عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 2012-02-19, 05:50 PM
ابو عادل المغربي ابو عادل المغربي غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2012-02-19
المكان: المملكة المغربية
المشاركات: 125
افتراضي

العقيدة التي يتبنّاها الصوفية



موكب أحد الطرق الصوفية في القاهرة سنة 1870



يعلن المتصوفة حاليا بمعظمهم اعتقادهم حسب مبادئ عقيدة أهل السنة الأشاعرة التي انتشرت وسادت كمذهب عقيدي رسمي لأهل السنة والجماعة، بل وتبناها جمهور علماء أهل السنة والجماعة من الإمام النووي، والإمام ابن حجر العسقلاني، والإمام السيوطي، وغيرهم الكثير. فبالتالي فإن كتب المتصوفة الحديثين لا تخرج عن عقيدة أهل السنة سواءً أكانت أشعرية أوماتريدية. وذلك بالرغم أنهم يتبنون كتب ابن عربي والسهروردي التي تتهم من قبل الحركات السلفية وبعض الباحثين المعاصرين بأنها تتضمن ما يفيد بعقائد الحلول ووحدة الوجود، لكن المتصوفة يقولون أن هذه الكتب ليست في متناول العوام (والعوام في نظر المتصوفة هو كل من لم يتمرس بالصوفية وممارساتها) ،وأنه بالإمكان حمل كلام ابن عربي والسهروردي على محامل نابعة من الإسلام، فالعوام غير قادرين على تذوق المعاني التي لا تتجلى إلا لمن حصل على الكشف الإلهي، بالتالي فهم وحدهم من يمتلك حق التأويل لهذه الكتب والمقولات للشيوخ الكبار مثل ابن عربي والسهروردي. ويرى الشيخ المسافر أن ابن عربي والسهروردي وابن سبعين، فضلا عن جلال مسيرتهم في التصوف، ينتمون إلى ميدان الحكمة الفلسفية، وان كثيرا من كتبهم فلسفية بامتياز، وإن لم تسم بذلك. ويشهد على ذلك إنتاج ذلك العدد الكبير من فلاسفة الغرب الذين اسسوا اطروحاتهم الفلسفية أو ضمنوها اجزاء من إنتاج المشائخ الأولياء الثلاثة، أو كما يطلق عليهم البعض "الفلاسفة العظام الثلاثة".
عقيدة الصوفية في الأولياء

الولي عندهم هو: عبد لله، اختصه الله بعنايته وتوفيقه واصطفاه من بين عبيده، وهو عبد لا يضر ولا ينفع بذاته كباقي البشر، هو دون الأنبياء في المرتبة والمنزلة، إذ لا أحد يصل إلى رتبة الأنبياء مهما ارتقى في مراتب الولاية، لذلك فالولي ليس بمعصوم عن الخطأ، إلا من عصمه الله. ويستشهدون بالآية القرآنية: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين ءامنوا وكانوا يتقون) فالمتقون هم أولياء الله. وقد ورد تحذير في أحاديث النبي محمد، وذلك كما في الحديث القدسي: من عادى لي ولياً فقد ءاذنته بالحرب[51].
مراتب الأولياء

جعل الصوفيةُ الأولياءَ على مراتب، وذلك بحسب اجتهادهم في دقائق التقوى -وبحسب ما يعتبرونه توفيقًا من الله لهم-، وبذلك تفاوتت مراتبهم في مقامات الولاية، فليس كل المتقين على درجة واحدة. أما من حيث الدرجات، فيجعلون المراتب من الأفضل إلى الأدني كالتالي[52]: [LIST][*]القطب الغوث، الذي به يغاث عباد الله وبواسطته تنزل الرحمة، اشتهر منهم أربعة: الإمام عبد القادر الجيلاني، والإمام أحمد الرفاعي والإمام أحمد البدوي والإمام إبراهيم الدسوقي[53].[*]ثم الإمامان، وهما كالوزيرين له.[*]ثم الأربعة الأوتاد الحافظون لجهات الأرض.[*]ثم السبعة النجباء والحافظون للأقاليم السبعة.[*]ثم الأربعون الأبدال الساعون في قضاء حوائج المسلمين، وهم في الشام. وقد ورد فيهم أحاديث صحيحة منها قول النبي محمد: «الأبدالبالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يُسقَى بهم الغيث، ويُنتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب» [54][*]ثم التسعة والتسعون الذين هو مظاهر أسماء الله.[*]ثم الثلاثمائة والتسعون الأولياء الصالحون من المؤمنين.[/LIST]وأهل المراتب لا بد من وجودهم في زمان إلى نزول عيسى بن مريم.
كرامات الأولياء

الكرامة هي أمر خارق للعادة غير مقرونة بدعوى النبوة، يظهرها الله على أوليائه الصالحين من أتباع الرسل كرامة لهم. وقد أجمع أهل التصوف على إثبات كرامات الأولياء، كالمشي على الماء، وكلام البهائم، وطي الأرض, وظهور الشيء في غير موضعه ووقته[55]. [LIST][*]ويستدلون على صحتها ووجودها بآيات من القرآن، منها: [LIST][*]قصة الذي عنده علم من الكتاب في الآية القرآنية: (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك).[*]قصة مريم بنت عمران حين قال لها النبي زكريا: (أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله).[/LIST][*]ومن أحاديث النبي محمد: "أن رجلين خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا، فتفرق النور معهما".[51][*]ومن قصص وقعت للصحابة: قصة الصحابي عمر بن الخطاب: عن ابن عمر قال: وجه عمر جيشا وولى عليهم رجلا يدعى سارية، فبينما عمر في المدينة يخطب على المنبر جعل ينادي: يا سارية الجبل!! ثلاثا. ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا فبينما نحن كذلك إذ سمعنا صوتا ينادي يا سارية الجبل ثلاثا، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر إنك كنت تصيح هكذا وهكذا.[56].[/LIST]الصوفية يعتبرون أن أعظم الكرامات هي الاستقامة على شرع الله. قال أبو القاسم القشيري : واعلم أن من أجلِّ الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعات، والحفظ من المعاصي والمخالفات[57].
والصوفية يمنعون إِظهار الكرامة إِلا لغرض صحيح ؛ كنصرة شريعة الله أمام الكافرين والمعاندين، أما إِظهارها بدون سبب مشروع فهو مذموم، لما فيه من حظ النفس والمفاخرة والعجب. قال الشيخ محي الدين بن عربي : ولا يخفى أن الكرامة عند أكابر الرجال معدودة من جملة رعونات النفس، إِلا إِنْ كانت لنصر دين أو جلب مصلحة، لأن الله تعالى هو الفاعل عندهم، لا هُمْ، هذا مشهدهم، وليس وجه الخصوصية إِلا وقوع ذلك الفعل الخارق على يدهم دون غيرهم ؛ فإِذا أحيا كبشاً مثلاً أو دجاجة فإِنما ذلك بقدرة الله لا بقدرتهم، وإِذا رجع الأمر إِلى القدرة فلا تعجب[58].
كما أن الصوفية لا يعتبرون ظهور الكرامات على يد الولي الصالح دليلاً على أفضليته على غيره. قال الإِمام اليافعي : لا يلزم أن يكون كلُّ مَنْ له كرامة من الأولياء أفضلَ من كل من ليس له كرامة منهم، بل قد يكون بعض مَنْ ليس له كرامة منهم أفضل من بعض مَنْ له كرامة، لأن الكرامة قد تكون لتقوية يقين صاحبها، ودليلاً على صدقه وعلى فضله لا على أفضليته، وإِنما الأفضلية تكون بقوة اليقين، وكمال المعرفة بالله تعالى[59].
ويعتبر الصوفية أن عدم ظهور الكرامة على يد الولي الصالح ليس دليلاً على عدم ولايته. قال الإِمام القشيري : لو لم يكن للولي كرامة ظاهرة عليه في الدنيا، لم يقدح عدمها في كونه ولياً[60].
هل يجوز للولي أن يعرف أنه ولي

اختلف الصوفية في الولي: هل يجوز أن يعرف أنه ولي أم لا؟ على قولين[55]. : [LIST][*]فقال بعضهم: لا يجوز ذلك؛ لأن معرفة ذلك تزيل عنه خوف العاقبة، وزوال خوف العاقبة يوجب الأمن، وفي وجوب الأمن زوال العبودية؛ لأن العبد بين الخوف والرجاء.[*]وقال الأجلة منهم والكبار: يجوز أن يعرف الولي ولايته؛ لأنها كرامة من الله للعبد، والكرامات والنعم يجوز أن يعلم ذلك فيقتضي زيادة الشكر. ويستدل هؤلاء بأن النبي محمد قد أخبر أصحابه بأنهم من أهل الجنة، وشهد للعشرة بالجنة، وشهادة النبي توجب سكونا إليها، وطمأنينة بها، وتصديقا لها. ومع ذلك فقد أخبرهم النبي بذلك.[/LIST]الشريعة والطريقة والحقيقة

يقسّم الصوفية الدين إلى ثلاثة أركان رئيسية: هي الشريعة، والطريقة، والحقيقة - حيث يعتبره السلفيون أنه تقسيم بدعة في دين الإسلام، ولم يرد في صحته أي أدلة -. ويستدل الصوفية على صحة هذا التقسيم ما ورد بحديث نبي الإسلام محمد الذي اشتهر باسم حديث جبريل وهو مروي عن الصحابي عمر بن الخطاب، يقول:
بينما نحن جلوس عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لايرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. قال صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان قال :أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.قال: فأخبرني عن الساعة قال: مالمسؤول عنها بأعلم من السائل قال: فأخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاه يتطاولون في البنيان. ثم انطلق. فلبث مليا ثم قال: ياعمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال: فإنه جبريل آتاكم يعلمكم دينكم[61].
فالحديث يذكر أقسام الدين كما يقولون، وهي: [LIST][*]ركن الإِسلام: وهو الجانب العملي؛ من عبادات ومعاملات وأُمور تعبدية، ومحله الأعضاء الظاهرة الجسمانية. وقد اصطلح العلماء على تسميته بالشريعة، واختص بدراسته الفقهاء.[*]ركن الإِيمان: وهو الجانب الاعتقادي القلبي؛ من إِيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر. وقد اختص بدراسته علماء التوحيد.[*]ركن الإِحسان: وهو الجانب الروحي القلبي؛ وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإِن لم تكن تراه فإِنه يراك، وما ينتج عن ذلك من أحوال وأذواق وجدانية، ومقامات عرفانية، وعلوم وهبية، وقد اصطلح العلماء على تسميته بالحقيقة، واختص ببحثه الصوفية.[/LIST]وللوصول إِلى هذا المقام، والإِيمان الكامل، لابد من سلوك الطريقة، وهي مجاهدة النفس، وتصعيد صفاتها الناقصة إِلى صفات كاملة، والترقي في مقامات الكمال بصحبة المرشدين، فهي الجسر الموصل من الشريعة إِلى الحقيقة. قال السيد في تعريفاته: "الطريقة هي السيرة المختصة بالسالكين إِلى الله تعالى، من قطع المنازل والترقي في المقامات".[62]
ولتوضيح الصلة بين الشريعة والحقيقة يضربون لذلك مثلاً الصلاة، فالإِتيان بحركاتها وأعمالها الظاهرة، والتزام أركانها وشروطها، وغير ذلك مما ذكره علماء الفقه، يمثل جانب الشريعة، وهو جسد الصلاة. وحضور القلب مع الله في الصلاة يمثل جانب الحقيقة، وهو روح الصلاة. فأعمال الصلاة البدنية هي جسدها، والخشوع روحها. وما فائدة الجسد بلا روح؟! وكما أن الروح تحتاج إِلى جسد تقوم فيه، فكذلك الجسد يحتاج إِلى روح يقوم بها، ويستدلون على ذلك بالآية القرآنية: (أقيمُوا الصلاةَ وآتوا الزكاةَ)[63] ولا تكون الإِقامة إِلا بجسد وروح، ولذا لم يقل: أوجدوا الصلاة.
فالشريعة عندهم هي الأساس، والطريقة هي الوسيلة، والحقيقة هي الثمرة، وهذه الأشياء الثلاثة متكاملة منسجمة، فَمَنْ تمسَّك بالأولى منها سلك الثانية فوصل إِلى الثالثة، وليس بينها تعارض ولا تناقض، ولذلك يقول الصوفية في قواعدهم المشهورة: (كل حقيقة خالفت الشريعة فهي زندقة).
ويقول الشيخ أحمد زروق: لا تصوف إِلا بفقه، إِذ لا تعرف أحكام الله الظاهرة إِلا منه. ولا فقه إِلا بتصوف، إِذ لا عمل إِلا بصدق وتوجه لله تعالى. ولا هما (التصوف والفقه) إِلا بإِيمان، إِذ لا يصح واحد منهما دونه. فلزم الجميع لتلازمها في الحكم، كتلازم الأجسام للأرواح، ولا وجود لها إِلا فيها، كما لا حياة لها إِلا بها، فافهم.[64]
ويقول الإِمام مالك بن أنس: مَنْ تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق[65].
ويقولون أنه كما حفظ علماء الظاهر حدود الشريعة، كذلك حفظ علماء التصوف آدابها وروحها، وكما أبيح لعلماء الظاهر الاجتهاد في استنباط الأدلة واستخراج الحدود والفروع، والحكم بالتحليل والتحريم على ما لم يَرِدْ فيه نص، فكذلك لعلماء الصوفية أن يستنبطوا آداباً ومناهج لتربية المريدين وتهذيب السالكين.
وحدة الوجود والحلول والاتحاد

إِن من أهم ما ينتقد به المعارضون للصوفية اتهامهم بأنهم يقولون بالحلول والاتحاد، بمعنى أن الله قد حلَّ في جميع أجزاء الكون؛ في البحار والجبال والصخور والأشجار والإِنسان والحيوان، أو بمعنى أن المخلوق عين تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ويرى الصوفية أنه لاشك أن هذا القول كفر صريح يخالف عقائد الأمة الإسلامية. فالصوفية ينفون هذه التهمة عن أنفسهم جملة وتفصيلا، ويحذرون من أن يرميهم أحد بهذه العقيدة الكفرية جزافاً دون تمحيص أو تثبت، ومن غير أن يفهم مرادهم، ويطلع على عقائدهم الحقة التي ذكروها صريحة واضحة في أُمهات كتبهم، كالفتوحات المكية، وإِحياء علوم الدين، والرسالة القشيرية وغيرها.
صريح أقوالهم في رفضهم لعقيدة وحدة الوجود والحلول والاتحاد

صرح أئمة الصوفية في كتبهم برفضهم لعقيدة وحدة الوجود والحلول والاتحاد بالمعنى السابق ذكره، والتي منها: [LIST][*]يقول الشعراني : ولعمري إِذا كان عُبَّاد الأوثان لم يتجرؤوا على أن يجعلوا آلهتهم عين الله؛ بل قالوا: ما نعبدهم إِلا ليقربونا إِلى الله زلفى، فكيف يُظَن بأولياء الله تعالى أنهم يدَّعون الاتحاد بالحق على حدٌّ ما تتعقله العقول الضعيفة؟! هذا كالمحال في حقهم رضي الله تعالى عنهم، إِذ ما مِن وليٌّ إِلا وهو يعلم أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق، وأنها خارجة عن جميع معلومات الخلائق، لأن الله بكل شيء محيط[66].[*]قال الشيخ محي الدين بن عربيفي عقيدته الوسطى: اعلم أن الله تعالى واحد بالإِجماع، ومقام الواحد يتعالى أن يحل فيه شيء، أو يحل هو في شيء، أو يتحد في شيء[67].[*]وقال في باب الأسرار: لا يجوز لعارف أن يقول: أنا الله، ولو بلغ أقصى درجات القرب، وحاشا العارف من هذا القول حاشاه، إِنما يقول: أنا العبد الذليل في المسير والمقيل[68].[*]وقال في باب الأسرار: من قال بالحلول فهو معلول، فإِن القول بالحلول مرض لا يزول، وما قال بالاتحاد إِلا أهل الإِلحاد، كما أن القائل بالحلول من أهل الجهل والفضول[68].[*]وقال أيضاً في الباب الثاني والتسعين ومائتين: من أعظم دليل على نفي الحلول والاتحاد الذي يتوهمه بعضهم، أن تعلم عقلاً أن القمر ليس فيه من نور الشمس شيء، وأن الشمس ما انتقلت إِليه بذاتها، وإِنما كان القمر محلاً لها، فكذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه[69].[*]قال صاحب كتاب نهج الرشاد في الرد على أهل الوحدة والحلول والاتحاد: حدثني الشيخ كمال الدين المراغي قال: اجتمعتُ، بالشيخ أبي العباس المرسي - تلميذ الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي - وفاوضْته في هؤلاء الاتحادية، فوجدته شديد الإِنكار عليهم، والنهي عن طريقهم، وقال: أتكون الصنعة هي عين الصانع؟![70].[*]قال أبو حامد الغزالي: وأما القسم الرابع وهو الاتحاد فذلك أيضا أظهر بطلانا لأن قول القائل إن العبد صار هو الرب كلام متناقض في نفسه، بل ينبغي أن ينزه الرب سبحانه وتعالى عن أن يجري اللسان في حقه بأمثال هذه المحالات...فالاتحاد بين شيئين مطلقا محال...فأصل الاتحاد إذا باطل... وأما القسم الخامس وهو الحلول فذلك يتصور أن يقال إن الرب تبارك وتعالى حل في العبد أو العبد حل في الرب، تعالى رب الأرباب عن قول الظالمين[71].[/LIST]تأويلهم لأقوال أوهمت وحدة الوجود أو الحلول أو الاتحاد

وأما ما ورد من كلام الصوفية في كتبهم مما يفيد ظاهره الحلول والاتحاد، فيقولون أنه إما مدسوس عليهم، بدليل ما سبق من صريح كلامهم في نفي هذه العقيدة الضالة. وإِما أنهم لم يقصدوا به القول بهذه الفكرة الخبيثة والنحلة الدخيلة، ولكن المغرضين حملوا المتشابه من كلامهم على هذا الفهم الخاطئ، ورموهم بالزندقة والكفر. أما الراسخون في العلم والمدققون المنصفون من العلماء فقد فهموا كلامهم على معناه الصحيح الموافق لعقيدة أهل السنة والجماعة، وأدركوا تأويله بما يناسب ما عرف عن الصوفية من إِيمان وتقوى. [LIST][*]قال جلال الدين السيوطي : واعلم أنه وقع في عبارة بعض المحققين لفظ الاتحاد، إِشارة منهم إِلى حقيقة التوحيد، فإِن الاتحاد عندهم هو المبالغة في التوحيد. والتوحيد معرفة الواحد والأحد، فاشتبه ذلك على من لا يفهم إِشاراتهِم، فحملوه على غير محمله؛ فغلطوا وهلكوا بذلك.. إِلى أن قال: فإِذن أصل الاتحاد باطل محال، مردود شرعاً وعقلاً وعرفاً بإِجماع الأنبياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين، وليس هذا مذهب الصوفية، وإِنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله تعالى، فشابهوا بهذا القولِ النصارى الذين قالوا في عيسى : اتَّحَد ناسوتُهُ بلاهوتِهِ. وأما مَنْ بالعناية، فإِنهم لم يعتقدوا اتحاداً ولا حلولاً، وإِن وقع منهم لفظ الاتحاد فإِنما يريدون به محو أنفسهم، وإِثبات الحق سبحانه[70].[*]وقال: وقد يُذْكَر الاتحاد بمعنى فناء المخالفات، وبقاء الموافقات، وفناء حظوظ النفس من الدنيا، وبقاء الرغبة في الآخرة، وفناء الأوصاف الذميمة، وبقاء الأوصاف الحميدة، وفناء الشك، وبقاء اليقين، وفناء الغفلة وبقاء الذكر[72].[*]وقال: وأما قول أبي يزيد البسطامي: (سبحاني، ما أعظم شأني) فهو في معرض الحكاية عن الله، وكذلك قول من قال: (أنا الحق) محمول على الحكاية، ولا يُظَنُّ بهؤلاء العارفين الحلول والاتحاد، لأن ذلك غير مظنون بعاقل، فضلاً عن المتميزين بخصوص المكاشفات واليقين والمشاهدات. ولا يُظَنُّ بالعقلاء المتميزين على أهل زمانهم بالعلم الراجح والعمل الصالح والمجاهدة وحفظ حدود الشرع الغلطُ بالحلول والاتحاد، كما غلط النصارى في ظنهم ذلك في حق عيسى. وإِنما حدث ذلك في الإِسلام من واقعاتِ جهلةِ المتصوفة، وأما العلماء العارفون المحققون فحاشاهم من ذلك.. إِلى أن قال: والحاصل أن لفظ الاتحاد مشترك، فيطلق على المعنى المذموم الذي هو أخو الحلول، وهو كفر. ويطلق على مقام الفناء اصطلاحاً اصطلح عليه الصوفية، ولا مشاحة في الاصطلاح، إِذ لا يمنع أحد من استعمال لفظ في معنى صحيح، لا محذور فيه شرعاً، ولو كان ذلك ممنوعاً لم يجز لأحد أن يتفوه بلفظ الاتحاد، وأنت تقول: بيني وبين صاحبي زيد اتحاد. وكم استعمل المحدِّثون والفقهاء والنحاة وغيرهم لفظ الاتحاد في معان حديثية وفقهية ونحوية. كقول المحدِّثين: اتحد مخرج الحديث. وقول الفقهاء: اتحد نوع الماشية. وقول النحاة: اتحد العامل لفظاً أو معنى. وحيث وقع لفظ الاتحاد من محققي الصوفية، فإِنما يريدون به معنى الفناء الذي هو محو النفس، وإِثبات الأمر كله لله سبحانه، لا ذلك المعنى المذموم الذي يقشعر له الجلد[70].[*]نقل الشعراني عن الشيخ علي بن وفا قوله: المراد بالاتحاد حيث جاء في كلام القوم فناء العبد في مراد الحق تعالى، كما يقال: بين فلان وفلان اتحاد، إِذا عمل كل منهما بمراد صاحبه [73].[*]قال الشيخ ابن القيم في كتابه مدارج السالكين شرح منازل السائرين: الدرجة الثالثة من درجات الفناء: فناء خواص الأولياء وأئمة المقربين، وهو الفناء عن إِرادة السوى، شائماً برق الفناءِ عن إِرادة ما سواه، سالكاً سبيل الجمع على ما يحبه ويرضاه، فانياً بمراد محبوبه منه، عن مراده هو من محبوبه، فضلاً عن إِرادة غيره، قد اتحد مراده بمراد محبوبه، أعني المراد الديني الأمري، لا المراد الكوني القدري، فصار المرادان واحداً.. ثم قال: وليس في العقل اتحاد صحيح إِلا هذا، والاتحاد في العلم والخبر. فيكون المرادان والمعلومان والمذكوران واحداً مع تباين الإِرادتين والعلمين والخبرين، فغاية المحبة اتحاد مراد المحب بمراد المحبوب، وفناء إِرادة المحب في مراد المحبوب. فهذا الاتحاد والفناء هو اتحاد خواص المحبين وفناؤهم؛ قد فَنَوْا بعبادة محبوبهم، عن عبادة ما سواه، وبحبه وخوفه ورجائه والتوكل عليه والاستعانة به والطلب منه عن حب ما سواه. ومَنْ تحقق بهذا الفناء لا يحب إِلا في الله، ولا يبغض إِلا فيه، ولا يوالي إِلا فيه، ولا يعادي إِلا فيه، ولا يعطي إِلا لله، ولا يمنع إِلا لله، ولا يرجو إِلا إِياه، ولا يستعين إِلا به، فيكون دينه كله ظاهراً وباطناً لله، ويكون الله ورسولهُ أحبَّ إِليه مما سواهما، فلا يوادُّ من حادَّ الله ورسوله ولو كان أقرب الخلق إِليه، وحقيقة ذلك فناؤه عن هوى نفسه، وحظوظها بمراضي ربه تعالى وحقوقه، والجامع لهذا كله تحقيق شهادة أن لا إِله إِلا الله علماً ومعرفة وعملاً وحالاً وقصداً، وحقيقة هذا النفي والإِثبات الذي تضمنتْهُ هذه الشهادة هو الفناء والبقاء، فيفنى عن تأله ما سواه علماً وإِقراراً وتعبداً، ويبقى بتألهه وحده، فهذا الفناء وهذا البقاء هو حقيقة التوحيد، الذي اتفقت عليه المرسلون صلوات الله عليهم، وأُنزلت به الكتب، وخلقت لأجله الخليقة، وشرعت له الشرائع، وقامت عليه سوق الجنة، وأسس عليه الخَلْق والأمر.. إِلى أن قال: وهذا الموضع مما غلط فيه كثير من أصحاب الإِرادة. والمعصوم من عصمه الله، وبالله المستعان والتوفيق والعصمة[74].[*]قال الشيخ ابن تيمية في تبرئة الصوفية من تهمة القول بالاتحاد، ومؤولا لكلامهم تأويلاً صحيحاً سليماً: ليس أحد من أهل المعرفة بالله، يعتقد حلول الرب تعالى به أو بغيره من المخلوقات، ولا اتحاده به، وإِن سُمع شيء من ذلك منقول عن بعض أكابر الشيوخ فكثير منه مكذوب، اختلقه الأفاكون من الاتحادية المباحية، الذين أضلهم الشيطان وألحقهم بالطائفة النصرانية[75].[*]وقال: وأما قول الشاعر في شعره: (أنا مَنْ أهوى، ومَنْ أهوى أنا) فهذا إِنما أراد به الشاعر الاتحاد المعنوي، كاتحاد أحد المحبّين بالآخر، الذي يحب أحدهما ما يحب الآخر، ويبغض ما يبغضه، ويقول مثل ما يقول، ويفعل مثل ما يفعل؛ وهذا تشابه وتماثل، لا اتحاد العين بالعين، إِذا كان قد استغرق في محبوبه، حتى فني به عن رؤية نفسه[76].[/LIST]يتبع...
__________________
رد مع اقتباس