عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2008-06-16, 10:05 AM
ابن السني ابن السني غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2007-08-14
المشاركات: 758
قاسم أمين : فتنة الأجيال وداعية السفور في عهد الاحتلال


(1) قاسم أمين وقضية تحرير المرأة

من كتاب واقعنا المعاصر/ محمد قطب

" بطل " هذه القصة هو قاسم أمين ..

شاب نشأ في أسرة تركية مصرية أي محافظة فيه ذكاء غير عادي حصل علي ليسانس الحقوق الفرنسية من القاهرة وهو في سن العشرين بينما كان هناك في عصره من يحصل علي الشهادة الابتدائية في سن الخامسة والعشرين.

ومن هناك التقطه الذين يبحثون عن الكفاءات النادرة والعبقريات الفذة ليفسدوها، ويفسدوا الأمة من ورائها التقطوه وابتعثوه إلي فرنسا.. لأمر يراد.

أطلع قبل ذهابه إلي فرنسا علي رسالة لمستشرق يتهم الإسلام باحتقار المرأة وعدم الاعتراف بكيانها الإنساني وغلي الدم في عروقه، كما يصف في مذكراته وقرر أن يرد علي هذا المستشرق ويفند افتراءاته علي الإسلام.

ولكن عاد بوجه غير الذي ذهب به.

لقد أثرت رحلته إلي فرنسا في هذه السن الباكرة تأثيرا بالغا في كيانه كله، فعاد إلي مصر بفكر جديد وعقل جديد ووجه جديدة.

عاد يدعو إلي " تعليم المرأة وتحريرها " علي ذات المنهج الذي وضعه [ المنصرون ] وهم يخططون لهدم الإسلام.

يقول في مذكراته إنه التقى هناك بفتاة فرنسية أصبحت" صديقة " حميمة له و إنه نشأ بينه وبينها علاقة عاطفية عميقة، ولكنها " بريئة " وإنها كانت تصحبه إلي بيوت الأسر الفرنسية والنوادي والصالونات الفرنسية فتفتح في وجهه البيوت والنوادي والصالونات ويكون فيها موضع الترحيب...
وسواء كان هو الذي " التقي بها " أم كانت موضوعة في طريقة عمدا ليلتقي بها، فقد لعبت هذه الفتاة بعقله كما لعبت بقلبه، وغيرت مجري حياته، وجعلته صالحا للعب الدور المطلوب، الذي قررت مؤتمرات التبشير أنه لابد منه لهدم الإسلام.

ونحن نميل إلي تصديقه في قوله إن العلاقة بينه وبينها كانت " بريئة " لا بالمعني الإسلامي للبراءة بطبيعة الحال، ولكن بمعني عدم وصول هذه العلاقة إلي درجة الفاحشة فإنها علي هذه الصورة تكون أقدر علي تغيير أفكاره من العلاقة المبتذلة التي تؤدي إلي الفاحشة،لأن الفتاة ستكون حينئذ ساقطة حسة غير جديرة بالاحترام، وغير جديرة بأن تكون مصدر " إلهام "

وسواء كانت الفتاة قد " مثّلت " الدور بإتقان، لتظل العلاقة بينه وبينها " روحية " و " فكرية " لتستطيع التأثير عليه، أم كانت تربيته المحافظة في الأسرة المنحدرة من أصل تركي هي التي وقفت بهذه العلاقة عند الحد الذي يصفها بالبراءة فالنتيجة النهائية كانت انقلاباً كاملاً في كل كيانه

ولنحاول أن نتصور كيف حدث التغيير ..

هذا شاب عبقري، نعم، ولكنه قادم من بلاد محتلة ، تحتلها إحدى الدول الأوروبية وهو قادم إلي أوروبا تلك التي يتحدث قومه عنها بانبهار المأخوذ، وتمثل في حسهم العملاق الضخم الذي يتضاءل الشرق أمامه وينزوي، فنستطيع عندئذ أن نتوقع أنه قادم إلي أوروبا وهو منخنس داخل نفسه، يحس بالضآلة والقزامة ، ويتوجس أن يزدري في بلاد العمالقة لأنه قزم قادم من بلاد الأقزام، وأقصي ما يتمناه قلبه أن يجد الطمأنينة النفسية والعقلية في تلك البلاد الغربية التي لا يكاد يستوعبها الخيال.

وبينما هو كذلك منكمش متوجس – إذا هذه الفتاة تبرز له في الطريق فتؤنس وحشته بادئ ذي بدء، فيزول عنه انكماشه وتوجسه، ويذهب عنه توتر أعصابه ويشعر بالطمأنينة في المهجر

ثم إن هذه الفتاة تبادله عواطفه – كما قص في مذكراته – فيشعر فوق الطمأنينة بالسعادة والغبطة ويزداد استقرار نفسه فلا يعود يشعر بالغربة النفسية الداخلية، وإن بقيت الغربة بالنسبة للمجتمع الخارجية الذي لم يحتك به بعد.

غير أن الفتاة تنتقل معه – فتنقله – خطوة أخري.. فهي تصحبه إلي الأسر الفرنسية فتفتح له تلك الأسر أبوابها وترحب به، وتصحبه إلي النوادي والصالونات فترحب به كذلك وهنا تزول الغربة نهائيا، سواء بالنسبة لمشاعره الخاصة أو بالنسبة للمجتمع الخارجي، وينطلق في المجتمع الجديد واثقا من خطواته.

كيف تصير الأمور الآن في نفسه؟

كيف ينظر إلي العلاقة بينه وبين هذه الفتاة؟

وكيف ينظر إلي التقاليد التي تم عن طريقها كل ما تم في نفسه من تغيير؟

علاقة " بريئة " أي لم تصل إلي الفاحشة نمت من خلالها نفسه نموا هائلا، فخرجت من انكماشها وعزلتها، واكتسبت إيجابية وفاعلية، مع نمو في الثقافة وسعة في الأفق، ونشاط وحيوية

ما عيب هذه التقاليد إذن؟ وما المانع أن تكون تقاليدنا نحن علي هذا النحو " البريء "

هناك بلا شك – مهما أحسنا الظن مجموعة من المغالطات في هذا المنطق.

المغالطة الأولي: هي دعواه " ببراءة " هذه العلاقة علي اعتبار خلوها من الفاحشة المبينة فحتى لو صدقناه ونحن أميل إلي تصديقه كما قلنا فهي ليست " بريئة " في الميزان الإسلامي الذى يقيس به المسلم أمور حياته كلها فهي تشتمل علي " خلوة " محرمة في ذاتها سواء أدت إلي الفاحشة أم لم تؤد إليها وهي محرمة في دين الله لحكمة واضحة، لأنها تؤدي في النهاية إلي الفاحشة، إن لم يكن في أول مرة ولا حتى في أول جيل فإنه ما من مرة أباحت البشرية لنفسها هذه الخلوة إلا وصلت إلي الفاحشة في نهاية المطاف لم تشذ عن ذلك أمة في التاريخ.

والمغالطة الثانية: هي تجاهله ما هو واقع بالفعل في المجتمع الفرنسي من آثار مثل هذه العلاقة، وقد علم يقينا بلا شك أن ذلك المجتمع يعج بألوان من العلاقات الأخرى " غير البريئة " ويسمح بها بلا رادع " فلم يكن ذلك سرا مخفيا عن أحد ممن يعيش في ذلك المجتمع، سواء من أهله أو من الوافدين عليه فحتى لو صدقناه في أن علاقته هو الخاصة لم تصل إلي ما يصل إليه مثلها في ذلك المجتمع لظروف خاصة مانعة في نفسه أو في نفسها فليس ذلك حجة لإباحة تلك العلاقات، أو الدعوة إلي مثلها نه وهو يري بنفسه نتائجها الواقعية حين يبيحها المجتمع.

والمغالطة الثالثة: هي زعمه في كتابه الأول " تحرير المرأة" أن هذا التحرير لن ينتج عنه إلا الخير ولن تنشأ عنه العلاقات الدنسة التي رآها بعينه في المجتمع الفرنسي إنما سينشأ عنه تقوية أواصر المجتمع وربطها برباط متين! .

وأيا كان الأمر فقد عاد قاسم أمين من فرنسا داعيا لتحرير المرأة داعيا إلي السفور ونزع الحجاب
نفس الدعوة التي دعا بها رفاعة الطهطاوي من قبل عند عودته من فرنسا مع فارق رئيسي.. لا في الدعوة ذاتها، ولكن في المدعوين فإن أكثر من نصف قرن من الغزو الفكري المستمر كانت قد فعلت فعلها في نفوس الناس، فلم تقابل دعوة قاسم أمين بالاستنكار البات الذي قوبلت به دعوة رفاعة الطهطاوي، ولم توأد في مهدها كما وئدت الدعوى الأخرى من قبل.


ومع ذلك فلم يكن الأمر سهلا فقد أثار كتاب "تحرير المرأة " معارضة عنيفة جعلت قاسم أمين ينزوي في بيته خوفا أو يأسا، ويعزم علي نفض يده من الموضوع كله.

ولكن سعد زغلول شجعه وقال له: أمض في طريقك وسوف أحميك!

عندئذ قرر أن يعود، وأن يسفر عن وجهه تماما فلئن كان في الكتاب الأول قد تمحكم في الإسلام، وقال إنه يريد للمرأة المسلمة ما أعطاها الإسلام من حقوق وفي مقدمتها التعليم فقد أسقط الإسلام في كتابه الثاني " المرأة الجديدة " ولم يعد يذكره إنما صار يعلن إن المرأة المصرية ينبغي أن تصنع كما صنعت أختها الفرنسية، لكي تتقدم وتتحرر، ويتقدم المجتمع كله ويتحرر! وهكذا سقط الحاجز المميز للمرأة المسلمة، وصارت هذه الشركة أختين بلا افتراق!

بل وصل الأمر إلي الدعوة إلي السير في ذات الطريق الذي سارت فيه الغربية من قبل، ولو أدي ذلك إلي المرور في جميع الأدوار، التي قطعتها وتقطعها النساء الغربيات وقد كان من بين تلك الأدوار ما يعلمه قاسم أمين ولا شك من التبذل وانحلال الأخلاق!
قال:
(.. ولا نرى مانعا من السير في تلك الطريق التي سبقتنا إليها الأمم الغربية لأننا نشاهد أن الغربيين يظهر تقدمهم في المدنية يوما فيوما.
(وبالجملة فإننا لا نهاب أن نقول بوجوب منح نسائنا حقوقهم في حرية الفكر والعمل بعد تقوية عقولهن بالتربية ، حتي لو كان من المحقق أن يمررن في جميع الأدوار التي قطعتها وتقطعها النساء الغربيات) .


وكان آخر ما قاله في ليلة وفاته مخاطبا - بالفرنسية - مجموعة من الطلبة والطالبات الذين جاءوا من روما في زيارة لمصر:

(أحيي هذه البعثة العلمية وأشكرها علي زيارة نادي المدارس العالية, أحيي منها بصفة خاصة هاته الفتيات اللواتي تجشمن مصاعب السفر متنقلات من الغرب إلي الشرق حبا في الاستزادة من العلوم والمعارف أحييهن وقلبي ملؤه السرور حيث أري نصيبهم من العناية بتربيتهن لا يقل عن نصيب رفقائهن، أحييهن ولي شوق عظيم أن أشاهد ذلك اليوم الذي أري فيه حظ فتياتنا المسلمات المصريات كحظ هاته الفتيات السائحات من التربية والتعليم. ذلك اليوم الذي نري فيه المسلمات جالسات جنبا إلي جنب مع الشبيبة المصرية في اجتماع أدبي كاجتماع اليوم، فيشاركننا في لذة الأدبيات والعلوم التي هن منها محرومات,فعسي أن تحقق الآمال حتى يرتقين فيرتقي بهن الشعب المصري) .
رد مع اقتباس