً أبديًّا بمعنى عالم الغيب. والموت في نظر الإسلام هو النهاية الطبيعية للوجود الزمني ثم يكون البعث والحساب والجزاء والعقاب.

أما الفلسفة الوجودية فلا تسلم بوجود الروح ولا القوى الغيبية وتقوم على أساس القول بالعدمية والتعطيل فالعالم في نظرهم وجد بغير داع ويمضي لغير غاية والحياة كلها سخف يورث الضجر والقلق ولذا يتخلص بعضهم منها بالانتحار.

----------------------------
مراجع للتوسع :
- الوجودية وواجهتها الصهيونية، د. محسن عبد الحميد.
- مباحث في الثقافة الإسلامية، د. نعمان السامرائي.
- سقوط الحضارة ، كولن ولسن.
- دراسات في الفلسفة المعاصرة، د. زكريا إبراهيم.
- الوجودية المؤمنة والملحدة، د. محمد غلاب.
- عقائد المفكرين في القرن العشرين، عباس محمود العقاد.
- المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها، د. عبد الرحمن عميرة.


الفرويديـة

التعريف :
الفرويدية مدرسة في التحليل النفسي أسسها اليهودي سيجموند فرويد Sigmund Freud وهي تفسر السلوك الإنساني تفسيراً جنسيًّا، وتجعل الجنس هو الدافع وراء كل شيء. كما أنها تعتبر القيم والعقائد حواجز وعوائق تقف أمام الإشباع الجنسي مما يورث الإنسان عقداً وأمراضاً نفسية.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

المؤسس وحياته:
ولد سيجموند فرويد في 6 مايو 1856م في مدينة فريبورج بمقاطعة مورافيا بتشيكوسلوفاكيا الحالية من والديْن يهوديين.

استقرت أسرة أبيه في كولونيا بألمانيا زمناً طويلاً.

ولدت أمه بمدينة برودي في الجزء الشمالي من غاليسيا ولما شبت تزوجت من جاكوب فرويد والد سيجموند فرويد حيث أنجبت له سبعة أبناء.

وغاليسيا مدينة ببولندا جاء منها والد فرويد وكانت معقلاً رئيسيًّا ليهود شرق أوروبا، وبسبب ظروف الشغب رحلت الأسرة إلى برسلاو بألمانيا وعمر سيجموند حينها ثلاث سنوات، ثم رحلوا مرة أخرى إلى فيينا حيث أمضى معظم حياته وبقي فيها إلى سنة 1938م حيث غادرها إلى لندن ليقضي أيامه الأخيرة فيها مصاباً بسرطان في خده وقد أدركته الوفاة في 23 سبتمبر 1939م.

تلقى تربيته الأولى وهو صغير على يدي مربية كاثوليكية دميمة عجوز متشددة كانت تصحبه معها أحياناً إلى الكنيسة(*) مما شكل عنده عقدة ضدّ المسيحية(*) فيما بعد.

نشأ يهوديًّا، وأصدقاؤه من غير اليهود نادرين إذ كان لا يأنس لغير اليهود ولا يطمئن إليهم.

دخل الجامعة عام 1873م وعقَّب على ذلك بأنه يرفض رفضاً قاطعاً أن يشعر بالدونية والخجل من يهوديته. لكن هذا الشعور الموهوم بالاضطهاد ظل يلاحقه على الرغم من احتلاله أرقى المناصب.

في سنة 1885م غادر فيينا إلى باريس وتتلمذ على شاركوت Charcot مدة عام حيث كان أستاذه هذا يقوم بالتنويم المغناطيسي لمعالجة الهستيريا وقد أعجب فرويد به عندما أكَّد له بأنه في حالة من حالات الأمراض العصبية لا بد من وجود اضطراب في الحياة الجنسية للمريض.

أخذ يتعاون مع جوزيف بروير 1842 – 1925م وهو طبيب نمساوي صديق لفرويد، وهو فيزيولوجي في الأصل لكنه انتقل إلى العمل الطبي إذ كان ممن يستعملون التنويم المغناطيسي أيضاً.

بدأ الاثنان باستعمال طريقة التحدث مع المرضى فنجحا بعض النجاح ونشرا أبحاثهما في عامي 1893 و1895م وصارت طريقتهما مزيجاً من التنويم والتحدث، ولم يمض وقت طويل حتى انصرف بروير عن الطريق كلها.

تابع فرويد عمله تاركاً طريقة التنويم معتمداً على طريقة التحدث طالباً من المريض أن يضطجع ويتحدث مفصحاً عن كل خواطره، وسماها طريقة (الترابط الحر) سالكاً طريق رفع الرقابة عن الأفكار والذكريات، وقد نجحت طريقته هذه أكثر من الطريقة الأولى.

أخذ يطلب من مريضه أن يسرد عليه حلمه الذي شاهده في الليلة الماضية، مستفيداً منه في التحليل، وقد وضع كتاب تفسير الأحلام الذي نشره سنة 1900م، ثم كتاب علم النفس المرضي للحياة اليومية ثم توالت كتبه وصار للتحليل النفسي مدرسة سيكولوجية صريحة منذ ذلك الحين.

انضم عام 1895م إلى جمعية بناي برث أي أبناء العهد، وكان حينها في التاسعة والثلاثين من عمره، وهذه الجمعية لا تقبل بين أعضائها غير اليهود.

كان يعرف تيودور هرتزل الذي ولد عام 1860م، كما سعيا معاً لتحقيق أفكار واحدة لخدمة الصهيونية التي ينتميان إليها، مثل فكرة معاداة السامية التي ينشرها هرتزل سياسيًّا، ويحللها فرويد نفسيًّا.

من أصحابه وتلاميذه:

لارنست جونز، مؤرخ السيرة الفرويدية، مسيحي(*) مولداً، ملحد فكراً، يهودي شعوراً ووجداناً، حتى إنهم خلعوا عليه لقب: اليهودي الفخري.

أوتو رانك 1884 – 1939م قام بوضع نظرية تقوم أساساً على أفكار فرويد الأصلية مع شيء من التعديل الهام.

الفرِد آدلر: ولد في فيينا 1870 – 1937م، وقد انضم إلى جماعة فرويد مبكراً لكنه افترق عنه بعد ذلك مؤسساً مدرسة سماها مدرسة علم النفس الفردي مستبدلاً بالدوافع الجنسية عند فرويد عدداً من الدوافع الاجتماعية مع التأكيد على الإرادة القوية والمجهودات الشعورية.

كارل جوستاف يونج 1875 – 1961م ولد في زيوريخ، وهو مسيحي(*)، نصَّبه فرويد رئيساً للجمعية العالمية للتحليل النفسي، لكنه خرج على أستاذه معتقداً بأن هذه المدرسة التحليلية ذات جانب واحد وغير ناضجة، وكان لخروجه أثر بالغ على فرويد. وضع نظرية السيكولوجيا التحليلية مشيراً إلى وجود قوة دافعة أكبر هي طاقة الحياة مؤكداً على دور الخبرات اللاشعورية المتصلة بالعِرق أو العنصر.



الفرويديون المحدثون:
حدث انسلاخ كبير عن الفرويدية الأصلية، وذلك عندما تكونت الفرويدية الحديثة التي كان مركزها مدرسة واشنطن للطب العقلي، وكذلك معهد إليام ألانسون هوايت في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مدرسة تتميز بالتأكيد على العوامل الاجتماعية معتقدة أن ملامح الإنسان الأساسية إيجابية، وهم يلحّون على نقل التحليل النفسي إلى علم الاجتماع للبحث عن أصول الحوافز البشرية في تلبية مطالب الوضع الاجتماعي، ومن أبرز شخصياتهم:

أريك فروم: ظهر بين 1941 – 1947م. كان ينظر إلى الإنسان على أنه مخلوق اجتماعي بالدرجة الأولى بينما ينظر إليه فرويد على أنه مخلوق مكتفٍ بذاته، تحركه عوامل غريزية.

كارن هروني: استعملت طريقة فرويد خمسة عشر عاماً في أوروبا وأمريكا إلا أنها أعادت النظر فيها إذ وضعت نظرية جديدة تحرر فيها التطبيق العلاجي من كثير من القيود التي تفرضها النظرية الفرويدية.

وعلى الرغم من ذلك فإن الفرويديين المحدثين ما يزالون متمسكين بأشياء كثيرة من نظرية فرويد الأصلية مثل:
1- أهمية القوى الانفعالية بوصفها مضادة للدفع العقلي والارتكاسات الاشتراطية وتكوين العادات.
2- التداعي اللاشعوري.
3- الكبت والمقاومة وأهمية ذك في التحليل أثناء العلاج.
4- الاهتمام بالنزاعات الداخلية وأثرها على التكوين النفسي.
5- التأثير المستمر للخبرات الطفولية المبكرة.
6- طريقة التداعي الحر، وتحليل الأحلام، واستعمال حقيقة النقل.



الأفكار والمعتقدات:

الأسس النظرية:
الأسس الثلاثة التي تركز عليها المدرسة التحليلية هي: الجنس – الطفولة – الكبت. فهي مفاتيح السيكولوجية الفرويدية.

نظرية الكبت: هي دعامة نظرية التحليل النفسي وهي أهم قسم فيه إذ إنه لا بد من الرجوع إلى الطفولة المبكرة وإلى الهجمات الخيالية التي يراد بها إخفاء فاعليات العشق الذاتي أيام الطفولة الأولى إذ تظهر كل الحياة الجنسية للطفل من وراء هذه الخيالات.

يعتبر فرويد مص الأصابع لدى الطفل نوعاً من السرور الجنسي الفمي ومثل ذلك عض الأشياء، فيما يعد التغوط والتبول نوعاً من السرور الجنسي الأستي كما أن الحركات المنتظمة للرجلين واليدين عند الطفل إنما هي تعبيرات جنسية طفولية.

اللبيدو Libido طاقة جنسية أو جوع جنسي، وهي نظرية تعتمد على أساس التكوين البيولوجي للإنسان الذي تعتبره حيواناً بشرياً فهو يرى أن كل ما نصرح بحبه أو حب القيام به في أحاديثنا الدارجة يقع ضمن دائرة الدافع الجنسي. فالجنس عنده هو النشاط الذي يستهدف اللذة وهو يلازم الفرد منذ مولده إذ يصبح الأداة الرئيسية التي تربط الطفل بالعالم الخارجي في استجابته لمنبهاته.

الدفع: يقول بأن كل سلوك مدفوع، فإلى جانب الأفعال الإرادية التي توجهها الدوافع والتمنيات هناك الأفعال غير الإرادية أو العارضة. فكل هفوة مثلاً ترضي تمنياً وكل نسيان دافعه رغبة في إبعاد ذلك الشيء.

الشلل أو العمى لديه قد يكون سببه الهروب من حالة صعبة يعجز الإنسان عن تحقيقها، وهذا يسمى انقلاب الرغبة إلى عرض جسدي.

الحلم عنده هو انحراف عن الرغبة الأصلية المستكنة في أعماق النفس وهي رغبة مكبوتة يقاومها صاحبها في مستوى الشعور ويعيدها إلى اللاشعور، وأثناء النوم عندما تضعف الرقابة تأخذ طريقها باحثة لها عن مخرج.

يتكلم فرويد عن تطبيق مبدأين هما اللذة والواقع، فالإنسان يتجه بطبيعته نحو مبدأ اللذة العاجلة لمباشرة الرغبة لكنه يواجه بحقائق الطبيعة المحيطة به فيتجنب هذه اللذة التي تجلب له آلاماً أكبر منها أو يؤجل تحقيقها.

يفترض فرويد وجود غريزتين ينطوي فيهما كل ما يصدر عن الإنسان من سلوك وهما غريزة الحياة وغريزة الموت. غريزة الحياة تتضمن مفهوم اللبيدو وجزءً من غريزة حفظ الذات، أما غريزة الموت فتمثل نظرية العدوان والهدم موجهة أساساً إلى الذات ثم تنتقل إلى الآخرين.

الحرب لديه إنما هي محاولة جماعية للإبقاء على الذات نفسياً، والذي لا يحارب إنما يعرض نفسه لاتجاه العدوان إلى الداخل فيفني نفسه بالصراعات الداخلية، فالأولى به أن يفني غيره إذن، والانتحار هو مثل واضح لفشل الفرد في حفظ حياته. وهذا المفهوم إنما يعطي تبريراً يريح ضمائر اليهود أصحاب السلوك العدواني المدمر.

اللاشعور: هو مستودع الدوافع البدائية الجنسية وهو مقر الرغبات والحاجات الانفعالية المكبوتة التي تظهر في عثرات اللسان والأخطاء الصغيرة والهفوات وأثناء بعض المظاهر الغامضة لسلوك الإنسان. إنه مستودع ذو قوة ميكانيكية دافعة وليس مجرد مكان تلقى إليه الأفكار والذكريات غير الهامة.

الـ (هو): مجموعة من الدوافع الغريزية الموجودة لدى الطفل عند ولادته التي تحتاج إلى الشعور الموجه، وهي غرائز يشترك فيها الجنس البشري بكافة. إنها باطن النفس، وقد نتجت عن (الأنا) إلا أنها تبقى ممزوجة بها في الأعماق أي حينما تكون (الأنا) لا شعورية، وهي تشمل القوى الغريزية الدافعة، فإذا ما كبتت هذه الرغبات فإنها تعود إلى الـ (هو) (Ego).

(الأنا): بعد قليل من ميلاد الطفل يزداد شعوراً بالواقع الخارجي فينفصل جزء من مجموعة الدوافع الـ (هي) لتصبح ذاتاً ووظيفتها الرئيسية هي اختيار الواقع حتى يستطيع الطفل بذلك تحويل استجاباته إلى سلوك منظم يرتبط بحقائق الواقع ومقتضياته، إنها ظاهرة النفس التي ترتبط بالمحيط.

(الأنا العليا): هي الضمير الذي يوجه سلوك الفرد والجانب الأكبر منه لا شعوري وهو ما نسميه بالضمير أو الوجدان الأخلاقي، لها زواجر وأوامر تفرضها على (الأنا)، وهي سمة خاصة بالإنسان، إذ إنها أمور حتمية صادرة من العالم الداخلي.

النقل: وهي أن المريض قد ينقل حبَّه أو بغضه المكبوت في أعماق الذكريات إلى الطبيب مثلاً خلال عملية المعالجة. وقد تعرض بروير لحب واحدة من اللواتي كان يعالجهن إذ نقلت عواطفها المكبوتة إليه، فكان ذلك سبباً في انصرافه عن هذه الطريقة بينما تابع فرويد عمله بمعالجة الواحدة منهن بنقل عواطفها مرة أخرى والوصول بها إلى الواقع.
استفاد كثيراً من عقدة أوديب تلك الأسطورة التي تقول بأن شخصاً قد قتل أباه وتزوج أمه وأنجب منها وهو لا دري. ولما علم بحقيقة ما فعل سمل عينيه، فقد استغلها فرويد في إسقاطات نفسية كثيرة واعتبرها مركزاً لتحليلاته المختلفة.
شخصية الإنسان هي حصيلة صراع بين قوى ثلاث: دوافع غريزية، واقع خارجي، ضمير، وهي أمور رئيسية تتحدد بشكل ثابت بانتهاء الموقف الأوديبي حوالي السنة الخامسة أو السادسة من العمر.

الآثار السلبية للفرويدية:
لم ترد في كتب وتحليلات فرويد أية دعوة صريحة إلى الانحلال – كما يتبادر إلى الذهن – وإنما كانت هناك إيماءات تحليلية كثيرة تتخلل المفاهيم الفرويدية تدعو إلى ذلك. وقد استفاد الإعلام الصهيوني من هذه المفاهيم لتقديمها على نحو يغري الناس بالتحلل من القيم وييسر لهم سبله بعيداً عن تعذيب الضمير.

كان يتظاهر بالإلحاد ليعطي لتفكيره روحاً علمانية، ولكنه على الرغم من ذلك كان غارقاً في يهوديته من قمة رأسه إلى أخمص قدميه.

كان يناقش فكرة معاداة السامية وهي ظاهرة كراهية اليهود، هذه النغمة التي يعزف اليهود عليها لاستدرار العطف عليهم، وقد ردّ هذه الظاهرة نفسياً إلى اللاشعور وذلك لعدة أسباب:

1- غيرة الشعوب الأخرى من اليهود لأنهم أكبر أبناء الله وآثرهم عنده حاشا لله.
2- تمسّك اليهود بطقس الختان الذي ينبه لدى الشعوب الأخرى خوف الخصاء ويقصد بذلك النصارى لأنهم لا يختتنون.
3- كراهية الشعوب لليهود هو في الأصل كراهية للنصارى المسيحيين(*)، وذلك عن طريق النقل إذ أن الشعوب التي تُنزِل الاضطهاد النازي باليهود إنما كانت شعوباً وثنية(*) في الأصل، ثم تحولت إلى النصرانية بالقوة الدموية، فصارت هذه الشعوب بعد ذلك حاقدة على النصرانية لكنها بعد أن توحدت معها نقلت الحقد إلى الأصل الذي تعتمد عليه النصرانية ألا وهو اليهودية.

يركن إلى إشباع الرغبة الجنسية، وذلك لأن الإنسان صاحب الطاقة الجنسية القوية والذي لا تسمح له النصرانية إلا بزوجة واحدة؛ إما أن يرفض قيود المدنية ويتحرر منها بإشباع رغباته الجنسية وإما أن يكون ذا طبيعة ضعيفة لا يستطيع الخروج على هذه القيود فيسقط صاحبها فريسة للمرض النفسي ونهباً للعقد النفسية.

يقول بأن الامتناع عن الاتصال الجنسي قبل الزواج قد يؤدي إلى تعطيل الغرائز عند الزواج.

عقد فصلاً عن تحريم العذرة وقال بأنها تحمل مشكلات وأمراضاً لكلا الطرفين، واستدل على ذلك بأن بعض الأقوام البدائية كانت تقوم بإسناد أمر فض البكارة لشخص آخر غير الزوج، وذلك ضمن احتفال وطقس رسمي.

لقد برَّر عشق المحارم لأن اليهود أكثر الشعوب ممارسة له بسبب انغلاق مجتمعهم الذي يحرم الزواج على أفراده خارج دائرة اليهود، وهو يرجع هذا التحريم إلى قيود شديدة كانت تغل الروح وتعطلها، وهو بذلك يساعد اليهود أولاً على التحرر من مشاعر الخطيئة كما يسهل للآخرين اقتحام هذا الباب الخطير بإسقاط كل التحريمات واعتبارها قيوداً وأغلالاً وهمية. وقد استغل اليهود هذه النظرية وقاموا بإنتاج عدد من الأفلام الجنسية الفاضحة التي تعرض نماذج من الزنى بالمحارم.

لم يعتبر التصعيد أو الإعلاء – كما يسميه – إلا طريقاً ضعيفاً للتخلص من ضغط الدافع الجنسي إذ أن هذا الطريق لن يتيسر خلال مرحلة الشباب إلا لقلَّة ضئيلة من الناس وفي فترات متقطعة وبأكبر قدر من العنت والمشقَّة ، أما الباقون – وهم الغالبية العظمى – فليس أمامهم إلا المرض النفسي يقعون صرعاه. كما أن أصحاب التصعيد هؤلاء إنما هم ضعاف يضيعون في زحمة الجماهير التي تنزع إلى السير بإرادة مسلوبة وراء زعامة الأقوياء.

في كفاحه ضد القيود، والأوامر العليا الموجهة إلى النفس، صار إلى محاربة الدين(*) واعتباره لوناً من العصاب النفسي الوسواسي.

تطورت فكرة الألوهية لديه على النحو التالي:
1- كان الأب هو السيد الذي يملك كل الإناث في القبيلة ويحرمها على ذكورها.
2- قام الأبناء بقتل الأب، ثم التهموا جزءً نيئاً من لحمه للتوحد معه لأنهم يحبونه.
3- صار هذا الأب موضع تبجيل وتقدير باعتباره أباهم أصلاً.
4- ومن ثم اختاروا حيواناً مرهوباً لينقلوا إليه هذا التبجيل فكان الحيوان هو الطوطم(*).
5- الطوطمية أول صورة للدين في التاريخ البشري.
6- كانت الخطوة الأولى بعد ذلك هي التطوُّر نحو الإله(*) الفرد، فتطورت معها فكرة الموت الذي صار بهذا الاعتبار خطوة إلى حياة أخرى يلقى الإنسان فيها جزاء ما قدم.
7- الله – إذن – هو بديل الأب أو بعبارة أصح هو أب عظيم، أو هو صورة الأب كما عرفها المرء في طفولته.

نخلص من هذا إلى أن العقائد الدينية – في نظره – أوهام لا دليل عليها، فبعضها بعيد عن الاحتمال ولا يتفق مع حقائق الحياة، وهي تقارن بالهذيان، ومعظمها لا يمكن التحقق من صحته، ولابدّ من مجيء اليوم الذي يصغي فيه الإنسان لصوت العقل(*).
حديثه عن الكبت فيه إيحاءات قوية وصارخة بأن الوقاية منه تكمن في الانطلاق والتحرر من كل القيود، كما يحرم الإدانة الخلقية على أي عمل يأتيه المريض مركِّزاً على الآثار النفسية المترتبة على هذه الإدانة في توريثه العقد المختلفة مما يحرفه عن السلوك السوي.

مما ساعد على انتشار أفكاره ما يلي:
1- الفكر الدارويني الذي أرجع الإنسان إلى أصول حيوانية مادية.
2- الاتجاه العقلاني الذي ساد أوروبا حينذاك.
3- الفكر العلماني الذي صبغ الحياة بثورته ضد الكنيسة (*) أولاً وضد المفاهيم الدينية ثانياً.
4- اليهود الذين قدَّموا فكرة للإنسانية باستخدام مختلف الوسائل الإعلامية بغية نشر الرذيلة والفساد وتسهيل ذلك على ضمير البشرية ليسهل عليهم قيادة هذه الرعاع من الشعوب اللاهثة وراء الجنس، المتحللة من كل القيود والقيم.

من أكبر الآثار المدمرة لآراء فرويد، أن الإنسان حين كان يقع في الإثم كان يشعر بالذنب وتأنيب الضمير، فجاء فرويد ليريحه من ذلك، ويوهمه بأنه يقوم بعمل طبيعي لا غبار عليه، وبالتالي فهو ليس بحاجة إلى توبة، وبذلك أضفى على الفساد صفة أخلاقية إذا صح التعبير.

ألَّف نحو ثلاثين كتاباً في الدراسات النفسية من أشهرها: الذات والذات السفلى والطواطم(*) والمحرمات وتفسير الأحلام، وثلاث مقالات في النظرية الحسية والأمراض النفسية المنتشرة في الحياة اليومية. وكلها تدور – من زوايا مختلفة- حول موضوع واحد مكرر فيها جميعاً هو التفسير الجنسي للسلوك البشري.


الجذور الفكرية والعقائدية:
لقد دخل التنويم المغناطيسي إلى حقل العلم والطب على يد مسمر Mesmer 1780م إلا أنه قد مزج بكثير من الدجل مما نزع بالأطباء إلى أن ينصرفوا عنه انصرافاً دام حتى أيام مدرستي باريس ونانسي.

لقد كان الدكتور شاركوت Charcot 1825 – 1893م أبرز شخصيات مدرسة باريس، إذ كان يعالج المصابين بالهستيريا عن طريق التنويم المغناطيسي(*).

من تلاميذ شاركوت بيير جانه Pierr Janet الذي اهتم بالأفعال العصبية غير الشعورية والتي سماها الآليات العقلية.

ساهمت مدرسة نانسي بفرنسا في التنويم المغناطيسي المعتدل وقالت إنه أمر يمكن أن يحدث لكل الأسوياء، ذلك لأنه ليس إلا حالة انفعال وتلقٍّ منشؤها الإيحاء، وقد استعملته هذه المدرسة في معالجة الحالات العصبية.

أما فرويد فقد أخذ الأسس النظرية ممن سبقه، وأدخل أفكاره في تحليل التنويم المغناطيسي باستخدام طريقة التداعي الحرّ. لكن لهذا الوجه العلميِّ الظاهر وجه آخر هو التراث اليهودي الذي استوحاه فرويد واستخلص منه معظم نظرياته التي قدمها للبشرية خدمة لأهداف صهيون.

الانتشار ومواقع النفوذ:
بدأت هذه الحركة في فيينا، وانتقلت إلى سويسرا، ومن ثم عمت أوروبا، وصارت لها مدارس في أمريكا.

وقد حملت الأيام هذه النظرية إلى العالم كله عن طريق الطلاب الذين يذهبون إلى هناك ويعودون لنشرها في بلادهم.

تلاقي هذه الحركة اعتراضات قوية من عدد من علماء النفس الغربيين اليوم.

ويتضح مما سبق:
أن الفرويدية تدعو إلى التحرر من كل القيود لأنها تسبب العقد النفسية والاضطرابات العصبية، وبذلك تريد للمجتمع أن يكون بلا دين(*) ولا أخلاق (*) ولا تقاليد فتتسع هوة الرذيلة والفساد وتسهل لليهود السيطرة على الشعوب المتحللة خدمة لأهداف الصهيونية. وبطبيعة الحال فإنها تنادي بأن الدين الذي يضع الضوابط لطاقة الجنس لا يستحق الإتباع ولا يستوجب الاحترام.

----------------------------
مراجع للتوسع :
- علم الأمراض النفسية والعقلية، تأليف ريتشارد م. سوين – ترجمة أحمد عبد العزيز سلامة – دار النهضة العربية – القاهرة – 1979م.
- مدارس علم النفس، تأليف د. فاخر عاقل – دار العلم للملايين – بيروت – ط4 – 1979م.
- التراث اليهودي الصهيوني في الفكر الفرويدي، تأليف د. صبري جرجس – عالم الكتاب – طبعة 1970م.
- كتاب تاريخ حركة التحليل النفسي، تأليف سيجموند فرويد – طبعة 1917م.
- Brown, J.A.C. Freud and The post-0Freudians, Penguin Books London 1962.
- Munroe, r.L. Schools of Psycho-analytic Thought, Mutchinson Medical Publications- London 1957.
- Funda****ls of Behavior Pathology by richard M. Suninn- New York 1970.
- Bakan. D. “Sigmund Freud and the Jewish Mystical Tradition”. Van Nostrand, New York 1958.
- Encyclopedia Britannica, 1965 edition, Vol 1,2,3,4,9,17,21,24.


الذرائعية (البرجماتية)

التعريف :
الذرائعية مذهب(*) فلسفي اجتماعي يقول بأن الحقيقة توجد في جملة التجربة الإنسانية: لا في الفكر النظري البعيد عن الواقع. وأن المعرفة آلة أو وظيفة في خدمة مطالب الحياة، وأن صدق قضية ما : هو في كونها مفيدة للناس، وأن الفكر في طبيعته غائي.

وقد أصبحت الذرائعية طابعاً مميزاً للسياسة الأمريكية وفلسفة الأعمال الأمريكية كذلك، لأنها تجعل الفائدة العملية معياراً للتقدم بغض النظر عن المحتوى الفكري أو الأخلاقي أو العقائدي.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

نشأت الذرائعية (البرجماتية) كمذهب عملي في الولايات المتحدة الأمريكية مع بداية القرن العشرين: وقد وجدت في النظام الرأسمالي الحر الذي يقوم على المنافسة الفردية، خير تربة للنمو الازدهار.

ومن أبرز رموز المذهب وأغلبهم من الأمريكيين:

تشارلس بيرس 1839 – 1914م ويعد مبتكر كلمة البرجماتية في الفلسفة المعاصرة. عمل محاضراً في جامعة هارفارد الأمريكية، وكان متأثراً بدارون ووصل إلى مثل آرائه.. وكان أثره عميقاً في الفلاسفة الأمريكيين الذين سنذكرهم فيما يلي:

وليم جيمس 1842 – 1910م وهو عالم نفسي وفيلسوف أمريكي من أصل سويدي بنى مذهب الذرائعية البرجماتية على أصول أفكار بيرس ويؤكد أن العمل والمنفعة هما مقياس صحة الفكرة ودليل صدقها. كان كتابه الأول: مبادئ علم النفس 1890م الذي أكسبه شهرة واسعة ثم توالت كتبه: موجز علم النفس 1892م وإرادة الاعتقاد 1897م وأنواع التجربة الدينية 1902م والبراجماتية 1907م وكون متكثر 1909م يعارض فيه وحدة الوجود. ويؤكد جيمس في كتبه الدينية أن الاعتقاد الديني صحيح لأنه ينظم حياة الناس ويبعث فيهم الطاقة.

جون ديوي 1856 – 1952م فيلسوف أمريكي، تأثر بالفلسفة الذرائعية، وكان له تأثير واسع في المجتمع الأمريكي وغيره من المجتمعات الغربية، إذ كان يعتقد أن الفلسفة(*) مهمة إنسانية قلباً وقالباً وعلينا أن نحكم عليها في ضوء تأثرها الاجتماعي أو الثقافي.

كتب في فلسفة ما بعد الطبيعة (الميتافيزيقا) (*) وفلسفة العلوم والمنطق(*) وعلم النفس وعلم الجمال والدين(*).

وأهم مؤلفاته: دراسات في النظرية المنطقية 1903م، وكيف تفكر 1910 والعقل الخالق 1917م والطبيعة الإنسانية والسلوك 1922م وطلب اليقين 1929م.

شيلر 1864 – 1937م وهو فيلسوف بريطاني، كان صديقاً لوليم جيمس، وتعاطف معه في فلسفة الذرائعية: وقد آثر أن يطلق على آرائه وموقفه: المذهب الإنساني أو المذهب الإرادي(*).

الأفكار والمعتقدات:

من أهم أفكار ومعتقدات المذهب الذرائعي (البرجماتية) ما يلي:

إن أفكار الإنسان وآراءه ذرائع يستعين بها على حفظ بقائه أولاً ثم السير نحو السمو والكمال ثانياً.

إذا تضاربت آراء الإنسان وأفكاره وتعارضت كان أحقها وأصدقها أنفعها وأجداها، والنفع هو الذي تنهض التجربة العملية دليلاً على فائدته.

إن العقل خُلق أداة للحياة ووسيلة لحفظها وكمالها، فليست مهمته تفسير عالم الغيب المجهول، بل يجب أن يتوجه للحياة العملية الواقعية.

الاعتقاد الديني لا يخضع للبيئات العقلية: والتناول التجريبي الوحيد له هو آثاره في حياة الإنسان والمجتمع إذ يؤدي إلى الكمال، بما فيه من تنظيم وحيوية.

النشاط الإنساني له وجهتان: فهو عقل، وهو أداة، ونموه كعقل ينتج العلم، وحين يتحقق كإرادة يتجه نحو الدين(*)، فالصلة بين العلم والدين ترد إلى الصلة بين العقل والإرادة.

تقويم الذرائعية:

تعرضت الذرائعية لانتقادات معينة، وعرضت على أنها تبرير لأخلاقيات رجال الأعمال الأمريكيين.

أما عن فكرة الاعتقاد فمن رأي جيمس "أنها مفيدة لأنها صادقة" و"أنها صادقة لأنها مفيدة". وقد أنكر معظم الدارسين هذه المعادلة إذ أن موقف جيمس يسمح بصدق الفكرة لأنها "مفيدة ونافعة" لشخص ما، ويكذبها لعدم وجودها عند الآخرين.

وهكذا فإن جيمس طرح الحقيقة على أنها لعبة ذاتية للأفكار التي تستهوي الإنسان فائدتها: فيعتقد في صدقها.

إن الذرائعية اندثرت كحركة فكرية فردية، ولكنها كمجموعة أفكار ما زالت تعمل في الفكر البشري.. ومن أهم آثار هذه الأفكار تفسير الفكر والمعنى على أنهما من أشكال السلوك النائي عند الإنسان.

الجذور الفكرية والعقائدية:

إن البرجماتية أو الذرائعية ثورة ضد الفكر النظري البعيد عن الواقع وعن الإنسان خاصة والذي لا يخدم الإنسان في حياته العملية. أما كلمة (برجماتية) فكانت قليلة الاستعمال في اللغة الإنكليزية ولم تكن تستعمل مطلقاً في سياق الحديث الفلسفي، حتى أدخلها الفيلسوف الأمريكي بيرس عام 1878م كقاعدة منطقية: معرفاً البرجماتية بأنها النظرية القائلة: "بأن الفكرة إنما تنحصر فيما نتصوره لها من أثر على مسلك الحياة".

وقد استعار وليم جيمس ورفاقه الذرائعيون هذا المصطلح وأعطوه معاني جديدة وفق ما أوضحناه في أفكار ومعتقدات المذهب. مؤكدين على أن كل شيء حتى الفكر، لا بد أن يفهم في ضوء الغرض الإنساني.

الانتشار ومواقع النفوذ:

تأسس المذهب(*) في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتقل إلى أوروبا وبريطانيا بشكل خاص.

يتضح مما سبق :
أن الذرائعية أو البراجماتية مذهب فلسفي نفعي يرى أن الحقيقة توجد من خلال الواقع العملي والتجربة الإنسانية، وأن صدق قضية ما يكمن في مدى كونها مفيدة للناس، كما أن أفكار الناس هي مجرد ذرائع يستعين بها الإنسان لحفظ بقائه ثم البحث عن الكمال. وعندما تتضارب الأفكار فإن أصدقها هو الأنفع والأجدى، والعقل لم يخلق لتفسير الغيب المجهول، ولذا فإن الاعتقاد الديني لا يخضع للبينات العقلية. ولما كان نشاط الإنسان يتمثل في العقل والإرادة، وكان العقل(*) ينتج العلم، وحينما يتحقق العلم كإرادة يتجه نحو الدين(*)، لذا فإن الصلة بين العلم والدين ترجع إلى الصلة بين العقل والإرادة. ومخاطر هذا المذهب الفلسفي على العقيدة واضحة جلية فهو مذهب يحبذ إلغاء دور العقل في الإفادة من معطيات النقل أو الوحي(*). وقد رأينا في واقعنا المعاصر كيف أفلست الذرائعية كما أفلست سواها من الفلسفات المادية(*) وعجزت عن إسعاد الإنسان بعدما أدت إلى تأجيج سعار المادية، وأهدرت القيم والأخلاق السامية التي دعت إليها جميع الأديان السماوية.


مراجع للتوسع :
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل ورفاقه – دار القلم – بيروت.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي – مكتبة لبنان – بيروت –1982م.
- تاريخ الفلسفة الحديث، يوسف كرم – دار المعارف – القاهرة.
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين وزكي نجيب محمود – مطبعة لجنة التأليف والنشر – القاهرة.

مراجع أجنبية :
- Philosophy of John Dewey: by P.A Schelop, Chicago 1951.
- The Will to Belive: By W. James Dever New York.
- John Dewey an Intellectual Portriat: by S. Hook Day, New York. 1939.
- History of Philosophy: by F.C. Coplestion, Burns London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding London 1956.

الروحية الحديثة

التعريف :
الروحية الحديثة دعوة هدامة وحركة مغرضة مبنية على الشعوذة. تدَّعي استحضار أرواح الموتى(*) بأساليب علمية وتهدف إلى التشكيك في الأديان(*) والعقائد وتبشر بدين جديد وتلبس لكل حالة لباسها. ظهرت في بداية هذا القرن في أمريكا ومن ورائها اليهود ثم انتشرت في العالمين العربي والإسلامي.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

لم يعرف لها مؤسس في أوروبا وأمريكا ولكن الدعوة إليها قد نشطت في بداية هذا القرن الميلادي من قبل عدة شخصيات منها:
- جان آثر فندلي وكتابه المشهور: على حافة العالم الأثيري.
- أدين فردريك باورز وكتابه المشهور: ظواهر حجرة تحضير الأرواح.
- آثر كونان دويل في كتابه: حافة المجهول.
- اليهودي المعروف: دافيد جيد.
- السيدة وود سمث.

كما ظهرت لها في تلك البلاد عدة مؤسسات مثل: (المعهد الدولي للبحث الروحي) بأمريكا و(جمعية مارلبورن الروحية) بإنجلترا.

أما في العالم الإسلامي فقد تحمس لها عدة أشخاص وحملوا رايتها منهم:

الأستاذ أحمد فهمي أبو الخير أمين عام (الجمعية المصرية للبحوث الروحية) وقد أصدر مجلة عالم الروح وهي الناطقة باسم هذه الدعوة الهدامة، وقد بدأ نشاطه منذ سنة 1937م وقام بترجمة كتابي فندلي وباورز سابقي الذكر.

الأستاذ وهيب دوس المحامي ت 1958م وهو رئيس الجمعية المذكورة.

د. علي عبد الجليل راضي رئيس (جمعية الأهرام الروحية) له كتاب بعنوان مشاهداتي في جمعية لندن الروحية.

حسن عبد الوهاب وكان سكرتيراً للجمعية لفترة ثم اكتشف زيف الروحية الحديث وأزاح الله عن عينيه غشاوة الضلال واكتشف ما في هذه الدعوة الماكرة من سموم وثبت له يقيناً الشخصيات التي تحضر في جلسات التحضير وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب إن هي إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون.

الشاعر اللبناني حليم دموس الذي كان يقدس روحًّا نصرانياً اسمه د. داهش ويرفعه إلى مقام النبوة(*) وله مقالات في مجلة عالم الروح بعنوان : الرسالة الدهشية. ود. داهش له أتباع في لبنان وربما خارجه كما أن له كتابات يمجد فيها الرسول r ويؤمن برسالته الخاتمة. وقد أنكر بعض أتباع د. داهش أن يكون قد ادعى النبوة بمعناها الديني الإسلامي.

الأفكار والمعتقدات:

يقولون بأنهم يحضرون الأرواح(*) ويستدعون الموتى لاستفتائهم في مشكلات الغيب ومعضلاته والاستعانة بهم في علاج مرضى الأبدان والنفوس والإرشاد عن المجرمين والكشف عن الغيب والتنبؤ بالمستقبل.

يزعمون أن هذه الأرواح تساعدهم في كشف الجرائم والدلالة على الآثار القديمة كما يدعون أنهم يعالجون مرضى النفوس من هذه الأرواح كذلك.

يدعون أنهم يستطيعون التقاط صور لهذه الأرواح بالأشعة تحت الحمراء.

يحاولون إضفاء الجانب العلمي على عملهم وهو في الواقع لا يخرج عن كونه شعوذة وخداعاً وتأثيراً مغناطيسياً على الحاضرين، واتصالاً بالجن.

يقومون بهذا التحضير في حجرات خاصة شبه مظلمة وفي ضوء أحمر خافت وكل ما يدّعونه من التجسد للأرواح ومخاطبتها لا يراه الحاضرون وإنما ينقله إليهم الوسيط وهو أهم شخص في العملية.

"الوسيط" عندهم يرى غير المنظور ويسمع غير المسموع ويتلقى الكتابة التلقائية وله قدرة على التواصل عن بعد (التلباثي)(*).

لا يثبتون للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام إلا هذه الوساطة فقط.

يتحكمون في حضور جلسة التحضير(*) من حيث الكم والنوع وإذا وجد نساء يكون الجلوس: رجل، امرأة، … كما يعزفون الموسيقا أحياناً وكل هذا لصرف أذهان الحضور عن حقيقة ما يجري، ويزعمون أن لكل جلسة روحاً حارساً يحرسها.

يعتقدون أن معجزات الأنبياء هي ظواهر روحية كالتي تجري في غرفة تحضير الأرواح(*) ويقولون أن بإمكانهم إعادة معجزات الأنبياء.

يرفضون الوحي(*) ويقولون إنه ليس في الأديان(*) ما يصح الركون إليه ويسخرون من المتدينين.

يقولون بأن إلههم أظهر من إله(*) الرسل وأقل صفات بشرية وأكثر صفات إلهية.

يلوحون بشعارات براقة كالإنسانية والإخاء والحرية(*) والمساواة للتمويه على السذج والبسطاء.

كل عملهم منصب على زعزعة العقائد الدينية والمعايير الخلقية.

يدَّعون أن الأرواح التي تخاطبهم تعيش في هناء وسعادة رغم أنها كافرة ليهدموا بذلك عقيدة البعث والجزاء ويقولون إن باب التوبة مفتوح بعد الموت كذلك، وأن الجنة والنار حالة عقلية يجسمها الفكر ويصنعها الخيال.

عندهم نصوص كثيرة تمجد الشيوعيين والوثنيين(*) والفراعنة والهنود الحمر ويقولون إنهم أقوى الأرواح.

يبررون الجرائم بأن أصحابها مجبورون عليها وبالتالي لا يعاقبون.

يسعون لضمان سيطرة اليهودية على العالم لتقوم دولتهم على أنقاض الخراب الشامل.

أعلنت مجلة سينتفك أمريكان عن جائزة مالية ضخمة لمن يقيم الحجة على صدق الظواهر الروحية ولكنها لا تزال تنتظر من يفوز بها وكذلك الحال بالنسبة للجائزة التي وضعها الساحر الأمريكي دنجر لنفس الغرض… وهذا من أكبر الأدلة على بطلانها.

الجذور الفكرية والعقائدية:

ثبت أن للروحية اتصالات شخصية وفكرية بالماسونية وشهود يهوه. كما أن نوادي الروتاري تشجع هذه الظاهرة وتمد لها يد المساعدة وتتولى ترويجها، كما أنها تأثرت باليهودية في كثير من معتقداتها.

الانتشار ومواقع النفوذ:

لها نفوذ غريب وخاصة في أمريكا وأوروبا إذ لا تكاد تخلو مدينة من فرع لهذه الدعوة وهناك كثير من الصحف والمجلات التي تتكلم باسمها. وفي أمريكا يوجد المركز العالمي للبحوث الروحية، وكذلك في العالم العربي والإسلامي فإن سرعة انتشارها تدعو إلى العجب وخاصة في مصر حيث توجد لها عدة جمعيات وهناك عدة مجلات وصحف أخرى تروج لها مثل: مجلة صباح الخير، أخر ساعة، المصور، المقتطف، وصحيفة الأهرام فضلاً عن مجلة عالم الروح الخاصة بها.


ويتضح مما سبق :
أنه رغم التفسيرات المتنوعة التي يتناقلها علماء معاصرون عن الروح فإن أمرها من عالم الغيب كما ذكر القرآن الكريم (قل الروح من أمر ربي) وقد قام الدكتور عبد الله اليسون (آرثر اليسون رئيس قسم الهندسة الكهربائية والإلكترونية بجامعة سيتي البريطانية) بإجراء تجارب معملية استخدم فيها جهاز "كيربلين" الذي يصور الهالة حول الجسم فأثبت أن النوم هو الموت والروح تخرج من الجسم في الحالتين غير أنها تعود في حالة النوم ولا تعود في حالة الموت وفي ذلك يقول تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) [سورة الزمر، آية: 42].

والذي يدعيه بعض علماء الغرب من تحضير أرواح(*) الموتى كذب وضلال قائم على السحر والشعوذة والاتصال بالجن والشياطين ولم يثبت بأي حال.

----------------------------
مراجع للتوسع :
- مشاهداتي في جمعية لندن الروحية، د. علي عبد الجليل راضي.
- ظواهر حجرة تحضير الأرواح، ترجمة أحمد فهمي أبو الخير.
- على حافة العالم الأثيري، ترجمة أحمد فهمي أبو الخير.
- حافة المجهول، آرثر كونان دويل.
- الروحية الحديثة دعوة هدامة، د. محمد محمد حسين.
- المذاهب الفلسفية المعاصرة، سماح رافع محمد.[/align]
رد مع اقتباس