عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2010-05-21, 07:44 PM
طالب عفو ربي طالب عفو ربي غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-02-28
المشاركات: 716
افتراضي إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ



﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ (‏ الأنعام‏:79)‏


هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في خواتيم النصف الأول من سورة الأنعام‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وتعتبر خامس أطول سور القرآن الكريم‏,‏ إذ يبلغ عدد آياتها مائة وخمسا وستين‏(165)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي الأنعام في أكثر من موضع‏,‏ ومن خصائصها أنها أنزلت كاملة دفعة واحدة‏,‏ ويدور المحور الرئيسي للسورة حول عدد من العقائد والتشريعات الإسلامية‏.‏
هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة الأنعام وما جاء فيها من ركائز العقيدة‏,‏ والتشريعات‏,‏ والقصص‏,‏ والإشارات الكونية‏,‏ ونركز هنا علي ومضة للإعجاز التاريخي والعلمي في الآية التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال‏.‏

من أوجه الإعجاز التاريخي والعلمي في الآية الكريمة:
أولا‏:‏ من أوجه الإعجاز التاريخي:-
هناك أكثر من أربعة عشرة موقفا وحدثا تاريخيا كبيرا في حياة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ الذي جاء ذكره أكثر من‏(63)‏ مرة في أربع وعشرين سورة من سور القرآن الكريم‏,‏ كما جاءت باسمه احدي هذه السور‏(‏ سورة إبراهيم‏)‏ وهي السورة الرابعة عشرة في المصحف الشريف‏.‏ بينما لم يرد من هذه الوقائع الكبرى شيء يذكر في صحف الأولين عدا بعض الإشارات الهامشية من تاريخ حياته الشخصية وبعض رحلاته‏.‏
وهذه المواقف والأحداث الكبرى في حياة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ يمكن إيجازها فيما يلي‏:‏
(1)‏ استنكار إبراهيم ـ عليه السلام ـ عبادة أبيه وقومه للأصنام وقيامه بتحطيم تلك الأصنام‏,‏ ومحاكمته علي ذلك‏,‏ والحكم عليه بالحرق حيا‏,‏ وتنجية الله ـ تعالي ـ له من النيران‏(‏ الأنبياء‏:51‏ ـ‏73,‏ الشعراء‏:69‏ ـ‏89,‏ الصافات‏:83‏ ـ‏113,‏ العنكبوت‏:16‏ ـ‏27).‏
(2)‏ واقعة تعرف إبراهيم علي خالقه من خلال التأمل في الكون‏(‏ الأنعام‏:74‏ ـ‏90).‏
(3)‏ واقعة الحوار بين إبراهيم ـ عليه السلام ـ وأبيه‏(‏ الأنعام‏:74‏ ـ‏87,‏ مريم‏:41‏ ـ‏50,‏ الأنبياء‏:51‏ ـ‏73,‏ الشعراء‏:69‏ ـ‏89).‏
(4)‏ إيتاء إبراهيم النبوة‏,‏ واستغفاره ـ عليه السلام ـ لأبيه‏...(‏ البقرة‏:124‏ ـ‏130,‏ آل عمران‏:33,...‏ فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه‏...‏ التوبة‏:114,‏ مريم‏:41‏ ـ‏48).‏
(5)‏ حوار إبراهيم ـ عليه السلام ـ مع الملك الكافر مدعي الربوبية‏(‏ البقرة‏:258).
(6)‏ طلب إبراهيم من ربه أن يريه كيف يحيي الموتي‏(‏ البقرة‏:260).‏
(7)‏ إيمان لوط لإبراهيم وهجرته معه إلي أرض فلسطين‏(‏ العنكبوت‏:26,‏ الأنبياء‏:71).‏
(8)‏ أمر الله ـ سبحانه وتعالي ـ إلي عبده ونبيه سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ بوضع زوجه السيدة هاجر ـ عليها رضوان الله ـ ورضيعها إسماعيل ـ عليه السلام ـ عند مكان البيت‏(‏ إبراهيم‏:35‏ ـ‏41).‏
(9)‏ استجابة الله ـ سبحانه وتعالي ـ لدعوة عبده ونبيه إبراهيم ـ عليه السلام ـ بجعل أفئدة من الناس تهوي إلي منطقة البيت حيث وضع زوجه ورضيعها‏(‏ إبراهيم‏:37).‏
(10)‏ زيارة عدد من الملائكة في هيئة البشر نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ مبشرة إياه وزوجه‏(‏ سارة‏)‏ بغلام‏(‏ علي كبر‏)‏ هو إسحاق وتخبره عن إهلاك قوم لوط‏(‏ هود‏:69‏ ـ‏76,‏ الحجر‏:51‏ ـ‏58,‏ الذاريات‏:24‏ ـ‏34).‏
(11)‏ أمر الله ـ تعالي ـ لعبده ونبيه إبراهيم أن يذبح ابنه إسماعيل‏,‏ ثم فداء الله ـ تعالي ـ له‏(‏ الصافات‏:102‏ ـ‏107).‏
(12)‏ أمر الله ـ تعالي ـ إلي كل من نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل ـ عليهما السلام ـ برفع قواعد البيت الحرام في مكة المكرمة‏(‏ البقرة‏:127,‏ الحج‏:26).‏
(13)‏ الأمر من الله ـ سبحانه وتعالي ـ إلي عبده إبراهيم ـ عليه السلام ـ أن يؤذن في الناس بالحج‏(‏ الحج‏:26‏ ـ‏29).‏
(14)‏ ثناء الله ـ تعالي ـ علي عبده ونبيه إبراهيم ـ عليه السلام ـ مع التأكيد علي وحدة رسالة السماء وعلي الأخوة بين الأنبياء جميعا‏(‏ آل عمران‏:84,‏ النساء‏:163,‏ النحل‏:120‏ ـ‏123,‏ مريم‏:58).‏
وورود هذه الوقائع بتفاصيلها‏,‏ ووجود الأدلة المادية علي عدد منها‏(‏ وذلك من مثل قيام بناء الكعبة المشرفة إلي اليوم‏,‏ ووجود كل من الحجر الأسود‏,‏ ومقام إبراهيم‏,‏ وحجر إسماعيل‏,‏ وبئر زمزم‏,‏ ومجر الكبش‏,‏ ورجوم الشيطان‏,‏ ومسجد الخيف بمني‏,‏ والمشعر الحرام بالمزدلفة‏,‏ ومشهد الطير في مزارع شبعا‏,‏ وغيرها من الآثار الباقية‏)‏ مما يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ لأن أيا من كتب الأولين أو كتب التاريخ القديم لم يدون شيئا من ذلك كله‏.‏

ثانيا‏:‏ من أوجه الإعجاز العلمي:-
يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في سورة الأنعام‏:‏ ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى القَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ ﴾ ‏(‏ الأنعام‏:75‏ ـ‏79).‏

ومن أوجه الإعجاز العلمي في هذه الآيات الخمس ما يلي‏:‏-
‏(1)‏ التمييز الدقيق بين كل من الكوكب‏,‏ والقمر‏,‏ والشمس‏,‏ في زمن لم يكن لأحد من المخلوقين القدرة علي هذا التمييز‏,‏ خاصة في صحراء جزيرة العرب‏,‏ وكانت غالبية أهلها من الأميين‏.‏
(2)‏ التأكيد علي أن أفول‏(‏ أي‏:‏ غياب‏)‏ أي جرم سماوي هو دليل علي حدوثه‏,‏ وعلي تسخيره‏,‏ ومن ثم فهو دليل علي نفي إمكان أن يكون مؤلها كما فعل الضالون من قوم إبراهيم ـ عليه السلام ـ ومن قبل زمانه ومن بعده‏,‏ وهذا استنتاج علمي رصين‏,‏ وذلك لأن حدوث الكون يحتم فناءه‏,‏ كما يؤكد حدوث جميع المخلوقات وحتمية فنائها‏,‏ والحادث الفاني محتاج إلي خالق أزلي باق فوق جميع خلقه‏(‏ أي‏:‏ فوق كل من المكان والزمان والمادة والطاقة والجمادات‏,‏ والأحياء‏,‏ والإنسان‏,‏ والملائكة‏,‏ والجن‏)‏ حتى يكون مغايرا لخلقه مغايرة كاملة‏.‏
(3)‏ الإشارة إلي أن الله ـ تعالي ـ هو خالق الخلق‏,‏ ومبدع الوجود علي غير مثال سابق لأنه هو‏(‏ الذي فطر السموات والأرض‏)‏ والعلوم المكتسبة تحتم وجود مرجعية عليا للكون الذي نعيش فيه‏,‏ وتعترف بضرورة مغايرة صفات تلك المرجعية لكل صفات المخلوقين فرادي ومجتمعين‏.‏
(4)‏ إعطاء النموذج العلمي للتعرف علي الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ من خلال التأمل في بديع خلقه من مثل السموات والأرض‏.‏ وذلك لأن الإبداع في الخلق هو من أوضح الأدلة علي الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ فالكون بكل ما فيه من موجودات‏,‏ وحركة منضبطة لا يمكن لعاقل أن يتصور إمكانية وجودها بمحض الصدفة أو لغير حكمة‏,‏ أو أن كل موجود قد أوجد ذاته بنفسه‏,‏ بل لابد له من موجد عظيم له من صفات الألوهية‏,‏ والربوبية‏,‏ والوحدانية‏,‏ والخالقية ما مكنه من إبداع ذلك كله‏.‏
(5)‏ الإشارة إلي أن الإيمان بالله ـ تعالي ـ مزروع في الفطرة السليمة‏(‏ الجبلة الإنسانية‏),‏ وأن الإنسان محتاج إلي إيقاظ تلك الفطرة بالتأمل في خلق الله ـ تعالي ـ‏,‏ وبالاستماع إلي وحي السماء‏,‏ مادامت الفطرة لم تفسد باغواء الشيطان أو بانحرافات الإنسان وفساد تصوراته‏.‏ لأنه كلما بقيت فطرة الإنسان سليمة استطاعت أن تستشف دلائل الإيمان بالإله الواحد الأحد‏,‏ الفرد الصمد‏,‏ المنزه في أسمائه‏,‏ وصفاته‏,‏ وأفعاله عن جميع خلقه من تأمل الإنسان في إتقان خلقه هو‏,‏ وفي إحكام خلق الكون الفسيح من حوله‏.‏
(6)‏ أن الشرك بالله ـ تعالي ـ من نقائض الإيمان به‏,‏ ومن القصور في فهم مدلول الألوهية بمعني معرفة الله ـ تعالي ـ‏,‏ والإيمان به‏,‏ وعبادته بما أمر‏,‏ خاصة أن المتأمل في الكون يري وحدة البناء التي تشمله في ثنائية ظاهرة‏(‏ من اللبنات الأولية للمادة إلي الإنسان‏)‏ مما يشهد لخالقه بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏.‏
(7)‏ أن الوحي المنزل في القرآن الكريم بالدروس المستفادة من قصة نبي الله وعبده إبراهيم ـ عليه السلام ـ يشير إلي ضرورة النظر في الكون للتعرف علي شيء من بديع صنع الله فيه‏,‏ تأكيدا للإيمان بالخالق العظيم عن طريق الإدراك الحسي والوعي الملموس‏,‏ وهو دعم للإيمان الفطري الذي غرسه الله ـ تعالي ـ في جبلة كل مخلوق‏,‏ ثم علمه لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ لحظة خلقه وأنزله علي سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين‏,‏ وأكمله‏,‏ وأتمه‏,‏ وحفظه في القرآن الكريم وفي سنة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏),‏ ولو قام كل إنسان عاقل بعملية التأمل الواعي في ذاته وفي الكون من حول وبقية الكائنات ما بقي علي وجه الأرض كافر أو مشرك‏,‏ أو متردد في اعتقاده أو متشكك في الإيمان بالله‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏
هذه هي بعض جوانب الإعجاز العلمي والتاريخي فيما أورده القرآن الكريم عن عبد من عباد الله هو إبراهيم ـ عليه السلام ـ الذي نشأ في بيئة وثنية تعبد الأصنام والأوثان كما تعبد النجوم والكواكب‏,‏ وتعبد ملوكها من دون الله ـ سبحانه وتعالي ـ‏,‏ وتعرض الآيات لموقف الفطرة السليمة عند إبراهيم ـ عليه السلام ـ حين وقف متأملا في الكون من حوله‏,‏ فعرف ربه من خلال التعرف علي بديع صنعه في خلق الكون من حوله‏,‏ فاصطفاه الله ـ تعالي ـ وجعله نبيا رسولا‏.‏
وكل من الوقائع التاريخية والحقائق العلمية التي جاءت في الآيات‏(75‏ ـ‏79)‏ من سورة الأنعام تشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون قد استعار شيئا من كتب السابقين‏,‏ وأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق‏,‏ الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وحفظه بعهده‏,‏ الذي قطعه علي ذاته العلية‏,‏ في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏),‏ وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتى يبقي القرآن الكريم حجة الله البالغة علي جميع خلقه إلي يوم الدين‏..‏ فالحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمي




رد مع اقتباس